Wednesday, October 05, 2005
الأربعاء 5 تشرين أول 2005
صباح الخير...
بدأ شهر رمضان, وهو شهر الصيام والرحمة والمغفرة...
ونحن بعيدون عن الوطن...
هذا أول رمضان لنا خارج العراق منذ 15 سنة...
ويحزن قلبي أن ملايين العراقيين قد غادروا العراق بعد الحرب, ولاذوا بالمنافي من دول عربية وغير عربية...
أرجو أن نتفق جميعا على دعاء واحد وهو ان يحل السلام والأمان في العراق ونعود لبيوتنا قبل رمضان القادم...
آمين..
وأدعو لكل الشعوب المهجرة من اوطانها وأولهم الشعب الفلسطيني أن يعودوا لديارهم ويحل السلام والعدل في اوطانهم...
آمين...
********************************
قضيت أيام الأسبوع الماضي بقراءة كتب عن السلطة والمعارضة في تاريخ الإسلام.
ثم تصفحت عبر مواقع مختلفة على الإنترنت الحديث عن الدستور العراقي الجديد, وعن الدساتير العراقية السابقة..
وتمتعت بقراءتها كلها, رغم ان الصداع اصابني من كثرة التحديق بالشاشة , لكنه لم يمنعني من مواصلة التعرف على هذا الموضوع المهم..
حيث الجدل مستمر , والنقاشات ساخنة , حول الدستور العراقي الجديد...
***********************************
إكتشفت ان الدساتير العراقية كثيرة , وأولها الذي كتب في العهد العثماني عام 1876الذي طبق لفترة قصيرة ثم تم تجميده, وفي عام 1908 تم العمل به...
قرأت بنوده فوجدتها معقولة, تتكلم عن حرية الفرد وكرامته مصونه , وله الحق بالتعبير عن رأيه , والإنتماء الى جمعيات او احزاب, وحرية الصحافة والتعبير, وعدم جواز تعذيب الناس اثناء التحقيق , وغيرها من بنود كلها ضمن حقوق الإنسان التي نتكلم عنها , يعني كانوا مدركين لها, يعترفون باهميتها, وثبتوها في نصوص الدستور...
لكن السؤال : كم تم تطبيقه منها؟
ألم يعاني العراقيون من قلة الحريات والتعبير , ومن التعذيب والسجون والإعدامات للوطنيين ضد الدولة العثمانية؟
ألم يعاني الناس من الظلم وسوء توزيع الثروات والمناصب رغم وجود فقرات تقول ان المواطنين سواسية في كل مجالات الحياة؟
أين الخلل إذن ؟
********************************************
فكرت كثيرا بعد قراءتي لكتب عن تاريخ الإسلام وفلسفة الحكم..
ووجدت ان الدولة العثمانية لم تكن تعبيرا عن الدولة الإسلامية وفلسفتها في الحكم..
رغم ان الدستور يقول ان دين الدولة الرسمي هو الإسلام ..
الدولة الإسلامية الحقيقية لها تجربة قصيرة ومحدودة في التاريخ , فهي بدأت بعهد الرسول عليه الصلاة والسلام, ثم تبعه الخلفاء الأربعة, رغم كل المشاكل التي حدثت , كانوا يحاولون السير على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام في بساطة التعامل مع الناس , والإستماع لمشاكلهم, وعدم التكبر أ وطلب عبادة الناس لهم, وعدم احاطتهم انفسهم بالفخامة ومظاهر الزهو والغنى, ووضع موظفين في المدن البعيدة لإدارة شؤون الدولة ومساءلتهم من حين الى آخر , ولو ظهرت عليهم علامات الغنى المفاجيء يؤتى بهم ويسألون : من أين لك هذا؟
كان الحكام يطبقون قول الرسول عليه الصلاة والسلام : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...
وكان الخلفاء مرعوبين من فكرة الأمانة على أموال المسلمين وارواحهم وكيف يعملون بها, وماذا سيقولون لله يوم القيامة لو كان ثمة شكوى من مسلم ضدهم أو إتهام بتقصير...
في حين كانت أخلاق الملوك الفرس في ايران قبل الإسلام, والروم في اوروبا, هي تمجيد الملك , واحاطته بطقوس تعظيم كأنه إله.... وهو محاط بالعبيد والجواري والذهب والفضة والوزراء المتملقين.....
هذه اقتبسها منهم خلفاء الدولة الأموية, والعباسية, و سلاطين الدولة العثمانية...وهي ليست فلسفة حكم اسلامية , رغم انهم إدعو انها الخلافة الإسلامية .
****************************
أكملت بعدها قراءة الدستور العراقي خلال الإستعمار البريطاني والحكم الملكي الذي صدر عام 1925
نظرت الى نصوصه, كانت أيضا محترمه وتتكلم عن حقوق المواطنين وكرامتهم وحريتهم , والسلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية, وصلاحيات الملك ومجلس الأمة يعني البرلمان, وأعضاءه يأتون بالإنتخاب , وغيره من تفاصيل, كلها جميلة وتعطيك الإنطباع ان كل شيء سيكون على ما يرام , وليس ثمة مشكلة سيواجهها الشعب...
و لكن عندما تقرأ تاريخ الناس آنذاك وكم من الظلم كان عليهم, وسوء توزيع الثروات, واغلاق الصحف والغاء الأحزاب من حين لاخر, وكأن الموضوع يجري حسب مزاج الفئة القابضة على السلطة....
تستنتج أن المشرفين على الدستور لم يحققوا على الأرض ما كتب فيه.....
وأدهشتني معلومتين قرأتهما عن دستور 1925 أو ما حدث من قضايا تتعلق به:
اولها ان مجلس البرلمان أنهى العمل به بعد تدخلات وزارة المستعمرات البريطانية وتغييرها لنصوص كثيرة حتى تلائم مصالحها ...
ولم ينشروه لمدة 8 شهور, حتى تم سرا توقيع اتفاقية استثمار النفط العراقي من قبل بريطانيا أو غيرها من شركات غربية,
لماذا ؟
حتى لا ينشر أولا في الجريدة الرسمية للحكومة وتصبح أي اتفاقية ملزمة أن يناقشها البرلمان و يقرر القبول أوالرفض....
اذن تم توقيع الإتفاقية ثم نشر الدستور بعد ستة أيام, باعتبار أن تلك لا علاقة لها بهذا, يعني تمت قبل الإعتراف رسميا بالدستور, فهي واقع لا يجوز مناقشته...
والملاحظة الثانية وجدتها في كتاب مذكرات المس بيل عام 1924 وهي تقول :
لابد أن أخبرك بأن جلالة الملك قد توصل الى معرفة السر الخاص بإدارة المجالس النيابية , إنها في غاية البساطة, فما عليك سوى ان تستدعي الأشخاص البارزين من بين النواب لتخبرهم بان أمرا أو إجراء معينين سيتم طرحهما في يوم غد او بعده, وبأنك ترغب في قيامهم قبل الموعد المحدد للطرح برفع عريضة ( استدعاء ) يعربون من خلالها عن رغبتهم في اقرار الأمر السالف ذكره, بعد ذلك يعلن رئيس المجلس أثناء دعوة الأعضاء للتصويت على الأمر أن موافقة الأغلبية قد حصلت من خلال عرائض تم رفعها اليه بهذا الصدد , وهكذا يتم إقرار الأمر
والان أنظر بدهشة وحزن حين أفرأ كل هذا...وأتساءل عن معناه ؟
هل هذه هي الديمقراطية الغربية التي يتباهون دائما انها أفضل النظم للحكم , والتي تستحق أن تسود النظام العالمي الجديد.....
حسنا , حين أقرأ التجاوزات التي عملتها بريطانيا عندما كانت في العراق, رغم وجود كل أسس نظام الحكم الغربي من مجلس تأسيسي منتخب, ودستور, وسلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية , كل واحدة لها صلاحيات محددة بالدستور....
مع ذلك كان ثمة احتيال وتزوير لإرادة الشعوب , وهؤلاء المنتخبون سرعان ما ينسون القسم الذي يقولونه في كونهم سيبقون مخلصين لتأدية الأمانة والواجب وغيرها من الكلمات الكبيرة النبيلة, لكن واقع الحال, انهم ينسون او يخونون الأمانة, في معظم الأحوال, ويتردى حال البلاد نحو الأسوأ , رغم أن بنود الدستور واضحة وفيها عدالة, لكن الظلم سرعان ما يطغي في البلاد....
ويصبح الدستور مجرد كلمات على ورق.......
أين الخطأ في الموضوع ؟
**********************************
عندما سقط الحكم الملكي في العراق, وجاء الحكم الجمهوري 1958
وصدر دستور جديد مؤقت للبلاد, كان أقصر بكثير من السابق, لكنه حدد هوية العراق بوضوح, انه جزء من الوطن العربي, وان الديانة الرسمية هي الإسلام, دون المس بحقوق الديانات الأخرى, وان الوطن يتشارك فيه عرب وأكراد كقوميات رئيسية وان حقوق الجميع يضمنها الدستور, وحدد الحريات بالحرية الشخصية والأديان والملكية الخاصة والفكر والمعتقد, ولم يتكلم عن حريات صحافة أو احزاب أو نقابات...
وقال ان المواطنين متساوون في الدستور لا فرق بينهم بسبب ديانه أو مذهببة او عرقيه
كان انقلابا عسكريا, طبعا الجهة القابضة على السلطة كانت من الجيش والعسكر, هؤلاء لا يعرفون سوى اصدار الأوامر, أو طاعة الأوامر, فكيف نتوقع منهم فهم الحياة المدنية واساليب الحكم والبرلمان والدستور والقانون وكل هذه التفاصيل ؟
المهم, كانت فترة الحكم تلك مليئة بالصدامات والصراعات بين شيوعيين وقوميين وعساكر, وبين الحكومة والأكراد المطالبين بالحكم الذاتي...
وانتهت الصراعات بطريقة مأساوية, فقد اكلت تلك الثورة ابناءها حقا, وقتل أو اعدم معظمهم إن لم يكن كلهم...ثمة دوامة او طاحونة من القتل اشتغلت لسنوات , ضاع فيها صوت العقل , وتكلم العنف والحقد والعناد وضيق الأفق واتهام الآخر....وهكذا..
يعني الدستور البائس لم يغير شيئا من الواقع الممزق والذي تتحكم فيه المصالح الأنانية الضيقة.....
تقديري أن السبب في الفشل هو أن عقلية الذين جاؤوا للحكم , لم تكن تختلف كثيرا عن عقلية الذين ذهبوا, من حيث الأنانية وحب الذات والمصالح الخاصة....
سقطت الحكومة وجاء انقلاب جديد, بوجوه قديمة وجديدة, وتمت صياغة
دستور جديد مؤقت...
دستور 1963 المؤقت كان يتكلم فقط عن صلاحيات المجلس الوطني لقيادة الثورة ولم يتحدث عن هوية البلاد او حقوق المواطنين....وطبعا كانت السلطة بيد الجيش..
في عام 1964 تمت صياغة دستور مؤقت جديد, وهو واسع لكل التفاصيل من هوية البلاد وحقوق المواطنين وصلاحيات السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية.....
هوية البلاد حددت بوضوح شديد على ان العراق مسلم وعربي وهو جزء من الأمة العربية وسوف يعمل على تحقيق الوحدة العربية مع باقي الأقطار, واللغة العربية هي اللغة الرسمية, والشعب العراقي هو جزء من الأمة العربية...وكانت مصطلحات جديدة دخلت الدستور مثل نظام الحكم يستند على الديمقراطية والإشتراكية , والدولة تتعهد بتنمية الإقتصاد وتحقيق العدالة الإجتماعية...
وان الدولة مسؤولة عن الإقتصاد القومي ووضع خطة لتطويره, وأن رأس المال في خدمة الإقتصاد القومي... وان ثروات البلاد واستثمارها يتم ضمن سلطة الدولة
وحدد ملكية الأراضي الزراعية بما لا يمكن من قيام الإقطاع وما فيه من ظلم واستغلال
ثم حدد حقوق المواطنين من حرية شخصية وحرية الدين وحرية التعبير عن الرأي و حرية الانتماء أو تنظيم نقابات وجمعيات...
وحق المواطن في العمل والتنقل والسكن حيثما شاء, والدولة تكفل التعليم المجاني وتكفل الرعاية الصحية للمواطنين والضمان الإجتماعي والتامين الصحي , وتحدد ساعات العمل والأجور بما لا يكون فيه ظلم للناس...
والمواطنون متساوون أمام القانون, ولهم حق الإنتخاب ..
ويوجد بند خاص للمواطنين الأكراد يقر بحقوقهم القومية في وحدة وطنية متآخية
ثم تاتي بنود تتكلم عن صلاحيات السلطات الثلاث, ثم الجيش وكونه تحت سلطة الدولة فقط.
في ظني ان هذا كان أفضل دستور أو افضل بداية لدستور عراقي حقيقي, كان واضحا في تحديد مهمات الدولة وشرح واجباتها لرعاية مواطنيها وتأمين حياة كريمة لهم...
لكن الصراعات السياسية وحب تسلم السلطة من أطراف أخرى , لم يعط الوقت الكافي حتى يحصد العراقيون ثماره الإيجابية...
حدث انقلاب 1968 وجاء البعثيون الى السلطة, الذين كانوا عنصرا رئيسيا في النزاعات السابقة , مع الحكومات السابقة.....
ظهر دستور مؤقت جديد 1968
كانت مقدمته كما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
ايمانا بحق الشعب في الحياة الحرة الكريمة , وثقته بقدرته على مواجهة الصعاب وارادته التي لا تقهر, وبعد الإتكال على الله وعلى المخلصين من ابناء الشعب والقوات المسلحة قامت فئة بارة من ابناء الشعب مؤمنة بربها وباهداف الأمة
[........ ]
استلمنا مقاليد الأمور بغية تأمين سيادة القانون وايجاد تكافؤ الفرص للمواطنين والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية والقضاء على اسباب التمزق الداخلي وتحرير المواطن من
الخوف والجهل والنعرات الطائفية والعنصرية والقبلية وكافة مظاهر الإستعباد واقامة مجتمع تسوده الأخوة والمحبة والتآلف والشعور بالمسؤولية
[......]
عن طريق توفير الحياة الديمقراطية للمواطنين من خلال تنظيمات شعبية وصولا الى مجلس وطني يمثل كافة قطاعات الشعب....
وفقراته اللاحقة معظمها مقتبس من الدستور السابق....
ثم جاء تعديل للدستور عام 1970 لإعطاء الأكراد حكما ذاتيا ...و التمتع بحقوقهم القومية ولغتهم الكردية في مناطق الحكم الذاتي... مع بقاء العلاقة مع الحكومة المركزية في بغداد....
ثم جاء آخر مشروع لدستور عراقي 1990 كان من المفروض أن يطرح للإستفتاء العام, لكن الحرب على الكويت وما لحقها من مصائب عطلت المشروع....
والآن أقرأ الدساتير زمن صدام , واتساءل :
ماذا رأينا من كل تلك البنود الجميلة ؟
كل شيء حدث على أرض الواقع هو عكس ما جاء في مقدمة صياغة دستور 1968
بمرور الزمن رأينا ان :لا سيادة للقانون, لا حرية للمواطنين ولا حقوق, لا تكافؤ في فرص الحياة, لا مشاركة للشعب في أي قرار.....
لا سلطات قضائية مستقلة ولا سلطات تشريعية , وحتى التنفيذية , استولى عليها كلها رجل واحد....وصارت الصلاحيات كلها بين يديه.....
وصار الجيش والأمن والمخابرات يستعملهم كسلطة بيده وقاهرة للشعب, وانمسخ وتشوه كل شيء , الإعلام والصحافة والأدب والجمعيات والنقابات , كلها صارت مخلوقات مشوهه.........
والحريات تقلصت وتقلصت , وكذلك الكرامة والحقوق والعدالة ...
في سنة 1968كانت البداية حقا جيدة وشعرنا ان العراق يعيش عصرا جديدا من البناء والنمو, وكان وقتها صدام حسين الرجل الثاني في السلطة, وكان الرجل الأول أحمد حسن البكر, لا أظن انه ترك ذكرى رديئة في قلوب العراقيين, لم يملأ الشوارع بصوره, ولم تمتليء الصحف والمجلات والتلفزيونات بصوره أو قصائد واغاني تتكلم عنه, كان الرجل متواضعا, وكان حزب البعث يمد سلطانه في كل مكان ويدفع الناس للإنتماء اليه, ورغم كل المحاولات من اخوتي او زملائي في الكلية, رفضت الإنتماء, وأظن أكثر من 90 بالمئة من الطلاب والطالبات في الجامعات انتموا للحزب باعتباره السلطة الحاكمة فنستفيد...طبعا هي عقلية انتهازية, لكنها موجودة في كل زمان ومكان.....
وكذلك فعل الناس من موظفين دولة أو غيرهم.......
فحدثت عملية الإستفراد بالسلطة تدريجيا, والتصادم مع الأحزاب الأخرى , وتصفيتها, رغم أن خطاب افتتاحية الدستور قد ذكر الوحدة الوطنية والتي تعني الإعتراف بوجود احزاب اخرى...
وبعد كل ما حدث , فحسب تقديري إن حزب البعث ليس سيئا ولا عنصريا ولا عدوانيا...
فيه مؤسسون اسماؤهم نظيفة ووطنيتهم لا غبار عليها , لكن للأسف قائد متسلط مثل صدام حسين , دمر الحزب وأساء له كثيرا, وقام بعزل أو تصفية رفاقه الذين كانوا يعترضون عليه وعلى سياساته العدوانية ....
وأتألم حين أرى في الدستور الجديد فقرة تحظر وجود هذا الحزب أو الإنتماء اليه باعتباره حزب صدامي, القصة غير منطقية, والحزب تلطخت سمعته من تصرفات صدام حسين , لكنه حزب وطني وقومي , وكان فيه الكثير من الشرفاء أصحاب المباديء , لكن كالعادة الذي يطفو على الواجهة هم الناس السيئون.....
**************************************
حين جلست القيادات العراقية الجديدة لتشرف على مسودة الدستور الآن 2005
أتخيل انهم أرادوا صياغة بنود تضمن عدم تكرار أخطاء الماضي...
لكنهم وقعوا في تفاصيل مضحكة أثارت غضب الناس , وأثارت روح الأنا والتعصب والعنصرية...
في كل الدساتير العراقية السابقة تأتي ذكر الأديان الأخرى دون التفصيل, والأعراق الأخرى غير العربية والكردية دون تفصيل, المهم انهم متساوون في الحقوق, ولا فرق بينهم...
واليوم جاءت باقي الطوائف تشتكي أامام وسائل الإعلام ويشتكوا ان اسمها غير مكتوب لأن الدستور ذكر بعضها ونسي بعضها : صابئة ويزيدية واشورية وكلدانية وتركمانية وآثورية...وجاءت طائفة من الأكراد قالوا نحن اكراد شيعة اسمهم الفيلية, يريدون حقوقهم...
ومن السابقين ثمة طائفة تعبد الشيطان, وهم أيضا يريدون حقوقهم...
ما أدري ما هي الحقوق التي تريدها هذه الطوائف؟
ألم يعيشوا معنا ويتمتعوا بحقوق دياناتهم وطقوسهم دون أن يعترضهم أحد؟
هل الإنتماء للوطن الكبير عيب ومنقصة؟
أم الإنتماء الضيق مفخرة وبطولة؟
يعني لو ثمة مغني أو أديب او شاعر عراقي, وبعدين نكتشف انه صابئي أو آشوري أو كردي أو تركماني, هل سينقص منه شيئ هذا؟
بالعكس, سنحس أنه قريب من الجميع, وينتمي الى الجميع, ويتكلم بإسم ومشاعر وهموم الجميع...في النهاية هو الرابح..سيصبح رمزا وطنيا للجميع
أليس موقعه أفضل من آخر يكتب بلغته المحلية بجريدته المحلية التي تقرأها طائفته فقط؟
حتى مداركه وعلمه سيتوسعان لو تكلم مع الناس في العراق ككل....
ومداركه ستضيق لو حصر تفكيره في طائفته باعتبارها النافذة الوحيدة التي يفتخر بها ويطل على العالم من خلالها.....
*******************************
ثم هنالك مواقع على الإنترنت تتكلم عن الحزب الشيوعي العراقي في السويد, ورأيه ضد وضع كلمة إسلام أو شريعة في الدستور....
طيب, الدستور لا يجبر الناس ليكونوا مسلمين, لكن الغالبية هي مسلمة, فما الشيء المثير للغضب؟
توجد فقرات تتكلم عن حرية الدين والفكر والمعتقد...هذه لغير المسلمين, هل فيها ظلم؟
لا أدري...لكن صياغة الدستور الجديد يتدخل فيها الكل, ليشطب ويضيف, ظانين انهم سيحققون الديمقراطية والعدالة هكذا......
في الدستور الجديد تهرب من تحديد هوية العراق...
وكأن كونه عربيا مسلما صارت تهمه....
في الدستور وضع اللغة العربية والكردية كلغتين رسميتين لإرضاء الأكراد, وهي مبالغة لأغراض سياسية فقط..
كم نسبة الناطقين بالكردية؟
في أكثر الأحوال 20 بالمئة , طيب كيف يحق لهم مناصفة ال80 بالمئة بهذا الموضوع؟
هل هذه عدالة؟
ثم ان اللغة الكردية لغة محلية محدودة وليست عالمية واسعة الإنتشار, فكيف تعتمد لغة مخاطبة رسمية للدولة؟
وكم سنحتاج الى مترجمين في الإجتماعات والمؤتمرات ؟
في الدستور فقرة عن عدم امكانية تواجد قوات اجنبية أو قواعد عسكرية أجنبية, ويجوز هذا في حال موافقة الجمعية الوطنية العراقية....
والله ابتسمت وتذكرت قصص المس بيل مع البرلمان العراقي البائس آنذاك, وكيف تم الموافقة على المعاهدة العراقية البريطانية رغم رفض الشعب لها....
ثم بنود كثيرة في الدستور عن الفدرالية ومجالس الأقاليم وصلاحياتها...
هذه أخذت الحيز الأكبر من الدستور الجديد , كأنه موضوع محسوم سلفا , قبول العراقيين بالفدرالية والإنقسامات العرقية والطائفية السخيفة.....
السؤال هو : ما هي الديمقراطية؟؟
هل نضع باجات على صدورنا , وننقسم الى مجموعات متناحرة , كل واحدة تطالب بمصلحتها؟؟
هذه طريقة فيها سذاجة وغباء وتفريق وتفتيت للبلاد ...
هذه ليست ديمقراطية, هذه عقلية قبائل تعيش في العصور الوسطى....
******************************************
أظن أن الديمقراطية هي العلاقة بين الحاكم والشعب.....والتي من خلالها تتحقق العدالة ويسود السلام في المجتمع..........
هذه هي النقطة المهمة والتي تستحق البحث العميق والنقاش الآن من أجل تحقيقها على أرض الواقع في العراق الجديد....
ثمة فقرة أعجبتني في الدستور الجديد, لابد من صياغة فقرات كثيرة على شاكلتها, لنتجاوز المصائب التي حدثت لنا, فلا تعود تتكرر ثانية...
الفقرة تقول : لا يجوز ان يتحول الجيش الى اداة قمع للشعب
ممتاز !
كان ينبغي كتابة نصوص كثيرة مثل هذه , لتحجيم صلاحيات السلطة الحاكمة, ولئلا تكون نهايتها مثل سابقتها ,
مثلا :
لا يجوز ان تتكون قوى امنية ومخابرات لملاحقة العراقيين وتنغيص حياتهم الخاصة
ولا يجوز وضع الناس في المعتقلات وتعذيبهم بأي شكل من الأشكال..
ولا يجوز ظهور طبقة اغنياء متنفذين يقبضون على ثروات البلاد من الطبقة الحاكمة او اقاربهم واصدقائهم...
لا يجوز الإستحواذ على المناصب الحكومية لأبناء الطبقة الحاكمة وأقاربهم واصدقائهم...
لا يجوز تكوين أحزاب ومليشيات لأبناء وأقارب الطبقة الحاكمة...
لا يجوز اعطاء اي صلاحيات للرئيس أو رئيس الوزراء ليستفرد بالقرار...
والجمعية الوطنية , ينبغي مراقبتها ومحاسبتها على الدوام من قبل لجان شعبية , حتى تظل معبرة حقا عن ارادة الشعب, ولا تتحول الى نخبة انتهازية تفكر بمصالحها فقط......
لا يجوز تبجيل أي شخصية في الحكومة..........
ولا يجوز وضع صور الرئيس أو رئيس الوزراء او غيرهم من الحكومة , في الشوارع او المدارس أو الدوائر الحكومية لإرهاب الناس مثل الأخ الأكبر يراقبكم في رواية 1984
ولا يجوز التصفيق للرئيس او غيره من أفراد الحكومة حين يلقي خطابا..
ولا يجوز كتابة قصائد او بث اغاني مديح وتملق للرئيس او الحكومة...
ولا يجوز الهتاف بالشوارع بكلمات تافهة متملقة مثل : بالروح بالدم نفديك يا فلان..
هذه ممارسات قبيحة تصنع الدكتاتور...
لا تقولوا ان صدام حسين وحده المذنب....
كل اولئك الإغبياء الذين مارسوا تلك التصرفات ساعدوه ليكون دكتاتورا مغرورا دمر نفسه وشعبه ووطنه, وجاء بإحتلال بغيض قبيح يريد مص دماء العراقيين وثروات أرضهم, ويلعب دور الأم الحنون.....
عندما جاءت بريطانيا لتلعب دور الام الحنون في العراق بعد الحرب العالمية الأولى, كان الجهل والأمية والفقر يخيم على العراق.....
ومع ذلك, قاوم العراقيون سياسة الإستعمار...
والآن : كم في العراق من حملة الدكتوراه والماجستير والبكلوريوس ؟
وكم من مدارس ومعاهد وجامعات ؟
وكم تعلم الناس الدروس من قصص ابائهم واجدادهم عن غدر المستعمرين والمحتلين وانهم لا يمكن ان يكونوا أمهات حنونات....
فهل ثمة فرصة الآن لخداع العراقيين وفرض دستور معوق عليهم ؟
االعراقيون صبورون...لكنهم حين يقرروا أن يعلنوا غضبهم...الويل للمسكين الذي يقف أمامهم.....
****************************
العراق وشعبه بحاجة الى قادة جدد....
ليس فقط أسماء ووجوه جديدة...
لكن عقليات جديدة , تملك فلسفة للحكم مبنية على احترام حرية و حقوق الناس , والتصرف بطريقة متواضعة وشفافة ونزيهة مع شؤون الدولة تجعلهم قدوة صالحة , والعمل على توفير حياة كريمة للناس, وتنوير عقولهم بحب الآخر واستيعابه, وحق الآخر في الحياة , دون عنف وتكفير وحقد, دون وضع فوارق مبرمجة عرقية وطائفية تفرق ولا تجمع....تزرع الحساسية والبغضاء في النفوس بدل المحبة والتآلف....
العراقيون محتاجون لمن يجمع شملهم ويقربهم ويحببهم الى بعض...
ليعيشوا بسلام....
أعلم أنه أمر صعب وتحد كبير....لكنه يشكل بذرة أمل لحياة جديدة , فقد تعب الناس كثيرا في العراق , ولا بد من تغيير الكثير من طرق الحكم المتخلفة المستبدة , والتي تتكلم كثيرا وتجعجع وتكذب , ولا تعمل أي شيء ايجابي على أرض الواقع......
وإلا , فإن مصير القادة الجدد لن يكون أفضل من مصير الحكومات العراقية السابقة
فكل واحد تحصد يداه ما زرع....
هل ثمة من سيقول آنذاك : هؤلاء العراقيون أصحاب مشاكل ولا يعجبهم أحد وتاريخهم كله ثورات ؟
والله قرأت تاريخهم ورأيت الظلم عليهم في كل الأزمان , في عهد الأمويين, والعباسيين, والعثمانيين, والإنكليز, ثم الحكومات العراقية الوطنية المستبدة التي لم تمتلك رؤيا ناضجة لطريقة الحكم, واستعانت بالجيش لتفرض نفسها وتقهر الشعب في معظم الأحيان......
وهذا سبب الثورات الكثيرة وعدم الإستقرار السياسي في العراق ...
عسى أن تكون ثمة قيادات جديدة قد تعلمت الدروس والعبر من تجارب الماضي...
وتمضي بالعراق وشعبه نحو مستقبل مشرق حقيقي...فيه عدالة وأمان وسلام...
ويلح في خاطري السؤال الحزين : متى سيأتي هؤلاء القادة؟
لست ادري...
ربما بعد سنة أو خمسة أو اكثر...
لكن يظل عندي الأمل, أنهم سيأتون يوما ما.... في زمن ما
صباح الخير...
بدأ شهر رمضان, وهو شهر الصيام والرحمة والمغفرة...
ونحن بعيدون عن الوطن...
هذا أول رمضان لنا خارج العراق منذ 15 سنة...
ويحزن قلبي أن ملايين العراقيين قد غادروا العراق بعد الحرب, ولاذوا بالمنافي من دول عربية وغير عربية...
أرجو أن نتفق جميعا على دعاء واحد وهو ان يحل السلام والأمان في العراق ونعود لبيوتنا قبل رمضان القادم...
آمين..
وأدعو لكل الشعوب المهجرة من اوطانها وأولهم الشعب الفلسطيني أن يعودوا لديارهم ويحل السلام والعدل في اوطانهم...
آمين...
********************************
قضيت أيام الأسبوع الماضي بقراءة كتب عن السلطة والمعارضة في تاريخ الإسلام.
ثم تصفحت عبر مواقع مختلفة على الإنترنت الحديث عن الدستور العراقي الجديد, وعن الدساتير العراقية السابقة..
وتمتعت بقراءتها كلها, رغم ان الصداع اصابني من كثرة التحديق بالشاشة , لكنه لم يمنعني من مواصلة التعرف على هذا الموضوع المهم..
حيث الجدل مستمر , والنقاشات ساخنة , حول الدستور العراقي الجديد...
***********************************
إكتشفت ان الدساتير العراقية كثيرة , وأولها الذي كتب في العهد العثماني عام 1876الذي طبق لفترة قصيرة ثم تم تجميده, وفي عام 1908 تم العمل به...
قرأت بنوده فوجدتها معقولة, تتكلم عن حرية الفرد وكرامته مصونه , وله الحق بالتعبير عن رأيه , والإنتماء الى جمعيات او احزاب, وحرية الصحافة والتعبير, وعدم جواز تعذيب الناس اثناء التحقيق , وغيرها من بنود كلها ضمن حقوق الإنسان التي نتكلم عنها , يعني كانوا مدركين لها, يعترفون باهميتها, وثبتوها في نصوص الدستور...
لكن السؤال : كم تم تطبيقه منها؟
ألم يعاني العراقيون من قلة الحريات والتعبير , ومن التعذيب والسجون والإعدامات للوطنيين ضد الدولة العثمانية؟
ألم يعاني الناس من الظلم وسوء توزيع الثروات والمناصب رغم وجود فقرات تقول ان المواطنين سواسية في كل مجالات الحياة؟
أين الخلل إذن ؟
********************************************
فكرت كثيرا بعد قراءتي لكتب عن تاريخ الإسلام وفلسفة الحكم..
ووجدت ان الدولة العثمانية لم تكن تعبيرا عن الدولة الإسلامية وفلسفتها في الحكم..
رغم ان الدستور يقول ان دين الدولة الرسمي هو الإسلام ..
الدولة الإسلامية الحقيقية لها تجربة قصيرة ومحدودة في التاريخ , فهي بدأت بعهد الرسول عليه الصلاة والسلام, ثم تبعه الخلفاء الأربعة, رغم كل المشاكل التي حدثت , كانوا يحاولون السير على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام في بساطة التعامل مع الناس , والإستماع لمشاكلهم, وعدم التكبر أ وطلب عبادة الناس لهم, وعدم احاطتهم انفسهم بالفخامة ومظاهر الزهو والغنى, ووضع موظفين في المدن البعيدة لإدارة شؤون الدولة ومساءلتهم من حين الى آخر , ولو ظهرت عليهم علامات الغنى المفاجيء يؤتى بهم ويسألون : من أين لك هذا؟
كان الحكام يطبقون قول الرسول عليه الصلاة والسلام : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...
وكان الخلفاء مرعوبين من فكرة الأمانة على أموال المسلمين وارواحهم وكيف يعملون بها, وماذا سيقولون لله يوم القيامة لو كان ثمة شكوى من مسلم ضدهم أو إتهام بتقصير...
في حين كانت أخلاق الملوك الفرس في ايران قبل الإسلام, والروم في اوروبا, هي تمجيد الملك , واحاطته بطقوس تعظيم كأنه إله.... وهو محاط بالعبيد والجواري والذهب والفضة والوزراء المتملقين.....
هذه اقتبسها منهم خلفاء الدولة الأموية, والعباسية, و سلاطين الدولة العثمانية...وهي ليست فلسفة حكم اسلامية , رغم انهم إدعو انها الخلافة الإسلامية .
****************************
أكملت بعدها قراءة الدستور العراقي خلال الإستعمار البريطاني والحكم الملكي الذي صدر عام 1925
نظرت الى نصوصه, كانت أيضا محترمه وتتكلم عن حقوق المواطنين وكرامتهم وحريتهم , والسلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية, وصلاحيات الملك ومجلس الأمة يعني البرلمان, وأعضاءه يأتون بالإنتخاب , وغيره من تفاصيل, كلها جميلة وتعطيك الإنطباع ان كل شيء سيكون على ما يرام , وليس ثمة مشكلة سيواجهها الشعب...
و لكن عندما تقرأ تاريخ الناس آنذاك وكم من الظلم كان عليهم, وسوء توزيع الثروات, واغلاق الصحف والغاء الأحزاب من حين لاخر, وكأن الموضوع يجري حسب مزاج الفئة القابضة على السلطة....
تستنتج أن المشرفين على الدستور لم يحققوا على الأرض ما كتب فيه.....
وأدهشتني معلومتين قرأتهما عن دستور 1925 أو ما حدث من قضايا تتعلق به:
اولها ان مجلس البرلمان أنهى العمل به بعد تدخلات وزارة المستعمرات البريطانية وتغييرها لنصوص كثيرة حتى تلائم مصالحها ...
ولم ينشروه لمدة 8 شهور, حتى تم سرا توقيع اتفاقية استثمار النفط العراقي من قبل بريطانيا أو غيرها من شركات غربية,
لماذا ؟
حتى لا ينشر أولا في الجريدة الرسمية للحكومة وتصبح أي اتفاقية ملزمة أن يناقشها البرلمان و يقرر القبول أوالرفض....
اذن تم توقيع الإتفاقية ثم نشر الدستور بعد ستة أيام, باعتبار أن تلك لا علاقة لها بهذا, يعني تمت قبل الإعتراف رسميا بالدستور, فهي واقع لا يجوز مناقشته...
والملاحظة الثانية وجدتها في كتاب مذكرات المس بيل عام 1924 وهي تقول :
لابد أن أخبرك بأن جلالة الملك قد توصل الى معرفة السر الخاص بإدارة المجالس النيابية , إنها في غاية البساطة, فما عليك سوى ان تستدعي الأشخاص البارزين من بين النواب لتخبرهم بان أمرا أو إجراء معينين سيتم طرحهما في يوم غد او بعده, وبأنك ترغب في قيامهم قبل الموعد المحدد للطرح برفع عريضة ( استدعاء ) يعربون من خلالها عن رغبتهم في اقرار الأمر السالف ذكره, بعد ذلك يعلن رئيس المجلس أثناء دعوة الأعضاء للتصويت على الأمر أن موافقة الأغلبية قد حصلت من خلال عرائض تم رفعها اليه بهذا الصدد , وهكذا يتم إقرار الأمر
والان أنظر بدهشة وحزن حين أفرأ كل هذا...وأتساءل عن معناه ؟
هل هذه هي الديمقراطية الغربية التي يتباهون دائما انها أفضل النظم للحكم , والتي تستحق أن تسود النظام العالمي الجديد.....
حسنا , حين أقرأ التجاوزات التي عملتها بريطانيا عندما كانت في العراق, رغم وجود كل أسس نظام الحكم الغربي من مجلس تأسيسي منتخب, ودستور, وسلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية , كل واحدة لها صلاحيات محددة بالدستور....
مع ذلك كان ثمة احتيال وتزوير لإرادة الشعوب , وهؤلاء المنتخبون سرعان ما ينسون القسم الذي يقولونه في كونهم سيبقون مخلصين لتأدية الأمانة والواجب وغيرها من الكلمات الكبيرة النبيلة, لكن واقع الحال, انهم ينسون او يخونون الأمانة, في معظم الأحوال, ويتردى حال البلاد نحو الأسوأ , رغم أن بنود الدستور واضحة وفيها عدالة, لكن الظلم سرعان ما يطغي في البلاد....
ويصبح الدستور مجرد كلمات على ورق.......
أين الخطأ في الموضوع ؟
**********************************
عندما سقط الحكم الملكي في العراق, وجاء الحكم الجمهوري 1958
وصدر دستور جديد مؤقت للبلاد, كان أقصر بكثير من السابق, لكنه حدد هوية العراق بوضوح, انه جزء من الوطن العربي, وان الديانة الرسمية هي الإسلام, دون المس بحقوق الديانات الأخرى, وان الوطن يتشارك فيه عرب وأكراد كقوميات رئيسية وان حقوق الجميع يضمنها الدستور, وحدد الحريات بالحرية الشخصية والأديان والملكية الخاصة والفكر والمعتقد, ولم يتكلم عن حريات صحافة أو احزاب أو نقابات...
وقال ان المواطنين متساوون في الدستور لا فرق بينهم بسبب ديانه أو مذهببة او عرقيه
كان انقلابا عسكريا, طبعا الجهة القابضة على السلطة كانت من الجيش والعسكر, هؤلاء لا يعرفون سوى اصدار الأوامر, أو طاعة الأوامر, فكيف نتوقع منهم فهم الحياة المدنية واساليب الحكم والبرلمان والدستور والقانون وكل هذه التفاصيل ؟
المهم, كانت فترة الحكم تلك مليئة بالصدامات والصراعات بين شيوعيين وقوميين وعساكر, وبين الحكومة والأكراد المطالبين بالحكم الذاتي...
وانتهت الصراعات بطريقة مأساوية, فقد اكلت تلك الثورة ابناءها حقا, وقتل أو اعدم معظمهم إن لم يكن كلهم...ثمة دوامة او طاحونة من القتل اشتغلت لسنوات , ضاع فيها صوت العقل , وتكلم العنف والحقد والعناد وضيق الأفق واتهام الآخر....وهكذا..
يعني الدستور البائس لم يغير شيئا من الواقع الممزق والذي تتحكم فيه المصالح الأنانية الضيقة.....
تقديري أن السبب في الفشل هو أن عقلية الذين جاؤوا للحكم , لم تكن تختلف كثيرا عن عقلية الذين ذهبوا, من حيث الأنانية وحب الذات والمصالح الخاصة....
سقطت الحكومة وجاء انقلاب جديد, بوجوه قديمة وجديدة, وتمت صياغة
دستور جديد مؤقت...
دستور 1963 المؤقت كان يتكلم فقط عن صلاحيات المجلس الوطني لقيادة الثورة ولم يتحدث عن هوية البلاد او حقوق المواطنين....وطبعا كانت السلطة بيد الجيش..
في عام 1964 تمت صياغة دستور مؤقت جديد, وهو واسع لكل التفاصيل من هوية البلاد وحقوق المواطنين وصلاحيات السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية.....
هوية البلاد حددت بوضوح شديد على ان العراق مسلم وعربي وهو جزء من الأمة العربية وسوف يعمل على تحقيق الوحدة العربية مع باقي الأقطار, واللغة العربية هي اللغة الرسمية, والشعب العراقي هو جزء من الأمة العربية...وكانت مصطلحات جديدة دخلت الدستور مثل نظام الحكم يستند على الديمقراطية والإشتراكية , والدولة تتعهد بتنمية الإقتصاد وتحقيق العدالة الإجتماعية...
وان الدولة مسؤولة عن الإقتصاد القومي ووضع خطة لتطويره, وأن رأس المال في خدمة الإقتصاد القومي... وان ثروات البلاد واستثمارها يتم ضمن سلطة الدولة
وحدد ملكية الأراضي الزراعية بما لا يمكن من قيام الإقطاع وما فيه من ظلم واستغلال
ثم حدد حقوق المواطنين من حرية شخصية وحرية الدين وحرية التعبير عن الرأي و حرية الانتماء أو تنظيم نقابات وجمعيات...
وحق المواطن في العمل والتنقل والسكن حيثما شاء, والدولة تكفل التعليم المجاني وتكفل الرعاية الصحية للمواطنين والضمان الإجتماعي والتامين الصحي , وتحدد ساعات العمل والأجور بما لا يكون فيه ظلم للناس...
والمواطنون متساوون أمام القانون, ولهم حق الإنتخاب ..
ويوجد بند خاص للمواطنين الأكراد يقر بحقوقهم القومية في وحدة وطنية متآخية
ثم تاتي بنود تتكلم عن صلاحيات السلطات الثلاث, ثم الجيش وكونه تحت سلطة الدولة فقط.
في ظني ان هذا كان أفضل دستور أو افضل بداية لدستور عراقي حقيقي, كان واضحا في تحديد مهمات الدولة وشرح واجباتها لرعاية مواطنيها وتأمين حياة كريمة لهم...
لكن الصراعات السياسية وحب تسلم السلطة من أطراف أخرى , لم يعط الوقت الكافي حتى يحصد العراقيون ثماره الإيجابية...
حدث انقلاب 1968 وجاء البعثيون الى السلطة, الذين كانوا عنصرا رئيسيا في النزاعات السابقة , مع الحكومات السابقة.....
ظهر دستور مؤقت جديد 1968
كانت مقدمته كما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم
ايمانا بحق الشعب في الحياة الحرة الكريمة , وثقته بقدرته على مواجهة الصعاب وارادته التي لا تقهر, وبعد الإتكال على الله وعلى المخلصين من ابناء الشعب والقوات المسلحة قامت فئة بارة من ابناء الشعب مؤمنة بربها وباهداف الأمة
[........ ]
استلمنا مقاليد الأمور بغية تأمين سيادة القانون وايجاد تكافؤ الفرص للمواطنين والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية والقضاء على اسباب التمزق الداخلي وتحرير المواطن من
الخوف والجهل والنعرات الطائفية والعنصرية والقبلية وكافة مظاهر الإستعباد واقامة مجتمع تسوده الأخوة والمحبة والتآلف والشعور بالمسؤولية
[......]
عن طريق توفير الحياة الديمقراطية للمواطنين من خلال تنظيمات شعبية وصولا الى مجلس وطني يمثل كافة قطاعات الشعب....
وفقراته اللاحقة معظمها مقتبس من الدستور السابق....
ثم جاء تعديل للدستور عام 1970 لإعطاء الأكراد حكما ذاتيا ...و التمتع بحقوقهم القومية ولغتهم الكردية في مناطق الحكم الذاتي... مع بقاء العلاقة مع الحكومة المركزية في بغداد....
ثم جاء آخر مشروع لدستور عراقي 1990 كان من المفروض أن يطرح للإستفتاء العام, لكن الحرب على الكويت وما لحقها من مصائب عطلت المشروع....
والآن أقرأ الدساتير زمن صدام , واتساءل :
ماذا رأينا من كل تلك البنود الجميلة ؟
كل شيء حدث على أرض الواقع هو عكس ما جاء في مقدمة صياغة دستور 1968
بمرور الزمن رأينا ان :لا سيادة للقانون, لا حرية للمواطنين ولا حقوق, لا تكافؤ في فرص الحياة, لا مشاركة للشعب في أي قرار.....
لا سلطات قضائية مستقلة ولا سلطات تشريعية , وحتى التنفيذية , استولى عليها كلها رجل واحد....وصارت الصلاحيات كلها بين يديه.....
وصار الجيش والأمن والمخابرات يستعملهم كسلطة بيده وقاهرة للشعب, وانمسخ وتشوه كل شيء , الإعلام والصحافة والأدب والجمعيات والنقابات , كلها صارت مخلوقات مشوهه.........
والحريات تقلصت وتقلصت , وكذلك الكرامة والحقوق والعدالة ...
في سنة 1968كانت البداية حقا جيدة وشعرنا ان العراق يعيش عصرا جديدا من البناء والنمو, وكان وقتها صدام حسين الرجل الثاني في السلطة, وكان الرجل الأول أحمد حسن البكر, لا أظن انه ترك ذكرى رديئة في قلوب العراقيين, لم يملأ الشوارع بصوره, ولم تمتليء الصحف والمجلات والتلفزيونات بصوره أو قصائد واغاني تتكلم عنه, كان الرجل متواضعا, وكان حزب البعث يمد سلطانه في كل مكان ويدفع الناس للإنتماء اليه, ورغم كل المحاولات من اخوتي او زملائي في الكلية, رفضت الإنتماء, وأظن أكثر من 90 بالمئة من الطلاب والطالبات في الجامعات انتموا للحزب باعتباره السلطة الحاكمة فنستفيد...طبعا هي عقلية انتهازية, لكنها موجودة في كل زمان ومكان.....
وكذلك فعل الناس من موظفين دولة أو غيرهم.......
فحدثت عملية الإستفراد بالسلطة تدريجيا, والتصادم مع الأحزاب الأخرى , وتصفيتها, رغم أن خطاب افتتاحية الدستور قد ذكر الوحدة الوطنية والتي تعني الإعتراف بوجود احزاب اخرى...
وبعد كل ما حدث , فحسب تقديري إن حزب البعث ليس سيئا ولا عنصريا ولا عدوانيا...
فيه مؤسسون اسماؤهم نظيفة ووطنيتهم لا غبار عليها , لكن للأسف قائد متسلط مثل صدام حسين , دمر الحزب وأساء له كثيرا, وقام بعزل أو تصفية رفاقه الذين كانوا يعترضون عليه وعلى سياساته العدوانية ....
وأتألم حين أرى في الدستور الجديد فقرة تحظر وجود هذا الحزب أو الإنتماء اليه باعتباره حزب صدامي, القصة غير منطقية, والحزب تلطخت سمعته من تصرفات صدام حسين , لكنه حزب وطني وقومي , وكان فيه الكثير من الشرفاء أصحاب المباديء , لكن كالعادة الذي يطفو على الواجهة هم الناس السيئون.....
**************************************
حين جلست القيادات العراقية الجديدة لتشرف على مسودة الدستور الآن 2005
أتخيل انهم أرادوا صياغة بنود تضمن عدم تكرار أخطاء الماضي...
لكنهم وقعوا في تفاصيل مضحكة أثارت غضب الناس , وأثارت روح الأنا والتعصب والعنصرية...
في كل الدساتير العراقية السابقة تأتي ذكر الأديان الأخرى دون التفصيل, والأعراق الأخرى غير العربية والكردية دون تفصيل, المهم انهم متساوون في الحقوق, ولا فرق بينهم...
واليوم جاءت باقي الطوائف تشتكي أامام وسائل الإعلام ويشتكوا ان اسمها غير مكتوب لأن الدستور ذكر بعضها ونسي بعضها : صابئة ويزيدية واشورية وكلدانية وتركمانية وآثورية...وجاءت طائفة من الأكراد قالوا نحن اكراد شيعة اسمهم الفيلية, يريدون حقوقهم...
ومن السابقين ثمة طائفة تعبد الشيطان, وهم أيضا يريدون حقوقهم...
ما أدري ما هي الحقوق التي تريدها هذه الطوائف؟
ألم يعيشوا معنا ويتمتعوا بحقوق دياناتهم وطقوسهم دون أن يعترضهم أحد؟
هل الإنتماء للوطن الكبير عيب ومنقصة؟
أم الإنتماء الضيق مفخرة وبطولة؟
يعني لو ثمة مغني أو أديب او شاعر عراقي, وبعدين نكتشف انه صابئي أو آشوري أو كردي أو تركماني, هل سينقص منه شيئ هذا؟
بالعكس, سنحس أنه قريب من الجميع, وينتمي الى الجميع, ويتكلم بإسم ومشاعر وهموم الجميع...في النهاية هو الرابح..سيصبح رمزا وطنيا للجميع
أليس موقعه أفضل من آخر يكتب بلغته المحلية بجريدته المحلية التي تقرأها طائفته فقط؟
حتى مداركه وعلمه سيتوسعان لو تكلم مع الناس في العراق ككل....
ومداركه ستضيق لو حصر تفكيره في طائفته باعتبارها النافذة الوحيدة التي يفتخر بها ويطل على العالم من خلالها.....
*******************************
ثم هنالك مواقع على الإنترنت تتكلم عن الحزب الشيوعي العراقي في السويد, ورأيه ضد وضع كلمة إسلام أو شريعة في الدستور....
طيب, الدستور لا يجبر الناس ليكونوا مسلمين, لكن الغالبية هي مسلمة, فما الشيء المثير للغضب؟
توجد فقرات تتكلم عن حرية الدين والفكر والمعتقد...هذه لغير المسلمين, هل فيها ظلم؟
لا أدري...لكن صياغة الدستور الجديد يتدخل فيها الكل, ليشطب ويضيف, ظانين انهم سيحققون الديمقراطية والعدالة هكذا......
في الدستور الجديد تهرب من تحديد هوية العراق...
وكأن كونه عربيا مسلما صارت تهمه....
في الدستور وضع اللغة العربية والكردية كلغتين رسميتين لإرضاء الأكراد, وهي مبالغة لأغراض سياسية فقط..
كم نسبة الناطقين بالكردية؟
في أكثر الأحوال 20 بالمئة , طيب كيف يحق لهم مناصفة ال80 بالمئة بهذا الموضوع؟
هل هذه عدالة؟
ثم ان اللغة الكردية لغة محلية محدودة وليست عالمية واسعة الإنتشار, فكيف تعتمد لغة مخاطبة رسمية للدولة؟
وكم سنحتاج الى مترجمين في الإجتماعات والمؤتمرات ؟
في الدستور فقرة عن عدم امكانية تواجد قوات اجنبية أو قواعد عسكرية أجنبية, ويجوز هذا في حال موافقة الجمعية الوطنية العراقية....
والله ابتسمت وتذكرت قصص المس بيل مع البرلمان العراقي البائس آنذاك, وكيف تم الموافقة على المعاهدة العراقية البريطانية رغم رفض الشعب لها....
ثم بنود كثيرة في الدستور عن الفدرالية ومجالس الأقاليم وصلاحياتها...
هذه أخذت الحيز الأكبر من الدستور الجديد , كأنه موضوع محسوم سلفا , قبول العراقيين بالفدرالية والإنقسامات العرقية والطائفية السخيفة.....
السؤال هو : ما هي الديمقراطية؟؟
هل نضع باجات على صدورنا , وننقسم الى مجموعات متناحرة , كل واحدة تطالب بمصلحتها؟؟
هذه طريقة فيها سذاجة وغباء وتفريق وتفتيت للبلاد ...
هذه ليست ديمقراطية, هذه عقلية قبائل تعيش في العصور الوسطى....
******************************************
أظن أن الديمقراطية هي العلاقة بين الحاكم والشعب.....والتي من خلالها تتحقق العدالة ويسود السلام في المجتمع..........
هذه هي النقطة المهمة والتي تستحق البحث العميق والنقاش الآن من أجل تحقيقها على أرض الواقع في العراق الجديد....
ثمة فقرة أعجبتني في الدستور الجديد, لابد من صياغة فقرات كثيرة على شاكلتها, لنتجاوز المصائب التي حدثت لنا, فلا تعود تتكرر ثانية...
الفقرة تقول : لا يجوز ان يتحول الجيش الى اداة قمع للشعب
ممتاز !
كان ينبغي كتابة نصوص كثيرة مثل هذه , لتحجيم صلاحيات السلطة الحاكمة, ولئلا تكون نهايتها مثل سابقتها ,
مثلا :
لا يجوز ان تتكون قوى امنية ومخابرات لملاحقة العراقيين وتنغيص حياتهم الخاصة
ولا يجوز وضع الناس في المعتقلات وتعذيبهم بأي شكل من الأشكال..
ولا يجوز ظهور طبقة اغنياء متنفذين يقبضون على ثروات البلاد من الطبقة الحاكمة او اقاربهم واصدقائهم...
لا يجوز الإستحواذ على المناصب الحكومية لأبناء الطبقة الحاكمة وأقاربهم واصدقائهم...
لا يجوز تكوين أحزاب ومليشيات لأبناء وأقارب الطبقة الحاكمة...
لا يجوز اعطاء اي صلاحيات للرئيس أو رئيس الوزراء ليستفرد بالقرار...
والجمعية الوطنية , ينبغي مراقبتها ومحاسبتها على الدوام من قبل لجان شعبية , حتى تظل معبرة حقا عن ارادة الشعب, ولا تتحول الى نخبة انتهازية تفكر بمصالحها فقط......
لا يجوز تبجيل أي شخصية في الحكومة..........
ولا يجوز وضع صور الرئيس أو رئيس الوزراء او غيرهم من الحكومة , في الشوارع او المدارس أو الدوائر الحكومية لإرهاب الناس مثل الأخ الأكبر يراقبكم في رواية 1984
ولا يجوز التصفيق للرئيس او غيره من أفراد الحكومة حين يلقي خطابا..
ولا يجوز كتابة قصائد او بث اغاني مديح وتملق للرئيس او الحكومة...
ولا يجوز الهتاف بالشوارع بكلمات تافهة متملقة مثل : بالروح بالدم نفديك يا فلان..
هذه ممارسات قبيحة تصنع الدكتاتور...
لا تقولوا ان صدام حسين وحده المذنب....
كل اولئك الإغبياء الذين مارسوا تلك التصرفات ساعدوه ليكون دكتاتورا مغرورا دمر نفسه وشعبه ووطنه, وجاء بإحتلال بغيض قبيح يريد مص دماء العراقيين وثروات أرضهم, ويلعب دور الأم الحنون.....
عندما جاءت بريطانيا لتلعب دور الام الحنون في العراق بعد الحرب العالمية الأولى, كان الجهل والأمية والفقر يخيم على العراق.....
ومع ذلك, قاوم العراقيون سياسة الإستعمار...
والآن : كم في العراق من حملة الدكتوراه والماجستير والبكلوريوس ؟
وكم من مدارس ومعاهد وجامعات ؟
وكم تعلم الناس الدروس من قصص ابائهم واجدادهم عن غدر المستعمرين والمحتلين وانهم لا يمكن ان يكونوا أمهات حنونات....
فهل ثمة فرصة الآن لخداع العراقيين وفرض دستور معوق عليهم ؟
االعراقيون صبورون...لكنهم حين يقرروا أن يعلنوا غضبهم...الويل للمسكين الذي يقف أمامهم.....
****************************
العراق وشعبه بحاجة الى قادة جدد....
ليس فقط أسماء ووجوه جديدة...
لكن عقليات جديدة , تملك فلسفة للحكم مبنية على احترام حرية و حقوق الناس , والتصرف بطريقة متواضعة وشفافة ونزيهة مع شؤون الدولة تجعلهم قدوة صالحة , والعمل على توفير حياة كريمة للناس, وتنوير عقولهم بحب الآخر واستيعابه, وحق الآخر في الحياة , دون عنف وتكفير وحقد, دون وضع فوارق مبرمجة عرقية وطائفية تفرق ولا تجمع....تزرع الحساسية والبغضاء في النفوس بدل المحبة والتآلف....
العراقيون محتاجون لمن يجمع شملهم ويقربهم ويحببهم الى بعض...
ليعيشوا بسلام....
أعلم أنه أمر صعب وتحد كبير....لكنه يشكل بذرة أمل لحياة جديدة , فقد تعب الناس كثيرا في العراق , ولا بد من تغيير الكثير من طرق الحكم المتخلفة المستبدة , والتي تتكلم كثيرا وتجعجع وتكذب , ولا تعمل أي شيء ايجابي على أرض الواقع......
وإلا , فإن مصير القادة الجدد لن يكون أفضل من مصير الحكومات العراقية السابقة
فكل واحد تحصد يداه ما زرع....
هل ثمة من سيقول آنذاك : هؤلاء العراقيون أصحاب مشاكل ولا يعجبهم أحد وتاريخهم كله ثورات ؟
والله قرأت تاريخهم ورأيت الظلم عليهم في كل الأزمان , في عهد الأمويين, والعباسيين, والعثمانيين, والإنكليز, ثم الحكومات العراقية الوطنية المستبدة التي لم تمتلك رؤيا ناضجة لطريقة الحكم, واستعانت بالجيش لتفرض نفسها وتقهر الشعب في معظم الأحيان......
وهذا سبب الثورات الكثيرة وعدم الإستقرار السياسي في العراق ...
عسى أن تكون ثمة قيادات جديدة قد تعلمت الدروس والعبر من تجارب الماضي...
وتمضي بالعراق وشعبه نحو مستقبل مشرق حقيقي...فيه عدالة وأمان وسلام...
ويلح في خاطري السؤال الحزين : متى سيأتي هؤلاء القادة؟
لست ادري...
ربما بعد سنة أو خمسة أو اكثر...
لكن يظل عندي الأمل, أنهم سيأتون يوما ما.... في زمن ما