Thursday, December 22, 2005

 
الخميس 22 كانون الأول 2005
صباح الخير...
اليوم مضى أسبوع على الانتخابات العامة في العراق, وأريد أن اصف المشهد العراقي
كيف يبدو..........
يوم الانتخابات كان يوم فرح وسعادة وتفاؤل للعراقيين, حيث قالوا انها الخطوة الحقيقية الاولى لبناء وطن جديد , وحكومة وطنية تتحمل مسؤولية الحكم وتحل مشاكل البلاد...
سجلت الاحزاب القوائم المشاركة في الانتخابات بعض التجاوزات والخروقات في بعض المدن والقرى العراقية, وقالوا انهم تقدموا بالشكاوي للمفوضية وانها تتجاوب..
ثم أعلنت المفوضية بعد نهاية الانتخابات أنها لن تستعجل وتعلن النتائج الا بعد مرور اسبوعين على الاقل, وانه لا يحق لأحد ان يعلن نتائج غير رسمية قبل هذا الموعد..
كانت الأمور تمشي بطريقة ممتازة , والناس مستبشرون ومتفائلون ويقولون : يا الله , هذه ملامح عراق جديد تلوح في الافق
سنحصل على ثمن كل التضحيات والدماء والخوف والرعب والخراب والدمار الذي رأيناه من هذه الحرب.......
***************************
وبعد ثلاثة ايام, أعلنت المفوضية ان هنالك نتائج اولية توحي بفوز قوائم الاحزاب الحكومة الحالية بأرقام عالية جدا, استفزت باقي القوائم والاحزاب..
واشتعلت النار...
كل حزب أو قائمة شاركت في الانتخابات يقف منها ممثلون وأمام عدسات الكاميرات وملاقط لمايكرفونات فضائيات متعددة الاشكال والالوان , كلها تنقل الحدث ...
وكل المتحدثين عبروا عن غضبهم وسخطهم على هذه النتائج واعلنوا رفضهم لها واتهموا الحكومة والمفوضية بتزوير النتائج , لأن كل حزب كان عنده مراقبين وسجل كل واحد الأصوات التي حصل عليها حزبه حين فتح الصناديق لكل مركز انتخابي...
وبدأت محطات التلفزيونات العراقية غير الحكومية تتكلم كلها عن الموضوع, وتعبر عن غضبها, وتعمل لقاءات مع رجال سياسة ومواطنين عاديين, وكلهم يرفضون ما حصل, وصاروا يتناقشون عن التجاوزات التي حصلت, وجاءت تقارير كثيرة كلها تقول ان هنالك تجاوزات حمراء يعني خطيرة , وأن المفوضية غير نزيهة, وأن معظم طاقمها من احزاب حكومية منحازة...
وفي نفس اليوم, أعلنت الحكومة رفع أسعار البنزين , من 20 دينار للتر الى 150 دينار للتر بنزين عادي, 250 دينار بنزين محسن, يعني كنت أفلل سيارتي كما يقولون ب1400 دينار عراقي الان ادفع 10 آلاف دينار اذا بنزين عادي او 17 الف دينار اذا محسن, لنفس ال70 لتر التي كنت أشتريها سابقا
يعني كم ضعف زاد البنزين ؟
وطبعا الناس هاجت , وغضبت وطلعت مسيرات احتجاج, ووسائل الاعلام المحلية من تلفزيونات وصحف صارت تتكلم وتنتقد هذه الخطوة من الحكومة, وان توقيتها سيء, وان الظروف لم تتحسن, ولا فرص عمل جديدة, ولا خدمات واضحة للمواطنين من الحكومة , وما زال الناس يقفون في طابور طويل للحصول على البنزين, والبنزين والوقود كله منتوج محلي عراقي, فلماذا يرفعون أسعاره ؟
ولماذا لا يشعرون بمعاناة الناس؟
الان ستزداد أجور المواصلات, واسعار الخضار وكل ا لمواد التموينية بحجة اسعار النقل...
والمضحك ان الناس طلعوا مظاهرات غاضبة في المحافظات الجنوبية التي لم يجدوا احدا من رجال القوائم الانتخابية التي فازت باغلبية الاصوات هناك حسب النتائج الاولية, والتي كانت المدن تمتليء بيافطات الدعاية الانتخابية والوعود الجميلة بحياة ومستقبل سعيد مرفه للعراقيين, الآن المكاتب فارغة ولا أحد يرى الناس ويهدأ من روعهم وغضبهم, طبعا خلصت الانتخابات وفازوا بالاصوات , والحبر لم ينمحي بعد عن أصابع الناخبين المساكين, لكن يبدو أن آمالهم واحلامهم هي التي بدأت تتبدد....
هذه هي العملية الديمقراطية كما يبدو...
مجرد لعبه وقوانين , ويافطات وأعلام ومؤتمرات وكلام معسول ووعود, والناس تشتكي من واقع أليم يحتاج الى تغيير, ثم بعد الانتخابات يأتي المزيد من قوانين جديدة ظالمة لا ترضى الناس ولا تعبر عن الاحساس بمعاناتهم ...
لكن من يهتم ؟
اللعبة انتهت...
هذا ما يحدث عادة هنا وهناك , وربما بعد أربع سنين ستنالون الفرصة لتغيير هؤلاء في الانتخابات القادمة ..
بسيطة, يكون ضاع من عمركم اربع سنوات اخرى, والصبر جميل.....
****************************
المهم, الناس حين اعترضوا على زيادة الاسعار للوقود سألوا الحكومة لماذا قررت الزيادة؟
قالت الحكومة إنها طبقت نصائح البنك الدولي, توجد ديون خارجية على العراق
تقدر بين 120 الى 140 مليار دولار,
والبنك وعد الحكومة بشطب أو جدولة هذه الديون إذا إتبع سياسات وتوجيهات البنك, طيب وماهي توجيهات البنك؟
أن يرفع الدعم عن الوقود المحلي الذي يبلغ 6 مليار دولار سنويا , وهذا أحد البنود التي ستخفف العجز في الموازنة او تخفف الديون الخارجية...
من هو البنك الدولي؟
سألت نفسي, عندي فضول أن اتعرف عليه عن قرب, فتحت الانترنت ووجدت له مواقع عديدة بكل اللغات ..
طيب, يقول تاريخه انه تأسس بعد الحرب العالمية الثانية ، يعني في منتصف الاربعينات, وكان برنامجه هو اعادة اعمار دول اوروبا التي دمرتها الحرب..
لكن برنامجه الآن يتمركز حول تخفيف حدة الفقر في العالم...
والله كلام جميل وهدف نبيل ..
طيب, أريد أن أرى كيف سيتحقق ؟
ذهبت لمواقع أخرى فرأيت شروط البنك الدولي لمساعدة الدول الفقيرة والنامية, فوجدت ان من بينها شرط اتباع هذه الدول التي تأخذ القروض , لسياسة لا تتناقض مع سياسة الدولة التي تدفع الاموال, طبعا الدولة المسيطرة على هذا البنك هي اميركا , والرئيس الحالي لهذا البنك هو أمريكي إسمه بول وولفويتز ...
ومن هو بول وولفويتز؟
عملت بحث على الانترنت ووجدت انه كان نائب وزير الدفاع الأمريكي قبل استلام ادارة البنك الدولي , وإنه كان من أشد المتحمسين في ادارة بوش لفكرة الحرب على العراق بعد احداث سبتمبر 2001
هممم, معلومات مفيدة....
وجدت له لقاء مع عراقيين مقيمين في أميركا قبل الحرب على العراق يشرح لهم مستقبل عراق ما بعد صدام....
اتمنى ان يقرأ الجميع تلك المقالة الرومانسية الحالمة, ويفكر كم تحقق منها؟ وما مقدار الصدق فيها ؟
**********************************
ثم عدت لأقرأ على مواقع اخرى في الانترنت تقارير اقتصادية عن التسهيلات التي قدمها البنك الدولي لبعض الدول العربية وهي تعتمد على فكرة الثواب والعقاب, يعني التي تتعاطف مع السياسة الامريكية تأخذ حصة اكثر من التي تتمرد..
هه ؟
والله ممتعه هذه المعلومات..
المهم ,اعطى كاتب المقال مثلا واقعيا وبالارقام كما يلي :
ما يمكن ان يوضحه تطور نصيب بعض الدول العربية من هذه التسهيلات والقروض في الفترة
من عام 1973
حتى عام 2002
وعلى سبيل المثال يلاحظ ان نصيب دولة مثل مصر من تمويل هذه الصناديق لم يتجاوز 1.1% من اجمالي هذه الصناديق عقب ابرام مصر لاتفاقية السلام مع اسرائيل ,
في حين بلغ نصيب سوريا 27.1%
والاردن 26.1% آنذاك
لكن بداية من عام 1990 وبعد الموقف المصري من حرب الخليج الثانية
( بين العراق والكويت )
حصلت مصر على نصيب الاسد حيث بلغت حصتها
في الفترة ( 1990-1999
حوالي 39.5%
في حين بلغ نصيب سوريا 4.7%
ونصيب الاردن 6.2 %
هذا الى جانب قيام دول الخليج بالتنازل عن ديونها لدى مصر التي بلغت 6.2 مليار دولار عقب حرب الخليج الثانية
********************************
ثم قرأت عن آليات تنفيذ شروط الصندوق والبنك الدوليين وهي :
تحرير الاسعار , سياسة الخصخصة, تحرير التجارة الخارجية وتحقيق مزيد من الاندماج مع الاقتصاد الرأسمالي العالمي
يعني من ضمن هذه الاجراءات هي زيادة أسعار الوقود, ورفع الضرائب على المواطنين , كل يوم ضريبة شكل , مع بقاء الرواتب ذاتها طبعا , وكذلك الغاء فكرة الحد الأدنى للأجور كما قرأت في التقرير

ثم قرأت السلبيات والإيجابيا ت نهاية التقرير ..
السلبيات هي : تزايد معدلات البطالة , تدهور أوضاع العوائل الفقيرة او من محدودي الدخل , التأثير السلبى على الطبقات الوسطى , ظهور مشاكل اجتماعية , تراجع دور الدولة وتقوية دور القطاع الخاص...
الإيجابيات : تراجع العجز في الميزانية العامة للدولة , وتراجع نسبة الديون الخارجية للدولة , وغيرها من متعلقات تخص نظام الدولة الاقتصادي..
طيب, انا لست خبير إقتصاد, لكنني أظن اننا جميعا نقدر ان نستنتج ماذا يحدث ..
هذا يعني أن الشعوب تتحمل المعاناة والتضحيات من اجل ان تحل مشاكل الدولة, وفي نفس الوقت فإن طبقة أغنياء من تجار ورجال القطاع الخاص ورجال المال ستكون هي الطبقة المستفيدة , يعني بالنتيجة دولة ضعيفة, قطاع عام مهمش, فقراء وبطالة متزايدة, ضرائب متزايدة لسد العجز في الميزانية, اسعار محروقات متزايدة لسد العجز , ثم ما هي النتيجة ؟
هنا رأيت تفسير الجملة الشائعة : الفقراء يزدادون فقرا , والأغنياء يزدادون غنى..
يعني الدول ترقع مصائبها وعجزها من جيوب الشعب , وطبعا اكثر الجيوب تضررا هي جيوب الفقراء...
همم
عندنا مثل يقول : العلم نور....
يعني تتنور وتتوضح رؤياك للعالم حين تعلم ما يحصل حولك ...

هل أعود لموقع البنك الدولي على الانترنت , وأرسل له رسالة بالبريد الالكتروني أسأله كيف تقول انك تعمل من اجل الفقراء, وانت تخرب بيوت الفقراء؟
لا ادري, هل ثمة من سيجيب على السؤال ؟
***********************************
أرجع للعراق البائس الحزين ...
ها هم الناس في دوامة النزاع على نتائج الانتخابات وقصص التزوير , ورفع أسعار البنزين ثم المواصلات ثم السلع...
وقصة اخرى على الشاشات ...
محاكمة صدام ورجاله ..
اتصلت بي محطة اذاعية بريطانية امس تسألني عن رأيي بمحاكمة صدام , وهل هي مؤشر على العدالة في العراق الجديد , وهل هي مؤشر على أن العراقيين قد أخذوا الحق لضحايا النظام السابق؟
ضحكت ...
والله هؤلاء الناس يعيشون في عالم آخر..
قلت لها عزيزتي من يهتم الان بقصة محاكمة صدام ؟
الناس ملعون أبوها من الفقر والبطالة وقلة الامان والاستقرار ونتائج الانتخابات المزورة ورفع اسعار الوقود, صدام حسين صار شيئا من الماضي, نحن مشغولون بمصائب الحاضر , ونفكر كيف هو المستقبل ....
قالت لكن تصفية قصة صدام هي انتقال من الماضي الى المستقبل ..
قلت نعم, هذا صحيح, لو عندنا في العراق سيادة حقيقية, ودولة وحكومة يرضى عنها الشعب , نعم , ربما بعد اربع او خمس سنوات من الاستقرار, عند ذاك ستكون محاكمة صدام قضية مهمةا في حياة العراقيين
و فيها دروس وعبر للذين يحكمون بعده , لكن ما الذي ترمز اليه الآن ؟
هل تظنينها ترمز الى العدالة؟
هل نأخذ الحق لضحايا نظام صدام الذين سجنهم وعذبهم وقتلهم؟
ومن سيأخذ الحق لضحايا النظام الحالي من المسجونين والمعذبين والذين تم اغتيالهم؟
نحن نفهم الحق والعدالة انها أشياء متوازنة, وليست لناس وناس...
هذه المحاكمة نراها مجرد مسرحية سخيفة لا معنى لها
ربما الاحتلال والاحزاب التي في الحكومة الحالية يرونها نصرا و مكسبا سياسيا
لكن للعراقي العادي الذي في الشارع , هي قصة سخيفة لا معنى لها
****************************
تساءل إبني لماذا لم يحاكموا صدام على حربه مع ايران؟
على الكيمياوي الذي رماه على الاكراد؟
على قتله العراقيين في الجنوب بعد انتفاضة 1990؟
على دخوله الكويت وحربه عليها؟
توجد ملفات أخطر من ملف الدجيل
لماذا اختاروا هذا الملف بالذات؟
البارحة فهمت...
الضحايا كانوا من حزب الدعوة
والشهود الآن من حزب الدعوة
و حزب الدعوة الآن هو الحكومة
يعني تصفية حسابات شخصية
وليس تحقيق عدالة للعراقيين
ولماذا لم يفتحوا تحقيق في الملفات الاخرى ؟
الجواب طبعا , لأنه سيفضح الجميع
ويتكلم عن تورط الجميع في تلك الاعمال الاجرامية
وسيحرج الادارة الأمريكية والحكومة البريطانية وغيرهما من حكومات غربية وعربية من التي تحالفت لشن الحرب على العراق 2003
ولذلك اختاروا هذا الملف الصغير, وهو شأن عراقي داخلي , وكفى
هذه المادة كافية لمسرحية من هذا الحجم المحدود
*****************************
المشهد العراقي الآن هو كما يلي:
فئة من الشعب تستلم السلطة وتريد تصفية حساباتها مع الماضي باي طريقة
عدوانية وانتقامية بعيدة عن التسامح والروح الوطنية
وفئة من الشعب تعمل وتشجع احزابا جديدة تريد المشاركة في المسيرة السياسية لبناء وطن جديد بأسس جديدة اكثر وطنية وعدالة
وفئة من الشعب فقيرة وجائعة وتفكر في كسب قوت يومها
وفئة إنتهازية تراقب الموقف وتريد أن تستغل ما فيه الخير لمصلحتها
وفئات تعمل مع معارضة مسلحة
وفئات تعمل مع عصابات قتل وخطف
وفئات تعمل مع مليشيات مسلحة لصالح أحزاب جديدة
وفوضى عارمة تضرب البلاد
لا تطوير ولا تحسن في البنية التحتية والخدمات
لا مظاهر لحكومة قوية تمسك البلاد وتوفر الامان والخدمات
صراعات ومناحرات تمزق البلاد
وفي خضم هذه الفوضى جاء توني بلير ليزور جنوده في البصرة ويبتسم ويأخذ معهم صورا تذكارية بمناسبة الكرسميس
وديك تشيني يزور العراق ويقابل قادة الجيش الامريكي
ثم بعده بيومين يأتي رامسفيلد ليتفقد الجيش الامريكي ثانية في زيارة سريعة
والعراقيون لا يعرفون ما يدور هناك
فهذا ليس من شأنهم
شأنهم الوحيد هو الغوص في هذه الفوضى وهذا الظلام
*******************************************************
العراق تحيط به اليوم تحديات كثيرة وخطيرة
تحديات تتعلق بوحدة شعبه ..
وثرواته ...
واستقلالية قراره السياسي...
ومستقبله....
كل هذه في خطر....
هكذا يقول واقع الحال..
...................
كان الله في عون أهل العراق



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives