Sunday, December 13, 2009

 

الايام الصعبه الان في العراق الحزين ...

الاحد 13 كانون الاول 2009
السلام عليكم ,
العراق يمر بأيام عصيبه وحرجه جدا, الصراعات على السلطه بلغت الان أعلى درجاتها , وطبعا ظهرت واضحه صريحه بسبب اقتراب الانتخابات البرلمانيه والرئاسيه , هذه ستكون لحظات تحسم مصير البلاد لاربع سنوات قادمه ..
والقوى التي تتصارع داخل العراق هي ليست عراقيه خالصه , بعضها تموله دول الجوار , وبعضها تموله دولة الاحتلال , وتوجد قوى داخليه عراقيه تتناحر من أجل السلطه ايضا دون شك,
لكن يبدو ان الفاعل الكبير بقدراته العسكريه والماليه والسياسيه هو الممول الخارجي , اميركا , ايران , السعوديه , سوريا , وغيرها
كل دوله تمول حزبا او تجمعا يريد الوصول للسلطه ويكون بيده ( ويد من يموله ) القرار في صياغة مستقبل العراق,
اميركا تريد دورها العالمي والاقليمي ان يتحقق في العراق, تكون لها قواعد عسكريه , تكون لها قاعدة اقتصاديه راسماليه قويه في العراق,
ايران تريد لنفسها نفوذ اقليمي عسكري وسياسي في المنطقه , وربما طائفي شيعي بنسبة ما من مجموعة المصالح ,
اما السعوديه فتتدخل للحد من التوسع الايراني وربما الشيعي الطائفي في المنطقه كلها الذي يستفزها كممثلة للمذهب السني الوهابي في المنطقه منذ زمن بعيد ,
سوريا ربما تتدخل عن طريق تثبيت واعادة البعثيين للحكم في العراق , لان سوريا مازالت يحكمها حزب واحد هو حزب البعث,
حتى احزاب المعارضه العراقيه السابقة التي تحالفت مع اميركا ودخلت العراق لتؤسس نواة دوله عراقيه جديدة على أسس جديدة , الان تناحرت مع بعضها , حب السلطه يجعلهم يأكلون بعضهم البعض
( اهل الدنيا مساكين ),
لا يوجد اي صراع عقائدي في العراق بين سنه وشيعه اسلاميين وغير اسلاميين ,
لا توجد اي ايديولوجيا عند هذه الاحزاب الموجوده حاليا , كلها تلعب على مصطلحات الحريه والديمقراطيه وحقوق الانسان وغيرها , بغض النظر عن حقيقة القناعات , لكنهم يظهرون كلهم وكأنهم قد اتفقوا على فلسفة واحدة وقناعة بهذه المصطلحات والايمان بها بشكل لا يقبل الشك ,
اذن لماذا يتحاربون وعلى ماذا يتقاتلون ؟
الان الاحزاب الشيعيه منقسمه على نفسها , بعضها تموله ايران وتريد له ان يستلم السلطه في العراق, وبعضها ينتمي للعراق وعنده اجنده وطنيه تتعارض مع الاجنده الايرانيه , هذا واحد من أسباب العنف المتبادل في الشارع العراقي,
كل فئة تريد ان تسقط الاخرى سياسيا وتظهرها فاشله مهزومه ,
ايضا ماتسمى بالاحزاب السنيه بينها تناقضات سياسية ووجهات نظر واولويات وطنيه مختلفه,
ولا يوجد اي تناقض فكري ديني بينها وبين ما تسمى بالاحزاب الشيعيه , فقط
الصراع سياسي بالدرجه الرئيسيه , حول العلاقه مع الاحتلال, حول توزيع السلطه والثروات في البلاد ,
وايضا نفس الموضوع بين الاحزاب الكرديه والحكومه المركزيه ببغداد , لا يوجد تناقض فكري ايديولوجي او عرقي او ديني , هو تناحر من أجل الاستحواذ على القرار وثروة النفط في المناطق الشماليه من العراق,
ربما هذه من أسرار هذه المهنه القبيحه , مهنة السياسه , فلابد ان يلعب السياسي على كل الحبال , لابد ان يغير قناعاته حسب الحاجه في أي المرحله , وهو في طريقه للسلطه , وهذه فقط غايته ,
على رقاب الناس, على جثثهم, على فقرهم وجوعهم وتخلفهم, على شكواهم من الظلم والظلمات , لا يسمع ويرى , هو طريقه واحد , كرسي السلطه , وقد اغلق عيونه وآذانه حتى لا يرى ما يمكن ان يعوق التفكير في الهدف ,
وفي الظروف العسيرة يضطر للظهور على الشاشات ليطمئن الناس ويصبرهم ويحثهم على المضي في العمليه الديمقراطيه حتى تتحقق احلامهم ,
هههه والله فعلا شر البلية ما يضحك ,
وهذا ما يحدث للعراقيين المساكين منذ 2003
وأتألم حين أرى وسائل اعلام غير عراقيه تتهم العراقيين بأنهم مشاغبين ومنافقين ولا يمكن جمع شمل رأيهم ,
الحقيقه ان الناس في الشارع متفقون تماما على تفسير كل شيء يحدث في العراق, يعرفون ماذا يحدث وماهو دور اميركا ودول الجوار والاحزاب في الداخل, وهم ساخطون على الجميع , وكأنهم يسألون انفسهم كل يوم : ماذا يمكننا فعله من اجل تغيير هذا الواقع الحزين الممزق الدامي ؟
*************************************
هذه الايام أقرأ في كتاب ممتاز عن اعادة بناء مجتمعات مابعد الحرب , الانتخابات , اعادة بناء مؤسسات الدوله , الجيش, القانون والقضاء , مؤسسات المجتمع المدني , وغيرها من مظاهر بناء سلميه للمجتمع , بعد انهاء فترة الصراع الدموي في الشوارع ,
في الكتاب يأخذ الكاتب عدة حالات ليشرح بالتفصيل ماحصل فيها , يعني بلدان مختلفه كانت ضحايا الصراعات الدمويه لعشرات من السنين , ثم تغيرت الظروف وبدأت مرحلة اعادة بناء الدوله بطريقه سلميه , وتغيير لغة الحوار بين الاحزاب والقوى السياسية , من لغة القنابل والرصاص , الى لغة الحوار والتفاوض , لحل المشاكل المختلف عليها , والمضي ببناء دولة مؤسسات ومجتمع مدني مستقر ,
أول الحالات كانت عن دولة السلفادور , ثم نيكاراغوا , ثم كمبوديا ,
يهمني الحديث هنا عن هذه النماذج الثلاثه , وهي ثلاثتها كانت تعيش صراعات دمويه طويله بسبب ما يسمى الحرب البارده , في الحقيقه تبدو هذه حرب بارده على الاتحاد السوفيتي واميركا حكومات وشعوبا, لكنها كانت جحيما على شعوب وحكومات هذه البلدان الفقيرة الضعيفه,
ورأيت العراق الان يعيش نفس المحنه ...
هؤلاء عاشوا هذه الحروب بين بداية السبعينات حتى بداية التسعينات تقريبا , حين تراجع المد الشيوعي في هذه البلدان و تراجع معه المد الامريكي , وتوقف تمويل المليشيات المسلحه والعصابات التي كانت تعيث فسادا في هذه البلدان وتحرق الاخضر واليابس وتعيش الناس في جحيم حقيقي كالذي يعيشه العراق منذ 2003 ولحد الآن ..
يوجد في الكتاب قصص عن دول اخرى مثل هاييتي , اثيوبيا , انغولا , لايبيريا , موزنبيق ’
وانا واثقه تماما قبل ان اقرأ عنهم ان السبب الرئيسي هو صراعات دوليه واقليميه في هذه البلدان الصغيرة الفقيرة , واهلها ضحايا لهذه النزاعات ,
وكما اتذكر تماما ما حدث اثناء الحرب الاهليه في لبنان , كانت كل القوى العالميه والاقليميه والعربيه تضع اصبعها هناك لمدة 15 سنه , وتهجر الشعب اللبناني وتمزق وعانى من ويلات الحرب , ثم اتفقت الاطراف الخارجيه على انهاء اللعبه والصراع , ووجدوا صيغه واتفاقيه تناسب الجميع , وانتهت الحرب عام 1990 تقريبا ,
هانحن في العراق تدور الدائرة علينا اليوم ,
عندما اقرأ عن تاريخ السلفادور ونيكاراغوا وكمبوديا , المصطلحات نفسها تتكرر : مهجرين , لاجئين , فرق موت , مليشيات مسلحه , قتل وعنف وسفك دماء للمدنيين الابرياء
هي نفس المصطلحات دخلت العراق بعد الاحتلال , وصارت تاريخا جديدا لنا , تاريخنا المعاصر,
جاءت اميركا لتلعن حكم الديكتاتوريه في العراق, والمقابر الجماعيه التي كانت للمعارضين للحكومه العراقيه السابقه , ولكن ننظر الان بعد اكثر من ست سنوات على الاحتلال ماذا جنينا من تغيير الحكم في العراق؟
دخلنا مرحلة أشد سوادا وقسوة من التي قبلها , حين دخلت اميركا للعراق فتحت شهية كل الاطراف القريبه للعراق ان تتدخل , وتغذي الصراع بما يخدم مصلحتها ,
فماذا كان الحصاد ؟
عنف وقتل وسفك دماء في الشوارع يوميا , وسرقات وفساد اداري ولصوص لا احد يسائلهم او يحاكمهم , البلد صار مثل بستان مهدومة اسواره وبلا حراس , غابة متوحشه لا أمان فيها ولا استقرار , كيف سيتحول هذا البلد الى واحة من الهدوء والسلام والاستقرار ؟
الجواب واضح : حين تقرر القوى الاجنبيه في العراق ايقاف صراعاتها فيه , حين ذاك سيرى العراقيون الطريق واضحا امامهم لبناء وطن مستقل معافى آمن مستقر فيه عداله واستقرار ,
************************************************
عندما قرأت في ذلك الكتاب كيف حدثت عمليات التحول من حالة النزاعات المسلحه الى حالة الاستقرار وبناء دولة مؤسسات وديمقراطيه في تلك البلدان الصغيرة , رأيت كيف كانت الانتخابات هي الخطوة الاولى , لكن لعدة سنين ولعدة مرات حتى تغير الوضع على الارض , وصارت انتخابات حقيقيه غير مزوره ,
في اول انتخابات تحدث مقاطعة بعض الاحزاب للعمليه السياسيه , وفي الثانيه تدخل هذه الاحزاب للانتخابات ويبقى الصراع , وفي الثالثه تبدأ قناعة الاحزاب انها ينبغي ان تعيد النظر في تقييم وجودها وعملها على الارض, تبدأ التخلي عن المواجهه المسلحه ضد الاحزاب الاخرى, تبدأ تفكر كيف تستلم السلطه بطريقه سلميه , وتكسب اصوات اكثر في الانتخابات القادمه بحسن ادائها مع الناس وليس بقوة السلاح والعنف ...
هذه اكيد طرق طبيعيه يسلكها الناس عادة , لو لم يكن ثمة تدخل اجنبي واحتلال ,
لكنني اتألم على العراق وما قدمه من تضحيات , وعلى كل البلدان التي مرت بنفس التجربه المريره , تجربة الانتقال من العنف وسفك الدماء الى المدنيه وبناء المجتمعات , الى بناء دولة مؤسسات وعداله اجتماعيه , الى بناء دول مستقرة مزدهره , اذا انفسح لها المجال الكافي,
لكن يؤلمني ويزيد غضبي على حكومات استعماريه مثل اميركا, كم هم قساة القلوب ومجرمون ؟ يجعلون الشعوب حقل تجارب لهم , يعرضونهم للعنف والقتل والجوع والفقر والمرض, ثم يقررون ان يوقفوا القتال بناء على مصالح استراتيجيه لهم , ويرسلون منظمات انسانيه مثل يو أس أيد , مثل يو أن دي بي , من الامم المتحدة , حتى تمول وتشرف على بناء ديمقراطي وانتخابات حرة نزيهه , وتدريب العاملين على هذه المؤسسات , وتدريب الجيش والشرطه والقانونيين والقضاة والبرلمانيين حتى يبنوا مؤسسات دولة قوية ,
عجيب أمر هؤلاء المنافقون ذوي الوجوه المتعدده والمكاييل المختلفه ؟
هم انفسهم يقترفون جرائم بشعه ضد الانسانيه , وهم انفسهم يقدمون انفسهم كبناة للحضارة الانسانيه والمدنيه والحياة الكريمه المستقرة لبني البشر ....

هذا حال من لا دين له ولا يؤمن بالله ولا يخافه ,
هذا حال من استحوذ عليه الشيطان,
ويظن نفسه فرعون كما قال لبني اسرائيل : انا ربكم الاعلى
يقتل ابناءهم ويستحيي نساءهم
ويظن نفسه يحيي ويميت ويظن نفسه يحسن صنعا
**************************************
عسى الله ان ينجي العراق من هذه المحنه في وقت قريب ,
ويعود العراقيون ليبنوا وطنا آمنا مستقرا , خاليا من الاحتلال وتدخلات دول الجوار ,
آمين .....



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives