Sunday, March 08, 2009

 

إجازة في القاهرة




الاحد 8 آذار 2009
السلام عليكم ...
انا الان في مصر , في اجازة عند ابني الذي يدرس هنا ,
لا ادري كم سأبقى ربما شهر ربما أقل, لكنني بحاجة للراحه بعد نهاية عملي في المشروع الذي كنت اعمل فيه كمنسقة عامه, بين منظمه نسائيه اردنيه وبين المفوضيه العليا للاجئين في الاردن UNHCR

عملت في المشروع لمدة سنه , وقد ارهقني واستنزفني كثيرا , لكني اكتسبت خبرة كبيرة بالعمل مع المنظمات غير الحكوميه , وتنفيذ البرامج , وكتابة التقارير الشهريه والسنويه ,
تقارير وصفيه او احصائية
العمل لا يخلو من منغصات وسلبيات , لكني اظن ان الانسان ممكن ان يخرج بأفضل النتائج , ويمضي في طريقه متحديا ومهمشا لهذه السلبيات , لينجز المشروع بأفضل النتائج المطلوبه على الارض وعلى الاوراق , على حد سواء.
العمل كان يتطلب مهمات اداريه , ماليه ,و ميدانيه .
ولا يمكن أن ينجح أي مشروع دون أن يكون ثمة تكامل بين هذه البنود الثلاثه ,
كنت اتابع الفواتير والمصاريف بدقة , وكنت ادقق مع المنسقات الميدانيات لتسعة فروع , ارفع سماعة الهاتف لاسأل عن فاتورة غير مقنعه , ربما قيمتها تافهه , لكن اجد من الضروري ترسيخ فكرة عند الموظفات ان ثمة رقابة عليهن حتى لا يسمحن لانفسهن بأي تجاوز أو تحايل , وهذا شي ممكن بسهوله ان يحدث , اذا كان هنالك ضعف في اجهزة الرقابه .
ايضا الزيارات الميدانية للفروع كانت تنجز كل شهر تقريبا , والاجتماعات الدوريه لمنسقات الفروع كانت تنجز كل شهر تقريبا , يعني بعد اجتماع المنسقات الشهري , كنت اعمل جدول الزيارات للفروع لارى ماذا نفذن من التعليمات , ولاكتشف ان كثيرا منهن لم يفهمن اي شي من جدول الاعمال الذي ناقشناه في الاجتماع الماضي, اما بسبب ضعف تركيز منهن , او اهمال ولا مبالاة ,
وكانت ثمة منسقة واحدة من أصل تسعه , ذكيه ونشيطه وتستوعب التعليمات بسرعه .

لا احب فكرة طرد أي موظفه الا اذا عملت تجاوزات خطيرة مثل سرقه واضحه أو تجاوز على زميلاتها بحيث يقدمن شكوى ضدها او تجاوز على العراقيين المستفيدين من المشروع,
عادة كنت افضل اسلوب التنبيه والانذار واعطاء مهلة زمنيه لتغيير السلوك ,
وعادة كانت تأتي النتائج ايجابيه ...

وعموما , اعتقد ان علاقتي كانت طيبة مع معظم موظفات المشروع وهن حوالي مائة موظفه , وخصوصا النشيطات الجادات في العمل , وكانت علاقتي متوترة مع بعض الموظفات الكسولات , كنت انغص حياتهن ويرين انني مستبدة , وكن يقدمن شكاوي ضدي لمديرة المنظمه التي تكون في الغالب إما صديقة حميمه لهن أو قريبه لهن , وهذا سبب الدلال الذي هن فيه , ولم أكن اقبل التنازل عن رأيي ليس لانني عنيده , لكن العداله تستوجب مني ان اكون منصفة في تقييمي للموظفات بغض النظر عن عراقيات او غير عراقيات , قريبات المديرة او بعيدات , اريد ان يكون كل شي قد انجز بشفافيه ومهنيه عاليه , هذا هو الموضوع الرئيسي الذي بقي يقلقني حتى آخر يوم في العمل ,
واعتقد انني غادرت مكتبي وكنت راضيه الى حد كبير عن مستوى الاداء , وضبط التجاوزات او الفساد خلال انجاز المشروع ..
وهذا بفضل من الله وتوفيق منه ....
الحمد لله وحده ...
********************************
هنا في القاهرة لا اخطط للخروج الى نزهه او زيارة متحف كما كنت افعل في زياراتي السابقه , لا أدري لماذا , لكني أشعر انني بحاجه لان اكون وحدي , ومعتكفه عن مخالطة الناس ...

قررت ان أقضي الايام في ترتيب البيت , والطبخ , وقراءة بعض الكتب , حتى يعود ماجد من الجامعه مساء .

واتابع ايضا انجاز بعض المشاريع الصغيرة عن طريق المراسلات البريديه عبر الانترنت .
مثل ارسال منظومات مياه الى مستشفيات او مستوصفات او مدارس في العراق , او جمع تبرعات لمشروع مكنات خياطه للنساء المهجرات في مناطق مختلفه في العراق مثل بعقوبه , الانبار, كركوك , الاهوار , ...
وهذه المشاريع تبقى معي حتى لو ذهبت لاقضي اجازه , لانني اراها التزام اخلاقي لا يمكن ان اتنازل عنه , او ارميه وراء ظهري, لا يمكنني ان اخذل هؤلاء الفقراء المحتاجين ليد المساعدة تمتد اليهم لتنقذهم من المحنه التي هم فيها , تخفف عنهم أعباء الحياة وهم بعيدون عن مدنهم وبيوتهم , حتى تستقر الامور في العراق كله, وتعود كل عائله مهجرة الى مسكنها الاصلي لتعيش حياة آمنه مطمئنه , هذا حلم كبير , ولن يتنازل عنه أي عراقي يحب العراق , كما اظن واعتقد .

*********************************************

أعود للحديث عن السنة التي قضيتها متفرغه نفسيا وجسميا لانجاز المشروع للعراقيين في الاردن ,
في بداية العمل , كنت أحس انني غريبه وضعيفه في جو العمل , المنظمة التي اعمل فيها لها مجموعة من الموظفات الدائميات , انا تم تعييني كموظفة مؤقته لادارة المشروع .
وبدأت عملية التصادم بيني وبينهن بعد الشهر الاول , حيث قضيناه نجامل بعضنا البعض , وكنت اتعرف قليلا قليلا على مفردات المشروع , وتقييم شخصية الموظفات من حولي واحدة واحدة .
ثم تبين لي ان النظام عندهم لا يتطابق مع وجهات نظري لعدة اسباب لا يمكن شرحها حفاظا على خصوصية العمل .
ولانني احب المثل الذي يقول لا ترمي الحجر في بئر ماء تشرب منه .
لا احب رمي الاحجار على الناس , فهذا عمل احمق لا طائل منه , وتجاربي علمتني ان اكون عملية جدا , المهم ما هو الانجاز الايجابي الذي يمكن ان نقوم به وسط هذه الفوضى ووسط هذا الفساد ؟
هذا دائما هو السؤال الذي يلح على خاطري.
واجهت صعوبات في التوفيق بين قناعاتي وقناعاتهم , وقدمت استقالتي مرتين او ثلاثة , لكني في كل مرة ارجع للعمل بناء على اجتماع بيني وبين المديرة, تكون نهايته جملة مثل هذه :
انت مديرة المشروع , ابقي في موقعك وافعلي ما ترينه مناسبا , لا تستقيلي !

وبعد كل استقالة كنت ارجع للعمل ومعي صلاحيات جديدة , ومعي الرغبه بأن اكون اكثر قوة وتصميما على انجاز المشروع حسب وجهة نظري, وبشفافيه ومصداقيه ومهنية عاليه ...

***********************************************
والان بعد نهاية العمل , اجلس لوحدي لاعيد قراءة السنه الماضيه , واعمل تقييما للتجربه ,
واحب ان يكون تقييمي بعيدا عن الطعن بالناس او التملق لهم ..
فقد جلست في قلب الاجتماعات وسمعت وناقشت ورأيت كيف تعمل هذه المنظمات وخرجت برؤيا قد تكون عامه , وقد تكون رأي شخصي بحت , لكني أحب ان اكتبها هنا حتى لا أنساها :
المنظمات الدوليه تعين موظفين جدد وجنسياتهم اجنبيه , لكن في الواقع لا يشكلون أية اضافه ايجابيه على تحسين الاداء في المشاريع , سوى ان رواتبهم تستنزف ميزانية المانحين , ويحضرون الاجتماعات لنتعرف عليهم ونرحب بهم
توضع المشاريع حسب رؤية وقناعة هؤلاء الموظفين الذين يشكلون طاقم الموظفين الكبار
ويكون الموظفون المحليون تحت قيادتهم, وهذا خطأ واضح, الموظف المحلي ينبغي ان يقود هؤلاء ويعطيهم فكرة عما يدور في هذه البلاد وما يحتاجه السكان او الضيوف من اللاجئين من برامج ومشاريع
o يخترعون برامج تستهويهم وتستنزف الميزانيه من المانحين, وهي في الحقيقه لا تؤدي تحسن في ظروف اللاجئين او السكان المحليين المستفيدين من البرامج المذكورة
o الحاجات الحقيقية التي تطلبها الفئه المستفيدة, يتم غض النظر عنها وتهميشها والاستخفاف بها
وتعطى الاولويه لبرامج تستهوي هذا الموظف الاجنبي مثل العنف المنزلي أو العنف ضد الطفل. وقناعتي دائما ان العنف المنزلي او العنف ضد الطفل سببه هو هذه الاحباطات النفسيه التي يعيشهاالاب أو الأم, هذه الظروف الاقتصاديه السيئه التي تعيشها العائله , اعطوهم تمويل لمشاريع صغيرة اعطوهم مهارات حتى يجدوا عملا افضل , هذا سيقلل من العنف المنزلي والكلام الفارغ الذي تركضون وراءه , لا احد يصغي كالعادة .
o تطبيق برامج مثل توزيع كاش بسيط ومساعدات عينيه مجانيه مثل صوبات وبطانيات ومواد تنظيف , والتوزيع احيانا يتم لهذه المواد العينيه بطريقه مفاجئه وعشوائيه غبيه لا عدالة فيها ,هذه تربي الناس حتى يكونوا اذلاء وطماعين ويحبون الوقوف لساعات طويله حتى يستلموا مساعدات تافهه , هذه تحطيم لشخصية الناس الذين يمرون في محنه , وليست برامج بناء لشخصياتهم واعادة الثقة بالنفس, بل بالعكس فهي تربي فيهم شخصية الشحاد الذليل وبمرور الوقت الناس تسقط كرامتهم ويستمتعون بلعب هذا الدور السخيف .
o الرقابه ضعيفه وتافهه على المنظمات التي تقوم بدور الشركاء , وذلك لقلة الزيارات الميدانية والاكتفاء بتدقيق السجلات والتي يمكن تزوير الفواتير والنشاطات ولا احد يدري ان فيها كان الكثير من الخدمات الوهمية التي لم تنجز ابدا , لكن من يدري ومن يثبت العكس؟
o اكتشفت انه حتى المنظمات العالمية التي تعمل على تطبيق البرامج في الاردن هي ليست نزيهه, وهي ايضا عندها موظفون فاسدون ربما من المحليين , لكن كون مدير البرامج اجنبي , هذه نقطة ضعف لانه لا يملك اتصال كامل بالمجتمع المحلي يمكنه من متابعة مصداقية انجاز البرامج او مصداقية التوثيق الذي في الفايلات ( اللغة حاجز اساسي احيانا )
o رأيت مشاريع تنجز وتصرف فيها عشرات الالاف من الدولارات وهي ليست ذات منفعه حقيقيه للناس , لكنها تربي فيهم حب المشاركه من أجل الكسب مثل تقديم مبالغ كاش عاليه للمواصلات او وجبة غداء مجانيه لكل فرد من العائله يحضر تلك الفعاليه , تذهب النساء واطفالهن ليس لما يحتويه النشاط من قيم او اكتساب مهارات بقدر ما يكسبون من فوائد ماديه , وبالمقابل فالمنظمه يمكنها ان تقدم توثيق وهمي أو كاذب عن عدد الحضور وخصم مبالغ كبيرة من الممول لكل نشاط تافه انجز , فصارت العمليه تجاريه محضه , اجذب المنتفعين بسبب دفع نقود كاش لهم ووجبة غداء, واعطي انطباع للمول ان البرنامج ناجح وان المستفيدين اعدادهم كبيرة , وهذه لعبة سخيفه للاسف يشارك بها اللاجئون بكل غباء وهم لا يدركون انهم يشجعون هذه المنظمات على السرقة والاستمرار بتقديم خدمات وهميه لا معنى لها , لكن التقارير تعطي مؤشر ايجابي ان هذه المنظمه لها اعداد كبيرة من المنتفعين ويستمر التمويل ..
o نفس اللعبه تقوم بها المنظمات المحليه , يعينون موظفات محليات برواتب عاليه تقارب الالف دولار والموظفه صغيرة السن بلا خبرة ولا مؤهل عالي , يكن عادة قريبات وصديقات مديرة المنظمه , ويتم التعامل مع اللاجئين بقسوة وتكبر من قبل هؤلاء الموظفات , هذه حسب الشكاوي التي كنت اسمعها يوميا من العراقيين الذين يراجعون تلك المنظمات , وعندما يحتاجون متطوعات يعملن في تلك المنظمات فانهم ياخذوهم من العراقيات صاحبات الشهادات الجامعيه والخبرة الطويله ويعطوهن رواتب رمزيه تتراوح بين مائة وخمسين الى مائتين دولار , من ضمنها طبعا ستكون نفقات مواصلات المتطوعه المسكينه التي ستطرق الابواب لتحصل على معلومات من عائلات عراقية لعمل فايل لكل عائلة هذه
الخدمه يسمونها خدمة الوصول إلى الغير
Outreach Service
ثم تقدم جداول المعلومات التي تم تجميعها للمفوضيه العليا ,
كنت الاحظ احيانا مصاريف نشاطات بعض هذه المنظمات مثل يوم اللاجيء العالمي تقدم كما يلي :

عرض فيلم للنساء , تكلفة الاجهزة والقاعه كذا مئة دولار
محاضرة : تكلفة القرطاسية والقاعه كذا مئة دولار
العاب ورسم على وجوه الاطفال : تكلفة شراء الرسوم وتفاصيل اخرى كذا مئة دولار
تقديم سندويشات للاطفال والسيدات : تكلفة كذا مئة دولار
والنتيجة بعد هذا الاحتفال ليوم واحد : المجموع : خمسة الاف دولار !
والله رأيتها بعيني السنه الماضيه ,
السؤال : ماذا اضاف هذا النشاط للاجئين ؟

اعطيني الان خمسة الاف دولار اشتري بها ادويه لمهجرين او لاجئين ...
اشتري بها مكنات خياطه للاجئات والمهجرات يخيطن ملابس لاطفالهن ..
اشتري بها منظومات تعقيم ماء لمهجرين او لاجئين ليشربوا ماءا نظيفا ...
اصلح بها شبابيك وجدران وابواب وصفوف وكراسي وطاولات مدرسه في قرية عراقيه نائيه بها مئات الطلاب الفقراء ...
لكن المشكله هي ان هنالك ثمة خلل في الممولين , وخلل في المطبقين للبرامج , لا ادري هل ثمة غباء ام فساد ام حسن نيه ام سوء نيه لا ادري , تحيرني هذه الاسئله ولا اجد لها جوابا ....
******************************************************
بعد نهاية العمل , كنت افكر كثيرا واتساءل عن اسباب الخراب الذي يعيشه العراق بعد الاحتلال , وما معنى ضعف الرقابه وما معنى الفساد الاداري ؟
فلو كنت مديرة للمشروع ولم اتمكن من زيارة الفروع ميدانيا لرؤية العمل بعيوني ومقابلة طاقم الموظفات وسماع آرائهن حول تحسين العمل او مشاكله وصعوباته , ورؤية المنتفعين من المشروع لسماع شكواهم او ردود افعالهم , واتحقق بنفسي من انجاز كل شيء بالطريقه الصحيحه , فكل هذه الاشياء كانت تطور العمل وتدفعه للأمام , ولو حرمت منها كنت سأرى فشلا واضحا أمامي ..

لكن, لو كنت وزيرة في الحكومه العراقيه الحاليه , او عضوة برلمان , بكل خبرتي وطموحاتي , كيف يمكنني تطبيق اعادة اعمار البلاد وأنا لا اقدر على زيارة المواقع لسوء الاحوال الامنيه ؟
كيف اثق ان المشاريع طبقت بطريقه صحيحه ؟
كيف اصدق ان الاموال انفقت في المكان الصحيح ؟
هل سيكون عندي طاقم من المساعدين الذين يستحقون الثقه وينقلون لي المعلومات الحقيقيه من الميدان ؟
ام انني ساكون محاطة بموظفين فاسدين يستغلون فرصة انقطاع التواصل بيني وبين الناس لتوصيل معلومات وهميه لي ؟
كيف يمكن انجاز اعادة اعمار البلاد وطاقم اصحاب القرار لا يقدر على النزول للميدان لرؤية تنفيذ المشاريع بعيونهم,

الآن فهمت اكثر ما هي حقيقة مأزق الحكومه العراقيه الحاليه , ولماذا تفشى الفساد والسرقات دون انجاز حقيقي لاعادة اعمار البلاد .....
وكم هي كبيرة وعميقة الفجوة بين الناس الفقراء والمحتاجين والمهجرين , وبين صناع القرار,

*************************************************

العراق يحتاج الى سنوات طويله حتى يتعافى ...
يحتاج الى خروج قوات الاحتلال أولا ,
وتقوية بناء الدوله والجيش والشرطه لتكون بأيدعراقيه مخلصه أمينه قويه ...
ثم يعاد اعمار البلاد خطوة خطوة لتعود الحياة المدنيه , ماء وكهرباء ومواصلات ومدارس ومستشفيات ,
ويعود العراق كما نحب ان يكون , اخضر زاهيا ,
واهله يعيشون تحت سماء واحدة , تجمعهم كعائله واحدة , كل فرد فيها يحب الخير لاخيه كما يحبه لنفسه ,

الحلم الجميل سيبقى في الافق ...
ونسأل الله ان يتحقق يوما ما , قريبا كان أم بعيدا,
لكن ذلك اليوم سيأتي بعون الله ...
وكلنا في انتظاره ...
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ...




<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives