Sunday, January 01, 2012
سنه في مصر ...
السبت 31 ديسمبر 2011
السلام عليكم ,
هذا هو اليوم الاخير في هذه السنه, وكانت سنة مميزه بدون شك , حيث قضيت معظمها في مصر , وانهيت فصلين دراسيين في الجامعه الامريكيه في القاهره , والان عندي استراحة عطلة الشتاء اقضيها في الاردن مع العائله ...
احببت القاهره كثيرا والناس ايضا احببتهم , رأيت فيهم أشياء كثيرة تشبه العراقيين , نفسهم طيبه وكريمه ويحبون الضيف ويحترمونه وماعندهم تكبر وعجرفه , وعندهم تدين أكثر من العراقيين , وعندهم تناقضات كبيرة في المجتمع لم أراها في العراق او غيره من البلدان العربيه التي عشت بها سابقا ,
يوجد في مصر فقر وظلم متراكم تاريخيا وهذا شيء محزن , والناس تفاءلت بالثورة ورأتها بوابة للتغيير نحو الافضل , للحريه والعداله الاجتماعيه والديمقراطيه , لكن عملية التحول ليست سهله , هي مهمة شاقة وعسيرة وتحتاج الى وقت طويل وصبر وجهود كبيره حتى تتحقق , وكثير من الناس يستعجلون ,ويريدون التغيير ان يحدث كأنه كن فيكون , وهذا سبب الكثير من الصراعات في الشارع المصري وسبب حدوث سلبيات كثيرة سببت الاذى للاقتصاد خاصة والمجتمع المصري عامة ...
في البدايه هبت على البلاد حمى طلبات زيادة الرواتب والمخصصات , من كل فئات المجتمع تقريبا , اطباء ومدرسين وسواقين قطاع عام وموظفي الدولة عامة وهذا سبب عبء على ميزانية البلاد وهي تمر بمرحلة حرجه, ولم يكن عند الحكومه المؤقته أي رؤيا واضحه او خطاب سياسي اقتصادي اجتماعي لاقناع الناس بتأجيل هذه الطلبات حتى إشعار آخر , وتراكم العجز على الميزانيه ,
ثم بدأت سلسلة احداث عنف بدت وكأنها عفويه , لكن بمرور الوقت بات واضحا ان ثمة من يريد اغراق البلاد في فوضى وعنف لا مبرر له , واختلاق معركة مع المجلس العسكري الحاكم المؤقت للبلاد , حتى جاء موعد انتخابات مجلس الشعب , وفازت الاحزاب الاسلاميه بنسب عاليه بينما نالت الاحزاب الغير دينيه نسبا متواضعه , يعني الاحزاب الدينيه فازت بنسب عاليه في المرحلتين الاولى والثانيه ( بين 60 الى 70 بالمئه من الاصوات ) بينما الاحزاب العلمانيه والليبراليه فازت بنسب متواضعه جدا وهذا سبب حالة هياج وغضب من الاحزاب العلمانيه والليبراليه ووسائل الاعلام التي تساندها , وشنت حملة تشهير وتبغيض وتشويه ضد الاحزاب الاسلاميه وضد المجلس العسكري لانه المشرف على الانتخابات وشوهت صورته واتهمته بالتواطؤ مع الاحزاب الاسلاميه وتزوير الانتخابات والعوده بالبلاد الى ايام نظام مبارك ,
طبعا هذه تهم باطله , فالشارع المصري واضحة جدا هويته الاسلاميه , وواضح غضبه وعدم رغبته بأي تدخل اجنبي في شؤون مصر
وطبعا اميركا واسرائيل والنظام القديم للرئيس السابق مبارك هم أول من يريد لهذه الثورة ان تفشل وترجع مصر للمربع الاول تحت حكم دكتاتوري وصديق للغرب , كما كان حكم مبارك , والناس هناك كلها تتهم الغرب بتدخله لتخريب الثورة , وتمويل جماعات تحرض وتنشر العنف والكراهيه في البلاد لاثارة الفوضى او ما يشابه الحرب الاهليه لابقاء مصر في حالة لا استقرار سياسي بعيد المدى , في الوقت الذي سقطت في ليبيا بتدخل اجنبي , والان الدائرة تدور على سوريا لخلق الفرصه لتدخل اجنبي , واليمن في فوضى والعراق في ظلام واحتلال وعنف وفلسطين في متاهة لا نهاية لها ... ومصر مشغوله لا تقدر أن تمد يد المساعده لأي واحده من اخواتها المنكوبات حولها ...
في البدايه كانت المحاولات تتركز على اثارة الفتنه بين مسلمين وغير مسلمين في مصر, لكن الشعب المصري اثبت انه ذكي وحذر ولملم الكثير من الفتن والمصائب حتى لا تتوسع وتسبب المزيد من النزيف وتمزيق الشعب الواحد , بعد الانتخابات توجهت الصراعات والفتن لتفتيت الشعب بين مؤيد للاسلاميين ومؤيد للعلمانيين والليبراليين , ووسائل الاعلام المحليه لعبت دورا مميزا في التخريب ورفع وتيرة العنف في الخطاب السياسي وتأجيج الشارع حتى يشتعل بالجدل والنزاع والكلام الفارغ ,
قلبي مع مصر دائما, وادعو الله ان تمر هذه المحنه وتنتهي لخير مصر وشعبها, وان تتحقق احلام الثورة في الحريه والعداله الاجتماعيه والديمقراطيه , وان تكون نموذجا ناجحا تتعلم منه شعوب العالم والمنطقه , دروسا ايجابيه في التغيير والبناء والازدهار , التحديات مازالت موجوده لكن الشعب المصري قد صبر كثيرا وقدم التضحيات الثمينه طوال عقود من الزمان , عسى الله ان يبارك بصبرهم وتضحيتهم ويجزيهم خير الجزاء في الدنيا والآخره ,
أما عن دراستي في الجامعه الامريكيه في القاهره , فقد مضى منها فصلان دراسيان وفي شهر شباط القادم ان شالله يبدأ الفصل الدراسي الثالث بالنسبة لي , ثم يبقى لي الفصل الاخير في خريف 2012 ان شالله ,
تعلمت اشياء ممتازه من خلال دراستي عن سياسات القطاع الحكومي او ادارة القطاع الحكومي ,عن الحوكمه وماهي طبيعتها وتطبيقاتها , عن السياسات الماليه , عن ادارة المشاريع التنمويه وحل المشاكل التي تواجهنا خلال العمل , ثم كتابة الابحاث لكل كورس دراسي ,
ورأيت اشياء غريبه ايضا خلال كوني طالبه , فالنظام الدراسي ليس دائما مريحا ولا الاستاذه الجامعيين دائما منصفين او مهنيين فعلا , فوجدت منهم الجاد والمخلص والمنصف, وخصوصا من المصريين , ووجدت قليل الخبرة المتكبر اللامنصف واللا موضوعي في تعامله مع الطلاب , حتى انهم يضجرون من الطالب الذي يفهم ويناقش, ويريدون ان يكون الطلاب مثل العبيد لا يناقشون ولا يجادلون وانما فقط يتملقون لهم , وللاسف هذا وجدته في اساتذه اجانب وخصوصا من الامريكان , يعني يوجد في الجامعه شيء من الخيبه حول نوعية الاساتذه الوافدين من الخارج , بينما الذين من داخل البلاد معظمهم يبذلون جهودا عاليه حتى يكونوا بمستوى عالي ولائق مهنيا واكاديميا ...
وجدت بعض الاساتذه يحضرون الماده العلميه قبل الحصه الدراسيه ويناقشونها بكل تفاصيل واخلاص مع الطلاب, بينما البعض الاخر كسول ولا يكلف خاطره قراءة الماده واذا حصل نقاش فالطلاب في واد والاستاذ في واد آخر..
كذلك كتابة البحوث , بعض الاستاذه يتابعون ويعطون تعليمات بتوقيت مناسب قبل نهاية الفصل , حتى تتم كتابة البحث أو تصحيحه قبل تسليمه بفترة كافيه , والبعض الاخر لا يعطي اي معلومه مفيده الا قبل يومين من تسليم الورقه , او بعد تصحيحها ينطق حضرة جنابه ويقول اين الاخطاء والتقصيرات وهذا ما لم يذكره ابدا عند تعليقه على مسودة الورقه , وطبعا هذا يكسر نفسية الطالب, ويكسر جهوده وينقص علاماته , وكأن العملية انتقام من الاستاذ وليس الصبر والتعليم حتى يتقن الطالب الموضوع , يعني ماعدت أرى الاخلاق السائده في التعليم هي نفسها التي كانت سائده ايام زمان في السبعينات , حين درست الهندسه في جامعة بغداد , وتذكرت كم كان اساتذتنا مخلصون معنا وكم كانت عملية التعليم مرهقه لهم , وكم كنا حمقى وصغار ولا نأخذ التعليم بجديه , لكن اخلاص طاقم التدريس وارتفاع المستوى الاكاديمي في الجامعات العراقيه , اجبرنا ان نتعلم الكثير ونستفيد من عملية التعليم بطريقة ايجابيه ..
مسألة ان تكون طالبا ومنشغلا بطلب العلم , هي مسألة جهاد فعلا, فهي تعزل الانسان عن الحياة الاجتماعيه وتحصره في مجال الدرس والبحث بدقة واخلاص , وهذه عمليه ممتعه جدا ومرهقه ايضا , لكن نتائجها هي حصاد مثمر لكل طالب جاد في دراسته , بينما بعض الطلاب الذين يدرسون الماستر يعملون في النهار , ويأتون للدرس مساء وهم متعبون , ولا وقت للدراسه والنقاش العميق , ولا وقت لكتابة ورقة البحث الا في اللحظات الاخيره , اعتقد ان الحصاد سيكون فقيرا على المستوى العام لهذا الشخص , مقدار الاستفاده الحقيقيه من العلم والدراسه ستكون نتيجته محدوده , وبعض الناس لا يهمهم سوى الحصول على شهادة الماستر لتعليقها على جدار المكتب او احدى غرف البيت , وهذا شيء محزن فعلا , ان يكون استثمار الجهد والوقت والمال من أجل الحصول على ورقة فقط , واضاعة الفرصه الذهبيه في التعلم والتطور ...
وهكذا هي ايضا الحياة الدنيا , البعض منا يقضيها في التفاهات والسخافات ولا يدري كيف مضت وماالذي تعلمه منها, والبعض يمضي بخطوات بطيئه يتعلم ويراجع نفسه , ويراجع ما حوله , ليرى ان الايجابيات واين السلبيات ؟ ويفكر دائما بدوره في هذه الحياة , من أين جاء والى اين يمضي ؟ والبعض الاخر يعيش مثل الدابة في مرعى البرسيم , الدنيا تمضي حوله مضطربه متناقضه وهو مشغول بالعلف والنوم .... تغيب عنه شهور وسنوات , وترجع لتراه على حاله.... لا ادري أتحزن عليه ام تحسده على الجهل السعيد الذي هو غارق فيه ؟