Thursday, November 16, 2006

 
الثلاثاء 14 تشرين ثاني 2006
السلام عليكم
تكملة رحلتي الى بغداد

جاء يوم الجمعة, كل يوم جمعة في بغداد منع تجول
يبقى الناس في البيوت يتفرجون على التلفزيون ويتابعون الاخبار
ووقت الغداء سألت صديقتي كيف تدبرون الخضار والفواكة وطلبات البيت؟
قالت تعودنا ان نشتري كل شيء مساء الخميس

جرة الغاز للطباخ , فرغت
لا يوجد بياع غاز اليوم
بكم تغيرون جرة الغاز؟
سألتها بفضول..
قالت : 17 الف دينار
شهقت أنا ...
كانت منذ سنتين ب500 دينار

ضحكت صديقتي وقالت , اي هاي زمان, هسه غير شكل
طيب والبنزين؟
الان دبة 20 لتر تشتريها ب 10 الاف دينار من الشارع ( تجاري مو حكومي
قلت لها قبل سنتين كنا نشتريها ب 2000 دينار من الشارع
طيب والرواتب؟
هل تغيرت ؟
انتي موظفة دولة , هل تغير راتبك من سنتين؟
قالت :طبعا لا..
بقيت احدق بها ..
طيب كيف يعيش الناس؟
لا وظائف جديدة, ولا مشاريع جديدة تشغل ايدي عاملة
والذي عنده وظيفة راتبه لم يتغير
والقطاع الخاص يتعرض اصحابه للقتل اليومي من تجار واصحاب شركات ومحلات
ويزيد عدد العاطلين عن العمل
طيب كيف يعيش الناس؟
من اين يصرفون على عوائلهم؟
نظرت الي وضحكت وقلبت يديها , كأنها تقول : لا ادري !

قلت لها يعني ليس امام الرجال الا ان يشتغلوا عصابات خطف وتسليب ومليشيات قتل , هؤلاء يجدون من يدفع لهم رواتب مجزية ...
هزت رأسها , وابتسمت بمرارة..
ابتسمت معها وقلت : اي , هذا هو العراق الجديد الذي صنعه بوش....
******************************
صديقتي هذه رفيقة طفولتي وايام الدراسة
لم اعلم من قبل ابدا هل هي سنية ام شيعية
اقسم بالله العظيم اننا عشنا سنوات طويلة معا, حتى تزوجت كل واحدة , وفرقتنا الحياة
وسافرت لاعيش خارج العراق , وانا ما عندي اي فكرة عن طائفتها التي تنتمي اليها
والان من فترة بسيطة عرفت ان ابنها اسمه عمر , وهو اسم سني
وهي تخاف عليه جدا, واصدرت له هوية ثانية تحمل اسما اخر لتحميه من فرق الموت على الحواجز والتي تقتل الناس على الهوية

هذا ما حصدناه من سياسات المحتل, ودستوره الجديد المليء بالسموم
المفروض انني شيعية وهذه عدوتي سنية , حسب ما ينشره بوش عن الحرب الاهلية
اين الحقد في قلبي ضدها؟
اين الحقد في قلبها ضدي؟

البيت كله, زوجها وابنها وزوجته وابنتها, كلهم يركضون من اجل تلبية طلباتي , ويضعون احسن الطعام امامي, ولا يأكلون معي, يخجلون
وتركوا لي غرفة النوم الكبيرة الرئيسية, ونامت هي و زوجها في غرف اخرى
خجلت كثيرا من كرمهم
وحزنت على الحال الذ ي يعيشونه, لا يستحقون ما يحدث لهم من قتل وعنف ورعب يومي
ولا ضوء في نهاية النفق المظلم , لحد الان....
**************************
جاء يوم السبت ..
كنت انتظر قريبي يأتي بسيارته , أريد ان أرى صديقاتي وجيراني..
انطلقنا ثانية الى شارع 14 رمضان , ازدحام شديد , لماذا ؟
سألته
قال توجد نقطة سيطرة واحدة نهاية الشارع , اغلقت كل الفروع , والمرور اجباري من هذه النقطة
طيب.. بقيت انتظر ملهوفة لأرى ما في نقطة السيطرة يا بعد عيني

وصلنا النقطة , ثمة جندي عراقي ضعيف البنية مثل العصفور , عمره حوالي 18 او 19 , يحمل رشاش كلاشنكوف عتيق من زمن جدي , يستند الى الحائط الكونكريتي , ويشير باصبعه للسيارات ان تمر
قلت لقريبي: هاي هيه؟
هذه هي الخطة الامنية لبغداد ونقاط السيطرة؟
قال : اي , وماذا تتوقعين؟
قلت :ماذا لو كنا نحمل متفجرات ؟
كيف يكتشفنا هذا الطفل ؟
هذه مهزلة !

تمر السيارات , انظر للوجوه , اخاف منهم, وربما هم ايضا يخافون منا
الرعب يسيطر على شوارع المدينة وسكانها ...
ولا شيء حقيقي جاد على ارض الواقع , لتحسين وضع الجيش العراقي ليصبح قادرا على استلام الملف الامني
*************************************
اولا ذهبت للبيت , ثمة نساء اعرفهن سيأتين مع اولادهن لتنظيف البيت
ووجدت ام محمد تنتظرني, هي تعيش في ابو غريب , فقيرة مستورة , كانت تنظف بيتنا مرتين في الاسبوع عندما كنت اعيش ببغداد
نزلت من السيارة , عانقتها وبكيت , وأيضا هي صارت تبكي..
ام رائد ؟
لا اصدق عيوني !
قالت وهي تمسح دموعها
بقيت اضحك وابكي , لا ادري, مشاعري مختلطة
لا اصدق انني ارى ثانية الناس الذين احبهم
جاء اولادها ليسلمون علي..
كنت في غاية السعادة , نسيت الخوف

دخلنا البيت سوية , اعطيتهم تعليمات للتنظيف
نظفوا السجادات , وارفعوهن وضعوهن في غرفة المخزن
نظفوا الاثاث وغطوه بشراشف
اغسلوا التحف الصغيرة وضعوها في صناديق
نظفوا الكومبيوترات وضعوها في صناديق

خرجت لأزور بيت اخي , ثم اعود للبيت ثانية
تفاجأت زوجة اخي بوجودي, لم تصدق
ما الذي جاء بك ؟
قالت مرعوبة !
ضحكت, قلت لها مشتاقة لبغداد
مجنونة؟
قالت ونظرت حولها غير مصدقة ..
سألتها اين اخي؟
قالت انه ذهب لتصليح سيارته ..

وجدتها تلبس السواد , تذكرت ان زوج اختها قد قتل قبل فترة قصيرة
قبلتها وواسيتها وجلست استمع للتفاصيل ..
اوقفوه على حاجز وهمي في حي العدل , هو شيعي يعيش هنا طول حياته, طلبوا هويته ثم انزلوه من السيارة , واختفى الرجل
بعد عدة ايام وجدوا جثته في منطقة سنية ( في الاعظمية

وبعد يومين حدث نفس الشيء مع اخيه , تم خطفه ثم القاء جثته في منطقة اخرى
وبعد ان دفنت الجثث وخلصنا بيت العزاء
قررت اختي ان تسكن الكاظمية مع اختي الاخرى
وعادت الى حي العدل ثانية مع تكسي لتجلب وثائق نقل اولادها من المدرسة
وقف التاكسي ينتظرها خارج المدرسة
رجعت لتراه قد قتل وتناثر مخه , ثمة من اخذ هويته , قرأها وقتله لانه شيعي
وجاء اهل السائق واتهموا اختي بالتواطؤ لقتله
لكنها اظهرت لهم شهادة وفاة زوجها الشيعي الذي قتل بنفس الطريقة, فتركوها

بقيت مذهولة ...
ماهذه الحياة؟
وما معنى كل هذا؟

سألتها : من أين جاءت هذه المليشيات الاجرامية, من يمولها ؟
من المستفيد من اعمالها؟
هل حقا هنالك حرب اهلية طائفية؟
قالت : هل تصدقين هذه القصص الكاذبة؟
لقد هجرونا من بيتنا في الغزالية لاننا شيعة
وجاءت عائلة سنية مهجرة من حي اخر وسكنت في بيتنا
تكلمنا معهم على التلفون , وقالوا انهم سيعتنون بالبيت, وارسلوا لنا جزءا من ملابسنا الشتوية
لا يوجد حقد بين السنة والشيعة
كلنا تأذينا, تهجرنا من بيوتنا, قتل رجالنا على حواجز تفتيش طائفية
هذه المليشيات الطائفية الان هي التي تدمر العراق وتقتل الناس, وهي قد جاءت مع الاحزاب التي جاءت على الدبابة مع الاحتلال
هذه الاحزاب الان في الحكومة وهي لا تفكر ولا تعمل الا لمصالحها
والمحتل يحميها
العراقيون يقولون عندما يخرج المحتل ستخرج معه هذه الاحزاب والمليشيات لان لا احد سيحميها
والان كما ترين ان المحتل هو الرابح ايضا من هذه الفوضى فهي تعطيه مبررا قويا لبقاء الجيوش
بحجة حماية العراقيين
لا احد يحمينا لا احد يهتم بنا
كل واحد يبحث عن مصالحه
والشعب العراقي هو الضحية وهو الخاسر

هذا الكلام نفسه سمعته مكررا من كثير من العراقيين الذين تكلمت معهم طوال وجودي في بغداد

عندها نساء جالسات ...
قالت احداهن : غدا محاكمة صدام ..
قلت وماذا يعني ؟
قالت سيحصل توتر ومنع تجول ومظاهرات وضرب هاونات
بقيت احدق , لم افهم
قالت كلهم سيعبرون عن رأيهم , مؤيدين وغير مؤيدين ..
ضحكنا...
قبلت زوجة اخي, وودعتها , لم أر أخي , كلمته على التلفون فقط
***********************
اتصلت ام صديق ابني ماجد
طبيبة وزوجها استاذ جامعي , احبها كثيرا, اكتشفت انها سنية هي الاخرى
هههههههههههه
كل صديقاتي وحبيباتي سنيات
هذا كلام يتناقض مع قصص بوش المروعة عن العراق وحرب الطوائف

قالت سنمر لنأخذك للمطعم وقت الغداء
قلت وهل الطريق آمن ؟
والمطعم آمن؟
قالت والله هي مخاطرة , لكن الاولاد محبوسين في البيت منذ زمن طويل, ويقولون نريد نشوف خالة ام ماجد , ونتغدى معها...
ضحكت , وقبلت بالمخاطرة
رؤية الناس الذين احبهم , تستحق المجازفة ..
اذن سيأتون الساعة الواحدة ظهرا لمرافقتي للمطعم
*************
رجعت للبيت, وجدته جميلا نظيفا مرتبا
النساء رتبن كل شيء وغسلن كل شيء
فرحت كثيرا
ارسلت ابن احداهن لشراء غداء وعصير وماء لهم
بيوتهم بعيدة وحان وقت الغداء
اعطيتهم نقودا ومعها الكثير من ملابسي وملابس اولادي التي في الخزائن
ما معنى ان تبقى هذه الملابس في الخزائن تنتظر عودتنا وهؤلاء فقراء بحاجة لها ؟
ودعتهم , وذهبت للجيران اسلم عليهم
استقبلوني بالاحضان والقبلات
يا عيني ام رائد ؟
شلونك وشلون الاولاد؟
جلست عندهم قليلا
شكوا لي من سوء الحال, والخوف والرعب اليومي
قلت لهم نسمع كل شيء ونحس بكم, وندعو الله ان يفك كربتكم , ونعمل كل ما نستطيع حتى نخبر العالم بما يحصل لكم
جاء اطفالهم وتجمعوا عندي , بعضهم يشرب من علبة عصير, وبعضهم ياكل جبس, يضحكون
تعجبت من براءتهم...
وقلت لهم سوف التقط لكم صورة

التموا حولي ثانية , صرت التقط الصورة واريهم اياها , يقتربون يرونها ويغرقون في الضحك, ثم يبتعدون
قلبي كان يضحك معهم
حسدتهم على براءتهم وعدم ادراكهم لما يحصل من كوارث يومية حولهم
اعمارهم لا تتجاوز الخمس سنوات
كانوا يلبسون بجامات ملونه جميله , صفراء ووردية وحمراء, كانوا بنات واولاد
ويضحكون بطريقة ينشرح لها قلبي وانسى هموم العراق..
ودعت جيراني وذهبت للمطعم ...
***********************



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives