Sunday, April 02, 2006
الجمعة 31 اذار 2006
مساء الخير..
ما زلت في اميركا منذ حوالي شهر , متعبة جدا من السفر والتنقل من ولاية الى اخرى, وحمل الحقائب , والنوم غير المريح اثناء الرحلات, وتبدل التوقيت بين ولايات اقصى الشرق واقصى الغرب , جسمي متعب جدا, لكن اخبار العراق الدامية الحزينة تنسيني اوجاعي , وتقوي عزيمتي على التنقل من مدينة الى اخرى للحديث عن آلام ومعاناة العراقيين منذ ثلاث سنوات ولحد الآن..
***************
من كثرة المدن والوجوه والفعاليات والبرنامج المزدحم , ما عدت اتذكر التفاصيل كلها, لكنني اتذكر لقاءاتنا مع الناس في الكنائس والجامعات والبيوت والتجمعات الصغيرة من مختلف المنظمات غير الحكومية , ووجدت الناس متعاطفين ومتفهمين لمعاناة العوائل العراقية , من سوء الحالة الأمنية وتعطل الحياة اليومية, فالناس بصعوبة ومجازفة يذهبون للعمل, او يرسلون اولادهم للمدارس, أو يتسوقون او يذهبون للطبيب, اما الزيارات العائلية او الذهاب للمطعم, فهذه صارت ذكريات من الماضي, من يغامر بالخروج للذهاب لزيارة صديق او تناول وجبة في مطعم؟
قلة الخدمات من ماء وكهرباء ووقود , تعاني منها العوائل يوميا, عدم وجود اي برامج لإعادة اعمار البلاد, قصص يومية عن سرقات ملايين وفساد اداري في الحكومة , قلة وجود وظائف للعمل سبب بطالة عالية بين السكان , وسبب هجرة الشباب من العراق من ابناء الطبقة الغنية والمتوسطة, وبقي اولاد العوائل الفقيرة ليختاروا إما العمل مع الشرطة والجيش العراقي ويكونوا هدفا وضحايا لمن يشك بهم ويظنهم متواطئين مع الاحتلال , وإما لصوص وقتلة ومدمني مخدرات, وإما اعضاء فرق القتل والموت أو المليشيات الطائفية القذرة التي تمزق العراق , وثمة من يدربها ويدفع لها, العراقيون يعرفون من الذي يفعل كل هذا بهم, لكن الناس هنا لا يعرفون....
الناس في مدن العراق المختلفة يتألمون لما يحدث لوطنهم من تمزيق, ولا يقدرون ان يفعلوا شيئا لإيقافه, يتساءلون : اين مفتاح الحل لمأزق العراق؟
هل هو في واشنطن ؟
ام بين يدي المليشيات المتقاتلة ؟
وفي الحالتين , المفتاح ليس بيد الشعب العراقي...
هل ثمة كارثة أعظم من هذه؟؟
بعد ثلاث سنوات من خراب ودمار اصاب بلادنا , مفتاح الحل ليس بيدينا ؟
من يتحمل مسؤولية هذا , اليست السياسة الغبية التي تتبعها الادارة الامريكية في العراق؟
هم يخططون , ونحن نتدمر وندفع الثمن...
هذا هو واقع الحال في العراق اليوم...
*******************************
الناس يعيشون عادة في العراق بمدن مختلطة واحياء مختلطة , ثمة مدن فيها تركيز طائفة اكثر من اخرى بسبب وجود مرقد ديني لتلك الطائفة مثلا, والعراقيون يملكون ثقافة تاريخية وتراثية فيها الكثير من التسامح وتقبل الاخر, الزواجات مختلطة, الاحياء السكنية مختلطة, المدارس ومواقع العمل مختلطة سواء حكومية او شركات خاصة, كنا قبل الحرب نحكي نكت ضد بعض ونضحك , نقول مثلا : واحد ذهب للطبيب وقال له سني خايس( مسوس ) , قال له الطبيب اكو سني مو خايس, هههه كنا نضحك..
ونقول نكتة عن يوم القيامة :كان في القبر سني وشيعي, السني قام, الشيعي قال لا مو اليوم باجر, هههه ,لان عادتهم ان يخالفوا ايام الاعياد ورمضان ويؤخرون بدايتها الى اليوم التالي..
وكنا نقول : اكو عربي وكردي محكومين اعدام, جاء الحارس يسألهم ما هو اخر طلب, قال الكردي اريد اشوف امي, قال العربي ماريد الكردي يشوف امه
هههه, كنا نضحك, العربي في النكته لئيم , كنت اتقبل النكته وارويها ونضحك ونحن عرب, والكردي مظلوم في النكته...
كنا نضحك, سنة وشيعة , عرب واكراد , كنا نضحك, ونتقبل الاخر , انا شيعية, زوجي سني, اولادنا ربيناهم ليحبوا كل الناس, ويحترمو ا كل الناس, ولا يفرقوا ولا يحقدوا على احد...
جيراننا كرد وعرب , مسلمين ومسيحيين, نحبهم ونحترمهم, يحبونا ويحترمونا...هكذا تعودنا ان نعيش...
لكن العراق اليوم يعيش محنة كبيرة, لا مكان للحيادي العاقل مثلنا, ثمة من يؤيد ويمول الصوت الطائفي القبيح الحاقد ضد الاخر ليخرب البلاد...
وثمة من يغتال صوت الحيادي العاقل...
كل من يتكلم بروح الطائفية, او يقول انها موجودة قبل الحرب, هو مجرد غبي يدمر العراق بعلم او بدون علم...
حين التقيت النساء والرجال من العراق هنا , والذين هم ضد الحرب والاحتلال , كلهم من مختلف الاطياف , مسلمين ومسيحيين , سنة وشيعة , عرب وكرد وتركمان ,رجال ونساء, كلهم يتكلمون مثلي, كلهم قلوبهم تحترق حزنا على العراق , ونقول لبعضنا : ألم نعش سوية وكان اهلنا جيران وحبايب, وكنا اصدقاء الطفولة والدراسة , هل كنا نسأل : انت سني او شيعي ؟
كردي او عربي؟
لكن الان , من مزق العراق سوى هذا الاحتلال القبيح ؟
تزيد الصورة وضوحا حين نلتقي كلنا, ونشعر أن قلوبنا متوحدة, وثمة عدو واحد يستهدفنا , يريد تمزيق وحدتنا , ويريد تقسيم وطننا..
العراقيون ليسوا اغبياء, هذه المحن تزيدنا وحدة وتماسكا, الناس في بغداد يعملون تبرعات من كل العوائل من كل الطوائف والاعراق , يبنون المساجد المهدمة, ليعود الاذان يعلو وينادي في مدن العراق : الله اكبر....الله اكبر
هذا الذي يريدون حرمان العراقيين من سماعه....
ثمة من يستهدف هويتنا وديننا ليمزقهما...
العراقيون ليسوا اغبياء...
*************************
وعادة الامريكيون يسألون نهاية كل لقاء : ماذا نفعل لنساعد العراقيين؟
اقول عادة , خبروا جيرانكم واصدقائكم عن حقيقة ما يحدث في العراق, ليست هذه مهمة نبيلة , لا ترسلوا اولادكم للحرب , اضغطوا على حكومتكم لتخرج الجيوش من العراق وتوقف بناء القواعد, ولا تتدخل بمصير العراق, اتركوا العراق للعراقيين...
واخر مرة اتذكر كان لنا يومين في نشاطات مشتركة في احياء مختلفة داخل سان فرانسيسكو , وكان معنا مشاركون من ضمنهم سكوت رتر , المفتش عن الاسلحة في العراق وقت الحصار , وتحدث للجمهور عن رفضه للحرب من البداية, وان العراق لم يكن فيه اسلحة دمار شامل , وان هذه الادارة الامريكية تمارس سياسة خاطئة في العراق شنت الحرب لاسباب كاذبة, ولحد الان تبرر بقاءها لاسباب كاذبة..
وحين سأله الناس ماذا نفعل غضب منهم , ورد عليهم بعصبية : لا تكونوا اغبياء , انتم وضعتم هذه الادارة في الحكومة, لا تقولوا هناك من زور الانتخابات, ينبغي ان تفتحوا عيونكم وتغيروا حياتكم, غيروا اسلوب حياتكم من الاتكال على النفط وموارده التي تاتي بسبب احتلال دول اخرى, قولوا لحكومتكم انكم تقدرون العيش بتقشف على مواردكم فقط, لا داعي للحروب وسرقة موارد الاخرين..
جلست مذهولة, أراقب النقاش الصريح والغاضب...
هو يتهمهم , وهم يرفضون التهم ....
عرفت حقيقة اميركا هنا , خلال هذا الشهر ..
الناس ضعفاء مساكين مسلوبي الارادة..
يريدون التغيير ولا يعرفون كيف, أو مستسلمين فقدوا الامل بقدرتهم على التغيير, القرار في هذه البلاد بيد الاغنياء الذين يملكون المال والبنوك والشركات العملاقة, ووسائل الاعلام طبعا التي تسيطر على عقول الناس البسطاء..
حتى نظام الانتخابات تتحكم به الاموال, المرشح يحتاج الى ملايين الدولارات للحملة الانتخابية, يعني صاحب المباديء والانسانية والعدالة والسلام من سيهتم به ومن سيمول حملته؟
والذي مستعد لتسويق افكار الطبقة الغنية التي تحب الحروب والاستثمارات , سيجد من سينفق ملايين على حملته, وسيقول للناس كل الوعود الجميلة والشعارات البراقة, وسوف ينتخبوه, وحين يصل الى الكرسي ليجلس في موقع القرار, سينفذ تعليمات الشركات الكبرى التي مولت حملته, وليس الامريكان البؤساء الذين انتخبوه...
وهكذا يعيش الناس في عالم , وصانع القرار تخلى عنهم, يعيش في عالم اخر...
هذا واقع الحال في اميركا ...
وحرب العراق هي اوضح مثال...
ثمة غضب شعبي كبير قبل الحرب ولحد الان , لكن رأي الناس مهمش, لا يراه احد في الصحف او وسائل الاعلام, او ربما ينوه عنه بطريقة تافهة , ويضيع مع سيل الاخبار عن قصص مختلفة عن رياضيين وفنانين ثم دعايات ونشرة جوية واقتصادية وبيئية , ويتوه موضوع العراق في زحمة القصص والدعايات والكلام الفارغ...
واظل اتساءل مع نفسي حين ارى حزن الامريكيين وعجزهم عن تغيير القرار او التاثير على صناع القرار في البلاد : هل هذه الديمقراطية التي يتباهى بها بوش وغونداليزا رايس؟
والتي دمروا العراق من اجل تطبيقها ؟
الحكومة قوية وغنية ومستبدة بالرأي والقرار , الشعب فقير وضعيف ولا أحد يبالي به, يخرجون مسيرات, ويهتفون , وبعضهم يعتقل ويذهب للسجن , وبعضهم يعمل افلام وثائقية ويتكلم ضد سياسات الحكومة, لكن النتيجة , من يهتم؟
وكم واحد من ال350 مليون امريكي سيسمعه؟
واين القرار؟
القرار بيد الذين يجلسون في البيت الابيض والبنتاغون والكونغرس..
وهم ابعد ما يكونون عن المواطن العادي ورأيه...
أبعد ما يكونون...
احسست بالشفقة على هذا الشعب...
أكيد هذه البلاد تعيش في أزمة , وحرب العراق هي التي كشفت كل شيء على حقيقته...
***********************************
مساء الخير..
ما زلت في اميركا منذ حوالي شهر , متعبة جدا من السفر والتنقل من ولاية الى اخرى, وحمل الحقائب , والنوم غير المريح اثناء الرحلات, وتبدل التوقيت بين ولايات اقصى الشرق واقصى الغرب , جسمي متعب جدا, لكن اخبار العراق الدامية الحزينة تنسيني اوجاعي , وتقوي عزيمتي على التنقل من مدينة الى اخرى للحديث عن آلام ومعاناة العراقيين منذ ثلاث سنوات ولحد الآن..
***************
من كثرة المدن والوجوه والفعاليات والبرنامج المزدحم , ما عدت اتذكر التفاصيل كلها, لكنني اتذكر لقاءاتنا مع الناس في الكنائس والجامعات والبيوت والتجمعات الصغيرة من مختلف المنظمات غير الحكومية , ووجدت الناس متعاطفين ومتفهمين لمعاناة العوائل العراقية , من سوء الحالة الأمنية وتعطل الحياة اليومية, فالناس بصعوبة ومجازفة يذهبون للعمل, او يرسلون اولادهم للمدارس, أو يتسوقون او يذهبون للطبيب, اما الزيارات العائلية او الذهاب للمطعم, فهذه صارت ذكريات من الماضي, من يغامر بالخروج للذهاب لزيارة صديق او تناول وجبة في مطعم؟
قلة الخدمات من ماء وكهرباء ووقود , تعاني منها العوائل يوميا, عدم وجود اي برامج لإعادة اعمار البلاد, قصص يومية عن سرقات ملايين وفساد اداري في الحكومة , قلة وجود وظائف للعمل سبب بطالة عالية بين السكان , وسبب هجرة الشباب من العراق من ابناء الطبقة الغنية والمتوسطة, وبقي اولاد العوائل الفقيرة ليختاروا إما العمل مع الشرطة والجيش العراقي ويكونوا هدفا وضحايا لمن يشك بهم ويظنهم متواطئين مع الاحتلال , وإما لصوص وقتلة ومدمني مخدرات, وإما اعضاء فرق القتل والموت أو المليشيات الطائفية القذرة التي تمزق العراق , وثمة من يدربها ويدفع لها, العراقيون يعرفون من الذي يفعل كل هذا بهم, لكن الناس هنا لا يعرفون....
الناس في مدن العراق المختلفة يتألمون لما يحدث لوطنهم من تمزيق, ولا يقدرون ان يفعلوا شيئا لإيقافه, يتساءلون : اين مفتاح الحل لمأزق العراق؟
هل هو في واشنطن ؟
ام بين يدي المليشيات المتقاتلة ؟
وفي الحالتين , المفتاح ليس بيد الشعب العراقي...
هل ثمة كارثة أعظم من هذه؟؟
بعد ثلاث سنوات من خراب ودمار اصاب بلادنا , مفتاح الحل ليس بيدينا ؟
من يتحمل مسؤولية هذا , اليست السياسة الغبية التي تتبعها الادارة الامريكية في العراق؟
هم يخططون , ونحن نتدمر وندفع الثمن...
هذا هو واقع الحال في العراق اليوم...
*******************************
الناس يعيشون عادة في العراق بمدن مختلطة واحياء مختلطة , ثمة مدن فيها تركيز طائفة اكثر من اخرى بسبب وجود مرقد ديني لتلك الطائفة مثلا, والعراقيون يملكون ثقافة تاريخية وتراثية فيها الكثير من التسامح وتقبل الاخر, الزواجات مختلطة, الاحياء السكنية مختلطة, المدارس ومواقع العمل مختلطة سواء حكومية او شركات خاصة, كنا قبل الحرب نحكي نكت ضد بعض ونضحك , نقول مثلا : واحد ذهب للطبيب وقال له سني خايس( مسوس ) , قال له الطبيب اكو سني مو خايس, هههه كنا نضحك..
ونقول نكتة عن يوم القيامة :كان في القبر سني وشيعي, السني قام, الشيعي قال لا مو اليوم باجر, هههه ,لان عادتهم ان يخالفوا ايام الاعياد ورمضان ويؤخرون بدايتها الى اليوم التالي..
وكنا نقول : اكو عربي وكردي محكومين اعدام, جاء الحارس يسألهم ما هو اخر طلب, قال الكردي اريد اشوف امي, قال العربي ماريد الكردي يشوف امه
هههه, كنا نضحك, العربي في النكته لئيم , كنت اتقبل النكته وارويها ونضحك ونحن عرب, والكردي مظلوم في النكته...
كنا نضحك, سنة وشيعة , عرب واكراد , كنا نضحك, ونتقبل الاخر , انا شيعية, زوجي سني, اولادنا ربيناهم ليحبوا كل الناس, ويحترمو ا كل الناس, ولا يفرقوا ولا يحقدوا على احد...
جيراننا كرد وعرب , مسلمين ومسيحيين, نحبهم ونحترمهم, يحبونا ويحترمونا...هكذا تعودنا ان نعيش...
لكن العراق اليوم يعيش محنة كبيرة, لا مكان للحيادي العاقل مثلنا, ثمة من يؤيد ويمول الصوت الطائفي القبيح الحاقد ضد الاخر ليخرب البلاد...
وثمة من يغتال صوت الحيادي العاقل...
كل من يتكلم بروح الطائفية, او يقول انها موجودة قبل الحرب, هو مجرد غبي يدمر العراق بعلم او بدون علم...
حين التقيت النساء والرجال من العراق هنا , والذين هم ضد الحرب والاحتلال , كلهم من مختلف الاطياف , مسلمين ومسيحيين , سنة وشيعة , عرب وكرد وتركمان ,رجال ونساء, كلهم يتكلمون مثلي, كلهم قلوبهم تحترق حزنا على العراق , ونقول لبعضنا : ألم نعش سوية وكان اهلنا جيران وحبايب, وكنا اصدقاء الطفولة والدراسة , هل كنا نسأل : انت سني او شيعي ؟
كردي او عربي؟
لكن الان , من مزق العراق سوى هذا الاحتلال القبيح ؟
تزيد الصورة وضوحا حين نلتقي كلنا, ونشعر أن قلوبنا متوحدة, وثمة عدو واحد يستهدفنا , يريد تمزيق وحدتنا , ويريد تقسيم وطننا..
العراقيون ليسوا اغبياء, هذه المحن تزيدنا وحدة وتماسكا, الناس في بغداد يعملون تبرعات من كل العوائل من كل الطوائف والاعراق , يبنون المساجد المهدمة, ليعود الاذان يعلو وينادي في مدن العراق : الله اكبر....الله اكبر
هذا الذي يريدون حرمان العراقيين من سماعه....
ثمة من يستهدف هويتنا وديننا ليمزقهما...
العراقيون ليسوا اغبياء...
*************************
وعادة الامريكيون يسألون نهاية كل لقاء : ماذا نفعل لنساعد العراقيين؟
اقول عادة , خبروا جيرانكم واصدقائكم عن حقيقة ما يحدث في العراق, ليست هذه مهمة نبيلة , لا ترسلوا اولادكم للحرب , اضغطوا على حكومتكم لتخرج الجيوش من العراق وتوقف بناء القواعد, ولا تتدخل بمصير العراق, اتركوا العراق للعراقيين...
واخر مرة اتذكر كان لنا يومين في نشاطات مشتركة في احياء مختلفة داخل سان فرانسيسكو , وكان معنا مشاركون من ضمنهم سكوت رتر , المفتش عن الاسلحة في العراق وقت الحصار , وتحدث للجمهور عن رفضه للحرب من البداية, وان العراق لم يكن فيه اسلحة دمار شامل , وان هذه الادارة الامريكية تمارس سياسة خاطئة في العراق شنت الحرب لاسباب كاذبة, ولحد الان تبرر بقاءها لاسباب كاذبة..
وحين سأله الناس ماذا نفعل غضب منهم , ورد عليهم بعصبية : لا تكونوا اغبياء , انتم وضعتم هذه الادارة في الحكومة, لا تقولوا هناك من زور الانتخابات, ينبغي ان تفتحوا عيونكم وتغيروا حياتكم, غيروا اسلوب حياتكم من الاتكال على النفط وموارده التي تاتي بسبب احتلال دول اخرى, قولوا لحكومتكم انكم تقدرون العيش بتقشف على مواردكم فقط, لا داعي للحروب وسرقة موارد الاخرين..
جلست مذهولة, أراقب النقاش الصريح والغاضب...
هو يتهمهم , وهم يرفضون التهم ....
عرفت حقيقة اميركا هنا , خلال هذا الشهر ..
الناس ضعفاء مساكين مسلوبي الارادة..
يريدون التغيير ولا يعرفون كيف, أو مستسلمين فقدوا الامل بقدرتهم على التغيير, القرار في هذه البلاد بيد الاغنياء الذين يملكون المال والبنوك والشركات العملاقة, ووسائل الاعلام طبعا التي تسيطر على عقول الناس البسطاء..
حتى نظام الانتخابات تتحكم به الاموال, المرشح يحتاج الى ملايين الدولارات للحملة الانتخابية, يعني صاحب المباديء والانسانية والعدالة والسلام من سيهتم به ومن سيمول حملته؟
والذي مستعد لتسويق افكار الطبقة الغنية التي تحب الحروب والاستثمارات , سيجد من سينفق ملايين على حملته, وسيقول للناس كل الوعود الجميلة والشعارات البراقة, وسوف ينتخبوه, وحين يصل الى الكرسي ليجلس في موقع القرار, سينفذ تعليمات الشركات الكبرى التي مولت حملته, وليس الامريكان البؤساء الذين انتخبوه...
وهكذا يعيش الناس في عالم , وصانع القرار تخلى عنهم, يعيش في عالم اخر...
هذا واقع الحال في اميركا ...
وحرب العراق هي اوضح مثال...
ثمة غضب شعبي كبير قبل الحرب ولحد الان , لكن رأي الناس مهمش, لا يراه احد في الصحف او وسائل الاعلام, او ربما ينوه عنه بطريقة تافهة , ويضيع مع سيل الاخبار عن قصص مختلفة عن رياضيين وفنانين ثم دعايات ونشرة جوية واقتصادية وبيئية , ويتوه موضوع العراق في زحمة القصص والدعايات والكلام الفارغ...
واظل اتساءل مع نفسي حين ارى حزن الامريكيين وعجزهم عن تغيير القرار او التاثير على صناع القرار في البلاد : هل هذه الديمقراطية التي يتباهى بها بوش وغونداليزا رايس؟
والتي دمروا العراق من اجل تطبيقها ؟
الحكومة قوية وغنية ومستبدة بالرأي والقرار , الشعب فقير وضعيف ولا أحد يبالي به, يخرجون مسيرات, ويهتفون , وبعضهم يعتقل ويذهب للسجن , وبعضهم يعمل افلام وثائقية ويتكلم ضد سياسات الحكومة, لكن النتيجة , من يهتم؟
وكم واحد من ال350 مليون امريكي سيسمعه؟
واين القرار؟
القرار بيد الذين يجلسون في البيت الابيض والبنتاغون والكونغرس..
وهم ابعد ما يكونون عن المواطن العادي ورأيه...
أبعد ما يكونون...
احسست بالشفقة على هذا الشعب...
أكيد هذه البلاد تعيش في أزمة , وحرب العراق هي التي كشفت كل شيء على حقيقته...
***********************************