A Family in Baghdad

الجمعة 16 كانون الاول 2005
صباح الخير..
يوم أمس كان يوم فرح للعراقيين..
رأيت من على محطات التلفزيون العراقية , في بث حي ومباشر , كيف مضى النهار في معظم المدن العراقية , حيث ذهب الناس لمراكز الاقتراع للمشاركة في الانتخابات ,
أحيانا نرى مجموعة من نساء أو شباب ذاهبين لأحد المراكز الانتخابية ,وأحيانا ازواج وزوجات, وأحيانا عوائل كاملة بأطفالها الذين لا يحق لهم الانتخاب, لكنهم جاؤوا مع الاهل لإرضاء الفضول الذي في قلوبهم الصغيرة
وكما قال الناس نحن نأخذ اولادنا معنا عندما نخرج لمناسبة مفرحة, وهذه مناسبة مفرحة للصغار والكبار معا...
وفي بعض المراكز كان ثمة نقص في عدد النماذج او الصناديق , وكانت المفوضية العامة تلبي طلبات المراكز وتأتي تقارير مباشرة من مندوبي التلفزيونات ليؤكدوا دور المفوضية في مساعدة العراقيين على إنجاز هذا المشروع بما يرضيهم...
وفي المساء أعلنوا انهم مددوا الدوام ساعة اخرى في بعض المراكز الانتخابية نظرا للإزدحام ...
اعتقد ان يوم امس هو أول يوم بعد الحرب على العراق 2003 , يحمل الفرح والأمل لكل أطياف الشعب العراقي الذين شاركوا جميعهم , رغبة في الخروج من المأزق المظلم الذي سقطت فيه البلاد , وأملا في بناء وطن جديد جميل يسوده الأمان والحرية والعيش الكريم لكل الناس
************************************
لماذا يراهن العراقيون على هذه الانتخابات ؟
لأن التي قبلها لم تكن شاملة, كان ثمة عنف ضد فئات من الشعب آنذاك, مما جعلها تقاطع العملية الانتخابية , وطبعا تعاطف الكثير معهم, ورأى ان الوضع العام للبلاد غير مؤهل لتقبل انتخابات , ولن تكون عادلة لأن جهة ما سوف تستغل الموقف وتستأثر بالسلطة , وتظلم غيرها, وكذلك القوائم المطروحة آنذاك فيها أسماء غريبة , غالبية الشعب يجهل اصحابها , من هم ؟ وما تاريخهم؟ وما مقدار مصداقيتهم ؟
والقوائم نزلت آنذاك بلا برامج عمل...
لماذا ننتخب إذن؟ وما هو الدليل ان القادمين للسلطة يملكون برنامج إصلاح حقيقي للبلاد؟
كان هذا تساؤل الكثير من العراقيين وقتها , وعائلتي وانا شخصيا كنت من هؤلاء, لذلك قاطعنا الانتخابات لأننا كنا نرى انها مجرد عملية دعاية لبوش وادارته, وان ليس فيها أية جدية بالتغيير , وإنها ستجري على حساب مصير ومستقبل العراقيين , الذي لا يهتم أحد به....
**********************************
وفعلا جاءت الحكومة الجديدة, امضت 3 شهور لتوزيع المناصب والتقاتل حولها , هذا لحزبنا , هذا لحزبكم...
هذه عقلية كارثية , تزيد من دوامة الصراعات في العراق, وقد فعلت هذا طوال فترة وجودها في السلطة, منذ حوالي السنة.
طيب, ماذا جنينا من سياسة الحكومة التي يسيطر عليها فئة من الشعب وتهمش فئة اخرى؟
النتيجة هي دكتاتورية واستئثار بالقرار, واعتقالات وسجون ومداهمات ليلية واغتيالات ومليشيات طائفية وحزبية...
يعني ما تطورنا ابدا عن عقلية صدام حسين والحزب الواحد ووجهة النظر الوحيدة المقبولة , أما وجهة النظرالاخرى فهي مهمشة لانها لا تصب في مصلحتنا
إما تكونوا معنا, او أنتم اعداؤنا ...
هذه هي العقلية التي تسيطر على قادة العولمة , وكذلك عادت الى العراق , لتسيطر على الفئة الحاكمة...
ونراهم في خطاباتهم دائما يتهمون جهات خفية انها اعداء, وانها تتربص بهم, وانهم مخلصون ويبذلون جهدهم لراحة الشعب...
طيب يا أخي لو رأينا مظاهر ايجابية من احترام كرامة الناس وحقوقهم , وعدم اعتقالهم بطريقة تعسفية, وتوفير الخدمات الضرورية للحياة اليومية , وتحسين فرص العمل للمواطنين, وتوفير الامان بحسن تنظيم الجيش والشرطة الجديدين في العراق , كل هذه أعراض ايجابية لقوة اداء الحكومة وحسن تخطيطها وتنفيذها على أرض الواقع
لكن أين هذا مما انجزته الحكومة العراقية الحالية؟
يعمل مسؤوليها مؤتمرات صحفية لتكذيب التهم الموجهة اليها ...
طيب أين الانجازات التي تسكت المعارضة؟
أين تحسين الخدمات والأمن والاقتصاد ؟
لا شيء حصل سوى مزيد من فضائح سرقات المال العام, والتدهور الامني, والمليشيات تعيث فسادا في العراق تقتل وتعتقل من تشاء , والحكومة تنكر, والناس تصرخ وتستغيث وتقدم صور وأدلة واتهامات ....
هذه الدوامة عاشها العراقيون منذ سقوط بغداد ولحد الآن, وجاء مجلس حكم مؤقت, وحكومة مؤقته, وحكومة منتخبة ليس من كل الشعب, وظل الوضع يزداد سوءا وتدهورا...
لكن هذه الانتخابات لبرلمان جديد, وحكومة اربع سنوات قادمة, جعلت العراقيون يقفون أمام الموقف بجدية , ويعيدوا الحسابات, إما يقاطعوها ويتركوا الساحة على حالها , بمزيد من الخراب والدمار والخسائر بالارواح والأموال العراقية.....
أو الدخول والمشاركة لوقف هذا النزيف والعنف والجنون.....
وهذا ما حصل أمس, وهذا سبب فرح العراقيين , وظهور البسمة على وجوههم, وتجدد الأمل في قلوبهم , هو هذا الشعور بأن مستقبل ومصير العراق في السنوات القادمة , ينبغي أن يشارك في صناعته كل العراقيين.....
كفى ما عانيناه, وما خسرناه..
وآن الأوان لننهض ونفتح عيوننا ونتصرف بنضوج وشعور بالمسؤولية , لأننا تعبنا من هذا الحال...
تركنا المجال لقادة جدد دخلوا العراق بعد سقوط بغداد, وقدموا انفسهم للعراقيين انهم معارضة ضد نظام صدام وانه اضطهدهم , وانهم هربوا ليناضلوا في الخارج ويفكروا كيف يخلصون الشعب من هذا الدكتاتور الظالم, وها هم جاؤوا مع الدبابة الامريكية فرحين مستبشرين بالنصر على الطاغية, وذهبوا لساحة الفردوس واسقطوا التمثال , وجلسوا مع بريمر الحاكم الامريكي , واختار منهم اعضاء لمجلس الحكم الجديد , ثم حكومة مؤقته, ثم انتخابات سيطر عليها اؤلئك القادة المناضلون وأخذوا معظم مقاعد البرلمان والوزارات...
حسنا, نحن نتفرج ونقول دعونا ننظر ما هو الجديد الذي جاء به هؤلاء ضحايا صدام , والمناضلون الذين قضوا حياتهم في الغربة؟
ورأينا العجب العجاب...
رأيناهم يحيطون أنفسهم بمليشيات مسلحة , وصارت تتوجه أصابع الاتهام لهذه المليشيات بانها متورطة في حملة اغتيالات للخصوم السياسيين من احزاب اخرى او بعثيين بؤساء , لا ذنب لهم أحيانا سوى انهم أرغموا على دخول الحزب الحاكم حتى ينالوا وظيفة في الدولة , ليتمكنوا من العيش ...
وزاد تحريض الناس بقصص المقابر الجماعية, كل يوم نسمع هذه المعزوفة , مثل ( دقيقتان من البغض ) في رواية جورج اورويل 1984
بعدين صار الناس يرون ان المناصب تعطى للذي قتل أقاربه صدام, او طردهم أو حبسهم...
صارت اولوية التعيينات لهؤلاء, طيب والفقير الذي لا له ولا عليه ؟
هذا غير مهم, هذه حكومة مناضلين , وستعطي اولوية للمناضلين.
ذهب الناس الفقراء وعملوا واسطات حتى ينتموا للأحزاب الجديدة ويعطوهم هويات عضوية ليتمكنوا من الحصول على وظيفة في الدولة أو ينتموا الى جمعية المفصولين السياسيين وما شابه حتى يحصلوا على وظيفة...
وهكذا , خرجنا من طغيان صدام حسين وحزبه , لندخل في طغيان مناضلين جدد وأحزابهم...
هذا بالاضافة الى مسلسل العنف والتصفيات الطائفية والحزبية التي قادتها الاحزاب الجديدة في السلطة ضد من يعارضهم أو عندهم معه ثار قديم....
إذن, من يقول ان هؤلاء احسن من الذين مضوا؟
نفس العقلية , ونفس التصرفات...
زائد انهم يحتمون بجيش الاحتلال...
هذه كارثة أخرى, يعني يسيطرون على الحكومة, ويسيؤون الادارة , ويحتمون بالإحتلال...
في البداية كانت الادارة الامريكية تدافع عن هذه القيادات العراقية الجديدة , وتبرر كل تصرفاتها, لكن بمرور الوقت, المصايب زادت والفضايح, مثل الفساد الاداري وسرقة ملايين الدولارات من الوزارات, والمعتقلات الحكومية وقصص التعذيب ...
فبدأت الادارة الامريكية تغير اسلوبها مع هذه القيادات, واكتشفت أنها تجلب السمعة السيئة للإدارة الأمريكية , فبدأت تتكلم في الصحف الامريكية عن هذه الانتهاكات ...
...
هنا, قررت اميركا أن ترفع دعمها لهذه القيادات واحزابها , وتفتح الباب لقوى وأحزاب عراقية تم تهميشها سابقا , لدخولها من الباب الواسع للمشاركة بالعملية السياسية والإنتخابية...
والخطوة الاولى كانت مؤتمر القاهرة كأنه مؤتمر مصالحة واعطاء شرعية للقوى خارج الحكومة لتأخذ دورها في العملية السياسية.....
وكانت القوى الجديدة والاحزاب من خارج الحكومة مبتهجة لهذا الحدث, واستغلته بطريقة ممتازة حيث اعلنت معارضتها الصريحة للإرهاب الذي يستهدف المدنيين العراقيين, وطالبت بتمييزه عن المقاومة المشروعة ضد الاحتلال...
ووافقت على المشاركة في العملية الانتخابية والسياسية في العراق..
وكنت أرى أن الاحزاب التي في الحكومة, والتي استأثرت بالسلطة, كانت مرغمة على حضور هذا المؤتمر, وكأن اميركا ضغطت عليها للقبول , لأسباب عديدة منها المأزق الامريكي في العراق الذي لم يحصد أي نجاح على أرض الواقع , وثانيا شكاوى الحكومات العربية المجاورة للعراق مثل دول الخليج والاردن من مخاطر انتقال النار التي في ساحة العراق الى بلدانهم, وتهديد استقرار المنطقة.....
وكنت أرى أن الحكومة العراقية ستموت من الغيظ, لأن البساط الأحمر, بدأ ينسحب من تحت اقدامها
*********************************
في بداية تسلم هذه الحكومة للسلطة
كان ثمة حديث يدور في الشارع عن ضرورة حصول مصالحة وطنية
واجتماع لكل الاطراف السياسية على الساحة العراقية
وكانت الحكومة تستشيط غضبا من هذا الكلام
وتعقد مؤتمرات صحفية ويقول ممثلها : من هم المقاومة؟ من هم الاحزاب؟
انهم بعثيون مجرمون وايديهم ملطخة بدماء العراقيين والمقابر الجماعية ولاب لاب لاب
وكنا نقول دائما يا اخي من قال انهم كذلك ؟
هل قابلتهم؟هل جلست معهم؟ هل سمعت خطابهم الفكري؟
لا يحق للحكومة ان تستحوذ على وسائل الاعلام والمؤتمرات الصحفية
لتقول نحن الوحيدون على حق والوحيدون الذين يقررون مصير العراق
اعطوا غيركم فرصة للحوار والمشاركة
لكن دون جدوى
مرت الشهور والاوضاع تزداد تدهورا
والاحراج يزداد على الادارة الامريكية والحكومة العراقية
مما جعل القريب والبعيد يقول
لا بد من مشاركة كل الاطراف في العملية السياسية حتى ننال الهدوء والتوازن في الحكومة القادمة
وحتى يخف العنف في الشارع
ربما هذه المعارضة السياسية لها طريقة تضغط بها على المعارضة المسلحة
لتخفيف العنف في الشارع العراقي
بما فيه الخير للعراقيين أولا
وحتى لو دخل بعثيون اياديهم نظيفة لم يقتلوا العراقيين
في الحكومة الجديدة
ماذا في ذلك؟
اليس هذا أفضل من جعلهم جهة حاقدة ساخطة عدوة تؤذي الحكومة
وتؤثر على حسن الاداء؟
نحن نريد السلام والامان في الشارع العراقي
والمفروض ان نطرق كل الابواب
ونفتح كل الابواب من اجل تحقيق السلام وحقن دماء العراقيين
والنظرة الضيقة الحاقدة لن تجلب لنا سوى الخراب والدمار والدماء في الشوارع
وهذا ما رأيناه في الشهور السابقة
هو حصاد ما زرعته تلك العقول الضيقة الجاهلة الأنانية التي لا تريد سوى مصالحها الشخصية
وتستهتر بمصلحة العراقي
وتستهتر بالدم العراقي
وكل من يسعى للمصالحة بارك الله فيه
إن كانت رغبته أولا وقف النزيف في الشوارع العراقية
وبناء وطن السلام والعدالة
********************************************

الحمد لله......
كل تلك الظروف دفعت وضغطت على الادارة الامريكية لتغير سياستها في العراق, ليس لأنها تحب
العراقيين بل لأن سمعتها تلطخت في العراق ورأت نفسها في مأزق ودوامة لا نهاية لها ,والكل صار ينتقد ما تفعله هناك,وهذا جعلها تسمح وهي مرغمة على فتح المجال لقوى أوسع للمشاركة في العملية السياسية على أرض العراق, رغم أن هذه القوى الجديدة كلها تقريبا تقول : لا للإحتلال, وتضع قضية اخراج الاحتلال من العراق كأولوية لها في برنامجها السياسي , بعد توفير الامان وبناء مؤسسات الجيش والشرطة والدولة على مباديء أكثر عقلانية ووطنية, بلا طائفية, بلا حزبية, بلا فئوية, وتصبح الدولة ومؤسساتها في خدمة كل المواطنين, وليس لفئة دون فئة, كما كانت تفعل الحكومة السابقة , أقصد الحكومة الحالية,
والتي تحكمت بها عقلية الثأر والإنتقام ونظرية : عاد لينتقم...
فبثت الخراب والدمار على كل العراقيين...
وحصدت هي نتائج هذه السياسة الغبية, بأن كرهها الكثير من العراقيين, وما عادوا يودون عودة أي واحد من رموزها في المرحلة القادمة , لأنها كانت حكومة كرست الطائفية والاحقاد والظلم والتفرقة بين الناس , ولم تنجح في معالجة أي ملف من ملفات العراقيين مثل الأمن والخدمات والاقتصاد والفساد الاداري
بطريقة سليمة وجدية...
******************************************
هل كان العراقيون بحاجة لعيش هذه التجربة المريرة حتى يتعلموا ؟
ربما نعم, الآن الناس صارت أكثر إدراكا ووعيا, وصارت تبحث عن قيادات لها برنامج واضح ومنطقي وناضج , ولها عقلية عراقية شاملة , وليست طائفية
ولها خطاب فكري هاديء وناضج ومسؤول
وهذا ما يتأمل العراقيون الحصول عليه بعد ظهور نتائج الانتخابات, أن تأتي قيادات أكثر نضجا, أكثر خبرة, أكثر صدقا, في معالجة مشاكل العراقيين بعد الحرب وسقوط الدولة
المحللون السياسيون يتكلمون عن تحالفات ما بعد الانتخابات , والناس لا يهمها هذا الكلام ...
الناس تريد قيادات نظيفة صادقة ناضجة , تقدر أن تتحمل مسؤولية حل مشاكل هذا الوطن الجريح, والناس المتعبة....
الشهور القادمة سترينا هل كانت هذه الانتخابات فعلا خطوة بالإتجاه الصحيح ؟
أم أننا سنعود للمربع الاول ؟
العراقيون كلهم في حالة إنتظار...
نسأل الله ألا يخيب آمالهم.....