Monday, March 16, 2009

 

العراق بعد ست سنوات من الاحتلال ...









الأثنين 16 آذار 2009

السلام عليكم ...
لا اصدق انها ست سنوات فقط مرت علينا منذ حرب 2003
لماذا تبدو وكأنها حدثت منذ عشرين سنه ؟
ولماذا تراكمت الاحزان على قلوبنا كأننا ما عشنا في سعادة وراحة وكأن الاحداث الجميله في حياتنا كانت مجرد حلم انقضى ولم يتبق منه سوى الذكريات ...
صارت كل الاحداث تتم مقارنتها بما حصل بعد الحرب,
يعني حين اتذكر أمي وأبي رحمهما الله , حين اتذكر طفولتي و حياتي في المدرسه والجامعه , حين اتذكر ايام خطوبتي وزواجي , حين أتذكر طفولة اولادي , حين اتذكر نجاحاتي في العمل , حين اتذكر سفرنا حول العالم , او الى بلدان اخرى لنعيش فيها , كل هذه اتذكرها من خلال فلتر مليء بالاحزان , فلتر الحرب والاحتلال والقصف والخوف ثم التهجير والفقر والجوع والظلام الذي حل بالعراق, أتذكر كل شيء , وهو مخلوط بما جاء بعده من أحداث حزينه , ما عادت ذاكرتي صافيه رائقه سعيده خاليه من الهموم كما كانت من قبل...
***************************
حتى الحاضر, مخلوط بفلتر الحرب ,
عندما اسافر الى اي دوله , اتذكر فجأة بغداد , شارع او شجرة أو جسر او نهر , يذكرني بها ,
ويوقظ الحزن في قلبي عليها ... وعلى ما حدث لها من مصائب واحزان ...

و لو دخلت الى حديقة عامه في اي مدينة اذهب لزيارتها حيث اقضي اجازه , فجأة اتذكر حديقة عامة كنا نذهب اليها في العطلات في بغداد , ساحة الاحتفالات , او حديقة الزوراء ,
وحين أرى الاطفال يلعبون من بعضهم أو مع ذويهم , كرة القدم او الكرة الطائرة , ويلهون ويمرحون ويضحكون بصوت عال , وبعضهم يركب الدراجه , يسقط ويقوم , ثم يمضي فرحا مرحا, ورأيت الاطفال يركبون القطار الصغير الذي يدور في الحديقه , مع اهاليهم , وصوت ضحكاتهم يتردد في ارجاء المكان ,
تماما هكذا كنا نعيش في العراق قبل الحرب...
هل كان ثمة دكتاتور في الهواء هناك ؟
نعم كان هنالك دكتاتور,
وهل هنا ثمة دكتاتور ؟
طبعا هنا ايضا وفي كل مكان,
لكن هؤلاء يعيشون في أمان على الاقل , رغم الفقر والجوع والحاجه التي تعصف بحياة معظم الناس , ثمة نعمة لا تقدر بثمن ,
نعمة العيش بأمان , حتى لو تحت ظل الفقر او دكتاتور يشبه الخنزير , لا يهم , فالحياة تمضي بحلوها ومرها , ولا بد لليل أن ينجلي , ولا بد للامور ان تتحسن بطريقة ما , فهذه سنة الله في الكون , ولن تجد لسنة الله تبديلا ....
دوام الحال من المحال ...
كل شيء الى تغيير وزوال , ويبقى الله وحده الذي لا يفنى ...
*******************************
الحرب هي ابشع شيء ممكن ان يقترفه الانسان ضد الانسان وضد الكون أجمع ,
يتم تهديم المدن والجسور والمنشآت التي بنيت واستنزفت موازنة الدول الفقيرة خاصة ,حتى تم انجازها, جسور ومدارس ومستشفيات ومباني مدنيه وعسكريه , يتم نسفها بدقائق معدودة ,
وقد استغرق بناؤها عشرات السنين ,
أي قسوة هذه وأي استهتار؟
انظر الى العاب الفديو الحربيه التي يلعبها اولادي او اولاد الجيران , تماما يحدث فيها ما حدث على الارض في العراق, تجهيز الجيوش والحلفاء, تجهيز المعدات الحربيه من دبابات وطائرات مقاتله وهليكوبتر وبنادق يدويه وصواريخ ارض ارض او ارض جو , وغيرها من اسلحة القتل والدمار , وتبدأ المعركه على الكومبيوتر ,
الاطفال يرونها لعبة مسليه تحفزهم على الاستمرار والتحدي حتى يكسروا عدوهم ويضحكوا وهم يتمتعون بالنصر,
لكن الواقع لا يمكن ان يشبه اللعبه على الكومبيوتر,
ولا ينبغي للجنود والضباط ان يضحكوا ضحكة النصر ...
الواقع نتيجته مؤلمه وداميه وكارثيه ,
الواقع نتيجته قتلى حقيقيين ودماء حقيقيه وتهدم مباني مدنيه وعسكريه حقيقة, فيها بشر حقيقيون , وفيها تدمير لحياة هؤلاء البشر لعقود من السنوات الى الامام ,
القصف الجوي يهدم الجسور والمباني والشوارع والبيوت والمدارس والمستشفيات , لا يهم , الفكرة هي تحطيم العدو , ومن هو العدو ؟
صخرة ام شجرة ام قطعة كونكريت مسلح في الصحراء؟
العدو هو انسان مثل الذي يهاجمه , كيف تقتل انسانا وتدمر مدينته وتقتل زوجته واطفاله, او على الاقل, تدمر مستقبلهم ان ابقيتهم على قيد الحياة؟
كيف تقبل على نفسك هذا الدور ؟
ان كنت جنديا او طيارا او ضابطا في الجيش او اداريا او أي فرد يعمل في فريق الحرب ضد الاخر؟
الحرب لعبة قذرة وملعون كل من سمح لنفسه ان يشارك فيها ,
ومن اجل ماذا ؟
عادة الظاهر من القول هو كلام كبير مثل حب الوطن والدفاع عنه , لكن الباطن من القول في معظم الاحيان , اننا ناخذ رواتب من هذا العمل ونعيش مع عوائلنا على هذا الراتب, ولا يمكننا ان نعصي الاوامر, او ان ثمة اغراءات ماديه تجعلنا نقبل الانضمام للعمل في فريق الحرب , وهذه مصيبة اكبر, يعني مرتزقة, يتاجرون بانفسهم وضميرهم من اجل مكاسب دنيويه تافهه , اخذوها في سبيل سفك دماء الناس في اوطان اخرى , لا يعرفونهم ولا يعرفون شيئا عنهم ابدا,
لكن المفترض انهم اعداء, وينبغي تدميرهم , هذه هي خلاصة الفكره...
هل هؤلاء بشر؟
الحيوانات لا تشن حروبا مدمرة ضد بعضها, هؤلاء دون مستوى الحيوانات في الادراك , وأبشع منها في الافعال ...
والبيئه ؟
تتلوث البيئه كلها من تراب وماء وهواء بسبب الحروب ,
ارتفعت ارقام الولادات المشوهه في العراق بعد 2003 حسب احصائيات الاطباء العراقيين الذين قابلناهم مرات عديده , تلوثت مياه دجله والفرات من عناصر ثقيلة تسبب مختلف الامراض الصعبه مثل تلف الكلى والجهاز العصبي والمفاصل وغيرها , هذه الامراض تحدثها عناصر تبقى بالماء من جراء الحروب , ولا يمكن ان تزول الا باستعمال اجهزة معينه لمعالجة المياه , وهي عادة مرتفعة التكاليف ولا يمكن ان يشتريها كل الناس , ولا يمكن ان تتبع الدوله نظام معالجه مركزي للمياه لازالة هذه العناصر السامه من الماء, وايضا اليورانيوم المنضب الذي استعمل بحرب العراق , وتلوث الاجواء به حيث سبب ارتفاع نسبة الاصابه بالسرطان وخصوصا بين الاطفال الذين لا يدركون انه موجود حولهم في الية جيش عراقي معطوبه ومدمرة بسبب قصفها بقذيفه تحمل يورانيوم منضب , ربما يقضي الاطفال النهار وهم يلعبون حول هذه القطعه الملوثه بالاشعاع الضار وهم لا يدركون ....
لو فكر الذين يشنون الحروب ماذا ستجني ايديهم بعد هذه المغامرة الحمقاء , ربما كانوا ترددوا, لو كان فيهم ذرة من عقل وادراك ,
لكن الطمع والجشع يعمي عيونهم ويعطل عقولهم ....
********************** ***********
اعود للعراق الحزين وانظر اليه بعد ست سنوات من الحرب والاحتلال ,
في الصحف والاخبار تقرأ تقارير مختلفه متنوعه بعضها صحيح وبعضها يبالغ وبعضها كاذب, عما حدث للعراق وعما انجز في العراق , خليط يسبب الصداع والحيرة,

وتعود لترى على الانترنت مواقع لمنظمات عالميه كثيرة, لها برامج للعراق , بعضها دراسات وبعضها تدريب كوادر, وبعضها مشاريع للاجئين واخرى للمهجرين وبعضها تتابع امور صحيه وتطلب تبرعات وبعضها تتابع قضايا المراة وتطلب تبرعات وبعضها للطفل وتطلب تبرعات وهكذا وهكذا , صرنا موضوعا مهما للمتاجره ,
كل واحد يريد ان يروج لمنظمته , جاء وطرق الباب يشحد للعراقيين ,
سبحان الله !
تسمع عن مشاريع بملايين الدولارت تنفق سنويا للعراق من قبل منظمات الامم المتحدة او غيرها من منظمات عالميه , وتظن ان العراق يعيش برغد ونعيم , وان العراقيين لا يعانون من أي شيء , فقد سقط الدكتاتور, وتشكلت مئات الاحزاب, وصدرت مئات الصحف , وعشرات المحطات الفضائيه , وصار عند الناس موبايلات وانترنت وستلايت , وحكومه عراقيه منتخبه ,وبرلمان عراقي منتخب , واشياء كثيرة مدهشه , واو , العراق يعيش في الجنه , هكذا يتم تسويق قصة العراق عبر وسائل الاعلام العالميه عامة والامريكيه خاصة ....
ولكن ثمة وجه أخر للقصة , وحقائق اخرى يتم تهميشها ,
يوجد خارج العراق الان حسب احصائيات منظمات دوليه معتمدة , حوالي 5 ملايين لاجيء عراقي , هؤلاء رأيت بعيوني كيف هي حياة الطبقة الفقيرة منهم وانا في الاردن وسوريا , وعملت مع منظمات كثيرة من اجل انجاز مشاريع لهم , وأرى ان مستوى الخدمات المقدمه لهم هي عبارة عن قطرات من ماء لتبقيهم على قيد الحياة فقط ...

اما الذين من الطبقة المتوسطة او الغنيه من العراقيين , فقد انشقت العوائل وتفرقت , البعض يسكن في الاردن وجزء من العائله في الامارات او اوروبا او اميركا او باق في بغداد ,
نادرا ما اقابل عائله عراقية من هؤلاء تعيش كلها في بقعة واحدة بعد الحرب ,
نحن مثلا ,كنا نعيش في بيت واحد واولادي الثلاثه من حولي , الان واحد منهم معي , والباقون في دول مختلفه , كذلك اخوتي واخواتي , كنا قبل الحرب كلنا في العراق , الان واحد فقط في بغداد, وسبعة متفرقون في مختلف القارات ....

اما الذين يعيشون داخل العراق, او تتصل مباشرة بهم وعندك شبكة علاقات في مدن مختلفة , افراد او منظمات , في الشرق والغرب والشمال والجنوب, فلا تسمع سوى صرخات الاستغاثة من هناك , نريد ماءا نظيفا, نريد كهرباء بساعات كافيه , نريد ادويه , نريد فرص عمل, نريد مشاريع للنساء الارامل ولايتامهن , نريد حلول طويلة المدى للمهجرين, نريد مشاريع للشباب , نريد تصليح مدارس لاطفال القرى , , نريد نريد نريد ...
إذن , اين هي قصص اعادة الاعمار وملايين الدولارت التي يتكلم عنها في الصحف والاخبار وخاصة الامريكيه ؟
اين هي منجزات الحكومه العراقيه الفتيه والبرلمان منذ سنتين او ثلاثه ؟
لا نسمع سوى ان الوزير الفلاني سرق ملايين ثم هرب خارج البلاد ولم يحاسبه احد , والبرلماني الفلاني نهب ايضا او شارك في مؤامرة وتفجير ومصائب ثم خرج من العراق , هرب الى دوله اخرى ولم يتعقبه احد , الشرطه والجيش ايضا نسمع في الاخبار عن فضائح واكتشافات عن مجرمين فيهم ومحترفين قادوا فرق القتل الطائفيه ضد المدنيين الابرياء, ثم يتم تسريح المئات منهم من وظائفهم ,
أين المحاسبة ؟
أين العقاب للمسيء؟
اين الثواب للمحسن ؟
هل هذه دوله ديمقراطيه فتيه أم هذا بستان من الفوضى وجدرانه مهدمه , اللصوص تسرق وتهرب ولا حارس على الباب يوقفهم ولا قاضي داخل البستان يحكم عليهم ؟
والفقراء يموتون من الجوع والحاجه, ويصرخون ويستغيثون ولا احد يبالي بهم , والاغنياء يزدادون غنى ولا احد يعرف من حلال هو أم من حرام , بعض البنوك في مختلف دول العالم مليئه باموال سرقت من العراق ولا احد يحقق ولا احد يهتم ,

مسكين يا عراق , لماذا يحصل لك كل هذا ؟
هل لانك بلد الثروات والخيرات والكل يطمع فيك ويتربص بك ؟

ام لأنك عصي على اعدائك ؟
**************************************************

واقول لنفسي : لا اظن أننا نستحق ان تحدث لنا كل هذه الكوارث ...
لسنا ملائكه, نحن بشر مثلنا مثل غيرنا, فينا الكريم وفينا اللئيم , فينا الضعيف وفينا القوي, فينا المؤمن وفينا الكافر , لكن الذي حصل للعراق هو ابتلاء عظيم , وامتحان كبير لنا جميعا , عراقيين وغير عراقيين , نسأل الله أن لا نكون من الذين يفتنون بهذا الحال , ويظنون ان الله سبحانه لا يسمع ولا يرى لما يحدث في العراق , ولا انه سبحانه غير عادل, ويسمح للظلم أن ينتشر ويطغي وينتصر , لكنه في عليائه ينظر ويرى ويختبرنا , ماذا نفعل ونحن نعيش هذه الفوضى ؟
مع أي فريق سنكون ؟
مع فريق اللصوص والقتله ؟
أم مع فريق مساعدة الناس وانقاذهم ؟
أم مع فريق ثالث يعيش في فقاعه مغلقه , غير مبال سوى لتحقيق نزواته الصغيرة اليوميه التافهه؟
هذه هي خلاصة فكرة الدنيا , لماذا نعيش فيها؟
كل واحد يختار طريقه بمليء إرادته ....

وفريق اللصوص والقتله نهب خيرات البلاد واموالها منذ 2003 ولحد الان ,
وفريق تقديم المساعدات الانسانيه الطارئه فقير ويلملم من هنا وهناك الفتات من التبرعات ليقدم مساعدات صغيرة هنا وهناك ,
المعادله غير متكافئه ابدا ,
هذا هو واقع الحال على الارض من تجربتي ....
******************************
ما هو مستقبل العراق؟
بالنسبة لي وحسب وجهة نظري , العراق سيبقى يسير في هذا الاتجاه , مادام الاحتلال موجودا هناك , فالبلد سيظل ضعيفا مسلوب الاراده , اقصد الحكومه واجهزتها التنفيذيه , حتى يظل هنالك دائما المبرر لبقاء الاحتلال , حتى لو سحبوا الجيوش بعد 18 شهرا , فليس معنى هذا الاستقلال التام , ستبقى خيوط واضحه او خفيه , تربط العراق بواشنطن , ويظل تابعا لها مادام الخيط موجودا ,

متى سيتغير الحال ؟
عندما تأتي قيادة عراقيه جديدة للحكم , قيادة وطنية قويه شجاعه تملك رؤيا واضحه لحل مشاكل العراق, تملك ثقة بتنفيذ برامج وحلول واقعيه لحل مشاكل البلاد , عند ذاك ستطلب هذه القيادة من الاحتلال ان يحجم نفسه , وان يحجم صلاحياته ,
هذه معركه طويله ونضال طويل ضد الاحتلال ووجوده وسلطته على الارض في العراق,
وهذه ليست احلام ساذجه , هذه حقائق أراها رؤية العين للاشياء , لكنها ستأخذ سنوات طويله حتى تتحقق , هذه سنة خالق الكون , ولن تجد لسنة الله تبديلا ....
الظالم يذهب , الدكتاتور يسقط , الامبراطوريات تضعف وتزول وتفنى ,
والحق باق ... والعدل يسود ...
هذه قوانين الله...
وأنا ابتسم في الذكرى السادسه لاحتلال العراق , رغم الاحزان التي تثقل على قلبي,
لكنني لن اتخلى عن الامل ابدا,
أن العراق سيعود لاهله , وستأتي قيادة شجاعه وطنيه تريد مصلحة العراق فقط , وستفاوض الاحتلال ليخرج , وستسحب منه صلاحياته كلها ,
متى هذا اليوم ؟
علمه عند ربي ....
لكنه يوم آت لا محالة ...
فهذه قوانين الله في الارض...
















<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives