Friday, March 22, 2013

 

بين السياسات العامه وبين الغزو الثقافي في اوطاننا ...

 
 
الجمعه 22 آذار  2013   
السلام عليكم
هذا الفصل أدرس مادتين ممتعتين , واحده اسمها تقييم سياسات حكوميه
Public policy analysis
 والمادة الثانيه عن حكومات تركز عملها على خدمة المواطن
Citizen –centered government
الماده الاولى ممتعه جدا , وهي تشرح خطوت عملية صنع القرار ولماذا هي بطيئه ؟ وما هي انواع منظومات اتخاذ القرار  المألوفه في دول  العالم .
والماده الثانيه تتكلم عن تحسين مستوى الاداء الحكومي من خلال  تطبيقات مثل اللامركزيه , الشفافيه , محاربة الفساد , وتفعيل دور الرقابه والمحاسبه في  مؤسسات الحكومه من أجل تطوير عملها وانتاجيتها ورفع مستوى الخدمات التي تقدمها لمواطنيها.
هذه المواضيع  صارت حيويه الآن لكل الناس  هنا وهناك, سواء في دول غربيه او دول شرقيه  في طور التقدم والنمو والاصلاح .
وكلما تقدمنا في الدراسه اكثر كلما زاد عجبي مما يحدث في اوطاننا . دائما يقفز في رأسي السؤال : ما هي مرجعية القيم التي يستعملها  صانع القرار في اوطاننا ؟ هل هي قيم تتعلق بثقافتنا وحضارتنا او هي قيم مستورده او مفروضه علينا من الخارج ؟
وبدأت أرى ان من اهم اسباب انهيار القيم في مجتمعاتنا العربيه  هو هذه التبعيه السياسيه للغرب. ففي دول الخليج مثلا , يوجد رجال دين ودعاة كثيرون وهم يعملون بتواصل مستمر من أجل بث روح التمسك بالقيم الاسلاميه  وتنوير الشباب بروح الاسلام وقيم الاسلام , لكنني أرى ان جهودهم لن تثمر كثيرا ما دام ثمة ثقوب موجوده في منظومة المجتمع . هذه الثقوب تسببها مثلا وسائل الاعلام التي تبث الافلام والمسلسلات التي فيها تسويق لنمط الحياة الغربيه والتي تظهره كأنه مصدر سعاده مطلقه للانسان مع ان الناس في الغرب ليسوا دائما سعداء في حياتهم , فهنالك مشاكل ومصاعب تواجه الناس جميعا . الحياة ليست سهله وليست مريحه وسعيده كما تبدو في الافلام والمسلسلات . الناس هناك ايضا متعبون وهم يركضون من اجل الحصول على  فرصة عمل  وراتب جيد و تسديد التزامات ماليه لا تنتهي  والمجتمع هناك تسوده ثقافة التنافس وهذه ثاقفة مخيفه وتسبب القلق للناس عامة  لانها تشعرهم انهم مهددون بفقد عملهم في أي لحظه . الشباب ينفصلون عن اهلهم في معظم الاحيان ويعيشون لوحدهم ويتحملون تكاليف الحياة الثقيله مثل تسديد اقساط الدراسه الجامعيه والبحث عن عمل وتغطية مصاريف التأمينات الصحيه وفواتير الخدمات وغيرها . هذا ليس بالامر السهل او المسلي . لكن تلك هي ثقافة البلدان الغربيه . وايضا من ضمن منظومة الثقافه الولد والبنت يتحررون من سلطة العائله . تلك هي منظومه متكامله لها حسناتها ولها سيئاتها .
نحن في أوطاننا ايضا نملك منظومة متكامله ولكنها مختلفه . عندنا الولد والبنت يبقون في بيت العائله حتى يكملون دراستهم الجامعيه ويتزوجون ويعيشون في بيوت منفصله  لكنهم يبقون على تواصل مستمر  مع العائله  بحيث يكون هذا من أسباب استقراهم النفسي والعاطفي ( طبعا في بعض الاحيان العلاقة مع الاهل تنقلب الى كابوس اذا لم تكن فيها ضوابط وحدود حيث  انه قد يتدخل الاهل في كل شي وينغصون حياة ابناءهم ).
ثقافة أي مجتمع هي مجموعة  من عناصر كثيرة قد تكون اللغه , الدين , الملابس , الطعام , الموسيقى والفنون , العادات والتقاليد, وغيرها ربما اشياء اخرى . وهذه الثقافه هي جزء من حضارة الأمة وجزء من هويتها . ومن حسنات العولمه انها تفتح ابواب التعارف بين مختلف الحضارات والثقافات لكنها لا تعنى بالضرورة ذوبان الحضارات والثقافات لصالح حضارة اخرى محددة.
لكن الذي يحدث عادة وللاسف ان أي انهيار سياسي سيتبعه انهيار اجتماعي واخلاقي  يمس منظومة الثقافه في البلدان المنكسرة سياسيا . يعني في العراق  مثلا  انهارت اجزاء كثيرة من المنظومه الثقافيه والاجتماعيه بسبب الحروب  والحصار لكن الانهيار الاكبر حدث بعد الاحتلال لأن عنصر خارجي  غربي دخل وبدأ يؤثر مباشرة  سياسيا  وثقافيا , وبالتالي لا يمكن ضبط السيطره على دخول ثقافته على العراقيين .بينما في أوطان عربيه اخرى لم تشهد حروبا ولا نزاعات ولا احتلالات لكن منظومتها الثقافيه ايضا اصبحت هشه وقابله للانهيار مقابل منظومه ثقافيه غربيه تتسلل عبر وسائل الاعلام .
 والحقيقه انها ليست عبر وسائل الاعلام فقط , فهذه هنا تظهر السياسه التي تتبناها الدوله وان لم تفصح بها علنا. هذه public policy
مثلا في السعوديه عندما ذهبت لمكه سنة 2008, رأيت ان المطاعم في المجمعات التجاريه حول الحرم المكي معظمها مطاعم غربيه , ومحلات الملابس النسائيه كأنها استوردت من اميركا كلها هكذا تماما كما هو المحل في اي ولايه امريكيه حتى قطعة السعر لكل قطعة ملابس مكتوبه باللغه الانكليزيه , والملابس امريكيه مئه بالمئه , قمصان نصف كم وشفافه ومفتوحه من الصدر فتحات واسعه وبنطلونات ضيقه وكل ماهو موجود بالضبط في أي محل ملابس نسائيه امريكي . وقفت وتعجبت وسألت البائع واتذكر انه كان مصريا , قلت له يا اخي من صاحب المحل ؟ قال غير موجود , قلت له والله عيب عليه ان يستورد هذه الملابس ويبيعها للنساء المسلمات , كيف يلبسنها ؟ قال مش مشكله يلبسونها تحت العباءه . قلت في نفسي  هي مش المشكله تحت العباءه او بدونها انما المشكله هو هذا الذوق المستورد كيف صار هو الذوق السائد بين النساء هنا ؟
بصراحة هذه ليست مسؤولية صاحب المحل وحده , هذه سياسات دوله . عندما تسمح الحكومه السعوديه بهذا النوع من الانفتاح فهي مدركة لما تفعل . وعندما تسمح بفتح وبث قنوات فضائيه يملكها امراء سعوديون وهي تروج للافلام والاغاني الغربيه والثقافه الغربيه مثل برامج اخبار نجوم السينما في هوليوود , زواج الفنانين  الذكور من الذكور, عمليات تجميل ممثلات السينما . مسلسلات تركيه مليئه بالحب والغرام والعلاقات اللاشرعيه حتى النساء المتزوجات في المسلسلات يخونن ازواجهن وكأن هذا شيء عادي. توجد منظومه منهارة من الاخلاق تتقدم في هذه المسلسلات والبرامج على طبق أنيق من الفضه والذهب والكريستال لشباب جاهل قليل التجربه في مجتمعات الخليج , والنتيجه هي طبعا انهيارات اخلاقيه مرعبه من جرائم ومخدرات وعلاقات غير شرعيه وزيادة معدلات الطلاق . المسلسلات فيها سيدات انيقات جميلات ورجال انيقون واثاث فخم ومناظر طبيعيه جميله وكل هذا طبعا يجذب الناس للمشاهده والتعلق والمتابعه .. ثم تقبل هذا العالم واستيعابه كأنه شيء طبيعي . ويبدو ايضا ان من يسيطر على صناعة المسلسلات في تركيا هم مجموعه من العلمانيين حيث هذه هي قيمهم وهذه هي افكارهم العظيمه التي ينشروها بكل صراحه .
وفي نفس الوقت تقوم  حكومات دول الخليج ببث فضائيات تتكلم عن الاسلام وتنشر قيم الاسلام من خلال برامج ومحاضرات عديده وواضح انه قد بذلت جهود كثيرة من أجل اعدادها وتقديمها.
لكني متعجبه من هذا الحال !
 هل تلك القنوات الخليعه التي تدمر قيم مجتمعاتنا هي معموله من اجل ارضاء الغرب حتى لا يقولوا عنا متخلفين ومنغلقين ؟
وهل بث  القنوات التي تبث القيم والمباديء الاسلاميه هي عمليه من اجل تبرئة  ذمتنا ونقول نحن متمسكين بالهويه وندافع عنها؟
يعني لا أرى من هذا سوى نفاق يثير الحزن على هذه القيادات السياسيه التي قبلت ان تبيع نفسها للشيطان , وتعرض مجتمعاتها للخراب والدمار من اجل ارضاء الغرب..
هذه التبعيه السياسيه للغرب لم تقتصر على العلاقات الخارجيه مع دول الجوار انما وصلت لتتدخل في تفاصيل الحياة الاجتماعيه لاوطاننا وخصوصا قصة المرأة وتحرير المرأة .
وهذه قصة اخرى يطول شرحها , سأتكلم عنها لاحقا ...
 

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives