Tuesday, March 20, 2007

 

الذكرى الرابعة للحرب على العراق

الاثنين 19 آذار 2007
السلام عليكم…
لم يكن عندي رغبة بكتابة أي شيء هذه الايام..
كنت في الاسبوع الماضي مريضة ومتعبة جسميا ونفسيا, ثمة حصاة صغيرة حقيرة ملتصقة بالحالب منذ 3 شهور وهي تعذبني, شربت الكثير من السوائل والعصير والاعشاب المغلية, ولم تتكسر او تنزل, ثم عملت سونار فوجدتها ما زالت مكانها, فقررت ان ارضخ لقبول عملية تفتيت الحصاة عن طريق الليزر او الالتراساوند , لا ادري, ليس عندي مزاج لمعرفة هذه التفاصيل ,
ذهبت للمستشفى, وكانت جلسة استغرقت ساعة وربع من العذاب , وقال الطبيب المفروض انها تفتت, اشربي سوائل كثيرة, وتعالي بعد اسبوع لعمل سونار مرة ثانية..
لم تعجبني الفكرة وقررت ان لا اعود لهم ثانية, لا احب رائحة المستشفيات, ولا نفسية هؤلاء الاطباء, ارى عندهم جشع مادي يطغي على انسانيتهم , والمريض المسكين الذي جاء بعدي كان عراقيا , وزادوا عليه الاسعار وغمزوني ان لا اخبره انني دفعت اقل منه بخمسين دينار..
اشمئزت نفسي منهم, ومن نفسياتهم المريضة, هؤلاء يصنعون سعادتهم وثروتهم من آلام الناس…
ولماذا الومهم؟
اين هي الانسانية والاخلاق الراقيه اليوم في حياتنا؟
كأنها غدت أشياء من الماضي….
من زمن غابر قديم, مضى ولن يعود…
********************************
ثم القصة الثانية التي اريد ان احكيها , قد تكون شخصية ومحرجة, لكنني اريد ان احكيها كمثال على ما يحدث في عالمنا اليوم من عجائب, كيف تغير الناس؟
قبل فترة جاءت احدى صديقاتي من بغداد, مهندسة تعمل في وزارة الري, ثم قالت تعالي معي نزور بيت عائلة عراقية ابوهم يشتغل مقاول , وعنده مشاريع كثيرة داخل العراق..
حسنا, ذهبنا سوية لزيارتهم , تعرفنا على العائلة, الرجل وزوجته وبنته واولاده , وصار يحكي عن عمله ومقاولاته ومشاريعه في العراق, وسألني اين تعملين؟
انتي مهندسة مدني ومياه ؟ تعالي اشتغلي معي في المشاريع , نحن نعمل في الشمال , اربيل او سليمانية , هناك أمان , تعالي واشتغلي معنا , عندنا طاقم مهندسين ,.
قلت له والله انا حاليا اعمل متطوعه مع منظمات انسانية اساعد العراقيين الفقراء والمهجرين , وارسل ادوية او مساعدات مالية لشراء بطانيات وصوبات ومواد غذائية للعوائل المهجرة حول بغداد..
ابتسم باستهزاء , وقال اتركي الفقراء وتعالي اعملي معي هذا افضل لك ,
ابتسمت وقلت انشاءالله , اذا صارت فرصة بمشروع جيد وكبير يفيد الناس, نعم انا موافقة اسافر للموقع واعمل هناك كمهندسة موقع...
طبعا بيتهم فخم وكذلك الاثاث قطعه كبيرة ودفشه يعني ينبيء عن ذوق اهل البيت : اريد اريد اريد, هههه, هذا مصطلح مضحك نستعمله للناس الذين عندهم فلوس, لكن لا ذوق محدد, فيخلطون كل الموديلات ليظهروا انهم اغنياء...

بصراحة ,العمل كمتطوعه للعراقيين اتعبني واحبطني..
المنظمات العالمية هنا في عمان لا تقدم شيئا للعراقيين في الداخل او الخارج , اذا طلبت مساعدة ادوية او حصص غذائية , ماطلوا ومغمغوا وزحلقوني , حتى لو اعطيتهم عنوان الناس في بغداد او حولها ,المحتاجين للمساعدة, يعدون , ولا ينجزون شيئا..
ارسل لهم ايميلات عن مرضى مع صورهم ووثائق رسميه عن حالتهم الصحية , اما يعتذرون عن علاجهم او لا يردون على ايميلي ابدا...
ارسل لهم ايميلات فوروورد من مستشفيات عراقية تطلب ادوية مثل الانسولين واجهزة طبية مثل انعاش القلب او تخطيط للدماغ او اشياء اخرى , يغلسون ولا يجيبون ...
تعبت كثيرا من الاتصالات والكلام والركض من هنا والى هناك ...
لا شيء حقيقي على الارض قياسا بالكوارث اليوميه التي يواجهها العراقيون ..
من جهة ,ادارة بوش تكذب وترسل قصصا كاذبة ونجاحات وهمية عن العراق, وفي ذات الوقت تخلى المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه العراقيين,
وهذه كارثة لها وجهان..
وجه الكذب الذي تبثه الفضائيات عما يحدث في العراق, ووجه الاهمال والتغطية عن معاناة العراقيين في الداخل او في الخارج ...
*******************************
وأنا في احباطي من العمل مع المنظمات ومن آلام العملية السخيفة لتفتيت الحصاة العنيدة , اتصل المقاول الذي كنت نسيت أمره نهائيا...
قال انه وقع عقدا لبناء سد في الشمال, وترابيات , والعمل سيبدأ بعد شهر ونصف , وقد تذكرتك واحببت ان ابلغك , هل تحبين العمل معنا في الموقع؟
قلت له اعطيني معلومات اكثر عن العمل, واين سأسكن ؟
اذا وجدت قرية كردية قريبة فأنا مستعدة ان اعيش مع عائلة كردية قرويه وادفع لهم عن اقامتي ومشاركتي اياهم وجبات الطعام ..
قلت له لا اريد ان اسكن في الموقع مع العمال ..
قال انها فكرة ممتازة وهو سيسأل عن هذا الموضوع قريبا حين يزور الموقع..
لم أسأل عن الراتب , لانني اتذكر عندما كنا في بيتهم وعدني انه سيدفع لي مليوني دينار راتب اذا اشتغلت معه , بالاضافة الى السكن والسيارة ..
طيب, لن أناقش هذه الامور الان, قلت لنفسي, اريد ان اسمع تفاصيل عن العمل وطبيعته , ثم أزور الموقع, ثم أقرر الرفض او القبول...
كنت احدث نفسي ان هذه فرصة لخدمة العراق بطريقة اخرى , سأشتغل في مشروع لتوصيل المياه للناس , وهذا سوف يسعدني بالطبع ان افيد الناس من خلال خبرتي كمهندسة, ولن اتخلى عن العوائل الفقيرة التي تعودت ان اساعدها طوال هذه الفترة, الراتب سيكون بين الف والف وخمسمائة دولار, وهوكثير جدا علي, لن احتاج هذا المبلغ وحدي, قلت ساقضي شهورا هناك بعد ان استشير العائلة هنا, ونتفق علىصيغة ما لأرتب حياتي الجديدة , بقيت أقلب الموضوع برأسي من عدة جهات , قبل أن يصبح ناضجا وأعرضه على زوجي وأولادي....
لا اعتقد انهم سيعارضون..
أحضر لزيارتهم في فترات متقاربه وسأظل على اتصال بهم , وهم كلهم يريدوني ان اكون سعيدة, ويعرفون ان سعادتي هي في العمل للعراق...
طيب..
ماذا حدث أمس؟
اتصل المقاول الغبي, وادهشني اسلوبه السخيف في الكلام معي..
قال انه مشتاق لي وانه يريد ان يراني وانه معجب بي ولا يقدر ان يتوقف لحظة عن التفكير بي, وانه اشترالي هدية زجاجة عطر ثمين ويريد ان يراني ليعطيني اياها...
بقيت مذهوله , هو يثرثر وانا في حيرة ..
ماذا اقول؟
اخرس يا حيوان؟
استغفر الله ...
بقيت صامته , وقلت له شكرا, الله يسلمك, الله يبارك فيك...
كنت احاول التهرب منه بطريقة مهذبة مسالمه .. واغلقت التلفون , اشمئزت نفسي, سمعته يبربر مع نفسه , باي حبيبتي, مع السلامه ..
الجربان , صرت حبيبته؟
والله لا ادري, أبكي ام اضحك ؟
من أين جاءني هذا الغبي ووقع في غرامي؟
ثم لو انني من النساء المشعوطات ذوات المكياج الصارخ والشعر المنكوش, ربما قلت معه حق فقد أغويته ..لكنني محافظة جدا, ومحتشمه , وألبس الحجاب , لماذا يعاملني هكذا هذا الغبي؟
انزعجت كثيرا , وقررت ان اتصل به , لأضع حدا لحماقته وغبائه, ولعنة الله عليه وعلى فلوسه وعلى الوظيفة الجديدة ...
اتصلت به , وقلت له اسمع من فضلك , لازم تتعلم ان تكون العلاقة بيني وبينك عمل فقط, يعني انت مقاول, وأنا مهندسة , اي شيء اكثر من هذا احتفظ به لنفسك , أوكي؟
مشاعرك احتفظ بها لنفسك , لا اريد ان اسمعها ..
قال لا مو قصدي انت اخت عزيزة..
قلت في قلبي العمى يصيبك انت واختك ...
اغلقت سماعة الهاتف, أعرف انني فقدت الوظيفة والالف دولار , وما يدريك ما معنى الالف دولار في عراق الجوع والبؤس بعد الحرب...
لكنني لا أقبل ان يستغلني سافل جاهل مثل هذا ...

لماذا حكيت هذه القصة؟
لانها نموذج لما يحدث في العالم اليوم , وخصوصا في العراق بعد 4 سنوات من الفقر والجوع والظلم والقتل وسفك الدماء...
الناس الذين يحملون المباديء والاحلام النبيلة , يصادفون سفلة ومنحطين مثل هذا المقاول الذي يملك ملايين الدولارات , لكنه بلا ضمير...
غير مستعد ان يدفع دولار واحد لمساعدة عائلة عراقية جائعة ..
ومستعد أن ينفق الاف الدولارات من اجل أن يستدرج إمرأة ما , يغريها بالهدايا ويدعوها للعشاء او الغداء في مطاعم فخمة , أو لتسافر معه ,
هل أصبح العالم كله قبيحا ملوثا كما فعل بوش بالعراق؟
هل هذه هي العولمة التي يريد تسويقها علينا...
كل شيء من أجل المال, كل شيء يباع ويشترى بالدولار؟
عانيت هنا في عمان من قسوة قلوب الاغنياء العراقيين من التجار والمقاولين, ورفضهم مساعدة اي مريض عراقي او عائلة عراقية فقيرة , وها انا اتعامل عن قرب مع واحد منهم بتجربة شخصية...
هؤلاء الاغبياء هم عبيد الدرهم والدينار, ويظنون انهم قادرون على شراء الناس ....
ماذا اقول؟
حسبنا الله ونعم الوكيل...
******************************************
باقي أريد ان احكي قصة حسام ..
من هو حسام؟
في معركة الفلوجة الاولى , 2004
هربت الكثير من عوائل الفلوجة من المدينة بعد حصارها, وجاؤوا الى اقاربهم في بغداد
ذهبت وقتها لرؤية إحدى العوائل , وقابلت ابنتهم الارملة وعندها 7 اطفال, وسمعت منها عن معاناتهم , وحزنت عليها, رأيت الرعب والحزن في عيونها , وكتبت عنها ذلك الوقت , وصفتها انها شابة تتشح بالسواد , ارملة منذ 5 سنوات, واولادها صغار , وتعمل موظفة في دائرة حكومية بوظيفة ادارية ,
وبقيت أرسل لها مساعدات من فترة لاخرى, بيد أحد اقربائها, حتى تركت العراق قبل سنتين , حيث اتسعت دائرة العوائل المنكوبه , ونسيتها , صرت ابعث مساعدات لغيرها...
ابنها الكبير , اسمه حسام , عمره في بداية العشرين, لم اتعرف اليه ابدا, لكنني كنت أرسل مساعدات طبية وأغذية , فيوزعها بين العوائل الفقيرة والمهجرة حول الفلوجة ...
ثم طلبت منه قبل شهور ان يجمع لي رسومات اطفال الفلوجة , وارسلت له الكرتون واقلام التلوين , ثم جمعها وارسلها لي, كانت رسوما جميله مدهشة , ارسلتها الى ابني ماجد للقاهرة حيث سيقيم معرضا لرسومات الاطفال العراقيين في الجامعة عنده حيث يدرس...
قبل حوالي شهر بلغوني ان حسام قد أعتقل مع مجموعة شباب بعد خروجهم من الصلاة في احد مساجد الفلوجة , وبقي معتقلا لمدة اسبوع في الرمادي, ثم بلغوني انه اطلق سراحه , فرحت كثيرا , وأرسلت له هدية معناها الحمد لله على سلامتك ..
قلبي قلب أم , وأحس بمعاناة امه وهو غائب عنها.. وهي أرملة , وهو كبير أخوته , يعني تحتاجه ليكون عونا لها في تدبير شؤون العائلة ورعاية اخوته الصغار...

ثم بلغوني ان حسام يحب بنت شيخ الجامع في القرية المجاورة للفلوجة , وذهبت امه لتخطبها بناء على طلبه , لأنه معجب بها منذ سنة , وسمع في الحي أن ثمة من ينوي طلبها للزواج , فقرر ان يتقدم لها..
ضحكت حين سمعت القصة , يعني الناس هناك في الفلوجة رغم البؤس والفقر والخراب والقتل والتفجيرات , مازال عندهم قلوب تحب ؟
والله فرحت لهم كثيرا, وعرفت ان أمه اشترت الشموع والحناء والشكولاته للتحضير للزواج بعد ان وافق والد البنت , اسمها ندى , على العريس حسام...
حسام سعيد جدا , قرر ان يفتح محل نجارة , بعد ان يتم الزواج...
حين سمعت الاخبار ضحكت وامتلأ قلبي فرحا, قلت لهم طيب الحمد لله اسمع اخبار حب وخطوبه وفرح في الفلوجة, دائما لا أسمع منكم سوى القصص الحزينه , فلان مات فلان وقع عليه بيته , كلها قصص كوارث...
طيب...
إشتروا غرفة نوم جديدة لحسام, أكيد امه اقترضت لشراء الغرفة , فأنا أعرف تماما أنها لا تملك ما يكفي لهذه المصاريف الجديدة, فهمت انها افرغت له احدى غرف البيت, سيسكن فيها مع عروسته...
كان المفروض ان العرس يكون قبل اسبوعين , لكنه تأجل, القوات الامريكية قصفت بيتا لاقارب حسام في الانبار , العائلة نامت في الليل وهي كاملة أب وأم وستة من الاولاد و والبنات , ثم في الصباح كان البيت قد تم قصفة تحت شبهة الارهاب , مات الاب والام وعدد من الابناء والبنات , بقي فقط 3 بنات أيتام , يبكين لا يدرين ما يصنعن ؟
جاءت خالتهن واخذتهن للسكن عندها, ما عاد عندهم عائلة ولا بيت...
تأجل عرس حسام بسبب هذه الحادثة...
لا يمكن ان يتزوج ويفرح في حين اقاربه ماتوا..
بقيت أفكر ماذا ارسل له هدية ؟
اخيرا, أرسلت كتاب قرآن كريم , ومعه زجاجتين عطر, واحدة له وواحدة لعروسته ...
وبقيت انتظر الاخبار متى العرس؟
قالوا لي ان العروس شابة جميلة, وممشوقة القوام , ابتسمت وتمنيت لهم السعادة , وأن يبارك الله في زواجهم , ويفرح قلب أمه ....
اليوم , صباحا , ودونما أي مقدمات , جاء ايميل من بغداد ...
إستشهد حسام , توجد اشتباكات وجماعات ارهابية واطلاق نار في الفلوجة..
لم افهم ما حدث , لكنه مات بالتأكيد ...
انقطعت الاتصالات , سافر كل اهله للفلوجه , ما عاد عندي أحد في بغداد اتصل به وأساله عما حدث, الفلوجة منقطعة عن العالم ,
بقيت طوال النهار استرجع ذكرياتي عن حسام وأم حسام ...
هل شعرتم يوما ان الحزن في قلوبكم عظيم , لكن لا دمعة تذرف من عيونكم؟
فكرت مع نفسي وتساءلت عن مصير العروس, وغرفة النوم, والعطور الهدية التي ارسلتها , والشموع والحناء التي اشترتها أمه من بغداد ...
ظل صدري منقبضا طوال النهار.....
في المساء, كنت اتمشى في الشارع عائدة من لقاء مع قناة الجزيرة حول الذكرى الرابعة للحرب على العراق...
تمشيت في الشارع وحدي, كنت أفكر, ما معنى ان يتعشى حسام مع أمه مساء أمس, بينما مساء اليوم هو تحت التراب...
هل تبددت كل الاحلام الجميلة من رأس أمه وعروسته وكل من يحبهم؟
ما معنى الحياة بالنسبة للعراقيين حين يصبحون ويمسون جنبا الى جنب مع الموت؟
قصة حسام وعائلته, هي قصة كل العوائل العراقية منذ 4 سنين ...
قصة تتكرر كل يوم , لكن وسائل الاعلام التي اشتراها بوش, او التي تخاف منه,
لا تحكي أي شيء عما يعانيه العراقيون....
قلبي حزين , مثقل بالحزن, وحتى لو ذرفت الدموع , ثمة حزن كبير وعميق, لا تزيله الدموع...........
حزن تراكم منذ 4 سنوات , ليس من اجل شيء يخصني,
أنا اتحمل كل ما حصل لي ولعائلتي الصغيرة فهو لا يقارن بما أصاب عوائل العراقيين غيرنا....
لكن قلبي كأنه يحمل حزن العراقيين جميعا...
أحس بأحزان الامهات العراقيات لأنني أم...
وأحزان الزوجات, لانني زوجة ...
ماذا افعل لأساعدهم وأخفف عنهم احزانهم ؟
لست ادري....
هذه هي الذكرى الرابعة للحرب على العراق, وهذه هي خواطري اليوم ...
يا له من يوم حزين .. يوم مثقل بالحزن منذ الصباح ..



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives