Wednesday, November 16, 2005

 
الأربعاء 16 تشرين الثاني 2005
صباح الخير...
كنت مشغولة في الايام السابقة بقراءة كتاب عن تاريخ الفلسفة في اوروبا..
وهو على شكل رواية مسلية, يعني ليس شرحا ثقيلا مملا...
الكتاب اسمه : عالم صوفي
والمؤلف : جوستاين غاردر , وهو نرويجي ويعمل أستاذا للفلسفة وتاريخ الفكر
**********************
ربما البعض سيقول : شوفوا هاي وين عايشه , العالم قتل و خراب ومصائب,
وهي تتكلم عن كتب فلسفة !
هيهي
والله الدنيا متعبة , والذي يظل يلاحق أحداثها , يتحطم ولا يحصل على شيء...
لذلك لا بد من إستغلال الوقت في عمل مفيد, مثل القراءة, يوسع مداركنا , ويطور وعينا , وربما يساعدنا أن نجد اجوبة لأسئلة كثيرة تدور في رؤوسنا...
احداث كثيرة حصلت هذا الأسبوع في الدول حولنا , وكلها محبطة :
انتخابات في مصر, والناس تطلع مظاهرات غاضبة تتهم الحكومة بتزوير النتائج واعطاء مقاعد البرلمان لأعضاء الحزب الحاكم...
طيب , لماذا ؟
المرشحون المنافسون للدولة هم من حزب إسلامي قديم, وفكره معتدل, لماذا لا تعطون فرصة لهذه الأحزاب لتكون في السلطة؟
أليس هذا قمع للديمقراطية؟
أليس هذا أفضل من ان تطلع احزاب متطرفة غاضبة تفجر وتقتل نتيجة سياسة الحكومة في الكبت وتكميم الأفواه المستمر ؟

وسوريا تتعرض لضغوط سياسية من أميركا كالعادة, هذه التي تستمتع بلعب دور الشرير في كل القضايا التي تخص منطقتنا , والناس في سوريا والبلدان العربية المجاورة , غاضبون, ويرون أن اميركا تخطط لتدمير سوريا كما فعلت في العراق...

وفي العراق الوضع ما زال في فوضى, الحكومة وقوات الإحتلال تعيشان عالما خاصا مشتركا من مخططات للمستقبل وماذا وكيف سيكون المستقبل العراقي , بعيدة عن عالم المعارضة التي تريد خوض الإنتخابات في منتصف الشهر القادم وتأمل ان تحقق أحلاما من نوع آخر, كإخراج قوات الإحتلال, وتسليم السلطات للعراقيين, وجعل أصحاب القرار في مستقبل العراق هم العراقيون...
كل يوم المحطات العراقية غير الحكومية تأتي بصور عن رجال عراقيين معتقلين يقفون بمذلة وعيونهم معصوبة , من مدن عراقية مختلفة , وحولهم قوات احتلال وشرطة عراقية , ومداهمات بيوت, وتفتيش ,واعتقالات, ومظاهرات...
ومدن أو قرى عراقية مهدمة بيوتها, من جراء قصف قوات الإحتلال والتي تطارد المتمردين , متمردين على من ؟؟
أليس التمرد على الإحتلال حقا مشروعا؟
أم تغيرت قوانين العالم منذ أن جاءت اميركا لتحتلنا؟
وأخبار عن عمليات انتحارية ضد قوات الاحتلال واخرى ضد الشرطة العراقية وفي كل الأحوال ثمة ضحايا مدنيين عراقيين...
ويبدو أن العراق سيحتاج الى معجزة ليتحول الى بلد آمن مستقر, وشعبه راض عما يحدث داخل أراضيه...

وفي الاردن , جاءت تفجيرات الفنادق, لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير...
العراقيون هربوا من التفجيرات في العراق, فلحقتهم للأردن, وقتلت بعضا منهم, والأردنيون مرعوبون من أن تمتد النار في العراق لتحرقهم معها...
ونحن نرى أن هذه النار مؤهلة ان تمتد الى كل دول الجوار إن لم تجد اتفاقا دوليا ومحليا على إخمادها...
أميركا أشعلت النار في العراق, وها هي ترتجف وتأتي غونداليزا رايز الى عمان, وبل كلنتون وهلاري كلنتون وكوفي عنان, كلهم جاؤوا الى الاردن
ونتساءل : ما السبب يا ترى؟
هل هو حقا الحزن على الضحايا المدنيين الأبرياء الذين سقطوا ؟
من يقنعني أن هؤلاء عندهم قلوب او ضمائر؟
ولماذا هي معطوبة لا تشتغل تجاه الضحايا من المدنيين العراقيين ولا تحس بهم, ولا تتحرك لفعل أي شيء لإيقاف الجحيم هناك؟
أم هي مصالح ؟
نعم ,الدنيا مصالح ....
من يهتم بالفقراء والنكرات التي تسقط وتموت كل يوم في العراق؟
ليس فيهم ثمة غني, أو شخصية مشهورة...
حتى عقول الناس وضمائرهم صارت تشتغل على الريموت كونترول...
إذا الحكومات غضبت ونددت ودعت الى مظاهرات, ركض الناس وتفاعلوا..
وإذا الحكومة لزمت الصمت, همس الناس بينهم , اعتراضا وتذمرا, ولم يفعلوا شيئا, هم يعلمون أن الحكومات لن تعطي تراخيص مظاهرة ضد ارتفاع الاسعار أو ضد الحرب على العراق, لكنها تطالبهم بالخروج بمظاهرة ضد الإرهاب لأن مصالح الحكومة تضررت ...
لا أدري من المنافق , الحكومات ؟ أم الشعوب؟
لا أدري من تشوهت قدرته على الرؤيا وتمييز الأمور , الحكومات؟ أم الشعوب ؟
وثمة ضحايا مظلومة مهمشة, تنتظر دائما من يقف للدفاع عنها ....
*****************************************
وعلى ذكر المهمشين , كلنا رأى ما يحدث في فرنسا , والفقراء العاطلين عن العمل, من المهاجرين, وكأنهم مواطنين نص كم...يعني يعيشون بنصف الحقوق للمواطنين الأصليين
هذه فرنسا التي تاريخها فيه عصر التنوير, و أول لائحة حقوق الإنسان...
لماذا العالم يتجه للخلف؟
وهل الحلول هي اعتقالات و منع تجول وقانون طواريء قد يستمر الى شهور؟
لماذا كانوا يقولون صدام حسين دكتاتور وظالم وغير عادل...
أرى في وجوه حكام أوروبا وأميركا, الكثير من ملامح الشبه بينهم وبين صدام حسين..
والله أرى هذه العولمة قد فتحت عيوننا على زيف الحكومات الغربية, هي ليست أفضل من حكوماتنا.....
دائما حين تجد نفسها في مأزق , تتصرف بإستبداد, وتضرب بيد من حديد , لحماية مصالحها.... حتى لو كان الذي أمامها هو شعوبها, وليس شعوب مستعمرات ...
لي صديقة فرنسية , ارسلت لي ايميل, وقالت انها كانت تعمل منذ سنوات مع هؤلاء الشباب المهاجرين, وقالت انها كانت تفكر دائما ان ثمة قنبلة موقوته ستنفجر يوما ما, لأنهم يعيشون اوضاعا صعبة تتراكم من سنوات...
لا شيء يأتي بدون اصل , بدون سبب...

حين قرأت كتاب الفلسفة هذا لفت نظري الفيلسوف (كانت ) الذي تحدث عن الوعي وكم له علاقة بمعرفة حقيقة الأشياء..
ثم تكلم عن قانون السببية , يعني لو كنت جالسا في الصالون, ومعك هر, وجاءت كرة تتسلل امامك, الهر سيلاحقها دون تفكير, لكن الإنسان سينظر من حوله ليرى من أين جاءت ؟
لماذا ؟
لأن عنده عقل, يفكر, ويحلل, ليعرف السبب..
البارحة ضحكت حين سمعت ان ثمة حملة تقوم بها الحكومات ابتداء من اميركا حتى الحكومات التي تواليها, الحملة تقول : نحارب الإرهاب وكل من يبرر الإرهاب..
وفهمنا من هذا أن نكمم أفواهنا ولا نفكر من أين جاءت الكرة المتدحرجة في الصالون, أقصد من أين جاءت عصابات الإرهاب القبيحة هذه؟
ممنوع أن نسأل أو نقول أن الحرب على العراق هي السبب , وهي التي جاءت بالفوضى والدمار لكل المنطقة, وصار العراق بؤرة للإرهاب, يصدر النار الى جيرانه...
ممنوع أن نقول هذا , هذا تبرير...ومشاركة للإرهابيين في أعمالهم..
هممم..
متى سنتعلم كيف نحترم عقول البشر؟
أرى العالم يتراجع للخلف....
والحكومات تضطهدنا دائما , رغم أنها تدعي حبها للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان..
أبسط حق هو ان نفكر..
هل هذا ممنوع أيضا؟
هل مطلوب من الشعوب أن تلعب دور الخراف الغبية دائما, حتى تستقر البلاد ؟
لا ادري كيف يمكن تجاوز هذه المحن ؟
يعني حين أفكر بالعصابة التي هاجمتني في بغداد قبل سنة, ووضعوا الرشاشات في وجهي, واخذوا سيارتي , وهربوا, في ظل وضع امني متدهور, وغياب دولة وسلطة شرعية فاعلة...
هل أبكي وألعن العصابة؟
أم الذين دمروا العراق وسمحوا لهذه العصابات أن تتجول في العراق, تسلب وتنهب وتقتل ؟؟
هل أنا متعاطفة مع العصابة؟
أم أنني أحملها مسؤولية الجريمة , وشريكها هو من شن الحرب على العراق, ودمر كل شيء, وأقام الفوضى....
كلاهما مجرم إرهابي , إستهدف الآمنين الضعفاء , وأتلف حياتهم.....
*************************
أعود للكتاب...
الكتاب مدهش, كأنه وضع النقاط والحروف, ففهمت ما كان غامضا من تاريخ اوروبا, وفهمت لماذا ثمة فجوة بين الثقافة الغربية, وثقافة الشرق, أو منطقتنا خاصة...

بدأ الناس في اوروبا تاريخهم بالأساطير..وتعدد الآلهة , ثم جاء فلاسفة مثل سقراط وافلاطون وارسطو, كانوا يحبون الجدل والبحث عن أجوبة لأسئلة صعبة مثل :
من خلق العالم؟
هل الله موجود؟
هل العالم أزلي؟
ما معنى الروح؟
هل هي باقية أم فانية؟

وكان الفلاسفة يضعون نظريات وأجوبة من اجتهادات حسب ادراكهم , ورؤيتهم للعالم آنذاك...

ثم تكلم الكاتب عن الفرق بين الثقافات آنذاك ( أظنها نفس الفروق ما زالت موجودة حتى اليوم
قارن بين الثقافة الهندو- اوربية ( يعني ثقافات هندية وصينية واغريقية مثلا ) حيث فيها صفات مشتركة...
والثقافة السامية ,حيث يمثلها العرب واليهود وهما من اصل واحد , وجدهم النبي ابراهيم عليه السلام ( لماذا في الغرب الذي ينتقد اليهود يتهمونه بالعداء للسامية والذي ينتقد العرب لا يتهمونه ؟ )
وقال الكاتب أن الثقافة الهندو آسيوية تؤمن :
بتعدد الآلهة, تسمح بعمل تماثيل وصور للآلهة , الكون مسرح صراع للخير والشر , التاريخ له دورات تنتهي وتتجدد, تناسخ الارواح , الدين هو حالة مجرد تأمل وابتعاد عن الناس...

بينما عند الساميين الذين يعيشون في منطقة الجزيرة العربية وما حولها والذين ظهرت عندهم الديانات الثلاث :
أنهم عبدوا إلها واحدا ( موحدين ) حتى قبل نزول الأديان
عندهم رؤية خطية للتاريخ ونهايته يوم القيامة
عندهم ان الله يتدخل في التاريخ , وكانت هذه جذور الكتابات الدينية
حرموا رسم الله أو صنع تماثيل له

ولذلك عندما ذهبت المسيحية الى اوروبا, تأثرت بالثقافة الاغريقية والرومانية فأمتلات المعابد بتماثيل وصور السيد المسيح ومريم العذراء...
*******************************************
رأيت من خلال الكتاب كيف انتقلت المسيحية الى اوروبا, وكيف كانت الصراعات الشديدة بين الفكر الفلسفي الذي يؤمن بالعقل, والفكر الديني الذي يتطلب الإيمان أكثر من العقل...


وفي العام 529 ميلادي وضعت الكنيسة يدها على الفلسفة الاغريقية , وسيطر رجال الدين على التعليم , والفكر , والتأويل...
هذه الفترة استمرت 1000 عام, ويسمونها في اوروبا العصور الوسطى , وبنهايتها جاء عصر النهضة...
خلال العصور الوسطى انتشرت المسيحية في دول اوروبا , وهذه السنوات شهدت انحطاطا حقيقيا بعد ان كانت المرحلة الرومانية مرحلة ثقافة ومكتبات وفنون وعمارة ابنية..
وفي هذه المرحلة سادت الاقطاعية , واصبح النبلاء يملكون الاراضي ويشتغل فيها الفلاحون كالعبيد...
وصار مركز الكنيسة الكاثوليكية والبابا في روما...ولا يقدر أحد من الملوك والأمراء على التمرد عليها...

في هذا الوقت , كانت الثقافة الاسلامية قد بدأت تتفتح وتنتشر في الشرق الاوسط وافريقيا واسبانيا وأجزاء من آسيا ....
ولما دخل المسلمون الاسكندرية , اطلعوا على الفلسفة الرومانية, وترجموا الكتب , وفسروا نظريات وفلسفة ارسطو, واضافوا اليها من افكارهم, وظهر الفارابي والكندي وابن رشد كفلاسفة تاثرت بهم اوروبا لاحقا , وابن خلدون كمؤسس لعلم الاجتماع في كتابه المقدمة , وابن باجه وابن طفيل كفلاسفة اخلاقيين ...

*********************************
طوال فترة القرون الوسطى كان يوجد ثمة صراع بين المسيحية والتراث السابق, كأن ثمة فصام بين ما يقبله العقل بطريقة مجردة, وبين ما يفرضه الدين من أمور قد لا يدركها العقل مثل وجود الله , والروح , وموت المسيح, وقيامته من قبره ..
ظل البعض يستنكر الدين وما جاء به باعتباره خارج حدود العقل...
الفلسفة الاغريقية كانت تقول ان العالم موجود منذ الازل, بينما الكتاب المقدس يقول ان الله خلق العالم من العدم...
ظهر فلاسفة مسيحيون في تلك العصور مثل القديس اوغسطينوس حيث قال ان في الدين حدودا لا يمكن للعقل تجاوزها, وان المسيحية هي سر الهي لا يمكن ادراكه الا بالايمان وحده..... وقال ان الانسان لا يحق له ان ينتقد الله
ثم جاء نهاية العصور الوسطى القديس توما الأكويني وقال ان ليس ثمة تناقض بين رسالة الفلسفة والعقل من جهة, ورسالة المسيحية أو الايمان بالله من جهة اخرى... وحاول اضفاء روح المسيحية على فلسفة ارسطو...
*********************************************
بعد وفاة توما الأكويني , تصدعت الثقافة المسيحية وأخذت الفلسفة والعلوم في الانفصال التدريجي عن لاهوت الكنيسة
وتعايشت الحياة الدينية مع العقل...
هنا بدأ عصر جديد أسموه عصر النهضة ( نهاية القرن الرابع عشر ) حيث بدات عملية نبش التراث والعودة الى الرسوم والمنحوتات , وتعلم اللغة الاغريقية من جديد...
اعتبروا ان فترة القرون الوسطى كانت تركز على الله..
اما عصر النهضة فصار يفكر بالانسان والانسانية...

تميز عصر النهضة بثلاثة انجازات :
البوصلة , وهذ شجعت على الابحار والغزو لاراضي جديدة
البارود , وهذا شجع على التسلح والغزو ايضا
الطباعة , هذه ساعدت على انتشار الافكار بسهولة

في هذا العصر بدأ ظهور الطبقة البرجوازية , ورأس المال , والاقتصاد , والتجارة, والايدي العاملة...
تكونت طبقة رأسمالية , وصار المال يتحكم بكل شيء...
وصار البرجوازيون يتحررون من الاسياد الاقطاعيين وسلطة الكنيسة , وعادوا لثقافة الاغريق...
أعيد النظر للإنسان في هذه الفترة , وصار هو المهم , بينما في العصور الوسطى كان ينظر اليه كمخلوق خاطيء...
وهنا حدث ارتداد عن تقديس الله الى تقديس الانسان...حيث ركزت الفلسفة الجديدة على الفردية, وصارت التركيز على الانسان مثل رسم صور عارية أو صنع منحوتات للبشر...
وسادت فكرة ان الله لم يخلق الانسان لخدمته فقط, وانما يستمتع بالحياة ,
وصار الانفتاح بلا حدود لحرية الانسان , وطاقته, وحواسه...
عكس الفكرة السابقة التي تلح على الاعتدال وضبط النفس...
صار انفتاح واسع على الفنون , العمارة , الموسيقى, الفلسفة , العلوم..
وقاموا بعملية بعث لمدينة روما, وبنوا كاتدرائية ضخمة على قبر القديس بطرس...

الكنيسة ظلت تمثل وجه السلطة والعنف والاستبداد, حيث احرقت في ساحة روما عام 1600 ميلادي جيوردانو برونو الذي كان من المفكرين , حيث قال ان الله موجود في الطبيعة , وان الكون ازلي
ثم ظهرت طبقة من العلماء في القرن السابع عشر, مثل غاليلو , وتجارب علمية وافكار جديدة , صارت المعرفة هي السلطة , صار البشر يتعرضون للطبيعة ويصبحون اسيادها...
ظهر العلماء الذين اكتشفوا قوانين الجاذبية وحركة الكواكب ( غاليلو , كوبرنيكوس, نيوتن
وهذه القوانين جعلت الناس يثقون اكثر بعقل الانسان وينسحبون من الدين..
***************************
بعد ذلك ظهرت الحركة اللوثرية لإصلاح الكنيسة ورفض فكرة صكوك الغفران..
وظهر البروتستانت..
ثم جاء العصر القوطي او عصر الباروك حيث الانطلاق والانفتاح على الحياة , بينما الاديرة تدعو الى الزهد والانسحاب من العالم...
تميز هذا العصر بالعبثية او القدرية , والكثير كان موسوس من الطابع الزائل للحياة..
والوضع السياسي كان فيه صراعات كبرى, حيث مزقت الحروب اوروبا في حرب الثلاثين عام
( 1618 – 1648 )
بحرب بين الكاثوليك والبروتستانت
ظهر فلاسفة كثيرون يعبرون عن التغيرات الفكرية في كل مرحلة...
ديكارت وسبينوزا كانوا يؤمنون ان العقل هو الاساس الوحيد للمعرفة...

جاء القرن الثامن عشر , وضع مونتسكيو الفرنسي التركيبة الثلاثية :
السلطة التشريعية
السلطة القضائية
السلطة التنفيذية
وطالب بفصل السلطة التشريعية عن التنفيذية تفاديا للطغيان...
وقال انه لبناء دولة الحق, ينبغي ان يشرع ممثلو الشعب القوانين , ويقوم الملك والحكومة بتطبيقها...
*****************************
جاءت عصور التنوير وفيها التمرد على السلطة والمطالبة بحقوق الانسان وحقوق المرأة , ونشر المعرفة وتنوير طبقات الشعب كشرط أساس لبناء مجتمع افضل , وبدأ تأسيس علم التربية وفكرة المدارس
كان هؤلاء الفلاسفة يظنون انه يكفي ان تنشر العقل والمعرفة , لتتقدم البشرية بخطى عريضة, وتصبح ثمة امكانية لوجود حلول انسانية مستنيرة بدلا من الجهل والشعوذة

بدأوا مناقشة الحقوق الطبيعية للانسان, حق التعبير وانتقاد الدين , حقه في الحرية والسياسة , النضال ضد العبودية...
تم الاعلان عن حقوق الانسان 1789 ميلادي , في الجمعية الوطنية الفرنسية , وظهر مبدأ تحريم انتهاك حرية أي فرد..
ظهر الفيلسوف كانت , ونظريته في شكل المعرفة , وهي تأتي من الوعي تجاه الاشياء او الحوادث, وهو الذي يحدد رؤيتنا نحو العالم...
ثم تكلم عن قانون السببية وكونه اساسي في تركيبة الكائن البشري
كانت تكلم ايضا عن القانون الاخلاقي الذي يحكم الانسان ويسيطر بواسطته على رغباته وغرائزه مما يميزه عن الحيوانات...
********************************************
بعد ذلك جاءت مرحلة الرومانسية 1800 – 1850 ميلادي
وكانت رد فعل على السلطة المطلقة للعقل خلال عصور التنوير..
وظهرت موسيقى بتهوفن , وكتابات غوته ..
ثم ظهر هيغل الالماني وكانت عندة نظرية عن التطور الجدلي للتاريخ :
حيث تذهب افكار وتأتي افكار...وكل فكرة تبني على فكرة اقدم منها , ثم تاتي فكرة جديدة تتصارع مع الفكرة القديمة, ويستمر التوتر بين خطين فكريين, الى أن تزيله فكرة ثالثة, تاتي وتتصارع مع الفكرة الأفضل بين السابقتين ( هكذا التطور الجدلي للتاريخ
يرى هيغل أن الصراع سببه تناقض أفكار ( يعني ايديولوجي
ثم جاء كارل ماركس بعده وعارض رأيه, وقال ان التناقض سببه مصالح اقتصادية..
ويرى ماركس أن المحرك الحقيقي للتاريخ هو تغير ظروف الحياة المادية...

بين هيغل وماركس جاء كيركيغارد من الدنمارك ...
وكان متدينا وملتزما ....
وجه انتقادات حادة للثقافة الاوربية وقال انها تتجه نحو الافلاس, لان الكنيسة اللوثرية تفتقد الحماسة والالتزام...وكان يسميها ( مسيحية يوم الاحد
وهو يرى انه لا يكفي ان تكون مسيحيا قليلا او الى حد ما , بل ينبغي ان تتبع خطوات السيد المسيح...
وهو يرى الانسان معرضا للمرور بثلاث مراحل في الحياة:
مرحلة جمالية : يبحث عن الجمال والمتعه
مرحلة اخلاقية : يلتزم بمباديء واخلاقيات محددة
مرحلة دينية : يلتزم بالديانة والايمان بالله
ويتنقل الانسان بين المراحل في سنوات حياته...البعض يظل يراوح في المرحلة الاولى فقط أو بين الاولى والثانية, والبعض يصل الثالثة بقرار ذاتي , حيث يجد الراحة والسكينة لنفسه القلقة...
****************************
ثم ظهر كارل ماركس الالماني بنفس فترة وجود كيركغارد..
كان فيلسوفا وعالم اقتصاد واجتماع ومؤرخ..
وهو يرى ان الشروط المادية في المجتمع هي التي تحدد جذريا نمط تفكيرنا وهي التي تقع في اساس كل تطور تاريخي...
وان المراحل التاريخية تتميز بمواجهة بين طبقتين اجتماعيتين مثلا طبقة العبيد والاحرار, الفلاحين والسادة, النبلاء والبرجوازيين, الرأسمالية والعمال..
الذين يمتلكون وسائل الانتاج والذين لا يملكونها..
وهو يقول ان بداية الرأسمالية في اوروبا كانت مصانع وأجور منخفضة وظلم للعمال وتشغيل النساء والاولاد في ظروف سيئة, ويظهر الفقر والجوع والاستغلال...
بينما اولاد الرأسمالية يلبسون بدلات انيقة ويعزفون على البيانو ثم يتناولون عشاء انيقا ثم يخرجون في نزهة على جواد...

وحسب نظرية ماركس فإن الرأسمالية هي نظام يدمر نفسه بنفسه, لانه لا يسير على هدى العقل..
وهو يحمل نهايته في داخله , كيف ؟
المضاربة في السوق هي أداة الدمار له..
الرأسمالي يكسب الارباح ويشتري الات جديدة , ثم لتحسين موقعه في السوق يظل يشتري تقنيات جديدة ويخفض عدد العمال لتحسين المضاربة في السوق
لكنه لن يكون الوحيد الذي يفكر بذلك, كل حلقات سلسلة الانتاج يجب ان تكون اكثر مردودا, تكبر المصانع , وتصبح بيد حفنة من الرجال, وتتناقص اكثر واكثر الحاجة للعمال, وتزداد البطالة, وتصبح المشاكل الاجتماعية اكثر اهمية......
وعندما لا يتخلف فائض انتاج كافي للقدرة على المضاربة ؟
ماذا يحصل ؟
سيتم تخفيض الاجور ...
هذه الاعراض تقول ان الرأسمالية تتجه نحو النهاية ...


ويقول ماركس :
وسيصبح العمال فقراء الى الحد الذي لا يقدرون على تامين احتياجات حياتهم وحياة اسرهم...
ثم تاتي مرحلة الثورة على الرأسمالية , وتستلم الطبقة العاملة, وسائل الانتاج...

رغم ان للماركسية اخطاء وثغرات, لكنها قدمت فائدة للمجتمعات الاوربية حيث صاروا يعيشون في مجتمعات اكثر عدالة وتضامنا... ووضعوا قوانين لتحديد الاجور وساعات العمل ...
بعد ماركس جاء داروين بنظريته عن أصل الانواع, ثم فرويد ونظريته عن النحليل النفسي..
وكل هذه النظريات زادت الناس بعدا عن تقبل الدين, و أكثر ميلا لتمجيد العقل والانسان ...
ثم جاء سارتر الفرنسي ( 1905- 1980 ) و فلسفته الوجودية , وفكره الملحد... وهو يمثل انسان المدينة في القرن العشرين...
وكان القلق عنده على مصير الانسان هو مصدر للعبثية والضجر واليأس والضياع..
لا توجد اي قيمة او عقيدة ازلية تهدينا...
هكذا كان يقول....

ثم جاءت الفلسفة المادية..
ثم جاءت كتب كثيرة تتكلم حول السحر والتنجيم والجنس وكلها من اجل الحصول على المال..
انحسرت المسيحية , وحل محلها أشياء مثل الفطريات..
********************************************

بعد أن انهيت الكتاب, شعرت بالحزن , ووافقت كيركيغارد الذي قال : ان أوروبا إو الثقافة الغربية عامة, تنحدر نحو الإفلاس....
لم يحافظوا على الدين ولم يضعوا له مكانة مقدسة, حافظوا على الطقوس يوم الاحد , لكن افلية منهم تتبع خطوات السيد المسيح...
لم تقدر الطبقات الحاكمة ان يتحكم بها الدين لأنه يتضارب مع مصالحها , ففصلته عن الدولة , لتفعل ما يحلو لها..
الدين يأمر بالعدل والإحسان وحب السلام ومساعدة المظلومين ...
لكن هذا مجرد كلام ساذج بالنسبة للطبقات الحاكمة , يتناقض مع طموحاتها في التوسع والحروب وتكديس الثروات في ايدي قليلة...
العلم و اكتشاف قوانين الفيزياء والفلك مثلا , كانت يزيدهم جحودا وانكارا لوجود الله..
رغم ان المسلمين اشتغلوا بالرياضيات كالخوارزمي, والكيمياء مثل ابن حيان, والطب والتشريح مثل ابن سينا, لكنها ما جعلتهم يتمردون على الخالق, كانوا يقولون دائما : سبحان الله الذي علمنا ما لم نكن نعلم...
وكانت تزيدهم ايمانا بعظمة الخالق....

لا أعرف..
ثمة ثقافتين متناقضتين حقا , كل واحدة لها نظرة للعالم تختلف عن الأخرى...
الثقافة الغربية تمجد الإنسان , وحريته ورغباته واهوائه وتسمح للجشع والاستغلال أن يمضيا بلا حدود ....

وثقافة المسلمين تمجد الله, وتضبط نزوات الإنسان ورغباته وتكبح جماح الطمع وتحرم الإستغلال والإحتكار حتى لا تتراكم الثروات بيد فئة قليلة..

لذلك ظهرت في الغرب الرأسمالية والشيوعية , ثم الفكر المادي , ثم الالحاد , ثم العبثية.....
كلها بدائل في ظل غياب الدين.....
****************************************
رغم ذلك فإنني مؤمنة ان هنالك الملايين من المؤمنين في أوروبا رغم سيادة روح المادية وتغييب سلطة الدين...
وكذلك عندنا في أوطاننا توجد فئة ممن هم ضد الدين , رغم ان ثقافتنا هي من النوع الذي يتدخل بها الدين كعامل رئيسي...
المشكلة أن غالبية هؤلاء الذين يسمون أنفسهم علمانيين, هم من الذين تأثروا بالثقافة الغربية بطريقة ما....
إما بالشيوعية,او الرأسمالية...أو الوجودية او أي شيء آخر من محتويات ثقافة الغرب....
وأحيانا يجاهرون بأفكارهم , ومعظم الأحيان يخافون من ردود فعل الناس...
خصوصا في هذه الظروف الصعبة حيث تتعرض ثقافة المسلمين خاصة , لهجمة عدوانية كبيرة من الحكومات الغربية...
وثمة حملة تشويه كبيرة تحيط بالاسلام والمسلمين , تحزنهم, وتفرح قلوب أعدائهم....
ساتكلم عن هذا الموضوع لاحقا...



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives