Friday, March 28, 2008

 

بعد خمس سنوات من احتلال العراق...

الخميس 27 آذار 2008
السلام عليكم....
ما عادت كتابة اليوميات طقسا من طقوس حياتي كما كانت ونحن نعيش في بغداد...
أو حتى بعد ان غادرتها الى الاردن 2005
لا أدري فربما كثرة المصائب التي رأيتها بين العراقيين هنا, أو سماع الاخبار السخيفة القادمه من داخل العراق كل يوم , قد جعلتني أشعر بالملل من الكتابه, وزادت قناعتي أن مساعدة الناس هي أفضل وسيلة لعمل التغيير الايجابي على الأرض, بدلا من إضاعة الوقت في الكلام والجدل الفارغ.....
ايضا , أعلم ان الحل لمشاكل العراق هو حل سياسي وليس عسكري, لكنني أفعل ما استطيع لتخفيف المعاناة عن أسر فقيرة وضعيفه أقابلها هنا, وتحتاج ألى مد يد العون لإبقائها على قيد الحياة...
ثلاث سنوات مرت علي هنا, وخمس سنوات منذ الحرب على العراق واحتلاله , ومئات من قصص حزينه أثقلت على قلبي بمرور الوقت وجعلتني اتحول الى مخلوقة حزينه معظم الوقت,
وجادة الى درجة قد أبدو جافة لكثير من الناس الذين لا يعرفون حقيقتي....
في الحقيقة أنني لا احب ان ابدو قاسيه او جافه , لكن الأمر ليس بيدي ...
وأقول لنفسي : هذه من سمات الناس الذين مروا بتجارب قاسية مثل الحروب ..
ثم أواسي نفسي وأقول : وهي أهون من أن تهتز شخصيتي او احبط او أفقد الشعور بالأمل...

ما زال في داخلي قوة وصبر وأمل كبير ...
لكنني فقدت الكثير من صفاتي الشخصية الرقيقه والرومانسية...
حتى دمعتي صارت عزيزة , ما عدت أراها تنزل بسهوله , كنت بعد الحرب كثيرة البكاء,
أما الآن فلا أجد في البكاء أي فضيله أو جدوى.....
ربما رؤية الناس وسماع مصائبهم هي التي أعطت قلبي هذا الشيء من القوة والصلابه..
لكن مازال فيه الكثير من الرحمه والشفقه للفقراء , وهذا ما أكون حريصه دائما على أن يظل في قلبي, الرحمه والشفقه على الضعفاء من المخلوقات....
هذه صفات إنسانية نبيله , وأظن أن من يفقدها , يكون قد فقد جزءا كبيرا من إنسانيته ....
****************************************
الحيوانات الاليفة هي مخلوقات ضعيفة أحبها جدا منذ طفولتي , وتعطيني الشعور بالراحه النفسيه ,
لذلك أنا حريصة دائما ان يكون عندي قطة في البيت منذ حضرت الى الاردن , لحد الان اقتنيت ثلاث قطط....
الاولى هربت للشارع واختفت قبل سنة , والثانية تمرضت وماتت وبكيت عليها قبل شهور, والثالث هو قط صغير لونه رصاصي أسميته تغر , يعني نمر, عمره الان 6 شهور , وهو يستقبلني عند عودتي للبيت بالركض والهروله من حولي ليبدي فرحته بعودة ماما , ويجلس على طاولة الطعام حين اتناول غدائي, وينام بحضني حين أشتغل على الكومبيوتر, وينام على راسي أو عظام صدري حين استلقي للنوم , اتضايق منه واطرده , فيجلس على المخدة يخمش راسي بمخالبه ويفتعل معركه طويله مع خصل شعري فيجعلني أضربه ثم يهرب ...
نقضي احيانا وقتا في اللعب والعراك , وأنهي اللعب بسرعه لأن مخالبه قويه , ويدي تبدو عليها آثار المعارك معه ....
هذا القط الصغير المجنون هو متعتي في حال غياب أولادي ...
وهذه العلاقة معه تمتص الكثير من التعب والتوتر اليومي نتيجة التعامل مع فئات مختلفه من الناس, اكثرهم متعبين ويصعب إرضاؤهم ....

أو أن قصص العراقيين المنكوبين الذين اقابلهم , اتعبتني واحزنت قلبي كثيرا ....
*********************************
كم من عائلة كانت تعيش تحت ظل بيت آمن , وتملك مصدر رزق ثابت , ولها طقوس حياة يوميه ثابتة مستقرة, لكن الحرب والاحتلال دمرت كل شيء, ومزقت هذه الاسرة, وافقدتها البيت ومصدر الدخل الذي كانوا يعيشون عليه, وجاؤا هنا مثلا الى عمان , أو ذهبوا الى سوريا, وغيرها من دول الشتات, ليعيشوا حالة من الفزع والخوف مما حدث ومما سيأتي, ولسان حالهم يقول : أين كنا وأين أصبحنا؟
ويقضون ايامهم في السؤال والبحث عن المساعدة, من حكومات أو منظمات أو سفارات ...
لم يتركوا بابا الا وطرقوه, لكنهم في معظم الاحيان لم يحصدوا سوى الخيبة , او قطرات من مساعدات لا تكفي لعيش كريم ...
كنت اتمنى دائما ان يسنح لي الوقت لكتابة قصص طويله عن عوائل كثيرة حتى يعرف الناس تفاصيل حياة العراقيين هنا وهناك...
نحن بشر, وبيننا قواسم مشتركه كثيرة, ونكره السياسه والمصالح والكلام الفارغ الذي لا طائل منه,
ونكره الحروب والاحتلال وسفك دماء الابرياء , ونتعاطف مع بعضنا البعض حين نسمع عن عائله لديها طفل مريض وليس عندهم رصيد لتسديد تكاليف علاجه..
او عائله فقدت الأب وظلت الزوجه شابه وأرمله مع عدد من الايتام , كيف سترتب امورها لتربي هؤلاء الايتام وتعلمهم وتجاوز بهم منطقة الخطر الى بر الأمان ؟
كم من موقف استغلال سيواجه هذه المرأة الشابه التي تعيش بلا حمايه هي واطفالها؟
ونساء اخريات وجدتهن يعشن لوحدهن لأن عوائلهن تعرضوا للقتل او التهجير, فخرجن يبحثن عن مستقبل افضل, بعضهن أرامل او مطلقات او غير متزوجات أصلا, كم من خطر يهدد حياتهن ومستقبلهن؟ كم من مواقف استغلال ومذله سيتعرضن لها؟ من سيحميهن ؟
ورجال يعيشون لوحدهم لأن عوائلهم في العراق ولم تلحق بهم , يتعذبون بسبب عدم قدرتهم على جمع شمل العائله, ولانهم يعيشون ظروف فقر وحرمان لم تمر عليهم في أي وقت سابق ...

لا أعرف لماذا يتزايد عندي الشعور أن العالم الذي نعيشه هو عالم بلا عداله, بلا رحمه , الناس صاروا قساة القلوب وأغبياء وأنانيين , الذي عنده لا يفكر بمساعدة من يحتاج المساعدة ,
هذه الحروب دمرت اخلاق الناس , وليس فقط حياتهم....
الفقراء تدمرت حياتهم وزادت احتياجاتهم ومعاناتهم,والاغنياء زادت اموالهم وقسوة قلوبهم ....
الفقراء يزدادون يوما بعد يوم , وهم الاكثريه ...
والاغنياء يملكون ما يفيض عن حاجتهم , ويحتكرونه لانفسهم , وهم أقليه ..
**********************************

هذه الحرب دمرت حياة الملايين من العراقيين , لكن من يصل اليهم وينقل قصصهم الحزينه؟
عادة يتصل بي أشخاص قادمون من الغرب , من صحافيين او صانعي افلام وثائقية , ويطلبون مقابلات مع عوائل عراقيه لينشروا معاناتهم حول العالم , لكن يظل العدد محدود والجهد محدود , ويظل الناس حول العالم تسيطر عليهم نشرات الاخبار السخيفه المحبطه التي ما عاد أحد يهتم بها , لأنها تعيد نفس القصص الممله وتصور التفجيرات والنيران والناس يصرخون , والتي تجعل من الحرب والعنف والقتل طقسا يوميا عاديا .....
***************************
كنت أقضي السنوات الثلاث الاخيرة في اعمال تطوعيه مختلفه لمساعدة العراقيين, وأمتلكت خبرة من خلالها كيف اتعامل مع الناس وكيف احل مشاكلهم بطريقه عمليه ,رغم كثرة الاحتياجات وقلة مصادر التمويل ....
وقبل شهر حصلت على وظيفه مع إحدى المنظمات المحليه هنا, والتي تعمل مع المفوضية , لتطبيق برامج تخدم اللاجئين العراقيين في الاردن , وطبعا الكوارث كبيرة والتمويل صغير كالعادة ..
المفوضية تبكي دائما ان لا مصادر كافيه للانفاق على احتياجات العراقيين من غذاء أو علاج طبي او نفقات دراسيه أو غيرها من احتياجات الناس في كل مكان ....
بينما اتساءل في نفسي : كم من مليون ينفق يوميا على الحرب في العراق؟
دبابات وطيارات مقاتله وطائرات هليكوبتر وجنود ورجال أمن واسلحه ثقيله وخفيفه , وقائمة مصاريف لا نهاية لها ...
وأرقام تتكلم عن اثنين او ثلاثة ترليون دولار هي نفقات الحرب على العراق, وعجز في الميزانية الامريكية يتجه نحو اثنين ترليون دولار, وهبوط في قيمة الدولار عالميا ,وكوارث اخرى ستصيب اقتصاد اميركا في المستقبل القريب....
السؤال إذن : من هو الرابح في هذه الحرب الغبيه؟


بوش ودك تشيني وغيرهما من مروجي الحروب في العالم , يدعون أن ثمة تطورات ايجابيه حصلت في العراق, وأنا أتساءل دائما ما هي تلك التطورات التي لم يدركها المواطن العراقي المسكين الذي ما زال محروما من الامان والاستقرار والماء النظيف والكهرباء المستقره ووظائف العمل المتوفرة, ما هي التطورات الايجابيه التي يقصدها بوش وتشيني ؟
بناء قواعد عسكريه أمريكيه ثابته في العراق؟
قتل المزيد من العراقيين المعارضين للوجود الامريكي؟
تمكين القيادات العراقية المواليه لبوش من احكام السيطرة على صناعة القرار في العراق؟
عقود طويلة الأمد لاستثمار النفط العراقي لشركات أمريكيه وبأسعار رخيصه؟

وعندنا مثل يقول : والمخفي كان أعظم....
يعني بوش وتشيني ومن يشابههم من مجرمين , عندهم أسباب كثيرة للاصرار على البقاء في العراق, وأن ما حدث من كوارث انسانية او اقتصاديه سواء في العراق او اميركا , هي بالنسبة لهم تستحق أن تكون ثمنا, لمكاسب يحلمون بتحقيقها على المدى البعيد....
********************************************
وفي هذ الوقت , أستلم كل يوم اتصالات جديدة تبلغ عن عوائل عراقية تعاني من الحرمان والجوع والمرض, تحتاج الى حصة غذائية أو من يدفع أجرة البيت او العلاج لمريض...
يعني 100 دولار فقط تدخل الفرحة الى بيت وقلب أفراد عائله واحدة ربما عددهم خمسة ..
بينما تصرف يوميا ملايين الدولارات في العراق لقتل المزيد من المدنيين والأبرياء وتدمير مدنهم وقراهم ومستقبلهم ؟
ما هذا العالم القذر من حولنا و الذي فقد أخلاقه ؟
********************************************

وهذه الايام ثمة قتال يدور في بغداد والمحافظات الجنوبيه مثل الكوت والحلة والبصرة خاصة , ومنع تجول وتوتر شديد في الديوانية والناصريه وغيرها من محافظات الجنوب...
قتال بين شرطة وجيش ومليشيات لأحزاب في الحكومه وتساندهم القوات الامريكية , ضد جيش المهدي وهو مليشيا تابعه لمقتدى الصدر....

بالأمس اتصل مذيع محطة راديو بريطانيه وسألني في مقابله على الهواء: هل تظنين أن هذه المعارك بين الحكومه العراقية والمليشيات هي مؤشر أن الحكومه العراقية أخذت دورها للسيطرة على العراق وتحسين الوضع الأمني وتحجيم دور المليشيات ؟

لا أدري لماذا هؤلاء الناس في الغرب يفسرون الأشياء بطريقة تختلف تماما عن الواقع؟

المسألة ان ثمة انتخابات ستحدث في المحافظات العراقية في شهر اكتوبر القادم , وثمة اختلاف في وجهات النظر بين جماعة مقتدى الصدر من جهة, وجماعة الحكيم والمالكي من جهة اخرى, حيث الاخيرين أكثر ولاء للاحتلال , والأول عنده مواقف معاديه للاحتلال, فيبدو واضحا أن هذه عمليات تصفية من أجل مصالح سياسية بالدرجه الاولى حتى يكسبوا مقاعد في مجالس المحافظات بعد الانتخابات , ويمرروا قانون الفدراليه مثلا, وغيرها من قوانين سيعتبرها بوش وتشيني( مكاسب ايجابيه)
بينما يعتبرها عراقيون مثلي انها كوارث تاريخيه , من سيفرح وهو يرى وطنه يتشظى الى قطع صغيرة ممزقه متناحرة يحكمها لصوص ومليشيات ؟

وطبعا تجري هذه التصفيات الدمويه في شوارع العراق, ويذهب ضحيتها عشرات او ربما مئات من عراقيين مدنيين أبرياء , لكن لا احد يضرب الطبول ويبكي عليهم كما بكى بوش وبلير على ضحايا الدكتاتور صدام حسين....
لماذا؟
لأن هذه الحكومة في العراق صديقة بوش وينبغي ان نستر عيوبها؟
هممم....
العالم مصالح يا عزيزي, لا يوجد أبيض خالص ولا أسود خالص,
الالوان تتقلب حسب المزاج , وكذلك يتم تفسير الاحداث حسب المزاج...

ومسكين يا عراق , ومساكين هم أهل العراق, فثمة اكثرية مغلوبه على أمرها, تدفع ثمن حماقات أقليه فاسدة...
نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين , حتى نرى نهاية هذه المسرحيه الدمويه التي تجري على أرض العراق منذ احتلاله ...
منذ خمس سنوات عجاف , مليئات بالخراب والدمار والقتل وسفك الدماء ....
حسبنا الله ونعم الوكيل...

وننتظر أيضا لنرى نهاية بوش ومن يؤيده في هذه الحرب , كيف ستكون؟



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives