Saturday, December 23, 2006

 
السبت 23 كانون الاول 2006
السلام عليكم
أرى أن العام الحالي على وشك ان يودعنا ويمضي...
ستأتي بعد أيام قليلة عطلة عيد الميلاد للمسيحيين ,
وأيضا بعدها بفترة قصيرة , سيأتي عيد الأضحى, العيد الكبير للمسلمين

والعراقيون ما عادوا يعرفون طعم هذه الاعياد, وما هو طعم العيش في مدن تغرق في الهدوء والطمانينة ؟
العراق يحترق بنار حرب غبية , لم تترك بيتا هناك الا وأصابته بالأذى , بطريقة أو بأخرى...
فالعوائل العراقية اما فقدت بعض افرادها بالموت او الاعتقال او الخطف او الاغتيال , أو هربت العائلة وهجرت بيتها وجيرانها وذكرياتها, أو فقدت رزقها وتدهور حالها المعاشي نحو الأسوأ فالأسوأ...
وكلنا صابرون, كل واحد فينا صابر وينتظر أن تنطفيء هذه النار, وتتصلح الامور, وتعود عجلة الحياة لتدور بصورة طبيعية , أمان, واستقرار, وعمل, ومدارس وجامعات , وطلاب وطالبات , وامهات واباء واطفال يعيشون ببيوت فيها ماء وكهرباء , ويخرجون الى أسواق تجارية, وشوارع نظيفة هادئة مكتظة بالسيارات, واشارات مرور تعمل....هذه ملامح مدن تعيش حياة طبيعية...

في العراق , تلاشت هذه الملامح قليلا قليلا ....
متى تعود الحياة الى هناك بصورتها الطبيعية؟
لا احد يعلم ...
حتى بوش البطل ورفاقه الذين خططوا وشنوا الحرب علينا, لا يعرفون متى وكيف يخرجون من هذا المازق ..
الله وحده يعلم....

*********************
في هذه الايام حزني يكبر...لا ادري ,
ربما لأنني أتذكر كيف كنت استقبل العيد في الماضي, أقصد قبل الحرب على العراق, لست وحدي, فهذا ربما شعور كل الأمهات العراقيات مثلي...
كنت حريصة على شراء ملابس العيد لكل افراد العائلة...
وتجهيز ميزانية لحلويات العيد , والشكولاته , والعصير..
وتنظيف البيت وتلميع الاثاث وغسل الستائر وتنظيف زجاج الشبابيك..
وغسل الكراج والعناية بمنظر الحديقة والزهور والنباتات فيها..
واذهب للكوافيرة اعتني بشعري وأظافري , قبل العيد...
أما الان, فلا اعمل اي شيء من هذا ...

وحتى عندما كان اولادي صغار, وكنا نعيش في عمان, وتأتي اعياد راس السنة الميلادية, والشوارع يظهر فيها اناس يحملون الاجراس ويلبسون ملابس بابا نويل الحمراء والبيضاء, كان اولادي يصيبهم الجنون, ويصرخون ويتوسلون, ماما , بابا, نريد ان ننزل ونشتري من هذا المحل..

اطفال ابرياء, واصحاب محلات تجارية ماكرين, يستدرجون الاباء والامهات ليلبوا طلبات اولادهم وبناتهم , المعادلة مرتبة, كل واحد له فيها دور معين..
وكنت اشتري لهم بالونات , وشجرة عيد ميلاد صغيرة عليها انوارتنطفي وتضيء, وكذلك لعبة بابا نويل كبيرة تجلس على ركن في غرفة الجلوس
لم اكن افكر نحن مسلمون, وهذه طقوس مسيحيين...
كانت الامور هادئة وعادية ولا يوجد ثمة توتر او تحسس من هذه الاشياء, كما يحدث حاليا..
الزمن تغير, والناس تغيروا...
*************************
هذه الايام تقترب الاعياد , لكن قلبي حزين..
لست تلك الانسانة نفسها قبل سنوات,
تفكيري تغير كثيرا , وحتى قلبي ما عاد هو نفسه...
هذه الايام عقلي وقلبي مشغولان ويفكران بمساعدة العوائل العراقية التي تعاني من مصائب عديدة
ثمة عوائل فقدت المعيل, او فقدت الابناء, او فقدت البيت كله وسكنت في خيمة تنتظر العودة للبيت, او فيها جريح او معوق, لا علاج له , ليس ثمة من يدفع اجور العلاج ,
ثمة عوائل ليس لديها ما تأكل , ليس لديها خبز يومها ...
وثمة عراقيون ما زالوا في السجون والمعتقلات , رجال ونساء, ينتظرون من يهتم بهم , ويساعد على اطلاق سراحهم..

كنت انظر بالامس الى الناس هنا في عمان, في احد الاسواق التجارية, وهم لاهون , الموسيقى والاغاني في اعلى صوت , والشباب يضحك ويمرح, والامهات يسحبن اطفالهن ويحملن اكياس مختلفة من مشتريات العيد ...
وشاشات تلفزيونات كبيرة في الاسواق عليها فديو كليب اغاني نساء يتدلعن ويغنين وهن شبه عاريات
احسست بغربة شديدة, لا توجد لغة مشتركة بيني وبين هذا الجو ..
قررت ان انسحب بسرعة لأن الصداع بدأ يدق في رأسي....


كنت افكر, لو شعر كل انسان بمعاناة غيره, ما حصل الظلم في العالم
لو عاش الناس متكاتفين , يدافع بعضهم عن بعض, ما اعطوا الفرصة للمجرمين والاشرار ان ينتصروا
لو ان كل عائلة, فكرت بطريقة ان مايحدث لغيري يعنيني, وينبغي ان اوقف الظلم ضد غيري,
وينبغي ان تعيش كل العوائل مثلنا , ببيوتها واطفالها, سعيدة هانئة مرتاحة البال,
لما كان لهذا الظلم ان يسود العالم وينتشر...
الناس للاسف يعيشون بعقلية : ماشأني انا؟
عقلية النملة , لا ترى الا مسافة قصيرة ...
وقد احاطت بهم الاعلانات من كل جانب , حتى يشتروا ما هو جديد وجميل ورخيص,
احذية وملابس وساعات وعطور وموبايلات ومجوهرات واثاث وكهربائيات و...و...
الراديو والتلفزيون والصحف والمجلات والانترنت تمتليء كلها بالدعايات لشراء مختلف المنتجات
وتغري الناس وتعمي عيونهم...
وتبقيهم يدورون في حلقة مفرغة من الانانية وحب الذات, وحب الشراء والاستهلاك , ونسيان شيء اسمه معاناة الفقير أو المظلوم ..
من سيهتم؟
هذه هي التربية في هذا الزمن ,
والناس هم ابناء زمانهم ...
أو ربما في كل زمان يحدث هذا , ثمة أناس يحسون ويهتمون ويتفاعلون
وثمة أناس لا يعلمون, او ربما لا يريدون ان يعلموا....

ولكني اعتقد ان التقدم بالعمر, والتجارب القاسية الصعبة , قد تغير بعض الناس , وقد يبقي البعض الاخر كما هو عليه
أما عني, فقد تغيرت كثيرا,
أحمد الله ان هذه الحرب رغم سيئاتها , لكنها علمتني الكثير وغيرتني,
جعلتني اكثر حبا للفقراء والمحتاجين والمظلومين, واكثر احساسا بمعاناتهم..
واكثر رغبة بمساعدتهم..
وجعلتني اشفق على الذين لم يتغيروا بعد ,
ظلوا يدورون في دائرة حياتهم الضيقة الانانية الصغيرة, لا يفكرون سوى بانفسهم وطلباتها وشهواتها...
أشفق عليهم, وأسأل الله ان يفتح عيونهم وقلوبهم ليروا ما حولهم ...
لكنني في حياتي اليومية , احاول ان ابتعد عنهم ,
حتى لا ينغصوا علي يومي بعقولهم الصغيرة ومزاجهم الأناني المتقلب ....

أسأل الله أن يكون العام القادم , أفضل من الذي مضى
أسأل الله ان يكون العام القادم , عام سلام وهدوء واستقرار للشعب العراقي,
ولكل شعب يعاني مثله من ويلات حرب غبية أشعلها الحمقى, ويحتار العقلاء كيف يطفوها....
كل عام وانتم بخير...
والسلام عليكم ...



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives