Sunday, November 12, 2006

 
الاحد 12 تشرين الثاني 2006
السلام عليكم
لا اصدق نفسي..
ذهبت لبغداد وبقيت هناك لمدة اسبوع , ثم عدت الى عمان منذ يومين ..
كأنه حلم ...
****************
منذ ان حجزت بالطائرة وتحدد موعد السفر , بدأت أشم رائحة بغداد الحبيبة , صارت قريبة مني
وبقيت قلقة ونومي مضطرب لانني خائفة مما سيحدث ..
وكنت قد حسمت أمري وقررت السفر , وايضا قررت الا اخبر غالبية اهلي واقاربي وصديقاتي هنا وهناك بمشروع السفر, لا اريد ان اسمع التعليقات المحبطة
أنا اعرف تماما خطورة الوضع هناك, لكن شوقي لبغداد دمرني , وقبلت المخاطرة, وقلت للبعض : اذا مت هناك , ادفنوني, فهذه هي قمة سعادتي, ان ادفن في وطني
بدلا من العذاب في الغربة بعيدا عن بلدي الحبيب
ما معنى الحياة بلا وطن؟
هل ثمة أغلى من الوطن؟
كنت أردد على نفسي هذا السؤال كل يوم قبل سفري

**************************************
عندما بدات الطائرة بالنزول وبانت معالم بغداد
اجهشت بالبكاء..
منذ سنتين وانا بعيدة عنها , ارغمت على عدم العودة بسبب الظروف الامنية التعيسة والخطف والقتل مجانا وبلا مبررات
لكنني تعبت من فراقها, تحطم قلبي من الحزن, كل يوم أبكي
وكلما اسافر الى مدن وعواصم اخرى لانسى حزني, يزيد شوقي لها, ويزيد حزني عليها, واجهش بالبكاء
لا ادري , ربما هكذا حال العاشق الذي يتعلق بحب إمراة ما, كلما عرضوا عليه النساء لينساها, كرههن وزاد حبه لها..
هكذا فعلت بي بغداد
كلما زرت عاصمة, فكرت فيها, وتذكرتها, واحببت شوارع تشبه شوارعها, وانهارا تشبه دجلتها, واشجارا تشبه اشجارها, ويزداد عذابي على فراقها..
لكنني من الطائرة اجهشت بالبكاء حين لاحت معالمها
كانني سمعت انينها وشكواها مما حصل لها من تدمير وتخريب واهمال ,وقتل وعنف وسفك للدماء في شوارعها
ونظرت من الطائرة ورأيتها شاحبة , قل خضارها, وزاد تصحرها
انعصر قلبي , واختنقت , وبكيت بمرارة
ماذا فعلوا بك ؟
ماذا فعل بك الكلاب ؟
بقيت اردد وابكي ....
تذكرت الحروب و الحصار ثم الحرب الاخيرة , تراكمت عليها المصائب والاحزان والمحن
وفقدت اولادها وبناتها ممن قتلوا او هاجروا ...
أحب بغداد كما احببت أمي وأبي رحمهما الله
وأرى أنها في محنة...
هل نهجر الذين نحبهم , وهم في محنة؟
****************************
نزلت الطائرة , وكانت الوحيدة, بقيت ابكي وامسح دموعي على المطار المهجور المليئة ساحاته بالشوك والعاقول , نباتات الصحراء المهجورة , وجدت مكانها في مطار بغداد , لتعبر عن حالة الاهمال التي تلف كل شيء هناك....
مضت سيارة التكسي في شارع المطار , وانا خائفة مما سيحدث فجأة
ربما حاجز وهمي للقتل على الهوية , ربما سيارة مفخخة, ربما قنبلة على جانب الطريق, ربما اطلاق نار عشوائي , ربما قذائف هاون مجهولة المصدر, ربما عصابة خطف وتسليب,
لا ادري, هكذا صارت الحياة في العراق
الموت يحيط بالناس من كل الجهات , ونفكر به, ونتوقعه في كل لحظة
تمر اللحظات مختلطة بالرعب
فلا نحس بطعمها , كما نفعل في حياتنا اليومية في اماكن اخرى آمنه....

استقبلني قريبي بسيارته , واخذني الى منطقة المنصور حيث سأنزل عند بيت صديقتي
وصلنا شارع 14 رمضان, وهو اكثر شارع كنت احبه عندما كنت اعيش في بغداد, وجدته مهجورا كئيبا يملؤه الغبار, ومعظم المحلات مغلقة , وصار يعدد لي قريبي عدد اصحاب المحلات الذين تم اغتيالهم بدون اسباب معروفه
محلات الملابس, ومحلات الموبايلات, وافران الخبز, والصيدليات , والمفروشات , وبياعين الخضار...
كلهم تم استهدافهم , وقتلهم, فتحول الشارع الجميل الحيوي الى منطقة كئيبة ميتة
طيب من يفعل هذا ؟
وما هي الغاية؟
قال قريبي بحزن وصوت مكسور : لا نعرف, ثمة عصابات مسلحة مجهولة الهوية تدخل وتقتل وتدمر ثم تهرب , ولا احد يقدر ان يوقفها عند حدها من الاهالي , ولا من الحكومة
يريدون تدمير البلاد , وتدمير حياة الناس , لا نعرف من اين جاؤوا, من يمولهم؟
ما غايتهم؟
يقتلون الناس ويثيرون الفوضى والرعب ويهربون...
هذا هو الارهاب , قلت في نفسي
من الذي جاء به الينا؟
من الذي ادخله للعراق؟
ربما نفسه الذي اعلن الحرب على الارهاب
لانه الوحيد المستفيد من وجود هذه العصابات المسلحة , فهي تبرر وجوده وبقاءه على ارض العراق الى اجل غير مسمى
هؤلاء الارهابيون لا يتواجهون ضد جيش الاحتلال, هؤلاء فقط يقتلون عراقيين مدنيين
قلت سأسأل الناس كلهم عن الجواب لهذا اللغز , من وراء كل هذا العبث والجنون؟
من المستفيد؟
*************************
طلبت من قريبي ان يوقف سيارته جانب الرصيف
وكسرت كل تعليماته وتحذيراته , ونزلت اركض على الرصيف
أريد أن ابوس تراب بغداد , قلت له بصوت عال , هذا عهد قطعته على نفسي
ازور بغداد حتى اشم هواها , وأبوس ترابها , بعدين اشوف الناس وأسألهم عن أحوالهم
وهو يصرخ ويحذر , لم أبالي بكلامه , انحنيت على الارض, ووجدت احواضا للزرع ماتت نباتاتها , وجفت تربتها , وضعت يدي, وحفرت في التراب الجاف باصابع يدي اليمنى , ثم رفعتها الى شفتي وقبلتها : أخ , أبوس ترابك يا بغداد , كما قال هيثم يوسف في اغنيته المعروفة ...
لا اقدر ان اصف فرحتي ونشوتي...
أنا في بغداد ؟
لا أصدق ..
وهذا هواء بغداد وهذا تراب بغداد ؟

لكنني صدقت انني في بغداد , عندما جاء الليل , في بيت صديقتي في حي دراغ , المنصور , كنت في الغرفة وحيدة , والكهرباء مطفية, وصوت اطلاقات نارية هنا وهناك, وصوت هاونات بعيد ..
قلت في نفسي : ها انا في بغداد الحبيبة اخيرا ,
ابتسمت وسحبت الغطاء ووضعته على وجهي, ونمت بسعادة افتقدتها منذ سنتين
أخيرا , عدت الى حضن امي.......
أخيرا ,عدت الى بغداد حبيبتي........



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives