Tuesday, November 20, 2007
العراقيون ومعاناة لا حدود لها .....
الاثنين 19 تشرين الثاني 2007
السلام عليكم...
منذ فترة طويله وانا احاول ان اقتنص الوقت حتى اكتب شيئا جديدا على الموقع , لكنني مشغولة جدا ,
سافرت الى ايطاليا لحضور مؤتمر للنساء من مختلف دول العالم ,
ثم عدت الى عمان لأجد صديقاتي الامريكيات ساشا وماري في انتظاري
حيث نجمع تبرعات ونقوم بتمويل مشاريع صغيرة لعوائل عراقيه هنا , خصوصا للنساء , مثل ماكنة خياطه او فرن للخبز او صالون تجميل في البيت او صناعة مخلل ومواد غذائية ليبيعوها ويكون ثمة دخل صغير يكفل للعائلة الحد الادنى من الحياة الكريمه وهم في الغربه...
هذه المشاريع طبقناها لحد الان على حوالي 15 عائلة , والبرنامج مستمر....
وعندما حضرت ساشا وماري ذهبت معهم اولا لزيارة العوائل التي تم تمويل مشاريعها الصغيرة, ورأت صديقاتي كيف أن هذه العوائل سعيدة وممتنه لما قدمناه لهم من مساعدات صغيرة وكيف ان هذه المشاريع التي تتراوح ميزانيتها بين 100 الى 300 دولار قد أدخلت السعادة الى بيوت يترواح عدد أفراد العائله بين 4 الى 7 أشخاص عادة....
ثم بدأنا جوله جديدة من الزيارات لعوائل جديدة لنسمع ونرى ثم نقررأن نمول أو نرفض الطلب...
عادة يرفض الطلب في حالات مثل : اذا العائلة عندها دخل جيد , مثل الزوج والزوجه يعملون متطوعين في منظمات برواتب معقوله مثل 100 دينار
أو 150 دينار لكل واحد
, فهؤلاء حسب تقديرنا لا يحتاجون الى تمويل مشروع, الدخل عندهم كافي لحياة كريمه نوعا ما...
والعائلة التي قدمت على طلب هجرة وتنتظر القبول , نرفض تقديم تمويل لهم ,
نحن نعطي العائلة المحتاجه فعلا حسب ما رأيناه في الزيارة, أطفال كثيرون , اثاث قليل وبسيط, لا يوجد في البيت أي مؤشر أن ثمة حياة معقوله هنا, لا يوجد سجادة على الارض, لا توجد ستائر , لا يوجد حتى كرسي للجلوس عليه احيانا نجلس على الفرشات الاسفنج التي يستعملونها ليلا للنوم...
ايضا نتأكد أن العائلة لم تطلب الهجرة ,
كيف نتأكد ؟
عادة العوائل المسيحية والصابئية كلهم دون استثناء طالبين الهجرة ...
نأتي للعوائل المسلمه , التي موجود فيها زوج وزوجة عادة هم صريحون في الكلام, الذي يريد الهجرة يقول قدمت وانتظر, والذي لا يريد يقول لم اقدم ولا افكر بالموضوع , انتظر تتحسن الاحوال وارجع للعراق, هؤلاء نعطيهم تمويل لمشروعهم ..
ثمة عوائل اخرى قابلناهم عندهم اطفال يعانون أمراض مزمنه يحتاجون علاج مستمر ومنظمات طبيه تتعهد علاجهم وتغطي نفقات العلاج لفترة طويله , كاريتاس هنا تعالج العراقيين , لكن بميزانية محدودة لكل عائلة , مما يضطر العوائل ان تنفق من جيبها الخاص على اطفالها حين يضطرون لدخول المستشفى كل شهر مرة او مرتين وكاريتاس تقول ان رصيد العائلة انتهى وينبغي ان يدفعوا من جيوبهم 200 دينار او اكثر , وتذهب العوائل لتستدين , هذا شيء محزن ومخجل, عوائل فقيرة لا تملك قوت يومها من اين لها ان تدفع 200 دينار او 500 دينار مصاريف علاج الاطفال او عمليات اضطراريه لهم؟
هذه منظمات عالمية وميزانيتها ممتازة , لكنها تعتذر وتقول ان الميزانية لا تكفي لتغطية نفقات كل مريض عراقي هنا,
العراقيون غاضبون و يقولون أين أموال النفط العراقي؟
لماذا لا تغطي نفقات علاج العوائل هنا من صندوق خاص من مبيعات النفط العراقي؟
لماذا لا تعطى حصص غذائية للعوائل من صندوق خاص من مبيعات النفط العراقي؟
والله لا ادري ماذا اقول , اين تذهب اموال النفط العراقي؟ لتسديد ديون حروب صدام حسين ضد ايران والكويت ؟
هل هذه عدالة وحكمة المجتمع الدولي الذي يقوده الرئيس بوش وادارته ؟
يموت العراقيون من الجوع والفقر والمرض داخل العراق وخارجه , وأموال نفطهم تنهب لتوضع في البنوك في حسابات شخصية للصوص العراق الجديد , او لشركات النفط الامريكية , او غيرها من مستثمرين شبعانين متخمين ؟
يبدو انه ما عاد ثمة عداله او رحمه في هذا العالم الذي يطغي عليه الظلم والنهب والسلب , والفقراء من لهم ؟
والله لا أدري ...
قلبي حزين ,
لكن ايماني بالله وقناعتي انه يمتحننا جميعا , هو الشيء الوحيد الذي يصبرني ,
وعملي المتواصل هو الشيء الوحيد الذي يواسيني لانني احاول ان أرمم مصائب الناس , أحاول ان ادخل السعادة الى قلوب وبيوت اناس معذبين مظلومين يمرون بظروف تعيسه , رغم علمي ان حجم الكوارث كبير في العراق, وان كل ما نحاول تصليحه هو اشياء صغيرة من هنا وهناك, لكنها افضل من الصمت او السلبية أو الانانية ...
واسعدني جدا ان أرى نساء أمريكيات من ثقافه مختلفة ودين مختلف وعالم مختلف تماما عن عالمي الذي تربيت ونشأت فيه ببغداد وغيرها من عواصم عربيه
لكن سبحان الله الذي جمعنا ووحد قلوبنا للعمل على مساعدة العراقيين ,...
لم نلتق من قبل أبدا, لكننا نملك رؤيا مشتركه للأمور..
يعني مثلا حين ندخل لزيارة عائلة, نرى ونسمع ونكتب ونتكلم ونلتقط الصور...
وحين نخرج من باب البيت نتمشى في الشارع و نبدأ التعليقات , دائما نتفق على وجهة النظر أما ايجابيه أو سلبيه ...
وكأننا تخرجنا من مدرسة واحدة ,
وهو في الحقيقة نعم , نحن ابناء مدرسة واحدة نعيشها كل يوم , مدرسة الحياة , علمتني مثلما علمت ساشا وماري حقائق كثيرة, علمتنا كيف نشفق على المريض والفقير وكيف نساعده على طريقة لتحسين ظروفه وايجاد حلول طويلة الاجل لتعيش العائلة حياة معقوله ...
يعني مثلا : زرنا عائلة فقيرة جدا من الموصل, الأب يعمل نجار احيانا , واحيانا يجلس في البيت , لأنه لا يملك اقامه ولا رخصة عمل, وصاحب المحل ممكن يدفع 500 دينار غرامه اذا وجدوا عنده عامل بلا اقامه ورخصة عمل...
الأم تعمل خياطه في محل ,
عندهم 5 اطفال تتراوح الاعمار بين 10 ثم 9 ثم عندهم تؤأم ثلاثي عمرهم 6 سنوات , هذه اول مرة بحياتي ارى تؤام من 3 اطفال ...
واحد من هذا التوأم اسمه ابراهيم عنده مشكله في قدراته العقليه , كثير الحركه ولا يتكلم , رفضت اي مدرسة استقباله , متعلق كثيرا بالأم ولا يمكنها الخروج للعمل او التسوق حتى يرجع اخوته من المدرسة..
البيت بحالة يرثى لها من الفقر, غرفة نوم واحدة للجميع , سريرين منفصلين والباقين ينامون على الارض, لا توجد سجادة على الارض والجو بارد هذه الايام, لا يوجد في البيت كرسي واحد بلاستك او خشب, لا توجد ستائر, لا توجد ادوات مطبخ معقوله , لا توجد العاب للاطفال , لا يلبسون ملابس كافيه ومناسبه ...
نحاول ساشا وماري وأنا ان نشتري لهم الاحتياجات التي ذكرناها , من تبرعات تلقيناها على الموقع الذي ذكرته سابقا,وايضا اليوم زرنا مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة واتفقنا معهم أن يفحصوا قدرات ابراهيم حتى نضعه في احد الصفوف , وينبغي ان ندفع عنه 150 دينار شهريا , حتى تتحسن حالته , وترتاح منه الام فترة الصباح حتى 3 ظهرا, حيث تقدر على الذهاب للمخيطه
( اشترينا لها مكنة الخياطه الصناعية في المحل واصبحت شريك في المحل)
هذه العائلة لم تفكر ابدا في الهجرة , هم فقط يحاولون تأمين قوت يومهم وحل مشاكل اطفالهم الصحية حيث عندهم طفله اخرى مصابه بمرض مزمن في الكلى منذ الولادة...
*********************************************
ربما سببت لكم الصداع , هذه مثال على حالة واحدة , لو رأيتم دفتر ملاحظاتي ودفاتر ماري وساشا سترون قصصا كثيرة معقدة ومحزنه لعوائل كثيرة , ونتناقش كيف نجد الحلول المتوازنه لكل عائله ....
عندنا جدول عمل طويل ومزدحم يحتاج الى شهور لانجازه...
ماري رجعت الى اوريغون وبقيت معي ساشا...
مازلت مندهشه كيف اننا انسجمنا ونملك رؤية متشابهه للأمور ؟
كنت عملت مع عدة منظمات عراقية بعد الحرب لكنني بصراحه لم أجد من يمتلك رؤيتي للأمور كما وجدت ساشا وماري, رغم أننا من بيئات مختلفة, لكن سبحان الله ربما جمعنا حبنا للانسانية ورغبتنا لمساعدة الضعفاء والمحتاجين ...
***************************
عندما عدت من ايطاليا , اتصلت بي صديقتي عراقية هنا , قالت: ام رائد أريد أن اخبرك على موضوع مزعج قليلا , قلت: تفضلي , يا ساتر ان شالله ماكو شي..
قالت توجد هنا جمعيه تساعد العراقيين , لكن يستدرجون الناس للذهاب للكنيسه, وحضور الصلاة , حتى لو كانوا مسلمين , وخصوصا الاطفال يعطونهم هدايا وحلويات , ويعطونهم قصص عن السيد المسيح , ويقرأون في الصلاة اناشيد للمسيح ...
وايضا يعطون للاولاد المراهقين تدريب في ملعب لكرة القدم , ثم يعطونهم نهاية الدورة هدية عبارة عن الكتاب المقدس , وسي دي فيه صور لاعبين كرة قدم , ونهاية السي دي ثمة شاب مصري يقول انا كنت مسلم ارهابي والان تحولت الى مسيحي مسالم...
قلت لها اين السي دي؟
قالت كسرناه...
قلت لها اريد منه نسخه, ضروري جدا جدا , وعدتني ان يبحث ابنها عن نسخه من اصدقائه, لكن يبدو انهم جميعا حطموا النسخ التي عندهم....
انزعجت كثيرا ... ليس لأنني لا احب المسيح عليه السلام , لكنني ضد فكرة استغلال الفقراء من اجل تغيير معتقداتهم ودياناتهم , يعني أنا مسلمه ولا أقبل ان يقوم مسلم بخداع مسيحي واعطاءه حلوى حتى يتحول الى الاسلام, هذه مسألة قناعه وعقيدة , وليست مسألة خداع واستدراج.....
الخلاصة : ذهبنا يوم الجمعه الى ما يسمى الكنيسه , وهي عبارة عن شقة صغيرة في عمارة سكنيه, والناس يجلسون في غرفة صغيرة , ومعظم النساء محجبات مما يدل على انهن مسلمات, واطفالهن معهن, وكلهم يمسكون كتيبا يقرأؤن منه اناشيد ليسوع المخلص....
ساشا وماري كانوا معي , وكانوا منزعجين مما يحدث ...
أنا كنت ابتسم لا أدري ما أقول, هذه مهزله لم احضر مثلها سابقا, مسلمات مع اطفالهن يستمعن لعزف واناشيد تمجد يسوع المسيح إبن الرب...
ثم قرأ القس فقرة من الكتاب المقدس عن الراعي والرعية, وجاء يشرح الموعظة قس كوري يتكلم العربية مكسرة نوعا ما , الطاقم كله كوري, القس والعازفه ورجال اخرون ...
وبعد نهاية طقوس الصلاة , فتحوا الباب واخرجوا الاطفال الى غرفة اخرى للعب ...
ذهبنا الى الغرفة الاخرى ورأينا المدرس او المشرف وسألته ساشا : هل كل الاطفال هنا والعوائل من المسيحيين ؟
قال لا , هم خليط من مسلمين ومسيحيين وصابئة..
قالت ساشا لماذا اذن تقرأؤن عليهم صلاة المسيحيين؟ هل تريدون تغيير ديانتهم؟
قال لا انما نحن ننشر السلام والمحبه...
قالت ساشا لكن الا تظنون انكم تسببون تشويش على عقول هؤلاء الصغار؟ المسلم يقرأ قرآن ثم ياتي هنا يقرأ عن يسوع, هذا يؤذي الاطفال...
حاول التهرب من النقاش....
ضغطنا عليه , قلنا له : طيب لماذا تجبرهم على حضور الصلاة؟
قال نحن لا نجبرهم...
قلنا له نعم انت تجبرهم لان غرفة اللعب مغلقة, وعندما تنتهي الصلاة تفتحون الباب وتسمحون للاطفال بالدخول اليها..
لا أدري , الوضع كله مزعج هناك, واضح جدا أنهم ينتمون الى بعثة تبشيريه ...
رجعنا للقاعه , تحدثنا مع العوائل العراقية الموجودة خصوصا الامهات المحجبات,
قلت لهن طيب انتن مسلمات ماذا تفعلن هنا؟
قالت احداهن : والله جئنا نرى هل ممكن ان نحصل على مساعدات غذائية ؟
قلت لها يعني تعالي لوحدك لماذا تجلبين اطفالك ليقرأوا الصلاة على المسيح ؟ الا تقلقين على مصير هذا الطفل؟
الذي عمره 6 سنين او 7 او 8
بدل ان ترسليه ليتعلم القران في الجامع او عندك في البيت , تأتين به الى الكنيسه يقرأ عن المسيح؟
قالت لا توجد مشكله , لا فرق...
ابتسمت وانا مذهولة من جوابها , لا ادري هل هذه غبية أم تتغابى؟
عندما عدت للبيت اتصلت بي نفس المرأة , قالت اسفة لم أقدر أن أتكلم معك بصراحه في الكنيسه, شفتي الذل والمهانة التي نحن فيها؟
قلت لها أي ذل وأي مهانه؟
قالت يعني نجي للكنيسة حتى نحضر الصلاة وننتظر ربما اعطونا مساعدات غذائية وربما لا..
قلت لها عزيزتي لا أحد يجبرك ان تحضري, ولا ضرورة ان تذلي نفسك من اجل كيلو رز او كيلو سكر...
قالت يعني لو وجدنا منظمات تساعدنا وتسدد احتياجاتنا , ما جئنا للكنيسه ....
سكتت , ماذا اقول ؟
من المخطيء ؟
هؤلاء اصحاب الحملة التبشيريه الخبثاء الذين يستغلون الفقراء وحاجتهم للمساعدة ؟
أم هؤلاء العراقيون الذين بلا كرامه ولا احترام للذات , منافقين كأنهم قرود تتملق حتى تحصل على قطعة حلوى؟
والكارثة ان ثمة عوائل مسلمه فعلا تحولوا الى مسيحيين وذهبوا للامم المتحدة يطلبون الهجرة بحجة ان المسلمين يهددونهم ويضطهدونهم ........
ماذا يحدث للعالم ؟
سقط الحياء عن الكبار , فجاء الصغار يقلدونهم ؟
**********************************
ونعود للعراق الحزين مرة اخرى...
الاخبار تراوح مكانها ...
نفس القصص المملة , قال بوش , قال مسؤول من الجيش الامريكي, قال المالكي,
قصص عن انفجارات وخطف وقتل, ومعارك بين جيش المهدي وجيش البطيخ والبذنجان وكلام فارغ سخيف لا طائل منه...
وتصريحات لبعض افراد الحكومة الامريكية ان الحكومة الحاليه الشيعية في العراق هي اشد خطرا من القاعدة والمتمردين ...
ونقاشات لا تنتهي عن انسحاب جزء من الجيش الامريكي في السنه المقبله ...
واشاعات عن تحسن الوضع الامني قليلا في العراق ...
وتعيين احمد الجلبي ليقود حملة الاعمار في العراق...
قالت واحدة عراقية معلقه على هذا الخبر: يبووو, ودع البزون شحمه ,
انا غرقت في الضحك....
هذا المثل يعني اعطيت القط أمانه قطعه من اللحم ...
يعني سلمت الأمانه للذي لن يحافظ عليها...
سلمت الامانه للحرامي.....
نعم, هذه في الحقيقة هي اكبر كارثة اصابت العراق بعد الاحتلال ...
أن الأمانه صارت بيد من لا يعرف كيف يحافظ عليها...
وهذا سبب ضياع العراق وشعبه المسكين , منذ 2003 ولحد الان....
سواء الشعب الذي يعيش في الداخل ويتحسر على الأمان و الماء والكهرباء والوقود والوظائف , حتى صار العراقيون غرباء في وطنهم.....
أو الجزء الذي هرب ليعيش في المنافي وفقد كرامته وهو يطرق ابواب المنظمات الدوليه ليطلب حصة غذائية او بطانيات أو فرشات اسفنج , او علاج للاطفال المرضى , أو دفع قسط مدارسهم ,
وهؤلاء يتمنون كل يوم ان يعودوا الى وطنهم ...
وطنهم الذي حرره بوش , لكنه تحول الى قطعة من الجحيم الذي لا يطاق....
متى ينسحب بوش وجيوشه من العراق ويعود الوطن للعراقيين ويعود العراقيون لوطنهم؟
هذا هو السؤال الصعب والذي ينتظر الجواب ...
ومع الاسف , لا يبدو ثمة جواب واضح يلوح في الافق القريب....
وليس لكم ايها العراقيون البؤساء سوى الصبر والانتظار....
السلام عليكم...
منذ فترة طويله وانا احاول ان اقتنص الوقت حتى اكتب شيئا جديدا على الموقع , لكنني مشغولة جدا ,
سافرت الى ايطاليا لحضور مؤتمر للنساء من مختلف دول العالم ,
ثم عدت الى عمان لأجد صديقاتي الامريكيات ساشا وماري في انتظاري
حيث نجمع تبرعات ونقوم بتمويل مشاريع صغيرة لعوائل عراقيه هنا , خصوصا للنساء , مثل ماكنة خياطه او فرن للخبز او صالون تجميل في البيت او صناعة مخلل ومواد غذائية ليبيعوها ويكون ثمة دخل صغير يكفل للعائلة الحد الادنى من الحياة الكريمه وهم في الغربه...
هذه المشاريع طبقناها لحد الان على حوالي 15 عائلة , والبرنامج مستمر....
وعندما حضرت ساشا وماري ذهبت معهم اولا لزيارة العوائل التي تم تمويل مشاريعها الصغيرة, ورأت صديقاتي كيف أن هذه العوائل سعيدة وممتنه لما قدمناه لهم من مساعدات صغيرة وكيف ان هذه المشاريع التي تتراوح ميزانيتها بين 100 الى 300 دولار قد أدخلت السعادة الى بيوت يترواح عدد أفراد العائله بين 4 الى 7 أشخاص عادة....
ثم بدأنا جوله جديدة من الزيارات لعوائل جديدة لنسمع ونرى ثم نقررأن نمول أو نرفض الطلب...
عادة يرفض الطلب في حالات مثل : اذا العائلة عندها دخل جيد , مثل الزوج والزوجه يعملون متطوعين في منظمات برواتب معقوله مثل 100 دينار
أو 150 دينار لكل واحد
, فهؤلاء حسب تقديرنا لا يحتاجون الى تمويل مشروع, الدخل عندهم كافي لحياة كريمه نوعا ما...
والعائلة التي قدمت على طلب هجرة وتنتظر القبول , نرفض تقديم تمويل لهم ,
نحن نعطي العائلة المحتاجه فعلا حسب ما رأيناه في الزيارة, أطفال كثيرون , اثاث قليل وبسيط, لا يوجد في البيت أي مؤشر أن ثمة حياة معقوله هنا, لا يوجد سجادة على الارض, لا توجد ستائر , لا يوجد حتى كرسي للجلوس عليه احيانا نجلس على الفرشات الاسفنج التي يستعملونها ليلا للنوم...
ايضا نتأكد أن العائلة لم تطلب الهجرة ,
كيف نتأكد ؟
عادة العوائل المسيحية والصابئية كلهم دون استثناء طالبين الهجرة ...
نأتي للعوائل المسلمه , التي موجود فيها زوج وزوجة عادة هم صريحون في الكلام, الذي يريد الهجرة يقول قدمت وانتظر, والذي لا يريد يقول لم اقدم ولا افكر بالموضوع , انتظر تتحسن الاحوال وارجع للعراق, هؤلاء نعطيهم تمويل لمشروعهم ..
ثمة عوائل اخرى قابلناهم عندهم اطفال يعانون أمراض مزمنه يحتاجون علاج مستمر ومنظمات طبيه تتعهد علاجهم وتغطي نفقات العلاج لفترة طويله , كاريتاس هنا تعالج العراقيين , لكن بميزانية محدودة لكل عائلة , مما يضطر العوائل ان تنفق من جيبها الخاص على اطفالها حين يضطرون لدخول المستشفى كل شهر مرة او مرتين وكاريتاس تقول ان رصيد العائلة انتهى وينبغي ان يدفعوا من جيوبهم 200 دينار او اكثر , وتذهب العوائل لتستدين , هذا شيء محزن ومخجل, عوائل فقيرة لا تملك قوت يومها من اين لها ان تدفع 200 دينار او 500 دينار مصاريف علاج الاطفال او عمليات اضطراريه لهم؟
هذه منظمات عالمية وميزانيتها ممتازة , لكنها تعتذر وتقول ان الميزانية لا تكفي لتغطية نفقات كل مريض عراقي هنا,
العراقيون غاضبون و يقولون أين أموال النفط العراقي؟
لماذا لا تغطي نفقات علاج العوائل هنا من صندوق خاص من مبيعات النفط العراقي؟
لماذا لا تعطى حصص غذائية للعوائل من صندوق خاص من مبيعات النفط العراقي؟
والله لا ادري ماذا اقول , اين تذهب اموال النفط العراقي؟ لتسديد ديون حروب صدام حسين ضد ايران والكويت ؟
هل هذه عدالة وحكمة المجتمع الدولي الذي يقوده الرئيس بوش وادارته ؟
يموت العراقيون من الجوع والفقر والمرض داخل العراق وخارجه , وأموال نفطهم تنهب لتوضع في البنوك في حسابات شخصية للصوص العراق الجديد , او لشركات النفط الامريكية , او غيرها من مستثمرين شبعانين متخمين ؟
يبدو انه ما عاد ثمة عداله او رحمه في هذا العالم الذي يطغي عليه الظلم والنهب والسلب , والفقراء من لهم ؟
والله لا أدري ...
قلبي حزين ,
لكن ايماني بالله وقناعتي انه يمتحننا جميعا , هو الشيء الوحيد الذي يصبرني ,
وعملي المتواصل هو الشيء الوحيد الذي يواسيني لانني احاول ان أرمم مصائب الناس , أحاول ان ادخل السعادة الى قلوب وبيوت اناس معذبين مظلومين يمرون بظروف تعيسه , رغم علمي ان حجم الكوارث كبير في العراق, وان كل ما نحاول تصليحه هو اشياء صغيرة من هنا وهناك, لكنها افضل من الصمت او السلبية أو الانانية ...
واسعدني جدا ان أرى نساء أمريكيات من ثقافه مختلفة ودين مختلف وعالم مختلف تماما عن عالمي الذي تربيت ونشأت فيه ببغداد وغيرها من عواصم عربيه
لكن سبحان الله الذي جمعنا ووحد قلوبنا للعمل على مساعدة العراقيين ,...
لم نلتق من قبل أبدا, لكننا نملك رؤيا مشتركه للأمور..
يعني مثلا حين ندخل لزيارة عائلة, نرى ونسمع ونكتب ونتكلم ونلتقط الصور...
وحين نخرج من باب البيت نتمشى في الشارع و نبدأ التعليقات , دائما نتفق على وجهة النظر أما ايجابيه أو سلبيه ...
وكأننا تخرجنا من مدرسة واحدة ,
وهو في الحقيقة نعم , نحن ابناء مدرسة واحدة نعيشها كل يوم , مدرسة الحياة , علمتني مثلما علمت ساشا وماري حقائق كثيرة, علمتنا كيف نشفق على المريض والفقير وكيف نساعده على طريقة لتحسين ظروفه وايجاد حلول طويلة الاجل لتعيش العائلة حياة معقوله ...
يعني مثلا : زرنا عائلة فقيرة جدا من الموصل, الأب يعمل نجار احيانا , واحيانا يجلس في البيت , لأنه لا يملك اقامه ولا رخصة عمل, وصاحب المحل ممكن يدفع 500 دينار غرامه اذا وجدوا عنده عامل بلا اقامه ورخصة عمل...
الأم تعمل خياطه في محل ,
عندهم 5 اطفال تتراوح الاعمار بين 10 ثم 9 ثم عندهم تؤأم ثلاثي عمرهم 6 سنوات , هذه اول مرة بحياتي ارى تؤام من 3 اطفال ...
واحد من هذا التوأم اسمه ابراهيم عنده مشكله في قدراته العقليه , كثير الحركه ولا يتكلم , رفضت اي مدرسة استقباله , متعلق كثيرا بالأم ولا يمكنها الخروج للعمل او التسوق حتى يرجع اخوته من المدرسة..
البيت بحالة يرثى لها من الفقر, غرفة نوم واحدة للجميع , سريرين منفصلين والباقين ينامون على الارض, لا توجد سجادة على الارض والجو بارد هذه الايام, لا يوجد في البيت كرسي واحد بلاستك او خشب, لا توجد ستائر, لا توجد ادوات مطبخ معقوله , لا توجد العاب للاطفال , لا يلبسون ملابس كافيه ومناسبه ...
نحاول ساشا وماري وأنا ان نشتري لهم الاحتياجات التي ذكرناها , من تبرعات تلقيناها على الموقع الذي ذكرته سابقا,وايضا اليوم زرنا مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة واتفقنا معهم أن يفحصوا قدرات ابراهيم حتى نضعه في احد الصفوف , وينبغي ان ندفع عنه 150 دينار شهريا , حتى تتحسن حالته , وترتاح منه الام فترة الصباح حتى 3 ظهرا, حيث تقدر على الذهاب للمخيطه
( اشترينا لها مكنة الخياطه الصناعية في المحل واصبحت شريك في المحل)
هذه العائلة لم تفكر ابدا في الهجرة , هم فقط يحاولون تأمين قوت يومهم وحل مشاكل اطفالهم الصحية حيث عندهم طفله اخرى مصابه بمرض مزمن في الكلى منذ الولادة...
*********************************************
ربما سببت لكم الصداع , هذه مثال على حالة واحدة , لو رأيتم دفتر ملاحظاتي ودفاتر ماري وساشا سترون قصصا كثيرة معقدة ومحزنه لعوائل كثيرة , ونتناقش كيف نجد الحلول المتوازنه لكل عائله ....
عندنا جدول عمل طويل ومزدحم يحتاج الى شهور لانجازه...
ماري رجعت الى اوريغون وبقيت معي ساشا...
مازلت مندهشه كيف اننا انسجمنا ونملك رؤية متشابهه للأمور ؟
كنت عملت مع عدة منظمات عراقية بعد الحرب لكنني بصراحه لم أجد من يمتلك رؤيتي للأمور كما وجدت ساشا وماري, رغم أننا من بيئات مختلفة, لكن سبحان الله ربما جمعنا حبنا للانسانية ورغبتنا لمساعدة الضعفاء والمحتاجين ...
***************************
عندما عدت من ايطاليا , اتصلت بي صديقتي عراقية هنا , قالت: ام رائد أريد أن اخبرك على موضوع مزعج قليلا , قلت: تفضلي , يا ساتر ان شالله ماكو شي..
قالت توجد هنا جمعيه تساعد العراقيين , لكن يستدرجون الناس للذهاب للكنيسه, وحضور الصلاة , حتى لو كانوا مسلمين , وخصوصا الاطفال يعطونهم هدايا وحلويات , ويعطونهم قصص عن السيد المسيح , ويقرأون في الصلاة اناشيد للمسيح ...
وايضا يعطون للاولاد المراهقين تدريب في ملعب لكرة القدم , ثم يعطونهم نهاية الدورة هدية عبارة عن الكتاب المقدس , وسي دي فيه صور لاعبين كرة قدم , ونهاية السي دي ثمة شاب مصري يقول انا كنت مسلم ارهابي والان تحولت الى مسيحي مسالم...
قلت لها اين السي دي؟
قالت كسرناه...
قلت لها اريد منه نسخه, ضروري جدا جدا , وعدتني ان يبحث ابنها عن نسخه من اصدقائه, لكن يبدو انهم جميعا حطموا النسخ التي عندهم....
انزعجت كثيرا ... ليس لأنني لا احب المسيح عليه السلام , لكنني ضد فكرة استغلال الفقراء من اجل تغيير معتقداتهم ودياناتهم , يعني أنا مسلمه ولا أقبل ان يقوم مسلم بخداع مسيحي واعطاءه حلوى حتى يتحول الى الاسلام, هذه مسألة قناعه وعقيدة , وليست مسألة خداع واستدراج.....
الخلاصة : ذهبنا يوم الجمعه الى ما يسمى الكنيسه , وهي عبارة عن شقة صغيرة في عمارة سكنيه, والناس يجلسون في غرفة صغيرة , ومعظم النساء محجبات مما يدل على انهن مسلمات, واطفالهن معهن, وكلهم يمسكون كتيبا يقرأؤن منه اناشيد ليسوع المخلص....
ساشا وماري كانوا معي , وكانوا منزعجين مما يحدث ...
أنا كنت ابتسم لا أدري ما أقول, هذه مهزله لم احضر مثلها سابقا, مسلمات مع اطفالهن يستمعن لعزف واناشيد تمجد يسوع المسيح إبن الرب...
ثم قرأ القس فقرة من الكتاب المقدس عن الراعي والرعية, وجاء يشرح الموعظة قس كوري يتكلم العربية مكسرة نوعا ما , الطاقم كله كوري, القس والعازفه ورجال اخرون ...
وبعد نهاية طقوس الصلاة , فتحوا الباب واخرجوا الاطفال الى غرفة اخرى للعب ...
ذهبنا الى الغرفة الاخرى ورأينا المدرس او المشرف وسألته ساشا : هل كل الاطفال هنا والعوائل من المسيحيين ؟
قال لا , هم خليط من مسلمين ومسيحيين وصابئة..
قالت ساشا لماذا اذن تقرأؤن عليهم صلاة المسيحيين؟ هل تريدون تغيير ديانتهم؟
قال لا انما نحن ننشر السلام والمحبه...
قالت ساشا لكن الا تظنون انكم تسببون تشويش على عقول هؤلاء الصغار؟ المسلم يقرأ قرآن ثم ياتي هنا يقرأ عن يسوع, هذا يؤذي الاطفال...
حاول التهرب من النقاش....
ضغطنا عليه , قلنا له : طيب لماذا تجبرهم على حضور الصلاة؟
قال نحن لا نجبرهم...
قلنا له نعم انت تجبرهم لان غرفة اللعب مغلقة, وعندما تنتهي الصلاة تفتحون الباب وتسمحون للاطفال بالدخول اليها..
لا أدري , الوضع كله مزعج هناك, واضح جدا أنهم ينتمون الى بعثة تبشيريه ...
رجعنا للقاعه , تحدثنا مع العوائل العراقية الموجودة خصوصا الامهات المحجبات,
قلت لهن طيب انتن مسلمات ماذا تفعلن هنا؟
قالت احداهن : والله جئنا نرى هل ممكن ان نحصل على مساعدات غذائية ؟
قلت لها يعني تعالي لوحدك لماذا تجلبين اطفالك ليقرأوا الصلاة على المسيح ؟ الا تقلقين على مصير هذا الطفل؟
الذي عمره 6 سنين او 7 او 8
بدل ان ترسليه ليتعلم القران في الجامع او عندك في البيت , تأتين به الى الكنيسه يقرأ عن المسيح؟
قالت لا توجد مشكله , لا فرق...
ابتسمت وانا مذهولة من جوابها , لا ادري هل هذه غبية أم تتغابى؟
عندما عدت للبيت اتصلت بي نفس المرأة , قالت اسفة لم أقدر أن أتكلم معك بصراحه في الكنيسه, شفتي الذل والمهانة التي نحن فيها؟
قلت لها أي ذل وأي مهانه؟
قالت يعني نجي للكنيسة حتى نحضر الصلاة وننتظر ربما اعطونا مساعدات غذائية وربما لا..
قلت لها عزيزتي لا أحد يجبرك ان تحضري, ولا ضرورة ان تذلي نفسك من اجل كيلو رز او كيلو سكر...
قالت يعني لو وجدنا منظمات تساعدنا وتسدد احتياجاتنا , ما جئنا للكنيسه ....
سكتت , ماذا اقول ؟
من المخطيء ؟
هؤلاء اصحاب الحملة التبشيريه الخبثاء الذين يستغلون الفقراء وحاجتهم للمساعدة ؟
أم هؤلاء العراقيون الذين بلا كرامه ولا احترام للذات , منافقين كأنهم قرود تتملق حتى تحصل على قطعة حلوى؟
والكارثة ان ثمة عوائل مسلمه فعلا تحولوا الى مسيحيين وذهبوا للامم المتحدة يطلبون الهجرة بحجة ان المسلمين يهددونهم ويضطهدونهم ........
ماذا يحدث للعالم ؟
سقط الحياء عن الكبار , فجاء الصغار يقلدونهم ؟
**********************************
ونعود للعراق الحزين مرة اخرى...
الاخبار تراوح مكانها ...
نفس القصص المملة , قال بوش , قال مسؤول من الجيش الامريكي, قال المالكي,
قصص عن انفجارات وخطف وقتل, ومعارك بين جيش المهدي وجيش البطيخ والبذنجان وكلام فارغ سخيف لا طائل منه...
وتصريحات لبعض افراد الحكومة الامريكية ان الحكومة الحاليه الشيعية في العراق هي اشد خطرا من القاعدة والمتمردين ...
ونقاشات لا تنتهي عن انسحاب جزء من الجيش الامريكي في السنه المقبله ...
واشاعات عن تحسن الوضع الامني قليلا في العراق ...
وتعيين احمد الجلبي ليقود حملة الاعمار في العراق...
قالت واحدة عراقية معلقه على هذا الخبر: يبووو, ودع البزون شحمه ,
انا غرقت في الضحك....
هذا المثل يعني اعطيت القط أمانه قطعه من اللحم ...
يعني سلمت الأمانه للذي لن يحافظ عليها...
سلمت الامانه للحرامي.....
نعم, هذه في الحقيقة هي اكبر كارثة اصابت العراق بعد الاحتلال ...
أن الأمانه صارت بيد من لا يعرف كيف يحافظ عليها...
وهذا سبب ضياع العراق وشعبه المسكين , منذ 2003 ولحد الان....
سواء الشعب الذي يعيش في الداخل ويتحسر على الأمان و الماء والكهرباء والوقود والوظائف , حتى صار العراقيون غرباء في وطنهم.....
أو الجزء الذي هرب ليعيش في المنافي وفقد كرامته وهو يطرق ابواب المنظمات الدوليه ليطلب حصة غذائية او بطانيات أو فرشات اسفنج , او علاج للاطفال المرضى , أو دفع قسط مدارسهم ,
وهؤلاء يتمنون كل يوم ان يعودوا الى وطنهم ...
وطنهم الذي حرره بوش , لكنه تحول الى قطعة من الجحيم الذي لا يطاق....
متى ينسحب بوش وجيوشه من العراق ويعود الوطن للعراقيين ويعود العراقيون لوطنهم؟
هذا هو السؤال الصعب والذي ينتظر الجواب ...
ومع الاسف , لا يبدو ثمة جواب واضح يلوح في الافق القريب....
وليس لكم ايها العراقيون البؤساء سوى الصبر والانتظار....