Monday, January 02, 2006

 
الأحد 1 كانون الثاني 2006
صباح الخير...
جاء العام الجديد, وكلنا نتمنى ان يكون عام خير وسلام على كل شعوب الأرض, وخصوصا الشعوب التي تعيش نزاعات ساخنة, ومنها الشعب العراقي...
نتمنى أن يحقق العراقيون شيئا من أمانيهم لبناء وطن على اسس جديدة , فيها عدالة وإحترام لحقوق الجميع, وأن يسود السلام والأمان والإستقرار ...
وأن تأتي للعراق قيادات جديدة, اكثر وطنية واكثر إخلاصا في التعامل مع مستقبل البلاد ومصير الناس....
*************************
الصدفة احيانا تكون مفتاحا لقصص طويلة ...
ذهبت الأسبوع الماضي الى مكتبة للسؤال عن كتاب معين, فلم اجده, بقيت اتمشى بين ممرات الكتب المكدسة بعناية أحيانا على الرفوف, او بفوضى على الأرض, إصطدمت بصف من كتب سميكة على طرف الممر, مجلدات بنية اللون وعليها كتابة ذهبية, تأملتها فإذا هي اجزاء كتاب ( في ظلال القرآن ), وتذكرت أن هذا المؤلف هو تفسير للقرآن كتبه سيد قطب, وهو رجل مصري من جماعات إسلامية , أعدم زمان الرئيس عبد الناصر.
هذا كل ما أعرفه...
شدني الفضول لفتح الكتاب وقراءة المقدمة التي كتبها سيد قطب, تأملت كلماته التي قال فيها أنه ما عرف السعادة الا حين عاش في ظلال القرآن, وأن هذا الزمن الذي نعيشه ابتعد الناس فيه عن الدين والقرآن, وصاروا يعيشون بقيم مجتمع الجاهلية من حب المادة وعبادة الأشخاص...
هززت رأسي وابتسمت ,وقلت في نفسي لو أنك تأتي وتشوف الآن كيف صار الحال...
********************************
رجعت للبيت, وفتحت الإنترنت وبحثت عن سيد قطب...
فطالعتني مواقع كثيرة تتكلم عنه, وتحكي قصة حياته, وشخصيته, وثقافته, ثم التوتر السياسي في مصر بعد ثورة يوليو 1952 والمصادمات بين السلطة العسكرية الحاكمة وبين الأحزاب الأخرى من إسلامية او شيوعية أو إشتراكية, واعتقالات وسجون وتعذيب ومحاكمات واعدامات, وفي النهاية سيد قطب كان واحدا من الذين اعدموا بتهمة المشاركة بمحاولة اغتيال عبد الناصر عام 1966,
يعني سيد قطب كان عمره 60 سنة..
واعدموه مع مجموعة من الرجال بتهمة محاولة اغتيال؟
طيب , كما يقولون حسب الشريعة الاسلامية النفس بالنفس, يعني القاتل يقتل, لكن الذي لم يرتكب جريمة قتل, لماذا يقتل؟

ذهب الى اميركا عام 1949 وبقي لمدة سنتين للدراسة والتخصص في التربية وأصول المناهج حيث كان يعمل مفتشا في وزارة التربية قبل ذلك.
وأكمل كتابه في ظلال القرآن وهو في السجن...
وكذلك كتب عدة مؤلفات تتكلم عن الاسلام ومستقبله وهوفي السجن, وكان يؤمن ان التغيير لا يحدث عن طريق انقلابات ولكن بتربية الشعوب وهذه العملية ستأخذ زمنا طويلا...
وأثناء محاكمته رفع قميصه ليري الجمهور آثار التعذيب على جسده أثناء فترة إعتقاله..
وأنا الآن حين أقرأ كتبه , أدرك مقدار الخسارة التي حصلت للأمة حين فقدت رجلا مثل سيد قطب وما يمثله من ثقافة ونظرة عميقة لأمور الحياة, ولا يمكن ان اصدق أنه كان يؤمن بالإرهاب أو يشارك بعمليات اغتيال أو عنف ضد الدولة, رجل كتب كل هذه الكتب, وبلغ الستين من عمره, وكان يعمل في وزارة المعارف كمفتش تربوي , من يقنعني انه كان شريرا يحمل فكرة الخراب والدمار لبلده؟؟
أو إنه يستحق عقوبة الإعدام؟

***********************
حسنا , قصة تسحب وراءها قصة...
قلت أريد أن أقرأ كتبا عن تلك المرحلة من تاريخ مصر..
هي ليست تاريخ مصر لوحدها, هي تاريخ مهم للأمة بأسرها , مصر كانت الرائدة في الثورة والاستقلال 1952 حيث كل الدول العربية وقتها كانت تحت الاستعمار البريطاني أوالفرنسي أوالايطالي...
وجدت كتابا عن مجموعة مقابلات مع حسين الشافعي على قناة الجزيرة ببرنامج شاهد على العصر, وهو كان من قادة الثورة في مصر, ونائب رئيس الجمهورية لفترة ما, وعضو المحكمة التي حكمت باعدام سيد قطب..
قرأت الكتاب كله, واحزنني ما رأيت, رأيت رجلا عمره الان صار 87 سنة, لكنه لم يعترف بأي خطأ ارتكبته الثورة أو رجالها سواء ضد المعارضة أو الضباط ضد بعضهم البعض تحت شعار : الثورة تأكل أبناءها...
ذهلت وأنا أقرأ المشاكل التي صادفوها, وكيف تم حلها باجتهادات مختلفة,و احيانا في ظلم واعدامات وتعذيب وسجن للمعارضة, وكان الرجل العجوز يبرر كل شيء تحت شعار حماية الثورة...
وقصص كثيرة عن صراعات داخلية واستبداد بالرأي وانقسام رجال الثورة الحلفاء سابقا الى خصوم واعداء , استقال بعضهم, وحجز بعضهم تحت الاقامة الاجبارية, وانتحر احدهم بعد هزيمة البلاد في حرب سخيفة غامضة , هي حرب 1967 مزقت الأمة وأصابتها بالخيبة والإحباط وجرح الكرامة, اكثر مما حدث من حرب العراق الحالية
وكتبت حولها مئات وربما الاف الكتب لمعرفة وتحليل الاسباب التي ادت الى الكارثة
وبعضهم قال هذه اسبابها خيانة, والبعض قال هذه اسبابها سوء تخطيط, وكثير من مبررات, لكنني اليوم وقد قرات هذه الكتب المختلفة عن تاريخ تلك الفترة ,
بدأت أرى ان السبب الرئيسي هو الجهل و الإستبداد... وعبادة الفرد , والتملق لشخص الرئيس , وعدم تنبيهه الى أخطائه, ووضع القيادة بيد الرجال الثقاة بالنسبة له, وليس الأكفاء...
أليست هذه هي ذاتها مقومات الخراب الذي حل بالعراق ؟
نفس المبدأ , رجل واحد مستبد برأيه, قام بتصفية زملائه وخصومه , استفرد بالقرار, وقاد البلاد الى الهاوية, وأثناء ذلك كان يقص لسان كل من يعترض عليه وعلى سياساته باعتباره الحكيم الوحيد وبطل زمانه...
وتدهور كل شيء, الثقافة والتربية والتعليم والتطويروالبناء الحقيقي, وسادت روح الفساد والتملق والتسلق...
والشعب إما مخدوع أو جاهل, او ربما مشارك بالإثم...
حيث تمت تصفية الرجال الشرفاء الذين تجرأوا على النظام وانتقدوه, فمات بعضهم في السجون, او أعدموا, أو تم اغتيالهم..
والصحف والجرائد والمجلات والاذاعات تصفق وتغني وتحيي السيد الرئيس البطل...
والله تاريخ مخجل...
يتكرر هنا وهناك...
ولا نقدر أبدا أن نبرأ الغرب من تكريس هذه الظاهرة في بلداننا, ومساندة هذه النماذج الدكتاتورية طالما انها تقبل التعاون مع الغرب سرا أو علنا , في العراق مثلا ساندت اميركا رجلا مثل صدام حسين, ودفعت به الى السلطة, واستغلته لتحقيق مصالحها بشن الحرب على ايران عدوة اميركا , ثم حربه على الكويت....
هنا حدث التصادم في المصالح او الافكار, وانقلب الأصدقاء الى اعداء...
وجاء الحصار على العراق , وتدهور كل شيء... وباقي القصة المملة كل الناس تعرفها..
ثم تأتي أميركا تتباكى على الشعب العراقي وتريد أن تخلصه من ذلك الوحش الطاغية..
توجد آية في القرآن تصف هذا المشهد , وهي تتحدث عن الشيطان والانسان :
(كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر
فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين)
يعني اميركا دفعت صدام ليفعل كل الاعمال الشريرة, ثم قالت له اني اخاف الله, يا ناس هذا طاغية وعمل مقابر جماعية وقتل شعبه ودمر جيرانه ولاب لاب لاب ...

**********************************************
عندما انهيت كتاب المقابلات مع حسين الشافعي, لم أقتنع أبدا برأيه ولا شهادته على العصر, مع انه كان يستعمل ايات القران في كل مناسبة, لكني وجدتها إشارة التهرب من المسؤولية وتبرير الأخطاء...
وذهبت لقراءة كتاب اللواء محمد نجيب , الذي كان قائدا للثورة معهم 1952, وكان أكبرهم سنا, يعني هو في الخمسين, وباقي الجماعة في الثلاثين من اعمارهم , وكانت رتبته لواء في الجيش وكانت رتبهم أقل منه...
وكان من الطبيعي ان يصطدم محمد نجيب بباقي المجموعة ,
فثمة فرق في العمر والتجربة ووجهات النظر...
قرأت وجهة نظر الشافعي في انهم كانوا يدافعون عن الثورة ولا يسمحون بالديمقراطية والانتخابات التي كان يطالب بها محمد نجيب, كانوا يرونها مؤامرة حتى يستلم الحكم من هب ودب...
وحين قرأت مذكرات محمد نجيب, امتلأ قلبي بالحزن والأسى عليه, حيث كان يطالب بتطبيق الديمقراطية, وعدم حل الاحزاب, وعدم ممارسة التعذيب للسجناء والاعدامات للمتهمين , وضرورة كتابة دستور جديد للبلاد, وضرورة فصل الجيش عن السياسة
بينما فئة الشباب معه كانوا يفكرون بعقلية العسكرية التي لا تؤمن بأي شيء من هذا , ولا تفهم شيئا من روح الحياة المدنية ولا معنى الديمقراطية , وكانت تؤمن أن السلطة بيدها ولا داعي لإعطائها لآخرين لا يفهمون ...
هذه العقلية الكارثية التي يمتلكها أناس عقليتهم عنيدة ومغرورة وضيقة وتجربتهم في الحياة ضحلة وغير عميقة...
وكانت النتيجة هي هزيمة محمد نجيب, وعزله من الحكم, ووضعه في اقامة اجبارية
منذ 1954 الى 1971 , يعني حتى مات جمال عبد الناصر , حيث عانى ما عانى من قسوة واهمال واهانات من بعض الضباط الصغار الذين كانوا مشرفين على اقامته الجبرية...
والله قصص مخجلة, وتاريخ مشين ...
رأيت السينما المصرية أنتجت أفلاما عن جمال عبد الناصر وأنور السادات , لكني ما رأيت احدا أنتج فلما عن محمد نجيب...
مذكراته مليئة بالحزن والصدق , وليس فيها غضب او حقد رغم كل الظلم الذي رآه في حياته , فيها روح إنسان كريم شريف عزيز النفس, أبكتني كثيرا....
خصوصا حين كتب وهو في الاقامة الجبرية مع عائلته :
اكثر ما اثار ألمي وحزني , حضور ابني الصغير لي ليسالني في اهتمام شديد : هل كنت رئيسا للجمهورية ؟
وابتسمت للصبي وانا اداعبه قائلا: نعم , ولكن ما الذي دفعك للسؤال, هذا تاريخ مضى وانقضى..
وقدم لي كتابا مدرسيا جاءت فيه العبارة : جمال عبد الناصر هو أول رئيس لجمهورية مصر..
رفعت المطابع اسمي من كافة الكتب , ولم يعد ينشر مطلقا اسم محمد نجيب في كتاب او صحيفة...
********************************
لماذا نفعل هكذا أو نسمح أن يهان رجل مثل محمد نجيب ؟
أو يعدم رجل مثل سيد قطب؟
وهل تغيرت سياسات حكوماتنا ؟
طبعا لا, ما زالت مصر تعاني, وما زال العراق يعاني..
وما زالت معظم الشعوب العربية تعاني...
وكأن هذا صار جزءا من تراثنا وتاريخنا...
نعم, صارت من تراثنا هذه الحكومات المريضة المستبدة الظالمة الفاسدة
متى سنكف عن هذا؟
هذا هو المجتمع الذي انتقده سيد قطب في كتاباته, الاسلام دين جاء ليحرر الانسان من الخوف من مخلوق...أو التملق لمخلوق, أو القبول بالظلم من مخلوق ضد مخلوق..
أين هو الاسلام في حياة الأمة الآن؟
هل هو طقوس مثل الصلاة والصيام ؟
ام هو روح متمردة على الباطل والظلم؟
أين هي تلك الروح؟
***************************************
وبين كل القراءات , كانت رواية جورج اورويل 1984 حاضرة معي طوال الايام السابقة ....
رغم انه لم يكن يكتب بروح الدين المتفائلة , كان الغالب على الرواية روح القنوط والظلام...
لكن جزءا صحيحا كان فيها لا شك., خصوصا حين يتكلم ونستون سميث بطل الرواية عن الناس من حوله, الذين يعيشون برعب تحت سلطة الأخ الأكبر, وشرطة التفكير في كل مكان, فالتفكير جريمة ....
وشعارات الحزب : الحرب سلام , الحرية عبودية, الجهل قوة
حيث يكتب في يومياته السرية:
[إنهم لن يثوروا الى ان يصبحوا واعين,
ولن يكون بمقدورهم ان يكونوا واعين حتى يثوروا ....]
[ انهم يتذكرون مليونا من الاشياء عديمة الفائدة
مثل شجار مع رفيق عمل/ مطاردة من اجل عجلة مفقودة / دوامات الغبار في صباح عاصف... أما الحقائق وثيقة الصلة بالموضوع المهم فهي خارج نطاق رؤيتهم , انهم مثل النملة التي بامكانها رؤية الاشياء الصغيرة لكنها عاجزة عن رؤية الكبيرة...]

بالنسبة لي هذه ملاحظته عن النملة فقد رأيت حقا الكثير من العراقيين الذين عقلهم مثل النملة , هؤلاء الذين تسألهم بعد الحرب ما رأيك عما يحصل في العراق ؟
فتكون الاجوبة مثل هذه :
• والله الأحوال أحسن من قبل, إشتريت سيارة جميلة ونظيفة والحمد لله...
• والله راتبي تحسن كثيرا عن ذي قبل, نعم الحالة الامنية والخدمات ليست جيدة تماما لكنها ستتحسن ان شاء الله..
• قبل الحرب كنت ادرس في الكلية, وبعد الحرب عملت مع منظمة بريطانية, واخذوني في دورة تدريبية الى بريطانيا, وهذه اول مرة اغادر العراق, وانا سعيد جدا....


هذه نماذج من أصحاب عقول صغيرة مثل النملة , لا ترى سوى المسافة الصغيرة التي تخصها, ولا يخطر ببالهم السؤال : ماذا عن الاخرين؟ ماذا عن مستقبل البلاد؟

*********************************
يعني فعلا الجهل قوة : هذه الحكومات تحرص على بقاء الشعوب جاهلة
وتستمد قوتها وبقائها من بقاء هذا الجهل....
يعني أين كان الناس حين أعدم سيد قطب؟
وحين وضع محمد نجيب في الإقامة الجبرية , وشطب إسمه من كتب المدرسة؟
أنا واحدة من الناس الذين لم يسمعوا باسمه الا من عهد قريب...
أين كان الشعب؟
الجواب فيه احتمالات كثيرة:
الناس كانوا في هرج ومرج ونقاشات حارة عن الثورة و خطاباتها الحارة الحماسية عن التطوير والتغيير وصناعة المستقبل ودحر الاعداء وغيره من الكلام الكبير, والذي معظمه كاذب, لم يتحقق منه شيء على أرض الواقع
كما قال محمد نجيب في مذكراته:
القضية ليست في بناء مصانع وسدود ولكنها في بناء الانسان
.................
في تلك الازمنة الغابرة
تمت تصفية العقول المعارضة ووصفها بأنها عدوة الشعب ربما
والشعب في متاهة ودوامة لا يدري فيها الصواب من الباطل
وكيف يبارك الله وينصر حكومات ظالمة منافقة انتهازية غير عادلة؟
طبعا الهزيمة هي مصيرها....
********************************
في رواية 1984 يقول ونستون سميث : كل كتب التاريخ التي قبل الثورة اتلفت, وما عدنا نعرف كيف كانت الحياة الحقيقية للناس قبل 25 سنة مضت ؟
وأنا الآن اتساءل : كل كتب التاريخ موجودة وتتحدث بصراحة عن كل المصائب التي ارتكبت بحق الأمة , لكن اين الناس؟
وأين وعيهم؟
ولماذا تحولوا الى قوة سلبية عاطلة عن التأثير والفعل؟
ومتى سيفتحون عيونهم ؟
ومتى سيكون القرار بأيديهم ؟
********************

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives