Sunday, February 19, 2006
الأحد 19شباط 2006
صباح الخير....
وبقلبي المثقل بالحزن على ما يجري في العراق, التقيت الصديقة الكردية القادمة في زيارة قصيرة الى عمان, هي تعمل في منظمة تهتم بقضايا حقوق الانسان في العراق, في الحقيقة انا احترم هذه المنظمات , وأراها اكثر رقيا من منظمات لصوص تضحك على الناس وتتكلم بأسماء الأرامل واليتامى , لتنهب اموال التبرعات, قلبي متعب منهم , ما عدت اثق بمعظمهم , صرت ابعث تبرعاتي الشخصية او ما ياتيني من تبرعات, الى عوائل فقيرة معدمة او أرامل وأيتام أعرفهم شخصيا في بغداد أو خارج بغداد , او من خلال منظمة او اثنتين أثق بنسائهم واجدهم ملتزمات محترمات ...
اتفقنا ان نلتقي في اليوم التالي لتناول الغداء سوية, ونتكلم عن مواضيع تخص منظمات المجتمع المدني في العراق...
في اليوم التالي قالت تعالي قبل الغداء , نذهب لرؤية سيدات قادمات من مدن عراقية مختلفة هنا في الفندق بعمان, لحضور ورشة عمل عن قانون الاسرة وقانون الاحوال الشخصية ..
وعندما سألتها عن إسم الجهة المسؤولة أو الراعية لهذه الفعالية , عرفت ان فيها نفس الاسماء العراقية التي رعت مؤتمر البحر الميت عن القيادات النسوية العراقية..
إذن سألتقي بنفس الوجوه...
قلت لها اسمعي , لا أحب حضور هذه المناسبات , ولا مقابلة أحد , فقد حضرت مؤتمرات كهذه وسمعت الكثير من الكلام الفارغ , لا أريد...
قالت وما يهمنا , دعينا نراهم ونسمع ما يقولون ...
كنت مترددة, لا أريد تعكير مزاجي برؤية هؤلاء الناس , هذه فئة اختارت طريقا يختلف عن طريقي, ولست ادعي انني بطلة او قائدة قومية , وانهم حثالة, لكنني متعبة من الكلام الفارغ, وتبذير أموال العراقيين أو الشعب الامريكي , التي تصرف على رعاية هكذا ندوات وورشات عمل..
دائما اتساءل : ماذا تضيف ؟
ثمة مئات الالاف من الفقراء والجياع في العراق يستحقون الرعاية, يستحقون فتح مشاريع انتاجية لعوائلهم لتوفر لهم الحياة الكريمة والمستقبل المريح, أما صرف النقود على فنادق درجة اولى وعشاء وغداء وتذاكر سفر لمنظمات مجتمع مدني تعيش على هامش حياة العراقيين , فهذه كارثة ....
واكتشفت عندما ذهبت الى فيرمونت للمشاركة في معهد السلام , ان هذه مشكلة تعاني منها معظم مجتمعات ما بعد الحرب, حيث تخصص ميزانية بعشرات أو مئات الالاف من الدولارات سنويا لرعاية مؤتمرات وورشات عمل لاعضاء منظمات المجتمع المدني , في الحقيقة هي مجرد كلام عن الحرية والديمقراطية والعملية السياسية والانتخابات ولاب لاب لاب....
ومصاريف هائلة على فنادق وتذاكر طيران ووجبات غداء وعشاء وسخافات لا تنتهي..
بينما على أرض الواقع, مجتمع ما بعد الحرب بحاجة الى نشاطات على الارض , على الواقع, لمعالجة جروح الحرب ومصائبها, ومساعدة الاف العوائل المنكوبة...
ثمة الكثير من الاموال, لكن توجد اختلافات حول كيفية صرف هذه الاموال..
هذه نقطة الخلاف بيني وبين هؤلاء الناس....
********************************
دخلنا الفندق, قالت صديقتي انهم في المطعم, نظرت للساعة, كانت حوالي الثانية بعد الظهر, لم اكن منتبهة, احسست بالحرج ونحن ندخل المطعم, والسيدات يتناولن الغداء..
جاءت احداهن تسلم علينا, وانتبهت انها صديقتي وجارتي من بغداد, تبادلنا القبلات والتحيات وقلت لها أريد أن أسألك عن ما تفعلوه هنا, هل انهيت الغداء؟
قالت نعم, تعالي نجلس على طاولة منفصلة...
بعد تبادل الاسئلة عن عوائلنا واخبارنا, سألتها عن موضوع هذه الورشة
قالت :
قانون الاسرة, وقانون الأحوال الشخصية في العراق
طيب, وهل من جديد ؟
قالت : جاءت دكتورة قانون من المغرب , فريدة بناني, اعطتنا محاضرات عن التجربة المغربية , وطريقة نضال النساء هناك لنيل حقوقهن , وتطرقت الى الاسلام والشريعة
والفقه...
وما علاقتهم ؟ سألت...
هذا هو الموضوع الرئيسي للحوار, قالت..
همممم , قلت في نفسي...
ثمة محور رئيسي وهو الإسلام ؟
من يقوم برعاية الورشة ؟
قالت : مؤسسة وودرو ويلسون
اهلا وسهلا , ابتسمت , قلت في نفسي سأعود للبيت, وأفتح الانترنت لأعرف من هي هذه المؤسسة..
وما هي خلاصة القول من الورشة؟ سألتها..
قالت : يعني لازم نحاول نغير بعض القوانين التي تحد من حرية المرأة وتقلل من وصاية الرجل ...
همم, مثلا ؟
قالت : مثل حق الولاية للرجل على المرأة وطلب المساواة للنساء بناء على اتفاقية سيداو العالمية..
قلت : يعني مطلوب منكم تسويق اتفاقية سيداو في العراق, وجعلها بديل الشريعة الاسلامية ؟
قالت : لا ليس تماما, لكننا قلنا لهم اننا نتمسك بديننا وقيمنا ولا يمكن ان نؤيد هذه الافكار..
طيب, متى تنتهين؟ اريد ان أراك بعد الورشة ..
قالت عندنا استراحة غداء, سندخل بعد قليل , ولن نطيل, هذه جلسة الختام...
****************************
جاءت صديقتي الكردية وقالت : اخذت أذن من مديرة الورشة, وسندخل القاعة كمتفرجين فقط, تعالي...
جلسنا في طرف من اطراف القاعة, نتفرج..
ثمة إدارة تتصدر الجلسة من نساء مختلفات الجنسية, لكنهن متفقات على تيار واحد , أقصد على وجهة نظر جئن على تسويقها لعقول وقلوب المشاركات, هكذا رأيت حين جاء السؤال الممل والمحرج نهاية كل مؤتمر من هذه المؤتمرات او الورشات , والذي يوجه لكل مشاركة كأن فيه إذلال : يله قدمي الولاء لنا بعدما جلبناك هنا وغديناك وعشيناك...
ههههه, والله هكذا تبدو الصورة, انا سابقا حين شاركت بمؤتمرات البحر الميت, تعرضت لهذا الاحراج, وكان وقتها مطلوب من رئيسة كل جمعية ان تقول جمل الالتزام المملة : اتعهد انني عندما ارجع للعراق راح اقول انتو احسن ناس, وراح اخلي الشعب العراقي يحبكم, وراح اجمع مليون توقيع تضامن معكم, هههه, وغيره من الكلام الفارغ , الذي يحب منظموا الندوة سماعه , ويكتبونه في تقاريرهم الى رؤسائهم...
وطبعا لم اكن رئيسة الجمعية, فقالت وقتها زميلتي ذلك الكلام وهي تعنيه, لانها تؤمن ان هذه وسيلتها الوحيدة للبقاء على حياة منظمتها, وربما اعطاءها كم دولار تنتعش بهم شخصيا , اقصد هم للمنظمة, لكنها سوف تهفهم ( تلطشهم ) لتحسين ظروف حياتها الشخصية كالعادة...
في البداية كانت هذه النماذج تثير غضبي وحزني, لكن بمرور الوقت,صرت اغرق بالضحك , و أشعر بالشفقة والرثاء عليهم, هذه نماذج بشر فاشلين انتهازيين , يعيشون على هامش مجتمعاتهم, لا تأثير لهم حقيقي على حياة الناس لأنهم ينقصهم الصدق , ويملأهم الجشع, فكيف سيكونون ممثلين لمجتمعاتهم؟
وهذه النماذج تتلهف وتنبطح للمحتل , لانه يعطيها اهمية , ويراهن عليها , لتكون وسيلته للتسلل الى عقول وقلوب الناس.....
هكذا رأيت من تجربتي للعمل مع منظمات المجتمع المدني العراقي بعد الحرب...
يوجد الان اكثر من 5500 منظمة مجتمع مدني, وهذا شيء مضحك, نصفها مثلا للأيتام والارامل, وبعضها للكلام عن الحرية والديمقراطية, ثم بعضها الاخر لرجال وسيدات اعمال, وبعضها للشباب والمعوقين ورعاية اسر الشهداء وبعضها للدفاع عن حقوق الانسان وغيرها...
المفروض ان تتوحد هذه الجمعيات والمنظمات تحت تصنيف كبير, وتتجمع كتحالفات حتى تتوحد جهودها وتحس بجدية العمل بين الناس, وتحصد ثمار واضحة, وليس كما هو الحال الان, كل منظمة من 10 اشخاص او اكثر او اقل, وتدور في متاهات التمويل والبحث عن طريقة للبقاء, ستضطرها لسلوك طرق غير شرعية لكسب المال, وربما كان ثمة قسم كبير من المؤسسيين والمنتمين لهذه المنظمات غرضهم هو الكسب الشخصي , وليس خدمة الناس, وهذا بسبب ارتفاع ارقام البطالة في عراق ما بعد الحرب, وكل هذه السلبيات تصب في عمل منظمات المجتمع المدني, وتحرف الكثير منها عن مسارها الطبيعي النبيل.....
*************************************
قالت السيدة التي تدير الندوة , اسمها هالة , وهي عجوز وجهها كثير التجاعيد, عيونها صغيرة لكنها تقول ان صاحبتها متسلطة , شعرها خفيف ومنكوش, لكنتها تقول انها غير امريكية الاصل, ظننتها ايطالية, لانها دمرت اللهجة , سألت صديقتي الكردية , من أين هذه السيدة ؟
أيرانية ...
آه, ايرانية؟
اذن , هذه مفروض انها من بلد اسلامي, وتأتي في هذه المؤتمرات لمخاطبة نساء مسلمات, طبعا, سينفرون لو كانت المتكلمة امريكية خالصة...
طيب, التي جنبها حين تكلمت فهمت انها لبنانية, أسمها فاطمة ,...
التي جنبها عراقية اعرفها ( ذات الحجاب البرتقالي في البحر الميت , الان ترتدي حجاب اخضر, زينب سويجي, من البصرة, مناضلة معارضة لحكم صدام , هكذا يعرفها الامريكان من جماعة بوش , وتقيم حاليا في اميركا, ومتزوجة من امريكي, وتؤيد الحرب على العراق, تراها حرب تحرير عظيمة تستحق كل الخسائر التي لحقت بالعراق والعراقيين )
طبعا هي مسألة وجهات نظر....
وغابت عن الجلسة الدكتورة المغربية الغاضبة على الاسلام والشريعة , فريدة بناني,
سافرت في الصباح ,والتي فهمت من المشاركات انهم تلاطشن معها كثيرا ( تصادمن ) حول ارائها في الشريعة والفقه , وانتقادها لهما, وتريد ايصال رسالة للنساء هنا, ان لابد من تغيير الاحكام والقوانين التي تتعامل مع النساء في العالم الاسلامي عن طريق فتح باب الاجتهاد, لان هذه القوانين مستمدة اكثرها من الفقه , وليس من الشريعة( القرآن
والفقه وضعه رجال ( مثل المالكي والحنبلي والجعفري...) وبالتالي هؤلاء معرضون للخطأ في اجتهاداتهم , وآن الاوان ان نتحرك كنساء للضغط على رجال الدين في بلداننا لتغيير هذه الاحكام, وخلق اجتهادات جديدة اكثر انصافا للمرأة .
***************************************
السيدة الايرانية هالة, المشرفة على ادارة الندوة, طلبت من المشاركات ان يبدين رأيهن بصراحة عما رأينه وتعلمنه من الورشة, دون تضييع الوقت في الشكر..
لكن المشاركات غرقن في الضحك وهن يراوغن بتضييع الوقت في ابداء الشكر والامتنان على الندوة, كنت انظر اليهن واحدة واحدة , واضع نفسي بمكان السيدة الايرانية هالة , وهن يقدمن التقييم...
لو كنت مكانها لتملكني الغضب والاحباط, والله اظن هذا ما اصابها فعلا, فهي لم تتلق ردا واضحا حاسما الا من القليلات ...
الغالبية كانت تضحك وترواغ من ابداء رأي واضح , أنا كعراقية , أفهم تماما انهن كن يجاملن, لم يكن يعطين اراءهن بصراحة, حتى جارتي التي التقيتها قبل الجلسة الختامية قالت ان محور الورشة لم يعجبها ولم تقتنع به , لكنها في القاعة عندما وصلها الدور لتقديم رأيها قالت : شكرا لجهودكم, لقد استفدنا كثيرا...
ضحكت وقلت لصديقتي الكردية : لكن هذا ليس رأيها الحقيقي ..
إما أنها تنافق , أو تخفي ما في قلبها خوفا من التصادم مع المشرفات على الندوة ,و خوفا من أن يصفنها بأنها ناكرة الجميل أو خوفا من أن يحرمنها من حضور ورشات ومؤتمرات قادمة...
هذا هو واقع الحال...
هل تفهم النساء العراقيات وغير العراقيات المشرفات على الندوة ما يعتمل في صدور المشاركات ؟
أم انهن يقمن بالواجب المكلفات به وكفى؟
ثم يقدمن تقارير لرؤسائهن عن نجاح الورشة وتقبل العراقيات للافكار الثورية فيها ضد الشريعة والفقه, وسوف يرجعن للعراق لعمل انقلاب اجتماعي مبتكر....
ههههه
لا ادري من هو الساذج في المعادلة , من هو الذي يخدع الآخر ويستغله؟
هذه المنظمات الأمريكية المفلسة التي تأتي لتسوق أفكارها على مجتمعاتنا أم هذه المنظمات العراقية التي تلبي الدعوة؟
**************************************
كانت ثمة صحفية عراقية قدمت مداخلة مؤدبة هادئة , وقالت نشكركم على الورشة , تعلمنا اشياء جديدة , لكننا لا نريد التفريط بديننا وتراثنا...
قدمت مداخلة اخيرة , مهندسة من حزب اسلامي عراقي, كانت مداخلتها واضحة قوية, قالت رغم التصادمات مع الدكتورة فريدة بناني في الايام الاربعة السابقة , فقد استفدنا من الورشة, تعلمنا اشياء جديدة , لكننا لن نفرط بديننا ...
طلبت السيدة الايرانية من السيدات المشاركات ان يعطينها عنوان موضوع لورشة قادمة, لكن عبثا , حطمن اعصابها بجمل طويلة مملة لا معنى لها , وأكثر من واحدة اقترحت ورشة بعنوان : الفرق بين الشريعة والفقه في الاسلام...
غرقت في الضحك, لماذا ستاتي امريكيات من مؤسسة وودرو ولسون لتقديم شروحات الشريعة الاسلامية..
هذه نقاط تكشف تفاهة وضحالة هذا النوع من النساء المسلمات , طيب مكتبات بغداد يا غبية تمتليء بكتب , اذهبي واقرأي, هذا دينك, وهذا شعبك, وهذا مستقبلك ...
ماذا أقول ؟
لو كنت من المشاركات في هذه الورشة, كنت سأستمتع بتنغيص عيشة هالة وزينب وفاطمة وفريدة , لكن الفرصة فاتتني للأسف, وواضح أنهن كن يستغلن جهل المشاركات بموضوع حساس مثل هذا , ...
وبعضهن يعرفنني من مؤتمر البحر الميت وكتاباتي عنه, فلن يجرؤن على دعوتي للمشاركة في هكذا مؤتمرات او ورشات, هن يخترن الصيد السهل, المشاركة قليلة الثقافة والاطلاع , ليمررن افكارهن التبشيرية العظيمة عليها...
********************************
بعد خروجنا من القاعة , وقفت للتعرف على الصحفية, والمهندسة من الحزب الاسلامي, وضحكنا كثيرا...
كنت اعرف غيرهن من مشاركات من الجنوب , لكنهن يراوغن , لا يقلن رأيهن بصراحة..
قلت لهن لماذا جئتم للمشاركة؟
هل كنتم تعلمون الموضوع؟
قالوا نعم, كنا مترددين , لكن البعض نصحنا ان نذهب حتى لا تكون الساحة فقط للمغفلات,أو المجاملات المنافقات , لابد من حضور نساء عراقيات واعيات للدفاع والمناقشة , لا بد ان يعرفوا اننا لسنا ببغاوات يتم تلقينها وتعود الى العراق لتردد ما سمعته...
ضحكت كثيرا, وشعرت بالنصر, قلت لهن : لست اخاف على العراقيات , معظمهن ذكيات ولا يمكن الضحك عليهن ...
اخذنا عناوين بعضنا لنعمل شبكة اتصالات مستمرة بيننا... قلت لهم : شوفوا كم فائدة جنيتم من المجيء؟
اولا سمعتم الافكار الخايسة التي يريدون تسويقها على العراقيات : زرع روح التمرد على ازواجنا وابائنا واخواننا , وروح التمرد على ديننا وثقافتنا, وروح الاحتقار لشريعتنا وفقهائنا, لكن هذه تزيدنا تمسكا واصرارا بهويتنا, وتجعلنا اكثر قوة وتماسكا, ونكسب اجرا من رب العالمين لأننا دافعنا عن ديننا , وكسبنا معرفة صديقات جديدات ممكن ان نتعاون معهن على مساعدة العراقيين وبناء العراق بالطريقة التي نراها ترضي ربنا وشعبنا...
سنبقى على اتصال ... ودعنا بعضنا بالقبلات والضحكات والكلمات الجميلة...
أحسست أن العراق بخير , رغم المحن...
ما دام فيه رجال شرفاء ...ونساء مخلصات , لن يهزم العراق...
****************************************
رأيت نموذجا مدهشا أريد التحدث عنه ...
عند دخولي للفندق وانشغالي بالحديث مع جارتي السابقة , جاءت امرأة من المشاركات, ترتدي العباءة العراقية التقليدية, آه كم احبها هذه العباءة تذكرني بأمي رحمها الله ...
جاءت السيدة وقدمت نفسي لها , قالت مبتسمة : سمعت بإسمك ..
قلت من حضرتك ؟
قالت الدكتورة فلانة...
قلت طبيبة؟
قالت لا , صيدلانية..
اهلا وسهلا, قلت لها تفضلي..
قالت لا , اريد ان اتغدى, ثم نجلس للكلام ...
انتظرت نهاية الجلسة , والتقيت بها خارج القاعة حيث كان الجميع يشرب الشاي
قلت لها : ما رأيك في الورشة؟
هل تظنين من المناسب ان تأتي منظمة امريكية تتدخل في حياتنا وتوحي الينا كيف نفكر ونصيغ حياتنا؟
لماذا لا نقول لهم هذه شؤوننا الخاصة, نغيرها بصورة طبيعية عندما نشاء , وبدون تعارض مع ديننا...
قالت : ليس كل ما قالوه خطأ ..
قلت كيف يعني؟
كانت تراوغ , لا تريد ابداء وجهة نظرها صراحة ...
هذه نموذج من عراقيين ظهروا بعد الحرب, احب ان انكشهم واستفزهم لأعرف حقيقة داخلهم...
قلت لها يعني نحن نملك تراث 1400 سنة , لا يمكن ان نفرط به بسهولة...
نظرت الي بغضب وقالت : 1400 سنة من الفشل...
نظرت اليها, وغرقت في الضحك , قلت لماذا فشل عزيزتي؟
العرب لم يصبحوا أمة لها قوة وفعالية وحضارة الا عندما اعتنقوا الاسلام, الا عندما كان عندهم عقيدة....
رأيتها تراجعت , قالت: اي نعم, في هذه معك حق, ثم تسللت بعيدا عني...
ذهبت للبنات الواقفات , وسألتهن من هذه ؟
قالوا الا تعرفينها؟
هذه عضوة جمعية وطنية سابقة, ونزلت مرشحة بقائمة احمد الجلبي, وخسرت الانتخابات ...
قلت يعني هذه كانت في البرلمان العراقي السابق؟
وشاركت في صياغة الدستور العراقي؟
هذه عدوة نفسها , عدوة شعبها وثقافتها , من وضعها هناك؟
المفروض أن الذين في البرلمان يمثلون روح وفكر شعبهم, من تمثل هذه؟؟
ضحكوا وقالوا : هذه نماذج من العراق الجديد...
ههههه..
احسست بالدهشة ...
لماذا تلبسين الزي العراقي الجميل , وانت بداخلك واحدة تحتقر العراق وما فيه ؟
هذا هو ما اغضبني فقط...
اما اراؤها ,فهي حرة...
هذا زمن الحرية والديمقراطية المستوردة....
************************************
ثم رأيت نموذجا اخر...
واحدة تصنف نفسها من مثقفات العراق , أنيقة ولطيفة وعلى الموضة, لكن ثمة من هددها وهربت من العراق..
هي تقول السلفيين ..
ورأيت ثمة حملة في صحف الغرب ان النساء العراقيات المثقفات مستهدفات من قوى الظلام والسلفيين...
ثم فتحت الموقع لمنظمتها النسائية..
فوجدتهن وضعن صورا لهن مع الحاكم الامريكي بريمر , وهن في غاية السعادة, وواحدة منهن كانت الا قليلا ستنام على صدره...هههه والله لا اتبلى عليهن , الموقع موجود على الانترنت ولست اريد التشهير بهن, لكن يبدو أنهن حمقاوات لم يفهمن كيف يعبرن عن صورة العراقيات الجديدات, فظننن ان التقاط صور تذكارية مع بريمر هو تعبير عن السعادة بتحرر العراق...
ولهذا جاءها التهديد من السلفيين...
تحمد ربها انهم لم يقتلوها, هذه اشارة على ديمقراطيتهم , هههه
وهناك عدد من العراقيات مثل هذه تم قتلهن بسبب الرعونة وسوء تقدير الموقف, فذهبن ضحايا حماقاتهن...
كن متعاونات مع قوات الاحتلال بشكل علني وواضح ...
ثم تكتب عنهن صحف الغرب , أوه , هؤلاء نساء مناضلات ذهبن ضحايا متطرفين ...
القصة ليست هكذا ...هؤلاء نساء متهورات لم يفهمن كيف يتصرفن خلال الاوضاع السياسية والامنية القلقة والخطيرة في العراق بعد الحرب...
وكان أن دفعن الثمن حياتهن.....
هؤلاء نموذج اخر من نساء العراق....
******************************
أخذت معي منشورات من الورشة عن الجهة الراعية لهذا اللقاء..
وجدتها مؤسسة وودرو ولسون مع مؤسسة راند ...
رجعت للبيت وفتحت الانترنت وبحثت عن مؤسسة راند فكان الجواب :
واحدة من مؤسسات الفكر والرأي التي تتعاون مع وكالات الدفاع والاستخبارات الأمريكية , وهي تقوم بمساعدة المؤسسة العسكرية في معالجة التحديات الجديدة في مجالي الارهاب والامن القومي...
يعني على ارض الواقع, الجيش الامريكي يحتل العراق ويمزقه ويدمره, ومؤسسات مثل راند وغيرها تدخل لتغسل عقول العراقيين والعراقيات من خلال تمرير سياساتها بتدريب كوادر يعملون داخل الحكومة العراقية او المنظمات غير الحكومية العراقية..
يعني احكام الطوق من كل جهة....
هذه هي ستراتيجية بناء الديمقراطية في الشرق الاوسط...
رأيت كتيب مؤسسة وودرو ولسون: عندها برنامج خاص اسمه : برنامج الشرق الاوسط , وهو يتكلم عن الاسلام والشريعة وعلاقتهما في القوانين الخاصة بالنساء, وتمرير اتفاقية سيداو لتكون مرجعية النساء المسلمات بدلا عن الشريعة والفقه , حتى تلبس الدول العربية والاسلامية ثوب الديمقراطية والعصر الحديث..
ووجدت في الكتيب اسماء وصور السيدات اللواتي كن يدرن الندوة اليوم : هالة اسفندياري, الايرانية , وفاطمة قاسم اللبنانية, وفريدة بناني المغربية ...
ورأيت أنهن كلهن من دول العالم العربي والاسلامي, يعملن في تلك المؤسسات, وسمحن لأنفسهن أن يكن ادوات بيد تلك المؤسسات, لنقل الأفكار منها الى نساء العالم العربي الاسلامي...
فتحت الانترنت لأعرف المزيد عن فريدة بناني, ووجدتها كتبت الكثير من التحليل لايات القران واحاديث الرسول التي تحترم المراة وحريتها وكرامتها, وكان ينبغي ان يكون خطابها للرجال : هذا الاسلام عظيم ولم يظلم المرأة في شيء , فعودوا للتمسك به ...
لكن خطابها كان على العكس : تخلوا عن الاسلام, وتمسكوا باتفاقية سيداو لحقوق النساء...
سامحها الله...
في الندوة وورشة العمل رأيت حوالي 25 إمرأة , معظمهن من العراق , وواحدة من الكويت, وواحدة من البحرين, وواحدة من اليمن ., جئن ليستمعن وينقلن أفكار بناني الى نساء اوطانهن ....
*******************************
الان أبتسم وأتساءل : هذه الادارة الامريكية تثير الشفقة , تنفق اموال الامريكيين او النفط العراقي لغزو بلداننا, بشن الحروب العسكرية والسياسية ,ُثم تحاول التدخل في رؤؤسنا ونبش ما فيها , ثم محاولة اخراج محتويات عقولنا, واستبدالها بأفكار أخرى تناسبهم ...
ههههه...
هل يظنوننا حمقى ؟
من الذي يستحق الشفقة ؟
والله أرى الاسلام يكبر وينتصر ويسود , خصوصا بعد الحرب على العراق...
وهؤلاء المساكين يدورون في متاهات لا نهاية لها...
كان الله في عون عباده المؤمنين في كل مكان , وفي العراق خاصة ، يثبتهم وينصرهم ....
و السلام عليكم ....
صباح الخير....
وبقلبي المثقل بالحزن على ما يجري في العراق, التقيت الصديقة الكردية القادمة في زيارة قصيرة الى عمان, هي تعمل في منظمة تهتم بقضايا حقوق الانسان في العراق, في الحقيقة انا احترم هذه المنظمات , وأراها اكثر رقيا من منظمات لصوص تضحك على الناس وتتكلم بأسماء الأرامل واليتامى , لتنهب اموال التبرعات, قلبي متعب منهم , ما عدت اثق بمعظمهم , صرت ابعث تبرعاتي الشخصية او ما ياتيني من تبرعات, الى عوائل فقيرة معدمة او أرامل وأيتام أعرفهم شخصيا في بغداد أو خارج بغداد , او من خلال منظمة او اثنتين أثق بنسائهم واجدهم ملتزمات محترمات ...
اتفقنا ان نلتقي في اليوم التالي لتناول الغداء سوية, ونتكلم عن مواضيع تخص منظمات المجتمع المدني في العراق...
في اليوم التالي قالت تعالي قبل الغداء , نذهب لرؤية سيدات قادمات من مدن عراقية مختلفة هنا في الفندق بعمان, لحضور ورشة عمل عن قانون الاسرة وقانون الاحوال الشخصية ..
وعندما سألتها عن إسم الجهة المسؤولة أو الراعية لهذه الفعالية , عرفت ان فيها نفس الاسماء العراقية التي رعت مؤتمر البحر الميت عن القيادات النسوية العراقية..
إذن سألتقي بنفس الوجوه...
قلت لها اسمعي , لا أحب حضور هذه المناسبات , ولا مقابلة أحد , فقد حضرت مؤتمرات كهذه وسمعت الكثير من الكلام الفارغ , لا أريد...
قالت وما يهمنا , دعينا نراهم ونسمع ما يقولون ...
كنت مترددة, لا أريد تعكير مزاجي برؤية هؤلاء الناس , هذه فئة اختارت طريقا يختلف عن طريقي, ولست ادعي انني بطلة او قائدة قومية , وانهم حثالة, لكنني متعبة من الكلام الفارغ, وتبذير أموال العراقيين أو الشعب الامريكي , التي تصرف على رعاية هكذا ندوات وورشات عمل..
دائما اتساءل : ماذا تضيف ؟
ثمة مئات الالاف من الفقراء والجياع في العراق يستحقون الرعاية, يستحقون فتح مشاريع انتاجية لعوائلهم لتوفر لهم الحياة الكريمة والمستقبل المريح, أما صرف النقود على فنادق درجة اولى وعشاء وغداء وتذاكر سفر لمنظمات مجتمع مدني تعيش على هامش حياة العراقيين , فهذه كارثة ....
واكتشفت عندما ذهبت الى فيرمونت للمشاركة في معهد السلام , ان هذه مشكلة تعاني منها معظم مجتمعات ما بعد الحرب, حيث تخصص ميزانية بعشرات أو مئات الالاف من الدولارات سنويا لرعاية مؤتمرات وورشات عمل لاعضاء منظمات المجتمع المدني , في الحقيقة هي مجرد كلام عن الحرية والديمقراطية والعملية السياسية والانتخابات ولاب لاب لاب....
ومصاريف هائلة على فنادق وتذاكر طيران ووجبات غداء وعشاء وسخافات لا تنتهي..
بينما على أرض الواقع, مجتمع ما بعد الحرب بحاجة الى نشاطات على الارض , على الواقع, لمعالجة جروح الحرب ومصائبها, ومساعدة الاف العوائل المنكوبة...
ثمة الكثير من الاموال, لكن توجد اختلافات حول كيفية صرف هذه الاموال..
هذه نقطة الخلاف بيني وبين هؤلاء الناس....
********************************
دخلنا الفندق, قالت صديقتي انهم في المطعم, نظرت للساعة, كانت حوالي الثانية بعد الظهر, لم اكن منتبهة, احسست بالحرج ونحن ندخل المطعم, والسيدات يتناولن الغداء..
جاءت احداهن تسلم علينا, وانتبهت انها صديقتي وجارتي من بغداد, تبادلنا القبلات والتحيات وقلت لها أريد أن أسألك عن ما تفعلوه هنا, هل انهيت الغداء؟
قالت نعم, تعالي نجلس على طاولة منفصلة...
بعد تبادل الاسئلة عن عوائلنا واخبارنا, سألتها عن موضوع هذه الورشة
قالت :
قانون الاسرة, وقانون الأحوال الشخصية في العراق
طيب, وهل من جديد ؟
قالت : جاءت دكتورة قانون من المغرب , فريدة بناني, اعطتنا محاضرات عن التجربة المغربية , وطريقة نضال النساء هناك لنيل حقوقهن , وتطرقت الى الاسلام والشريعة
والفقه...
وما علاقتهم ؟ سألت...
هذا هو الموضوع الرئيسي للحوار, قالت..
همممم , قلت في نفسي...
ثمة محور رئيسي وهو الإسلام ؟
من يقوم برعاية الورشة ؟
قالت : مؤسسة وودرو ويلسون
اهلا وسهلا , ابتسمت , قلت في نفسي سأعود للبيت, وأفتح الانترنت لأعرف من هي هذه المؤسسة..
وما هي خلاصة القول من الورشة؟ سألتها..
قالت : يعني لازم نحاول نغير بعض القوانين التي تحد من حرية المرأة وتقلل من وصاية الرجل ...
همم, مثلا ؟
قالت : مثل حق الولاية للرجل على المرأة وطلب المساواة للنساء بناء على اتفاقية سيداو العالمية..
قلت : يعني مطلوب منكم تسويق اتفاقية سيداو في العراق, وجعلها بديل الشريعة الاسلامية ؟
قالت : لا ليس تماما, لكننا قلنا لهم اننا نتمسك بديننا وقيمنا ولا يمكن ان نؤيد هذه الافكار..
طيب, متى تنتهين؟ اريد ان أراك بعد الورشة ..
قالت عندنا استراحة غداء, سندخل بعد قليل , ولن نطيل, هذه جلسة الختام...
****************************
جاءت صديقتي الكردية وقالت : اخذت أذن من مديرة الورشة, وسندخل القاعة كمتفرجين فقط, تعالي...
جلسنا في طرف من اطراف القاعة, نتفرج..
ثمة إدارة تتصدر الجلسة من نساء مختلفات الجنسية, لكنهن متفقات على تيار واحد , أقصد على وجهة نظر جئن على تسويقها لعقول وقلوب المشاركات, هكذا رأيت حين جاء السؤال الممل والمحرج نهاية كل مؤتمر من هذه المؤتمرات او الورشات , والذي يوجه لكل مشاركة كأن فيه إذلال : يله قدمي الولاء لنا بعدما جلبناك هنا وغديناك وعشيناك...
ههههه, والله هكذا تبدو الصورة, انا سابقا حين شاركت بمؤتمرات البحر الميت, تعرضت لهذا الاحراج, وكان وقتها مطلوب من رئيسة كل جمعية ان تقول جمل الالتزام المملة : اتعهد انني عندما ارجع للعراق راح اقول انتو احسن ناس, وراح اخلي الشعب العراقي يحبكم, وراح اجمع مليون توقيع تضامن معكم, هههه, وغيره من الكلام الفارغ , الذي يحب منظموا الندوة سماعه , ويكتبونه في تقاريرهم الى رؤسائهم...
وطبعا لم اكن رئيسة الجمعية, فقالت وقتها زميلتي ذلك الكلام وهي تعنيه, لانها تؤمن ان هذه وسيلتها الوحيدة للبقاء على حياة منظمتها, وربما اعطاءها كم دولار تنتعش بهم شخصيا , اقصد هم للمنظمة, لكنها سوف تهفهم ( تلطشهم ) لتحسين ظروف حياتها الشخصية كالعادة...
في البداية كانت هذه النماذج تثير غضبي وحزني, لكن بمرور الوقت,صرت اغرق بالضحك , و أشعر بالشفقة والرثاء عليهم, هذه نماذج بشر فاشلين انتهازيين , يعيشون على هامش مجتمعاتهم, لا تأثير لهم حقيقي على حياة الناس لأنهم ينقصهم الصدق , ويملأهم الجشع, فكيف سيكونون ممثلين لمجتمعاتهم؟
وهذه النماذج تتلهف وتنبطح للمحتل , لانه يعطيها اهمية , ويراهن عليها , لتكون وسيلته للتسلل الى عقول وقلوب الناس.....
هكذا رأيت من تجربتي للعمل مع منظمات المجتمع المدني العراقي بعد الحرب...
يوجد الان اكثر من 5500 منظمة مجتمع مدني, وهذا شيء مضحك, نصفها مثلا للأيتام والارامل, وبعضها للكلام عن الحرية والديمقراطية, ثم بعضها الاخر لرجال وسيدات اعمال, وبعضها للشباب والمعوقين ورعاية اسر الشهداء وبعضها للدفاع عن حقوق الانسان وغيرها...
المفروض ان تتوحد هذه الجمعيات والمنظمات تحت تصنيف كبير, وتتجمع كتحالفات حتى تتوحد جهودها وتحس بجدية العمل بين الناس, وتحصد ثمار واضحة, وليس كما هو الحال الان, كل منظمة من 10 اشخاص او اكثر او اقل, وتدور في متاهات التمويل والبحث عن طريقة للبقاء, ستضطرها لسلوك طرق غير شرعية لكسب المال, وربما كان ثمة قسم كبير من المؤسسيين والمنتمين لهذه المنظمات غرضهم هو الكسب الشخصي , وليس خدمة الناس, وهذا بسبب ارتفاع ارقام البطالة في عراق ما بعد الحرب, وكل هذه السلبيات تصب في عمل منظمات المجتمع المدني, وتحرف الكثير منها عن مسارها الطبيعي النبيل.....
*************************************
قالت السيدة التي تدير الندوة , اسمها هالة , وهي عجوز وجهها كثير التجاعيد, عيونها صغيرة لكنها تقول ان صاحبتها متسلطة , شعرها خفيف ومنكوش, لكنتها تقول انها غير امريكية الاصل, ظننتها ايطالية, لانها دمرت اللهجة , سألت صديقتي الكردية , من أين هذه السيدة ؟
أيرانية ...
آه, ايرانية؟
اذن , هذه مفروض انها من بلد اسلامي, وتأتي في هذه المؤتمرات لمخاطبة نساء مسلمات, طبعا, سينفرون لو كانت المتكلمة امريكية خالصة...
طيب, التي جنبها حين تكلمت فهمت انها لبنانية, أسمها فاطمة ,...
التي جنبها عراقية اعرفها ( ذات الحجاب البرتقالي في البحر الميت , الان ترتدي حجاب اخضر, زينب سويجي, من البصرة, مناضلة معارضة لحكم صدام , هكذا يعرفها الامريكان من جماعة بوش , وتقيم حاليا في اميركا, ومتزوجة من امريكي, وتؤيد الحرب على العراق, تراها حرب تحرير عظيمة تستحق كل الخسائر التي لحقت بالعراق والعراقيين )
طبعا هي مسألة وجهات نظر....
وغابت عن الجلسة الدكتورة المغربية الغاضبة على الاسلام والشريعة , فريدة بناني,
سافرت في الصباح ,والتي فهمت من المشاركات انهم تلاطشن معها كثيرا ( تصادمن ) حول ارائها في الشريعة والفقه , وانتقادها لهما, وتريد ايصال رسالة للنساء هنا, ان لابد من تغيير الاحكام والقوانين التي تتعامل مع النساء في العالم الاسلامي عن طريق فتح باب الاجتهاد, لان هذه القوانين مستمدة اكثرها من الفقه , وليس من الشريعة( القرآن
والفقه وضعه رجال ( مثل المالكي والحنبلي والجعفري...) وبالتالي هؤلاء معرضون للخطأ في اجتهاداتهم , وآن الاوان ان نتحرك كنساء للضغط على رجال الدين في بلداننا لتغيير هذه الاحكام, وخلق اجتهادات جديدة اكثر انصافا للمرأة .
***************************************
السيدة الايرانية هالة, المشرفة على ادارة الندوة, طلبت من المشاركات ان يبدين رأيهن بصراحة عما رأينه وتعلمنه من الورشة, دون تضييع الوقت في الشكر..
لكن المشاركات غرقن في الضحك وهن يراوغن بتضييع الوقت في ابداء الشكر والامتنان على الندوة, كنت انظر اليهن واحدة واحدة , واضع نفسي بمكان السيدة الايرانية هالة , وهن يقدمن التقييم...
لو كنت مكانها لتملكني الغضب والاحباط, والله اظن هذا ما اصابها فعلا, فهي لم تتلق ردا واضحا حاسما الا من القليلات ...
الغالبية كانت تضحك وترواغ من ابداء رأي واضح , أنا كعراقية , أفهم تماما انهن كن يجاملن, لم يكن يعطين اراءهن بصراحة, حتى جارتي التي التقيتها قبل الجلسة الختامية قالت ان محور الورشة لم يعجبها ولم تقتنع به , لكنها في القاعة عندما وصلها الدور لتقديم رأيها قالت : شكرا لجهودكم, لقد استفدنا كثيرا...
ضحكت وقلت لصديقتي الكردية : لكن هذا ليس رأيها الحقيقي ..
إما أنها تنافق , أو تخفي ما في قلبها خوفا من التصادم مع المشرفات على الندوة ,و خوفا من أن يصفنها بأنها ناكرة الجميل أو خوفا من أن يحرمنها من حضور ورشات ومؤتمرات قادمة...
هذا هو واقع الحال...
هل تفهم النساء العراقيات وغير العراقيات المشرفات على الندوة ما يعتمل في صدور المشاركات ؟
أم انهن يقمن بالواجب المكلفات به وكفى؟
ثم يقدمن تقارير لرؤسائهن عن نجاح الورشة وتقبل العراقيات للافكار الثورية فيها ضد الشريعة والفقه, وسوف يرجعن للعراق لعمل انقلاب اجتماعي مبتكر....
ههههه
لا ادري من هو الساذج في المعادلة , من هو الذي يخدع الآخر ويستغله؟
هذه المنظمات الأمريكية المفلسة التي تأتي لتسوق أفكارها على مجتمعاتنا أم هذه المنظمات العراقية التي تلبي الدعوة؟
**************************************
كانت ثمة صحفية عراقية قدمت مداخلة مؤدبة هادئة , وقالت نشكركم على الورشة , تعلمنا اشياء جديدة , لكننا لا نريد التفريط بديننا وتراثنا...
قدمت مداخلة اخيرة , مهندسة من حزب اسلامي عراقي, كانت مداخلتها واضحة قوية, قالت رغم التصادمات مع الدكتورة فريدة بناني في الايام الاربعة السابقة , فقد استفدنا من الورشة, تعلمنا اشياء جديدة , لكننا لن نفرط بديننا ...
طلبت السيدة الايرانية من السيدات المشاركات ان يعطينها عنوان موضوع لورشة قادمة, لكن عبثا , حطمن اعصابها بجمل طويلة مملة لا معنى لها , وأكثر من واحدة اقترحت ورشة بعنوان : الفرق بين الشريعة والفقه في الاسلام...
غرقت في الضحك, لماذا ستاتي امريكيات من مؤسسة وودرو ولسون لتقديم شروحات الشريعة الاسلامية..
هذه نقاط تكشف تفاهة وضحالة هذا النوع من النساء المسلمات , طيب مكتبات بغداد يا غبية تمتليء بكتب , اذهبي واقرأي, هذا دينك, وهذا شعبك, وهذا مستقبلك ...
ماذا أقول ؟
لو كنت من المشاركات في هذه الورشة, كنت سأستمتع بتنغيص عيشة هالة وزينب وفاطمة وفريدة , لكن الفرصة فاتتني للأسف, وواضح أنهن كن يستغلن جهل المشاركات بموضوع حساس مثل هذا , ...
وبعضهن يعرفنني من مؤتمر البحر الميت وكتاباتي عنه, فلن يجرؤن على دعوتي للمشاركة في هكذا مؤتمرات او ورشات, هن يخترن الصيد السهل, المشاركة قليلة الثقافة والاطلاع , ليمررن افكارهن التبشيرية العظيمة عليها...
********************************
بعد خروجنا من القاعة , وقفت للتعرف على الصحفية, والمهندسة من الحزب الاسلامي, وضحكنا كثيرا...
كنت اعرف غيرهن من مشاركات من الجنوب , لكنهن يراوغن , لا يقلن رأيهن بصراحة..
قلت لهن لماذا جئتم للمشاركة؟
هل كنتم تعلمون الموضوع؟
قالوا نعم, كنا مترددين , لكن البعض نصحنا ان نذهب حتى لا تكون الساحة فقط للمغفلات,أو المجاملات المنافقات , لابد من حضور نساء عراقيات واعيات للدفاع والمناقشة , لا بد ان يعرفوا اننا لسنا ببغاوات يتم تلقينها وتعود الى العراق لتردد ما سمعته...
ضحكت كثيرا, وشعرت بالنصر, قلت لهن : لست اخاف على العراقيات , معظمهن ذكيات ولا يمكن الضحك عليهن ...
اخذنا عناوين بعضنا لنعمل شبكة اتصالات مستمرة بيننا... قلت لهم : شوفوا كم فائدة جنيتم من المجيء؟
اولا سمعتم الافكار الخايسة التي يريدون تسويقها على العراقيات : زرع روح التمرد على ازواجنا وابائنا واخواننا , وروح التمرد على ديننا وثقافتنا, وروح الاحتقار لشريعتنا وفقهائنا, لكن هذه تزيدنا تمسكا واصرارا بهويتنا, وتجعلنا اكثر قوة وتماسكا, ونكسب اجرا من رب العالمين لأننا دافعنا عن ديننا , وكسبنا معرفة صديقات جديدات ممكن ان نتعاون معهن على مساعدة العراقيين وبناء العراق بالطريقة التي نراها ترضي ربنا وشعبنا...
سنبقى على اتصال ... ودعنا بعضنا بالقبلات والضحكات والكلمات الجميلة...
أحسست أن العراق بخير , رغم المحن...
ما دام فيه رجال شرفاء ...ونساء مخلصات , لن يهزم العراق...
****************************************
رأيت نموذجا مدهشا أريد التحدث عنه ...
عند دخولي للفندق وانشغالي بالحديث مع جارتي السابقة , جاءت امرأة من المشاركات, ترتدي العباءة العراقية التقليدية, آه كم احبها هذه العباءة تذكرني بأمي رحمها الله ...
جاءت السيدة وقدمت نفسي لها , قالت مبتسمة : سمعت بإسمك ..
قلت من حضرتك ؟
قالت الدكتورة فلانة...
قلت طبيبة؟
قالت لا , صيدلانية..
اهلا وسهلا, قلت لها تفضلي..
قالت لا , اريد ان اتغدى, ثم نجلس للكلام ...
انتظرت نهاية الجلسة , والتقيت بها خارج القاعة حيث كان الجميع يشرب الشاي
قلت لها : ما رأيك في الورشة؟
هل تظنين من المناسب ان تأتي منظمة امريكية تتدخل في حياتنا وتوحي الينا كيف نفكر ونصيغ حياتنا؟
لماذا لا نقول لهم هذه شؤوننا الخاصة, نغيرها بصورة طبيعية عندما نشاء , وبدون تعارض مع ديننا...
قالت : ليس كل ما قالوه خطأ ..
قلت كيف يعني؟
كانت تراوغ , لا تريد ابداء وجهة نظرها صراحة ...
هذه نموذج من عراقيين ظهروا بعد الحرب, احب ان انكشهم واستفزهم لأعرف حقيقة داخلهم...
قلت لها يعني نحن نملك تراث 1400 سنة , لا يمكن ان نفرط به بسهولة...
نظرت الي بغضب وقالت : 1400 سنة من الفشل...
نظرت اليها, وغرقت في الضحك , قلت لماذا فشل عزيزتي؟
العرب لم يصبحوا أمة لها قوة وفعالية وحضارة الا عندما اعتنقوا الاسلام, الا عندما كان عندهم عقيدة....
رأيتها تراجعت , قالت: اي نعم, في هذه معك حق, ثم تسللت بعيدا عني...
ذهبت للبنات الواقفات , وسألتهن من هذه ؟
قالوا الا تعرفينها؟
هذه عضوة جمعية وطنية سابقة, ونزلت مرشحة بقائمة احمد الجلبي, وخسرت الانتخابات ...
قلت يعني هذه كانت في البرلمان العراقي السابق؟
وشاركت في صياغة الدستور العراقي؟
هذه عدوة نفسها , عدوة شعبها وثقافتها , من وضعها هناك؟
المفروض أن الذين في البرلمان يمثلون روح وفكر شعبهم, من تمثل هذه؟؟
ضحكوا وقالوا : هذه نماذج من العراق الجديد...
ههههه..
احسست بالدهشة ...
لماذا تلبسين الزي العراقي الجميل , وانت بداخلك واحدة تحتقر العراق وما فيه ؟
هذا هو ما اغضبني فقط...
اما اراؤها ,فهي حرة...
هذا زمن الحرية والديمقراطية المستوردة....
************************************
ثم رأيت نموذجا اخر...
واحدة تصنف نفسها من مثقفات العراق , أنيقة ولطيفة وعلى الموضة, لكن ثمة من هددها وهربت من العراق..
هي تقول السلفيين ..
ورأيت ثمة حملة في صحف الغرب ان النساء العراقيات المثقفات مستهدفات من قوى الظلام والسلفيين...
ثم فتحت الموقع لمنظمتها النسائية..
فوجدتهن وضعن صورا لهن مع الحاكم الامريكي بريمر , وهن في غاية السعادة, وواحدة منهن كانت الا قليلا ستنام على صدره...هههه والله لا اتبلى عليهن , الموقع موجود على الانترنت ولست اريد التشهير بهن, لكن يبدو أنهن حمقاوات لم يفهمن كيف يعبرن عن صورة العراقيات الجديدات, فظننن ان التقاط صور تذكارية مع بريمر هو تعبير عن السعادة بتحرر العراق...
ولهذا جاءها التهديد من السلفيين...
تحمد ربها انهم لم يقتلوها, هذه اشارة على ديمقراطيتهم , هههه
وهناك عدد من العراقيات مثل هذه تم قتلهن بسبب الرعونة وسوء تقدير الموقف, فذهبن ضحايا حماقاتهن...
كن متعاونات مع قوات الاحتلال بشكل علني وواضح ...
ثم تكتب عنهن صحف الغرب , أوه , هؤلاء نساء مناضلات ذهبن ضحايا متطرفين ...
القصة ليست هكذا ...هؤلاء نساء متهورات لم يفهمن كيف يتصرفن خلال الاوضاع السياسية والامنية القلقة والخطيرة في العراق بعد الحرب...
وكان أن دفعن الثمن حياتهن.....
هؤلاء نموذج اخر من نساء العراق....
******************************
أخذت معي منشورات من الورشة عن الجهة الراعية لهذا اللقاء..
وجدتها مؤسسة وودرو ولسون مع مؤسسة راند ...
رجعت للبيت وفتحت الانترنت وبحثت عن مؤسسة راند فكان الجواب :
واحدة من مؤسسات الفكر والرأي التي تتعاون مع وكالات الدفاع والاستخبارات الأمريكية , وهي تقوم بمساعدة المؤسسة العسكرية في معالجة التحديات الجديدة في مجالي الارهاب والامن القومي...
يعني على ارض الواقع, الجيش الامريكي يحتل العراق ويمزقه ويدمره, ومؤسسات مثل راند وغيرها تدخل لتغسل عقول العراقيين والعراقيات من خلال تمرير سياساتها بتدريب كوادر يعملون داخل الحكومة العراقية او المنظمات غير الحكومية العراقية..
يعني احكام الطوق من كل جهة....
هذه هي ستراتيجية بناء الديمقراطية في الشرق الاوسط...
رأيت كتيب مؤسسة وودرو ولسون: عندها برنامج خاص اسمه : برنامج الشرق الاوسط , وهو يتكلم عن الاسلام والشريعة وعلاقتهما في القوانين الخاصة بالنساء, وتمرير اتفاقية سيداو لتكون مرجعية النساء المسلمات بدلا عن الشريعة والفقه , حتى تلبس الدول العربية والاسلامية ثوب الديمقراطية والعصر الحديث..
ووجدت في الكتيب اسماء وصور السيدات اللواتي كن يدرن الندوة اليوم : هالة اسفندياري, الايرانية , وفاطمة قاسم اللبنانية, وفريدة بناني المغربية ...
ورأيت أنهن كلهن من دول العالم العربي والاسلامي, يعملن في تلك المؤسسات, وسمحن لأنفسهن أن يكن ادوات بيد تلك المؤسسات, لنقل الأفكار منها الى نساء العالم العربي الاسلامي...
فتحت الانترنت لأعرف المزيد عن فريدة بناني, ووجدتها كتبت الكثير من التحليل لايات القران واحاديث الرسول التي تحترم المراة وحريتها وكرامتها, وكان ينبغي ان يكون خطابها للرجال : هذا الاسلام عظيم ولم يظلم المرأة في شيء , فعودوا للتمسك به ...
لكن خطابها كان على العكس : تخلوا عن الاسلام, وتمسكوا باتفاقية سيداو لحقوق النساء...
سامحها الله...
في الندوة وورشة العمل رأيت حوالي 25 إمرأة , معظمهن من العراق , وواحدة من الكويت, وواحدة من البحرين, وواحدة من اليمن ., جئن ليستمعن وينقلن أفكار بناني الى نساء اوطانهن ....
*******************************
الان أبتسم وأتساءل : هذه الادارة الامريكية تثير الشفقة , تنفق اموال الامريكيين او النفط العراقي لغزو بلداننا, بشن الحروب العسكرية والسياسية ,ُثم تحاول التدخل في رؤؤسنا ونبش ما فيها , ثم محاولة اخراج محتويات عقولنا, واستبدالها بأفكار أخرى تناسبهم ...
ههههه...
هل يظنوننا حمقى ؟
من الذي يستحق الشفقة ؟
والله أرى الاسلام يكبر وينتصر ويسود , خصوصا بعد الحرب على العراق...
وهؤلاء المساكين يدورون في متاهات لا نهاية لها...
كان الله في عون عباده المؤمنين في كل مكان , وفي العراق خاصة ، يثبتهم وينصرهم ....
و السلام عليكم ....