Saturday, May 06, 2006

 
الجمعة 5 أيار 2006
مساء الخير
رجعت من اميركا الى بيتنا في عمان , بيتنا المؤقت,
واتمنى ان تتحسن الاحوال في العراق لنعود الى بيتنا الحقيقي هناك, حيث ذكرياتنا, وحيث مستقبلنا...
بقيت في اميركا شهرين تماما...
كانت الرحلة مزدحمة بمقابلات مع الناس ووسائل الاعلام ومقابلات رسمية مع الكونغرس...

قطعت الولايات المتحدة من الشرق الى الغرب ثلاث مرات خلال الشهرين
وركبت الطائرات والقطارات والباصات والسب وي والتكسيات
وحملت حقائبي من مكان الى اخر, ووجعتني مفاصلي وعظامي من سحب الحقائب
وكلما تكون عندي رحلة طيران من الشرق للغرب او العكس, يكون زمن الرحلة خمس أو ست ساعات , لا اقدر ان انام تلك الليلة من اوجاع جسمي, كل عظامي توجعني, خصوصا اصابع يدي من حمل الحقائب والركض
احيانا اجلس وأسأل نفسي , وأنا تعبانة, وجهي اصفر شاحب, عيوني منتفخة من قلة النوم, نفسيتي مكروبة , قلبي حزين مما أسمع من العراق واخباره الحزينة
اسأل نفسي : لماذا انا هنا؟
لماذا أركض من مكان لمكان, اتكلم واتكلم ,و اسمع واناقش واجاوب, وأقرأ الانترنت لمعرفة اخر اخبار العراق والعالم, واخر خطابات بوش وادارته حتى اتكلم عنها في لقاءاتي القادمة , احاول دائما تحديث معلوماتي حتى يكون النقاش اكثر واقعية ونتكلم عن اخر اخبار العراق وما سيحدث له في المستقبل , من قراءة الواقع الحالي
لا اجد الجواب سوى ان هذه الحرب مزقت حياتنا , وعوائلنا واستقرارنا , ولابد من العمل بأي طريقة للدفاع عن العراق والعراقيين ...

كان ممكن ان اكون من العراقيين الجدد ( نص كم ) الذين يحبون الاحتلال ويرونه فرصة جديدة للسيطرة على مواقع الحكم والسلطة والنفوذ والمال
كان ممكن ان اكون حرامية انتهازية اصفق للاحتلال واعمل معه بزنس يملأ جيوبي بالدولارات
كان ممكن ان اهاجر الى اوروبا أو اميركا وافكر بمصيري الشخصي واولادي, وليذهب العراق واهله الى الجحيم
انا مهندسة, وزوجي مهندس, وممكن ان نشتغل مع شركات اجنبية ونعمل بزنس وفلوس وسعادة
كما فعل كثير من العراقيين , بعد سقوط بغداد, واختاروا طريق حل المشكلة الشخصية
ولم يفكروا بغيرهم...
لكنني أؤمن أن لي تاريخا يملؤه النجاح ,كنت متفوقة في دراستي, وحياتي العملية, وحتى عائلتي كلها من اخوتي واخواتي لم نكن يوما ما انتهازيين او متسلقين, نجحنا وتفوقنا بذراعنا كما يقول العراقيون, امي وأبي رحمهما الله ربونا ان لا نكون انتهازيين, كان ابي يقول دائما : كونوا علماء يخضع لكم الملوك..
رحمه الله , كم أشعر بالجميل له لأنه اعطى البنات فرصة مثل البنين, لم يفرق معنا قط, في المعاملة او التربية او الحنان, في مجتمعاتنا احيانا يفضلون الولد على البنت , لكن في بيتنا الذي نشأنا فيه , لم نجد شيئا من هذا..
درسنا وتفوقنا بنات واولاد وكان ابونا وامنا فخورين بنا
ونجحنا في حياتنا المهنية , اطباء وصيادلة ومهندسين , لم نسرق ولم نرتشي ولم نتعامل مع الناس بتكبر وأذية , قضينا حياتنا في العراق وسمعتنا نظيفة مثل الذهب النظيف , الحمد لله..

لكن بعد سقوط بغداد وتدهور الحالة الامنية, واستهداف الكفاءات العلمية , خرج اخوتي الاطباء واساتذة الجامعات الى بلاد المهجر , وخرج معظمنا من بيوتهم مجبرين وغادرنا البلاد

لكنني مع ذلك الالم الكبير أقول الحمد لله لأننا لم نتحول الى انتهازيين كما فعل الكثير من الفاشلين , وانتهزوها فرصة لينهشوا من لحم العراق , ووضعوا ضمائرهم في سلة الزبالة
الحمد لله , رغم الخسائر, خسرنا بيوتنا ووظائفنا واصدقائنا وجيراننا وذكرياتنا, لكننا لم نخسر ضمائرنا , على الاقل امام اولادنا ومن يعرفنا من الناس, بقينا مثالا للناس الذين يحبون العراق ويخلصون له, ويتألمون لألمه , ويفعلون ما في وسعهم لمساعدة الناس هناك بالمال أو الدفاع عنهم بكلمات الحق..
هذا اقل جميل ممكن ان نفعله للعراق
لا يمكن ان نرد الجميل للعراق مهما فعلنا , فهو بمعزة الام والاب معا...
*****************************************************
أتالم حين أرى عراقيا منافقا او كذابا او انتهازيا , خصوصا من الذين يعيشون خارج العراق, ويكذبون حين يتكلمون عن حياتهم السابقة, يجعلون انفسهم ضحايا , ليكسبوا تعاطف الناس

تألمت حين رأيت النساء العراقيات القادمات من المنطقة الخضراء في بغداد الى مؤتمر نيويورك وهن يكذبن في الكلام عن العراق
واحدة منهن كردية كانت تعيش في بريطانيا, من عائلة غنية جدا , وتخرجت من جامعة بريطانية, قالت في المؤتمر ان النساء المتعلمات في العراق هن فقط خمسة بالمئة من العراقيات, تصدينا لها نحن خريجات الجامعات العراقية, قلنا لها من اين جئت بهذا الكلام؟
نحن درسنا صيدلة وهندسة وطب , والجامعة تقريبا 50 بالمئة من الطلاب , بنات, لماذا تكذبين؟
ثم انت عشت في بريطانيا منذ 1960
ماذا تعرفين عن العراق؟
ثم جاءت واحدة اخرى وقالت امام المؤتمر: انا شيعية , وكنت اخاف ان اقول انني شيعية زمن صدام , وكنت اختبيء في بيتي , ولما سقط النظام فرحت وخرجت لاعمل مع المنظمات الان

قلت للجميع : انا شيعية , عشت طوال حياتي معززة مكرمة لم يمسني أحد بسوء , وكذلك اخوتي واخواتي, درسنا وتفوقنا ولم نواجه اي مشكلة, اخوتي كانوا اوائل في الجامعات, خرجوا ودرسوا دكتوراه على حساب الدولة في بريطانيا واميركا, لم يظلمهم احد لانهم شيعة
لكن هذه المرأة فاشلة, تعلق فشلها على قصص وهمية
والان, لانها انتهازية وكذابة, تتعاون مع الاحتلال وتؤيده, هذه النماذج المريضة الفاشلة هي المستعدة للتعاون مع الاحتلال, لكن الناس اولاد العوائل الشبعانين الناجحين المتفوقين, عندهم عزة نفس وكرامة, ولا ينزلون لمستويات منحطة, ويلطخوا سمعتهم وتاريخهم النظيف,
ففضلوا مغادرة البلاد والصبر على الم الفراق, هو أهون من ان يكونوا انتهازيين منافقين قرود, بلا كرامة, بلا عزة نفس, بلا وطنية..
كل من يؤيد الاحتلال ويجمل صورته , العراق بريء منه..
وإن حمل اسما عراقيا, وان حمل جنسية عراقية...
ما عادت هذه هي الاساس..
قلبك , أين هو, وما نوعه؟
رأيت أمريكيين لهم قلوب تحزن على العراق وتحس بجرحه و عيونهم تبكي من اجله , لهم قلوب عراقية , اكثر من قلوب اخرى , اصحابها يحملون اسماء عراقية وجنسية عراقية, لكنهم لا يفكرون سوى بالدولار, باعوا كل شيء من اجل الدولار..
***************************************
حين ذهبت الى واشنطن اول مرة , سألت رجلا عراقيا مقيما هناك : اين الجالية العراقية؟
لماذا نذهب للكنائس لنتكلم عن العراق ولا نقابل اخوتنا لنتكلم عن العراق؟
قال لي : احسن لكم لا تروهم
قلت متعجبة , لماذا ؟
قال وهو يضحك : غالبيتهم أيدت الحرب على العراق, واشتغلوا مقاولين مع الجيش الامريكي, وبنوا القصور والعمارات في واشنطن
بقيت مذهولة , لم اصدق..

ذهبت الى ميامي بعد حوالي شهر..
كان عندي برنامج مقابلة مع الجالية المسلمة هناك
خابرني إمام احد الجوامع في شمال ميامي, عرفني على نفسه, من عائلة معروفة في كربلاء, ونصحني الا أتكلم غدا عن تصرفات الادارة الامريكية أو جيش الاحتلال في العراق, لان الذين سيأتون غدا من العراقيين لحضور المحاضرة, معظمهم بزنس مين, يعني رجال اعمال , يعيشون هنا منذ 30 أو اربعين سنة, وأخاف ينزعجون, وكلامك يؤثر على البزنس مالتهم , فرجاء تحدثي فقط عن معاناة الناس من قلة الماء والكهرباء..
قلت له لكنني كنت في واشنطن ونيويورك ولوس انجلوس وسان فرانسيسكو, وتحدثت بكل صراحة مع الامريكان من يهود ومسيحيين وكلهم تقريبا كانوا متعاطفين ويعتذرون وعيونهم تدمع على العراق, كيف أغير حديثي خوفا على شعور رجال اعمال عراقيين لا يفكرون الا بأنفسهم ومصالحهم؟
ما جدوى اللقاء معهم؟
قال : ربما ينوون يعطوك تبرعات يعني, فلا تزعجيهم , فيقرروا عدم دفع تبرعات
قلت له وقد ارتفع صوتي : ومن قال لك اننا جئنا نطلب منهم تبرعات؟
من قال لك ان العراقيين في الداخل يريدون منكم دولارات؟
ضحكت, لا أدري من دهشتي ام غضبي
قلت له : إسمع عزيزي, خليني اكون صريحة معك , لن احضر اجتماع الغد , لن ازعجكم , ولن تزعجوني, يبدو اننا لن نتفق
قال : لا , لا تكوني هكذا, تعرفي لا زم نجاملهم, هذولة ايضا اخوتنا عراقيين
قلت له : ماذا تبقى من عراقيتهم؟
هل يحملون جنسية امريكية؟
قال : نعم..
طيب هل هم مواظبون على زيارة الجامع, يعني هل هم مسلمون؟
قال : لا , لا يصلون ولا يصومون
قلت له : عزيزي , ما جدوى زيارتي ومقابلتي لهم؟
هؤلاء الناس لا قواسم مشتركة بيني وبينهم
ستزعجهم رؤيتي واحاديثي, وأنا أيضا لن أتشرف بالتعرف على هؤلاء الناس
لا وطنية, ولا دين , ولا أي انتماء الى العراق
ما جدوى لقائهم ؟
اعتذرت, وظل صوته يرن في اذني بعد اغلاق الهاتف : فكري في الموضوع , تعالي غدا...
................
لم اذهب...
هل كنت متطرفه؟
ام حزني على العراق وما يعانيه الناس هناك , وغضبي من اجلهم , هم الذين منعوني من الذهاب؟
لا أدري...
لكن لم تكن ثمة رغبة أبدا بالذهاب لرؤية هكذا نوع مما يسمونهم عراقيين
ما هي لغة الحوار بيني وبينهم ؟
قلت في نفسي , هؤلاء , سيأتون يوما ما للعراق, بعد ان يتحرر من الاحتلال ان شاء الله, ويقولون : نحن اخوانكم , والله قلوبنا معكم, نريد أن نعمل بزنس لاننا نحب العراق والعراقيين, وقلوبنا معكم كانت دائما , وكنا في الغربة نفكر بكم ولا ب لاب لاب...
هكذا يفعل المنافقون والأنتهازيون عادة, حينما تكون في حالة الضعف, يتخلون عنك, وينكرون معرفتهم بك
وحين تنجح وتتألق, يتقدمون وهم مبتسمون متملقون يصافحونك و يمسدون على كتفك
إنهم مخلوقات قبيحة, تثير الإشمئزاز والإحتقار في نفس كل إنسان عنده ذرة كرامة..
يا الهي ...
كم رأيت من العجائب في الشهرين الماضيين؟
كلها تجارب تفتح العيون, وتزيد العقل والقلب نورا واتساعا
الحمد لله على كل حال........



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives