Friday, February 15, 2008

 

بين الهموم الصغيرة والكبيرة ....

الخميس 14 شباط 2008
السلام عليكم....
هذه الأيام أنا في القاهرة , أزور إبني الذي يدرس هنا...
أحب مصر كثيرا , وخصوصا القاهرة, فثمة أشياء مشتركه بين الناس هنا وبين العراق,
الناس هنا وجوههم ضاحكه مستبشرة ,وخصوصا مع الزائر , يرحبون به ويحترمونه , كما كان يفعل العراقيون قبل الحرب, اما الان فيا ويل أي مواطن عربي من دول الجوار لو دخل العراق لزيارة, فثمة بغض وتحريض ضد جيراننا العرب حصل بعد الاحتلال الامريكي ...

وأيضا هنا نهر النيل, ما أجمله !
يذكرني بنهر دجله الحبيب الذي يمر وسط بغداد ويقسمها الى كرخ ورصافه, لكن دجلة الان يغرق في الحزن والاهمال, الذي أصاب كل العراق, بعد الاحتلال...

والانسان الذي تعود أن يعيش في مدينة منبسطة بها نهر, او تشرف على بحر او محيط, يصعب عليه العيش بمدينة جبليه لا ماء فيها, كما هو الحال في الأردن, هناك أحس بوحشة كبيرة وأشتاق لرؤية منظر المياه والنهر
.....
أقضي إجازتي هنا في راحة بال وهدوء افتقده في عمان, هناك حيث أعمل متطوعه لمساعدة العوائل العراقية الفقيرة والمحتاجه , فقد أرهقني هذا العمل كثيرا , فهو يثقل على روحي وجسمي ويزيد همومي وأحزاني, والسبب ليس قلة في سعة صدري وصبري, إنما هي قلة التمويل لمساعدة الناس..
المنظمات التي تعمل تحت إشراف اليو إن , تقدم مساعدات تشبه طريقة القطارة, يعني قطرة قطرة , وهذا تعذيب للناس المحتاجين ومهانة ومذله...
لكن ماذا نفعل سوى القول : حسبنا الله ونعم الوكيل؟
فالدول والحكومات نفضنا أيدينا من إمكانية إعطاءها مساعدات للاجئين أو المهجرين العراقيين , ويبقى الأمل في الناس العاديين أو المنظمات غير الحكوميه..
وهؤلاء أيضا ليسوا دائما ملائكه ويعملون بما يرضي الضمير , إنما هنالك ثمة فئة قليلة تخلص في العمل , لكن الكوارث التي اصابت شعب العراق كبيرة, وكبيرة جدا, بعد الاحتلال, وهذه الفئه الصغيرة المخلصه , لا تقدر أن تغطي معظم الاحتياجات...
*****************************
أحس أحيانا أنني أعيش بين دوامتين..
واحدة صغيرة هي هذا العالم من حولي والمليء بأناس منكوبين يحتاجون المساعدة والاصغاء والمواساة والمساعدة المادية مثل دفع أجرة البيت أو الطبيب للعلاج أو تمويل مشروع صغير يبقى العائله على قيد الحياة , وبين أخبار العالم من حولنا, كلها محبطة وسخيفه كأنها تدور في مطحنه عتيقة مظلمه لها صوت صرير ممل ....
أخبار العراق كما هي , صراعات سخيفة وتصريحات متناقضة ولا شيء حقيقي ايجابي على الارض, حتى صار حلم العودة للوطن كأنه شيء مستحيل بعيد المنال....
وأخبار الانتخابات الامريكية نفس الكلام والتصريحات والتنافس والدعايه الانتخابيه ,
والناس هناك هل هم مغفلون ؟ ام هم فعلا يريدون تغيير هذه القيادات الفاسدة الكذابه التي لديهم؟
لا ادري , أشفق على الشعب الامريكي كما اشفق على الشعب العراقي, كلاهما كبش فداء لفئة جشعه تدمر هذا العالم , وتسحقه بلا رحمه, وتنشر الاكاذيب من خلال وسائل إعلام تابعه لرجال أغنياء فاسدين مفسدين...
********************************
كلما زرت بلدا عربيا , تأكد لي أننا كلنا نعاني من نفس الامور, انظمة حكم مستبدة لا تتعامل مع شعوبها باحترام ومودة وإنما بعدوانية وقمع مستمر, ولم يكن صدام حسين هو الوحيد الذي يتصرف هكذا مع شعبه...
سوء الاحوال المعيشيه وارتفاع الاسعار وزيادة الفقر والبطاله والسخط والغضب بين الناس...
الشعور بالمرارة والخيبة والهزيمه عند الشعوب بسبب عجزها عن مساعدة اخوانهم في العراق وفلسطين ولبنان وغيرها من دول عربيه تعيش المحنه والظلم....
إلهاء هذه الشعوب بقصص سخيفة مثل مباراة كرة القدم وكأس آسيا أو كأس افريقيا, ثم تخرج مسيرات في الشوراع واعلام وسيارات وزوامير كلها تصرخ وتحيي فريق كرة القدم على الهدف الذي تحقق , وكأن لسان حالهم يقول : أهذا هو كل ما لدينا الان؟
لم يتبق لنا هامش للفرح بنصر سوى مباراة كرة قدم ؟
لا يسمح لنا بمظاهرات ضد الحكومه لو رفعت الاسعار او قررت أي شيء لا يعجبنا؟
مسموح لنا فقط الخروج للشارع لتحية فريق كرة القدم ؟
أي بؤس وخيبة أكثر من هذه؟

وشوراع المدن العربيه تملؤها الاعلانات اما لمنتجات استهلاكيه وسيارات ومطاعم وفنادق ,أو دعايات افلام سينمائية معظمها تحمل صور عنف ومسدسات وعصابات , او صور لفنانات عربيات شبه عاريات وفنانين من الرجال وجوههم تشبه النساء ولا رجوله فيها..
أهؤلاء هم قدوة ابناءنا وبناتنا في هذا العصر؟
أين علماء الأمة والمثقفين ؟
ماتوا ؟ انقرضوا ؟ تهمشوا ؟
في العراق أعرف الجواب, إما تم قتلهم أو تهجيرهم من البلاد , وتهميشهم فلا أحد يلتفت اليهم أو يذكرهم, حتى بدأ العراقيون يفقدون الثقة بأنفسهم وبمستقبلهم ..
فالشارع هناك تحكمه عصابات مسلحه ومليشيات طائفية هم حثالة المجتمع من مدمني المخدرات وخريجي السجون, وكأن واقع الحال يقول : هذا هو العراق ...

لكنني شخصيا لا أؤمن بهذه القصة التي يتم الترويج لها منذ الاحتلال, فأنا أعرف تماما أن الاف العراقيين من اصحاب العقول النظيفه , قد تم اغتيالهم او اجبارهم على مغادرة البلاد , حتى يتم افراغ البلاد منهم , ويبقى المحتل هو صاحب الكلمه العليا , يتبعه ويطيع أوامره الضعفاء الانتهازيون الذين بلا كرامه والذين قبلوا على انفسهم أن يكونوا اتباعا له , فهذه فرصه لهؤلاء للنهب والسلب , ويا ليتهم يشبعون , يبدو أن مال الحرام مثل ماء البحر , كلما شربوا منه زادهم عطشا , سبحان الله , هذه لعنته على القوم الظالمين...
سيأتيهم يومهم , وسوف يعلمون ...
وهم بالنسبة لي ,مساكين لا يستحقون سوى الشفقه ....
*************************
وأنظر لحال المسلمين في بلاد المسلمين...
المسلم الحقيقي يجد نفسه غريبا هنا في هذه الشوارع وبين هذه الاعلانات ...
هذا زمن محزن, زمن متعب, زمن الفتن ,يصبح الانسان مؤمنا ويمسي كافرا من كثرة المصائب التي يراها كل يوم...
والمسلمون ضعفاء , ومهانون في اوطانهم , وثمة من يبشع صورتهم ويسيء اليهم في معظم دول العالم...
لكنني أرى بعيني أن الغالبية من الناس وخصوصا الفقراء , يتمسكون ويتشبثون بالاسلام , ويزدادون تمسكا به , لأنهم يرونه هويتهم , وخلاصهم من هذا الظلم الذي يعيشونه ,
سبحان الله ..
يعني عندما اتذكر طفولتي , وايضا شبابي حين كنت في الجامعه في السبعينات , لم يكن ثمة إسلام , العلمانية هي الطاغيه في مجتمعاتنا, احزاب قوميه وشيوعيه ...
وليس ثمة شابه واحدة تلبس الحجاب في المدرسه أو الجامعه ..
والله صدقوني...
كنا نلبس تنانير فوق الركبه بشبر أو اثنين ...
وكنا نسمع ونحفظ كل الاغاني الغربيه , قبل العربيه , بتولا كلارك, انغلبرت همبردنغ, توم جونز,....
لم نكن نعلم شيئا عن الاسلام غير الذي نقرأه في درس الدين في المدرسه , ثم في الجامعه توقفنا عن أخذ دروس الدين...
حتى اباءنا وامهاتنا كانوا لا يعلمون تفاصيل الدين , يعني لا توجد كتب مبذوله في الاسواق ...

كانت مصر فيها عبد الناصر والفكر القومي ..
وسوريا ايضا قوميين وشيوعيين...
والعراق قوميين وبعثيين وشيوعيين...
هذه اكبر ثلاث دول عربيه واكثرها حضارة, ثم تأتي دول اخرى صغيرة مثل لبنان والاردن وفلسطين , كلها احزاب علمانيه متناحرة, نفس القصة كما في العراق وسوريا ومصر..
دول الخليج مغلقه , فيها حكم عوائل مالكه , لا أحزاب...

ثم تقدم الزمن وجاءت الثمانينات والحال بدأ يتغير ...
خيبات الأمه وهزائمها المتراكمه خصوصا في حرب 1948
ثم حرب 1967
ثم 1973
كلها في فلسطين

ثم حرب لبنان 1975 لمدة 15 سنه
ثم حرب العراق مع ايران ثمان سنوات انتهت 1988
ثم الانتفاضه في فلسطين 1987
ثم حرب العراق مع الكويت 1990
ثم الحصار الذي استمر حتى 2003 احتلال العراق وتدمير ما تبقى منه....
ثم الحرب الاخيرة بين لبنان و اسرائيل
ثم القتال الطاحن في فلسطين الذي لم يتوقف منذ 60 سنه

هذه الاحداث أثرت على كل فرد عربي تماما كما أثرت علي أنا ...
ليست المسألة ان هذا العراق او هذه فلسطين أو لبنان أو غيرها..
الواضح تماما أن هذه الحدود المصطنعه بين الدول العربيه بعد الحرب العالميه الاولى واتفاقية سايكس بيكو, لم تدخل قلوب الناس وعقولهم تماما, مازال الكثير منهم يؤمن ان هذه بلاد العرب والمسلمين بلاد واحدة, الذين يفرحهم والذي يحزنهم هو ذات الموضوع , لهم نفس المزاج الشعبي, لهم نفس الاحلام أن تتحرر فلسطين ويعود أهلها اليها يوما ما, لهم نفس الشعور بالذنب والخزي اننا أمة مقصرة مخطئة متكاسله عن الدفاع عن حقوقها , تنازلت عن كرامتها بيديها ...
لهم نفس الحزن والغضب لما أصاب العراق منذ 1991
ينتقدون صدام حسين , لكنهم لا يرضون أن تأتي أميركا لتحتل العراق, يرون أن الحاكم المسلم لو أخطأ يمكن ابداله بحاكم مسلم اكثر عدلا منه , وليس بمحتل اجنبي يكره الاسلام , هذه كلمات الناس وليست كلماتي...
الحرب على العراق واحتلال العراق والمذابح اليوميه هناك , تؤلم الناس في كل بلد عربي وتزيد الشعور بالغضب ...

ونتيجة هذه التركمات المحبطة , ماذا كانت النتيجه على أرض الواقع؟
النتيجة انه زاد الرجوع للاسلام , وتخلى الناس عن الاحزاب العلمانيه واعتبروها تافهة وفاشله !
سبحان الله ..
وفلسطين مثلا خير دليل...
كيف تحول الناس في الانتخابات الاخيرة من انتخاب فتح والجبهة الشعبيه ( تنظيمات علمانية تأسست منذ الستينات ) الى انتخاب حماس الاسلاميه؟
لماذا ؟
لأن الناس يقولون أن حماس أكثر وطنية , وأقل فسادا ...
يبدو أن مزاج الناس يريد الاحزاب التي تدافع عن حقوقهم الوطنية المسلوبه , فقدوا ثقتهم بالاحزاب القديمه التي باتت مثل القطط السمينه المترهله , هكذا ينظر الناس لرموز السلطة الفلسطينية , ويظنون انهم نهبوا أموال التبرعات التي جاءت من انحاء العالم لشعبهم , حيث تمتعت بها فئة صغيرة على حساب الاف العوائل الجائعة والمحرومه من كل شيء , ولم تقدم هذه السلطه اي شيء لشعبها لتحسين حياته ..
التجارب المريرة تجبر الناس على اختيار قيادات بديله ...
******************************

والان ماذا يحدث في البلدان العربيه والاسلاميه خصوصا بعد التسعينات وسقوط الاتحاد السوفيتي واستحواذ اميركا على العالم وحربها على الارهاب ( المسلمون يسمونها حرب على الاسلام ) وتشويه صورة الاسلام ولصق كل التهم القبيحه بالمسلمين من إرهاب وقتل وتخريب منذ احداث سبتمبر ولحد الان....
ماذا حصل في بلداننا حسب ما أرى بعيني؟
زادت المكتبات التي تطبع كتب الاسلام وتعيد احياءه من جديد...
زاد الحجاب بين النساء وأنا واخواتي منهن, نحن الاربعه كنا في صغرنا علمانيات لا نفهم اي شيء في الدين, الان تحجبنا وكذلك بناتنا !
ونحن مهندسات وطبيبات وصيدلانيات , يعني لسنا جاهلات قليلات التعليم حتى يقال ان ثمة من ضحك علينا...
تغيرت الاشياء في اوطاننا ...
في الظاهر, تبدو حكوماتنا تحارب الاسلام , لأنها تخاف من بطش بوش وأميركا ...
بينما شعوبنا تتحدى حكوماتها وتتشبث بالاسلام ...
هذا هو واقع الحال...
دروس تحفيظ القران وشرح الفقه والشريعه واحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم , صارت مألوفه في كل المجتمعات العربيه في البيوت او المساجد , كأن ثمة صحوة تسري بجسد المسلمين ليعرفوا حقيقة دينهم بعد التهجم والتشويه الذي تعرض له من قبل دول الغرب....

وفي نفس الوقت أرى ان موجة المطاعم والافلام الغربيه تجتاح البلدان العربيه والمسلمه , كأن ثمة صراع يدور...
في الحقيقة أن ثمة صراع فعلا يدور,
من سيغلب؟

في تركيا , منعوا الحجاب قبل سنوات , في الجامعات واماكن العمل , باعتبار ان الدوله علمانيه...
ثم ها هو يعود بعد تصويت اغلبية البرلمان عليه بالموافقه ...
اليس هذا شيء يثير الاستفهام ؟
لماذا يعود الحجاب ؟
نحن كمسلمين نقول : والله غالب على أمره ولو كره الكافرون...
يعني هذه إرادة رب العالمين , يفعل ما يشاء هو , وليس ما يريده الاغبياء المفسدون في الارض...
هو خالق هذه الارض وهؤلاء البشر , وهو أعلم بهم , وهو أعلم ما هو الخير المناسب لهم...
سبحانه وتعالى عما يصفون ...
أنا شخصيا أبتسم ...
لأنني مؤمنه به , وأرى ما يحدث على الكرة الارضيه من كوارث وحروب وآثام وقتل وسفك دماء, كله يحدث أمام سمع و بصر رب العالمين, وهو الحكيم الخبير..
حين سألته الملائكه في سورة البقرة لماذا يجعل في الارض من يقتل ويسفك الدماء ؟
وهم الملائكه يسبحون بحمده ويقدسون له ؟
قال لهم : إني أعلم ما لا تعلمون...
ونحن ايضا كبشر , تتلبسنا الحيرة احيانا ونقول : ماهذا يا ربي الذي يحدث على الارض ؟
لماذا تسمح للمجرمين والمفسدين ان يعيثوا فسادا في أرضك ويقتلوا خلقك ؟
نحن كبشر تصيبنا الخيبة والهلع واليأس لأننا لا ندرك ما هو الجواب....

وكأنني أراه في عليائه يبتسم أبدا ويجيب بنفس الكلمات التي قالها للملائكه عندما خلق الانسان من طين : أني أعلم ما لا تعلمون....

عندي قناعة شخصية ان كل شيء سيتبدل للأحسن , وأن هذه الشعوب العربية المسلمه المظلومه المقهورة , ستعرف كيف تغير هذه الانظمة وهذه القيادات , ليأتي من هو أكثر أخلاصا لهم ...
لكن متى يتحقق هذا الوعد؟
يحتاج الى عشرات السنين ربما ...
أما الآن فستبقى الاحزان جاثمة على قلوبنا ما دام واقع الحال مليء بالخيبات والاخطاء والعيوب .....

هذه هي أحزاني العامه والخاصة ....
واظنها تشبه أحزان كثير من الناس حولي....
لو حاولنا الهروب من همومنا الصغيرة , صدمتنا رؤية الهموم الكبيرة التي يغرق بها العالم ....
مثلنا كمثل السمكه الصغيرة التي تحاول الهرب من المقلاة والزيت الحار لتسقط في النار التي تحيط بالمقلاة !

وما لنا سوى الصبر .....
فصبر جميل والله المستعان .....



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives