Sunday, June 17, 2012
الصراع من أجل التغيير في مصر...
السبت 16 حزيران
2012
السلام عليكم ..
أنا آسفه لقلة
كتاباتي على البلوغ , لأنني مشغوله في دراستي للماستر في القاهره .
أعيش في مصر منذ
حوالي السنه والنصف ( قبل الثورة بشهرين ) وأريد ان أسجل ملاحظاتي عما رأيته في
الشارع المصري.
في البدايه عندما
ذهبت لمصر كانت لي صدمة ان أرى الشوارع المكتظه بالسيارت الخاصه الصغيرة بدل
المواصلات العامه الكافيه , وايضا الشوارع مليئه بالتراب والقمامه. ورأيت أيضا
مناطق فقيرة مزدحمه تتوزع حول القاهره يسمونها العشوائيات , ورأيت الفقر والبطاله
خصوصا بين الشباب, وتساءلت كثيرا خلال نقاشاتي مع المصريين الذين كنت اقابلهم :
لماذا لم تتطور البلاد , لماذا لم يتحسن الاقتصاد ؟ مصر وقعت اتفاقية سلام مع
اسرائيل منذ عهد الرئيس السادات في 1977, وكانت الوعود من اميركا والرئيس السادات خاصة , ان مصر ستتفرغ للبناء
والتقدم بدل خوض الحروب والاستنزاف . العراق بقي منشغلا بالحروب منذ 1980 مع ايران اولا لمدة ثمان سنين , ثم الحرب على
الكويت ثم الحصار لمدة ثلاث عشرة سنه ثم الاحتلال الامريكي المباشر سنة 2003 , وكل
هذه المشاكل المستمرة أدت الى استنزاف طاقات البلاد ومورادها وتدهور كل قطاعات
الحياة فيها كالصحه والتعليم والبنيه التحتيه بالاضافه الى تدهور الحريات السياسية
وحقوق الانسان.
مصر عاشت بعيده عن
الحروب والاستنزاف منذ اكثر من ثلاثين سنه , فلماذا لم تتقدم ولم يتحسن الاقتصاد
ولم تنقص معدلات الفقر والبطاله ولم يتقدم نظام التعليم والصحه ؟ هذه كانت أسئلتي , وكانت الاجوبه عادة من
المصريين : انه الفساد والسرقات ونهب المال العام الذي تمارسه الدوله ضد الشعب .
وحين بدأت
المظاهرات في شوارع القاهره يوم 25 يناير , كنت اظنها ستنتهي بعد يومين او ثلاثه ,
لكنها استمرت واسقطت رأس النظام وكانت تجربة مدهشه فعلا لم نصدقها في البدايه ,
لكننا جميعا عشناها سواء الذين يعيشون داخل مصر او الذين يتابعون عن بعد , كل
الشعب العربي كان فرحا ومناصرا لهذه الثورة , وكأنها البوابه الذهبيه لتحقيق احلام
الشعوب المظلومه والمغلوبه على امرها منذ عشرات السنين , شعوبنا تحلم بالتغيير
لكنها تراه حلما بعيد المنال لأسباب عديده.
تابعت كل
التغييرات التي حصلت في البلاد , لم تحدث تغييرات على أرض الواقع من تنظيف للشوارع
او تخفيف للزدحام او تحسين للاقتصاد او توفير فرص العمل , لم يتحسن أي شيء بحجة
انتظار كتابة دستور وانتخاب برلمان ورئيس جديد , بقى كل شي معلقا والناس تنتظر
لترى النتائج على الارض.
بداية هذه السنه ذهب الشعب للمشاركه في الانتخابات البرلمانيه , وفازت
احزاب اسلاميه باكثرية المقاعد , وهذا طبيعي جدا في مصر, لان هذه الاحزاب كانت هي
القوى السياسية المعارضه منذ الخمسينيات من القرن الماضي, ولها تاريخ طيب ومقبول
مع الشعب المصري, أنشات مؤسسات وجمعيات لمساعدة الفقراء في التعليم والصحه وتمويل
مشاريع تجاريه صغيرة لملايين المصريين . وطبعا هذه الاحزاب قدمت تضحيات اخرى حيث
اعتقل وقتل الالاف منهم في سجون الحكومات المصريه السابقه جميعها . والان جاء دورهم
بعد الثورة للتحرك علانية وبطريقة شرعية
لاول مرة في تاريخهم . ومن المنطقي جدا ان تفوز هذه الاحزاب بالنسبة العاليه
من الاصوات في انتخابات البرلمان واعتقد
ان نسبة الناخبين الفقراء هي الاعلى ثم تاتي نسبة الناخبين من الطبقه المتوسطه .
لا أعرف بالضبط
كيف دخلت الفتنه للبلاد واشتعلت بنار التناحر بين الاحزاب العلمانيه والاحزاب
الاسلاميه. ولكنني متأكده أن وسائل الاعلام المحليه لعبت دورا خبيثا وزرعت بذور
الفتنه والشك بين طوائف الشعب وجميع فئاته بحجة الديمقراطيه وحرية التعبير,لعبت
اولا على وتر المسلمين والاقباط ثم لعبت على وتر الاسلاميين والعلمانيين .الاحزاب العلمانيه فازت بنسبة مقاعد متواضعه في
البرلمان , وجن جنونها , شنت حملات تشويه ضد الاسلاميين على قنوات التلفزيون
والانترنت والفيس بوك والصحف والمجلات المصريه , وايضا توضح تماما انزعاج اميركا
واسرائيل وكثير من قيادات الدول العربيه
التي تلف في فلك امريكا مثل دول الخليج ( للأسف هذه دول تَدعي حكومتها انها
اسلاميه لكنها تبغض الاحزاب الاسلاميه في مصر وتفضل نظام مبارك عليها, فيتوضح
تفسير الموقف انها تتبع مصالح سياسية أكثر منها مصالح للدفاع عن الدين الاسلامي )
وطبعا هذا الخطاب واضح في قنوات تمولها دول الخليج التابعه للفلك الامريكي مثل
قناة الجزيرة وقناة العربيه .
دخلت مصر في حلقة
مفرغه من العنف والمصادمات ولا أحد يعلم من يفعل هذا ؟ يسقط كل يوم شهداء نتيجة المصادمات مع الجيش والشرطه , ثم
تتبرأ قيادات الجيش والشرطه مما يحدث وتتهم طرفا ثالثا مجهولا بأنه هو الذي يريد
أن يفسد العلاقه بين الجيش والشعب, وأن الجيش لا يطمح لاستلام السلطه انما ينتظر
انتهاء انتخابات مجلس الشعب ورئيس الجمهوريه وانتخاب لجنة لكتابة الدستور ثم ينسحب
للثكنات العسكريه.
وانقسم الناس بين
موال للجيش او ساخط على الجيش. بين موال للاحزاب الاسلاميه او ساخط عليها . بين
موال للاحزاب الليبراليه او ساخط عليها. وهكذا زادت الخلافات وضعفت كل الاطراف في
الساحه, كل طرف له مؤيدين يتناحرون مع طرف آخر. ثم جاءت الانتخابات الرئاسيه . لم
يكن ثمة تنسيق بين أي فئتين أبدا. الاخوان اعلنوا مرشحهم , القوميون اعلنوا مرشحهم , اليساريون اعلنوا مرشحهم , بقايا النظام
السابق اعلنوا مرشحهم , بالاضافه الى مرشحين اخرين نزلوا كأفراد بدون مساندة حزب معين لهم.
وطبعا حدثت
المفاجاة الكبيرة بعد اعلان نتائج المرشحين للرئاسه . مرشح الاخوان اخذ أعلى
الاصوات ومرشح النظام السابق جاء بعده مباشرة , وباقي المرشحين القوميين او اليساريين
او المستقلين , حصدوا اصواتا جيده لكنها ليست بمستوى ان يكونوا في
المرتبه الاولى او الثانيه . تبين تماما الغباء في التحالفات , وكيف استغل مرشح
النظام السابق الفجوة في توزيع الاصوات بين عدة مرشحين ليسوا من الدرجه الاولى فقفز
هو للمرتبه الثانيه , يعني لو اتفق الاسلاميون والقوميون واليساريون والمستقلون
على مرشح واحد لكان فاز هذا الشخص بفارق
كبير بينه وبين مرشح النظام السابق, وهكذا تقرر جولة الاعادة للانتخابات بين مرشح
الاخوان ومرشح النظام السابق. هذه النتيجه كانت صدمه للكثير من المصريين وغير
المصريين الذين أيًدوا الثورة , لكن
النتيجه جاءت محبطه , وأنا اقول ان هذه نتيجه منطقيه للصراعات الغبيه والانانيه التي طغت على الاحزاب السياسيه
في مصر, لم يضعوا انقاذ مصر أولويه لهم , بل كسب مقاعد في السلطه هي الاولويه ,
وهذه هي النتيجه المنطقيه لهذا التناحر الاعمى .
قبل يومين جاء حكم المحكمه الدستوريه ببطلان انتخابات ثلث
البرلمان المصري, وبذلك يمكن حل البرلمان كله واعادة السلطه التشريعيه بيد الجيش ,
وهذه ضربة قوية للثورة وبرلمان الثورة . وهكذا رجعت مصر للمربع الاول , المربع حيث
كانت قبل الثورة ...
الثورة في مصر واجهت عدة صدمات خلال الاسابيع الماضيه :
1.
حكم المحكمه ببراءة اولاد مبارك من التهم
الموجهه اليهم بالفساد
2.
حكم البراءه للمسؤولين في وزارة الداخليه السابقه من قتل المتظاهرين
3.
ظهور مرشح النظام السابق كمنافس في المرتبه
الثانيه في انتخابات الرئاسه
4.
المحكمه الدستوريه حلت ثلث البرلمان المصري
المنتخب بداية هذا العام وعاد الجيش للظهور كقوة حاكمه مطلقه
هذه الضربات سببت
صدمه في الشارع المصري وأربكت الناس , وبدا واضحا ان القوى المضاده للثورة تعمل
بقوة من خلال مؤسسات الدوله الشرعيه ...
انتخابات الرئيس
ستجري في هذين اليومين , وسنرى النتائج , لكن مازال الموقف مقلقا , فواضح جدا ان
التيار المعادي للثورة عاد بقوة للساحه السياسيه سواء بدعم داخلي او خارجي , وهذا
شيء مثير للحزن حقا ,فبعد كل هذه التضحيات ترجع مصر للمربع القديم ؟
شعوبنا كلها تريد
التغيير , لكن من الواضح خلال تجربة مصر , ان التيار المعاكس موجود في اوطاننا وهو
تيار قوي ويمتلك أدوات مثل الجيش والشرطه والاسلحه
وميزانية الدوله كلها بيده , ولغرض ازاحته
نحتاج الى ثورة مستمره ضده , وصراعات قوية
وطويلة الامد , حتى يتم طرده من موقع القرار , وسيادة رغبة شعوبنا لبناء دول مبنيه على أسس مثل الحريه والعداله والحياة
الآمنه المستقرة والكريمه ..
مامعنى ان نعمل
ثورة ونقدم التضحيات ثم يرجع الدكتاتور او من يشابهه ليحكم البلاد ؟
في العراق مثلا
جاء الاحتلال الامريكي بحجة اسقاط حكم الدكتاتور صدام حسين , لكن الاحتلال شجع على
أقامة دولة مبنيه على صراعات اثنيه
وطائفيه بغيضه , دوله تحكمها أحزاب طائفيه وعرقيه لا يهمها سوى مصالحها الضيقه ,
والشعب العراقي يدور في متاهات الظلم والفقر والجوع والتخلف والاستبداد السياسي
مرة اخرى ..
في اليمن انتهت
الثورة وتدخلت اميركا ووضعت قائدا مؤقتا للبلاد لا يختلف كثيرا عن سابقه ..
في ليبيا ما زال
الوضع قلقا وغامضا ولا دليل ان البلاد تمر بوضع مستقر ولها دستور واضح ومستقبل
مشرق ...
هذه الثورات
العربيه أنا لا أسميها الربيع العربي, بل أسميها الغضب العربي , ويبدو انها لن تسفر
عن نتائج ممتازه حاليا , لكني اظنها ستكون بداية لغضب
عربي مستمر حتى يحدث التغيير الحقيقي الذي تحلم به شعوبنا ...