Wednesday, September 07, 2005
الأربعاء 7 أيلول 2005
صباح الخير...
ماذا يحدث في البلدان العربية وغير العربية التي حول العراق هذه الأيام؟
يوم أمس ثمة أخبار عن قتال في مدينة الدمام السعودية استمر لمدة 3 أيام , بين قوات الأمن الحكومية وبين
(مسلحين مطلوبين)
هكذا يتم التعبير عنهم.
وانتهت المعارك أمس بمقتل 5 مسلحين, وحوالي عشرة قتلى وجرحى من قوات الأمن الحكومية.
السؤال : من هم هؤلاء الذين تم قتلهم؟
ولماذا هذه القصص يكتنفها الغموض؟
هل هم معارضة وطنية ضد الحكومة؟
لماذالا يسمح لنا بمعرفة موضوع الخلاف بينهم وبين الحكومة؟
هل ثمة مجلس نيابي سعودي يناقش هذه الأمور ويفهم الناس خارج السعودية وداخلها حقيقة ما يحدث؟
لماذا تطنطن وسائل الإعلام الغربية, والأمريكية خاصة ,على مواضيع سخيفة تافهة وتبالغ بها تحت حجة حقوق الإنسان ,مثل حق قيادة السيارات للمرأة السعودية ,وتفتحه كملف علني للحوار والنقاش داخل السعودية وخارجها, وتهمل, وتغطي بتواطؤ واضح قصة القتال المتكرر بين الحكومة وجماعات معارضة يقتلون بعد مواجهات مسلحة تستمر لعدة أيام ,وتهدم بيوت الحي حولهم, وجثثهم متفحمة, وليس ثمة معلومة مفيدة تقول ماذا حدث بالضبط؟
من يتحكم بنا ويوجهنا في البلدان العربية؟
هل حكوماتنا المحلية تستمد شرعية بقائها ووجودها من شعوبها؟
أم تستمد شرعية بقائها ووجودها من اميركا ومساندتها لها؟
الناس في الغرب يظننوننا شعوبا غبية جاهلة تكره الديمقراطية والحرية...
والذي يعيش هنا, يرى العكس تماما....
نحن شعوب نحارب الجهل والظلام الذي تريد حكوماتنا ان تغرقنا فيه منذ سنين طويلة, ونكافح من اجل الحرية والديمقراطية. ديننا يحث على الحرية , وحب المشاركة مع الآخرين في صناعة القرار, يحث على روح الوحدة والجماعة, ويحث على حب الحق والموت في سبيله...
هل نحن شعوب متخلفة, نلتزم دينا متخلفا , نعبد إلها غريبا , وتعاليمنا مغلقة غبية حاقدة؟
هكذا يصورنا الغربيون...
ونحن عكس ذلك...
نحن عكس ذلك تماما....
******************************
في مصر تجري انتخابات اليوم لإختيار رئيس جديد...
الرئيس الحالي موجود في السلطة منذ عشرين سنه واكثر..
البلاد تعاني من ازمات اقتصادية يصعب حلها, الفقراء يزدادون فقرا, وثمة أغنياء يزدادون غنى كالعادة.. وفساد إدري كالعادة, وملفات ساخنة مثيرة للجدل مثل العلاقة مع إسرائيل وكيف ينبغي أن تكون....حرية الأحزاب السياسية والنشاطات النقابية وغيرها من مؤسسات مجتمع مدني...
هذه أول مرة يسمح بإجراء انتخابات تعددية للرئاسة, الحكومة تسيطر على وسائل الإعلام كالعادة, وعملت كل المحاولات للتضييق على المرشحين الجدد, قبلت بعضهم ورفضت آخرين تحت حجج كثيرة, وثمة صراع حدث مع القضاء المصري للحصول على حق مراقبة الإنتخابات من قبل منظمات المجتمع المدني.
والله ازداد احترامي للمصريين في هذه الظروف الصعبة وهم يحاولون المستحيل لتحسين حياتهم السياسية وتحقيق الحرية والديمقراطية.
والكل يقول ان فرصة حصول الرئيس مبارك على أعلى نسبة أصوات هي المرجحة,
والمعارضة تشكك منذ البداية بنزاهة نتائج الإنتخابات....
رغم ان الناس متعبون لكنهم شاركوا بكل مراحل العملية الإنتخابية ليؤكدوا رغبتهم الجدية في التغيير....وانهم لم يفقدوا الامل بعد, سيظلوا يحاولون مرة أخرى وأخرى حتى تتحقق أمانيهم..
يبدو أن قانون بقاء الحكومات في بلداننا في هذه الأيام هو كما يلي : نستمد قوتنا وبقائنا من قوى خارجية تريدنا أن نبقى, وليس من دعم أو رغبة شعوبنا...
وهذه الإنتخابات هي لعبة الديمقراطية ليس اكثر...لا تطمحوا ان تكون ثمة ديمقراطية حقيقية على الأرض...
أظن هذا حالنا منذ عشرات السنين, لكن بشكل خفي...والآن, ما عاد ثمة من يستحي...
أميركا تتكلم بسياسة الأمر الواقع, يعني رغما عن أنوف الشعوب نفعل ما نشاء...
أليست هذه عقلية الكاوبوي الذي لا يعترف بالقانون , ويظن نفسه فوق القانون؟
والقصة ذاتها تتكرر في دول مثل اميركا اللاتينية, وأفريقيا, و شرق آسيا, في دول تهيمن عليها اليد الخفية أو الواضحة للإمبريالية الأمريكية, حيث يتم تهميش إرادة الشعوب, وسرقة ثرواتها, وتنصيب فئة موالية لتلك الإمبريالية...القصة واضحة ومكررة وصارت مملة...
هم يظنون انهم سيفوزون دائما بتطبيق سياسة الأمر الواقع على هذه الشعوب المسكينة..
لكن, كما يقولون, الأيام بيننا وسنرى....
من الذي سيبقى على الأرض, ومن الذي سيطيربعيدا......
************************************
في لبنان وسوريا وايران, ثمة احداث متسارعة ومثيرة للتساؤل
ثمة أيد غريبة تعبث هناك أيضا لتغيير ما يمكن تغييره سياسيا على أرض الواقع....
*********************************
أما في العراق فالقصة اكثر تعقيدا , لكنها واضحة...
المراد هناك هو تفتيت كل القوى الوطنية والحزبية العراقية, وارجاعه الى عصر الطوائف والملل والأعراق والقبائل , ومحاولة إغراقهم في قتالات ومناحرات جانبية , والمبالغة بها, حتى ينسون عدوهم الحقيقي الذي هو الإحتلال..
كأن البرنامج في العراق يقول : تقاتلوا بينكم, ونحن نساعدكم على صياغة دستور يحقق التفرقة على أرض الواقع, لتظلوا مشغولين بمجادلات وتناحرات لا تنتهي...
اما الإحتلال فيبني قواعد عسكرية ليبقى الى أجل غير مسمى, وستأتي شركات الإستثمار الأمريكية لتبدأ العمل الحقيقي في امتصاص ثروات العراق النفطية وغيرها..
ولتحيا الرأسمالية ومصالحها, وليسقط حق العراقيين في الحرية والإستقلال..
واقع الحال يقول :دعهم يتقاتلون ويتناحرون, دائما نفتح لهم مشاكل جديدة ونزرع بينهم من يوالي الغرب ليقسم صفوفهم, ويحطم وحدتهم ,ويظل التوتر مستمرا
ويعطي المبرر لبقاء قوات الإحتلال...
هذه هي السياسات الجديدة من الغرب تجاه بلداننا, سياسة التفتيت والتحطيم من الداخل, وببطء وخبث مستمرين......
***************************
ثمة منظرين كثيرين في الإدارة الأمريكية وضعوا فكرة إعادة رسم خارطة العراق الجغرافية والديموغرافية لجعله نموذج الديمقراطية في المنطقه !
أي نموذج هذا ؟
بالنسبة لهم يتخيلون ان العراق ممكن ان يتحول من بلد محارب, الى بلد مسالم كما حدث لليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
ويتحول الى بلد صناعي او مركز للرأسمالية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
والله لا ادري كيف يفكر هؤلاء الناس السذج؟
يتخيلون ان البشر هم مكائن بيديهم يبرمجونها كيف يشاؤون, ويوجهونها الى حيث يريدون.
هذه الأفكار يتكلمون بها بكل ثقة وعلنا...
وهي عندنا مجرد أحلام بعيدة مضحكة...
ليس لأن العراقيين يكرهون الصناعة والتكنولوجيا والسلام...لكن لا يمكن إرغام شعب على نسيان ماضيه ومبادئه وقناعاته في الحياة بهذه السهولة, ويتقمص شخصية أخرى
مختلفة تماما...شخصية مستوردة من الغرب...
وممن سيأتي التغيير؟
من قوات إحتلال أجنبيه؟
كيف سيتقبل الناس هذه الفكرة المضحكة؟
مثل ان تتقبل النعجات فكرة ان الذئب صديقهن ويريد مصلحتهن؟
الذين يصنعون هذه النظريات في الغرب هم أناس يعميهم غرور التفوق..والحقائق على أرض الواقع هي التي ستحمل الجواب لهم يوما ما....
هؤلاء الناس يظنون ان إرادة الشعوب هي شيء سخيف منقرض...
لكنني مؤمنة , وكثير مثلي يؤمنون , ان إرادة الشعوب هي حق وحقيقة...مثل الله سبحانه...يراه المؤمنون , وينكره الملحدون...وهو جدل مستمر الى يوم الدين
**********************************
أعود لنموذج السعودية مرة اخرى....
عشت في السعودية في بداية الثمانينات, ورأيت كيف هو نمط الحياة عندهم في تلك الفترة, الناس مترفين مدللين, عندهم سيارات فخمة وآخر موديل, النساء يلبسن الذهب بالكيلوات ويستعملن اغلى العطور الفرنسية, الرجال في العادة عندهم أربع زوجات, عندهم خدم من بلدان شرق آسيا في كل البيوت تقريبا, الرواتب ممتازة, مستوى الدخل عالي, الماء والكهرباء والهاتف والخدمات ممتازة وواصلة الى كل قرية, الأماكن العامة نظيفة ومرتبة وثمة خدم في كل مكان من شركات اجنبية, في المطارات والفنادق والحدائق العامة...والعوائل يسافرون الى اوروبا مع خادماتهم, ويصرفون آلاف الدولارات سنويا على التبضع والتسلية, والرجال يذهبون لبيوت القمار والكازينوهات, ويبددون آلاف أخرى من الدولارات...
في ذلك الوقت, كنت انا قادمة من العراق الذي يعيش حربا مع إيران, ورطته بها الحكومة الأمريكية كالعادة , كان غاندي يقول : اذا تقاتلت سمكتان في البحر, فابحث عن بريطانيا !
ونحن في العراق نقدر ان نقول الشيء ذاته عن اميركا, حيث لم نر شيئا من وجهها الجميل...دائما تكشف وجهها القبيح وانيابها لنا...
وكنت عملت قبل ذلك متطوعة في مخيمات فلسطينية أثناء الحرب الأهلية في لبنان...
ثم جئت للسعودية, كانت بيئة غريبة مختلفة, لا وعي وطني, لا احزاب ولا تنظيمات مدنية, لا نقابات, لا شيء أبدا...الناس يأكلون ويشربون ويتزوجون ويتسلون في الحياة ما امكنهم...
ثم ذهبت مع قريبتي مرات عديدة الى أماكن يسمونها :القاعدة
لم اكن أفهم ما هي, كنا نزور نساء سعوديات طيبات محترمات, نتحدث عن عوائلنا واولادنا , وهن زوجات العسكريين هناك, ثم إكتشفت انها القاعدة العسكرية الأمريكية في الجنوب, في منطقة خميس مشيط حيث كنت اعيش...
عالم آخر.....
بيوت وشوارع وحدائق ومباني سكنية وأسواق تجارية واضح ان تصميمها تم على الطريقة الغربية...
لم أفهم أبدا ما هي هذه القواعد ولماذا هي موجودة هنا...
الآن , أسترجع الذكرى واضحك من غفلتي آنذاك وسذاجتي...
وربما من غفلتنا جميعا وسذاجتنا...
تلك القواعد ربما استعملوها لقصف العراق مرات ومرات....
الآن, لو عدت للعيش في السعودية, هل سأذهب لزيارة القاعدة وصديقاتي هناك؟
هل سأنظر اليها كمواقع محايدة تسكنها عوائل عسكريين؟
هل أنا كما أنا قبل 20 عاما او اكثر؟
بل, هل انا كما انا قبل إحتلال العراق؟
هل انظر للغرب واميركا نفس النظرة الساذجة المتساءلة قبل مسلسل الحروب ضدنا: هل هم يحبوننا أم يبغضونا؟
هل حقا يأتون الى بلداننا للمساعدة والتطوير كما يدعون في وسائل اعلامهم , ام مجرد تقسيمنا وتحطيم وحدتنا الوطنية ثم سرقة ثرواتنا لتمويل بلادهم وتطويرها ؟
أما نحن فلا نحصد منهم سوى الحصاد المر.....
**************************************
عندما كنت في السعودية تلك الأيام كنت اقول لنفسي : هؤلاء الناس لا يمكن ان يتمردوا يوما على حكم القبيلة والدين الراسخين في البلاد منذ مئة عام واكثر...
يعيشون بسلام, يأكلون وينامون ولا يفكرون بغيرهم...
الحكومة تعطي مواطنيها امتيازات فريدة , للمواطن السعودي حق كفالة أي مواطن غير سعودي ( عربي أو اجنبي) وهذه وحدها تعطي المواطن السعودي طريقة حياة مريحة ودخل ممتاز بدون تعب كثير...أي مستثمر يجب أن يكون شريكه سعودي..وبالتالي , المستثمر او المقيم غير السعودي , يعيش تحت رحمة ومزاج المواطن السعودي, ربما طلع إبن ناس وحباب وعادل , وربما طلع للأسف ظالم أو انتهازي او كذاب, فيأكل حقوق الغرباء ويطردهم من البلاد , والحكومة تقف مع مواطنيها في كل الأحوال, وتطبق برامج مثل : إنهاء عمل أي موظف غير سعودي إذا وجد من السعوديين من يحمل الإختصاص ذاته ويريد تلك الوظيفة.
وقتها قلت لكل الناس : والله اتمنى لو يكون في العراق مثل هذه القوانين تحمي العراقيين وتدللهم, لكن القوانين في العراق لا تعطي العراق أي حق اكثر من غيره.....
**********************************************
بعد حرب الكويت والعراق 1990, بدأت الأمور تتبدل في السعودية, اميركا أجبرت السعودية وباقي الدول العربية على قبول فكرة التحالف والحرب على العراق...ثمة الكثير من عقلاء الأمة نادوا بضرورة الحل العربي – العربي للمشكلة, لكن اميركا ضغطت باتجاه التدخل الغربي وتدويل الأزمة...
وقامت الحرب على العراق, واستنزفت بطريقة ما الإقتصاد السعودي...
فتغير الحال...
بدأت ازمات اقتصادية, تخفيض الرواتب والإمتيازات للموظفين السعوديين وغير السعوديين, ظهر الفقراء والمحتاجون في المجتمع, ظهر الشحاذون على الإشارات الضوئية في الشوارع...
وبدأت تظهر انتقادات للحكومة داخل السعودية وخارجها, وبدأت تظهر معارضة في الداخل والخارج, على مواقف اقتصادية واجتماعية وسياسية...
السعودية مكان ممتاز للإستثمار , توجد مصانع منتجات غذائية وكهربائية وصناعات لمواد بناء وغيرها, معظم المصانع اجنبية وامتياز سعودي.
والسيارات داخل السعودية معظمها امريكية وفخمة وفارهة وذات مواصفات تصنع خصيصا لهم...فهي سوق ممتاز لبيع السلع الأمريكية...
وعند بداية الحرب الأخيرةعلى العراق 2003 , بدأت أميركا تسحب جيوشها من السعودية وتعتبرها منطقة غير آمنه ...نقلت مركز القوة العسكرية الى قطر, قاعدة العيديد, حيث من هناك ادارت الحرب على العراق...
السؤال : لماذا لم تتم السيطرة على الشعب السعودي ويتقبل فكرة وجود الأمريكان بعد مرور عشرات السنين من إقامتهم آمنين بين السعوديين؟
لماذا بدأت تظهرتحركات تشبه المقاومة داخل السعودية الآن؟
هل هم حفنة من الخارجين على القانون كما تحاول وسائل الإعلام افهامنا, ام هم بداية عصر جديد في المنطقة؟
عصر يرفض الغرب وسياساته المستهترة بإرادة الشعوب؟؟
************************************
إذن ماذا يتوقعون من العراقيين؟
العراقيون تاريخهم لا ترف فيه ولا دلال...تاريخهم مواجهات ومصادمات مع المحتلين العثمانيين, ثم المحتلين البريطانيين, ثم حكومات وطنية مختلفة , لكن الشعب كان يواصل تمرده من حين لآخر....
وحتى وإن بدوا صامتين أحيانا, لكنهم يفهمون تماما ما يحدث حولهم, وصعب جدا خداعهم...صدام حسين حاول غسيل عقولهم, و اظهروا له الطاعة, لكن عقولهم وقلوبهم احتفظت بقناعاتهم......
بعد سقوط بغداد, عاد العراقيون يفتحون عيونهم من جديد , بعد ظلام طويل...
واكتشفوا أن الذين جاؤوا الآن للحكم, ليسوا بافضل من الذين مضوا, بل هم أبشع, لأنهم ظالمين, ويجلسون تحت مظلة إحتلال اجنبي يحميهم , كان صدام حسين ظالما, لكنه على الأقل كان عنده خوف من الجهر بعلاقته مع الغرب ,و كان عنده الحد الأدنى من الوطنية....كان يقول نحن لا نحب المحتل ...
ولا نسمح له بسرقة استقلالنا وثرواتنا الوطنية , سواء كان صادقا ام كاذبا, كان الشعب راضيا عن روحه الوطنية والقومية...
أما هؤلاء الذين جاؤوا مع الإحتلال, فهم مجرد موظفين بؤساء يتلقون الأوامر من أسيادهم...
ويوافقون علنا على بقاء قوات احتلال في العراق...
كيف سنجعل لهم هيبة في قلوبنا؟
كيف سنحترمهم ونعترف بهم قادة شرعيين لنا؟
واضح انهم مع قوات الإحتلال, في مأزق ...
وهم يحاولون بشتى الطرق تسويق عملية قبولهم في الشارع العراق..
عن طريق غسيل الأدمغة اليومي في وسائل الإعلام, أوتجنيد عملاء لهم في السلطة, أوفي منظمات المجتمع المدني...أوفي أي مكان...
***********************************
تطور الوعي عند الشعوب حقيقة على أرض الواقع..
وهي حقيقة يتجاهلها منظروا السياسة الأمريكية...
وعندنا مثل يقول : من مأمنه يؤتى ( الشخص ) الحذر...
يعني تأتيه الضربة القاضية من مكان لم يكن يتوقعه.....
وعي الشعوب هو الشيء الذي لا تؤمن به الرأسمالية والإمبريالية التي تحتل الشعوب ويملؤها غرور التفوق....
لكني أراهن كما يراهن كثير غيري...أن وعي الشعوب يكبر يوما بعد يوم..كما تطور وعيي انا شخصيا بعد احتلال العراق, وانفتحت عيوني لأرى الصورة على حقيقتها...بلا كذب, بلا رتوش..........
في البداية ركضت في بغداد للعمل مع المنظمات غير الحكومية لأنني صدقت انها ستعمل لخير العراقيين...
ثم اكتشفت أنها منافذ لتغلغل سياسة الإحتلال ونشرها بين الناس...المنظمات الوطنية الصادقة لا يمولها احد وتعاني من ازمات مالية ثم تغلق أبوابها....
اما المنظمات التي يمولها الإحتلال بطريقة أو أخرى, فهي تكبر وتنتشر بين الناس لتسوق أفكار الإحتلال, وتجمله في عيون العراقيين..
بعد عودتي من البحر الميت لحضور مؤتمر القيادات النسائية العراقية الذي أشرفت عليه لجنة من الكونغرس الأمريكي, في الربيع الماضي, والذي أسميته مؤتمر غسيل الأدمغة, والذي طرح فيه الأمريكان بشدة فكرة الدستور والفدرالية ونوع الحكومة ومصيرالنفط, ووجدته مؤتمرا كريها يمتليء بالسموم, فغادرته في اليوم الثاني , كان المقرر ان اظل لمدة خمسة أيام, لكني لم أحتمل السموم التي فيه....
قبل المؤتمر, كنت عادة اتغدى أو اتعشى في مطاعم امريكية أو عربية, لا يهمني , كنت أقول : كله سواء...
بعد المؤتمر, وجدت نفسي عازفة تماما عن دخول أي مطعم أمريكي للدجاج او الهمبرغر...
تعززت في رأسي فكرة : لن أشارك في تنمية الرأسمالية من جيبي, مهما كانت المصروفات متواضعة, لن اعطيها لهم...
عدت للأكل في مطاعم عربية فقط...وعلمت اولادي ان يفعلوا مثلي...
من الذي دفعني لهذا القرار؟
حماقة وغرور الأمريكان في المؤتمر, ومحاولتهم معاملتنا كأننا اغبياء , ليس لنا فكر ولا شخصية ولا هوية ولا قرار مستقل...
وهم بسياستهم الغبية هذه معنا يدفعونا بعيدا عنهم....
يدفعوننا لنختار (نحن) ...ويصبحون (هم) الغرباء
والله أراهم يدفعوننا لنكون اكثر وطنية , واكثر انتماء لهويتنا...
هل نقول لهم شكرا ؟؟
**********************************
وبعد هذا , فهم يحلمون ان يكون العراق مركزا لهم وقاعدة لنشر افكارهم بين الدول العربية....
الأ يذكرنا هذا بحلم الشيطان بأن يدخل الجنة ؟؟
هه.....
صباح الخير...
ماذا يحدث في البلدان العربية وغير العربية التي حول العراق هذه الأيام؟
يوم أمس ثمة أخبار عن قتال في مدينة الدمام السعودية استمر لمدة 3 أيام , بين قوات الأمن الحكومية وبين
(مسلحين مطلوبين)
هكذا يتم التعبير عنهم.
وانتهت المعارك أمس بمقتل 5 مسلحين, وحوالي عشرة قتلى وجرحى من قوات الأمن الحكومية.
السؤال : من هم هؤلاء الذين تم قتلهم؟
ولماذا هذه القصص يكتنفها الغموض؟
هل هم معارضة وطنية ضد الحكومة؟
لماذالا يسمح لنا بمعرفة موضوع الخلاف بينهم وبين الحكومة؟
هل ثمة مجلس نيابي سعودي يناقش هذه الأمور ويفهم الناس خارج السعودية وداخلها حقيقة ما يحدث؟
لماذا تطنطن وسائل الإعلام الغربية, والأمريكية خاصة ,على مواضيع سخيفة تافهة وتبالغ بها تحت حجة حقوق الإنسان ,مثل حق قيادة السيارات للمرأة السعودية ,وتفتحه كملف علني للحوار والنقاش داخل السعودية وخارجها, وتهمل, وتغطي بتواطؤ واضح قصة القتال المتكرر بين الحكومة وجماعات معارضة يقتلون بعد مواجهات مسلحة تستمر لعدة أيام ,وتهدم بيوت الحي حولهم, وجثثهم متفحمة, وليس ثمة معلومة مفيدة تقول ماذا حدث بالضبط؟
من يتحكم بنا ويوجهنا في البلدان العربية؟
هل حكوماتنا المحلية تستمد شرعية بقائها ووجودها من شعوبها؟
أم تستمد شرعية بقائها ووجودها من اميركا ومساندتها لها؟
الناس في الغرب يظننوننا شعوبا غبية جاهلة تكره الديمقراطية والحرية...
والذي يعيش هنا, يرى العكس تماما....
نحن شعوب نحارب الجهل والظلام الذي تريد حكوماتنا ان تغرقنا فيه منذ سنين طويلة, ونكافح من اجل الحرية والديمقراطية. ديننا يحث على الحرية , وحب المشاركة مع الآخرين في صناعة القرار, يحث على روح الوحدة والجماعة, ويحث على حب الحق والموت في سبيله...
هل نحن شعوب متخلفة, نلتزم دينا متخلفا , نعبد إلها غريبا , وتعاليمنا مغلقة غبية حاقدة؟
هكذا يصورنا الغربيون...
ونحن عكس ذلك...
نحن عكس ذلك تماما....
******************************
في مصر تجري انتخابات اليوم لإختيار رئيس جديد...
الرئيس الحالي موجود في السلطة منذ عشرين سنه واكثر..
البلاد تعاني من ازمات اقتصادية يصعب حلها, الفقراء يزدادون فقرا, وثمة أغنياء يزدادون غنى كالعادة.. وفساد إدري كالعادة, وملفات ساخنة مثيرة للجدل مثل العلاقة مع إسرائيل وكيف ينبغي أن تكون....حرية الأحزاب السياسية والنشاطات النقابية وغيرها من مؤسسات مجتمع مدني...
هذه أول مرة يسمح بإجراء انتخابات تعددية للرئاسة, الحكومة تسيطر على وسائل الإعلام كالعادة, وعملت كل المحاولات للتضييق على المرشحين الجدد, قبلت بعضهم ورفضت آخرين تحت حجج كثيرة, وثمة صراع حدث مع القضاء المصري للحصول على حق مراقبة الإنتخابات من قبل منظمات المجتمع المدني.
والله ازداد احترامي للمصريين في هذه الظروف الصعبة وهم يحاولون المستحيل لتحسين حياتهم السياسية وتحقيق الحرية والديمقراطية.
والكل يقول ان فرصة حصول الرئيس مبارك على أعلى نسبة أصوات هي المرجحة,
والمعارضة تشكك منذ البداية بنزاهة نتائج الإنتخابات....
رغم ان الناس متعبون لكنهم شاركوا بكل مراحل العملية الإنتخابية ليؤكدوا رغبتهم الجدية في التغيير....وانهم لم يفقدوا الامل بعد, سيظلوا يحاولون مرة أخرى وأخرى حتى تتحقق أمانيهم..
يبدو أن قانون بقاء الحكومات في بلداننا في هذه الأيام هو كما يلي : نستمد قوتنا وبقائنا من قوى خارجية تريدنا أن نبقى, وليس من دعم أو رغبة شعوبنا...
وهذه الإنتخابات هي لعبة الديمقراطية ليس اكثر...لا تطمحوا ان تكون ثمة ديمقراطية حقيقية على الأرض...
أظن هذا حالنا منذ عشرات السنين, لكن بشكل خفي...والآن, ما عاد ثمة من يستحي...
أميركا تتكلم بسياسة الأمر الواقع, يعني رغما عن أنوف الشعوب نفعل ما نشاء...
أليست هذه عقلية الكاوبوي الذي لا يعترف بالقانون , ويظن نفسه فوق القانون؟
والقصة ذاتها تتكرر في دول مثل اميركا اللاتينية, وأفريقيا, و شرق آسيا, في دول تهيمن عليها اليد الخفية أو الواضحة للإمبريالية الأمريكية, حيث يتم تهميش إرادة الشعوب, وسرقة ثرواتها, وتنصيب فئة موالية لتلك الإمبريالية...القصة واضحة ومكررة وصارت مملة...
هم يظنون انهم سيفوزون دائما بتطبيق سياسة الأمر الواقع على هذه الشعوب المسكينة..
لكن, كما يقولون, الأيام بيننا وسنرى....
من الذي سيبقى على الأرض, ومن الذي سيطيربعيدا......
************************************
في لبنان وسوريا وايران, ثمة احداث متسارعة ومثيرة للتساؤل
ثمة أيد غريبة تعبث هناك أيضا لتغيير ما يمكن تغييره سياسيا على أرض الواقع....
*********************************
أما في العراق فالقصة اكثر تعقيدا , لكنها واضحة...
المراد هناك هو تفتيت كل القوى الوطنية والحزبية العراقية, وارجاعه الى عصر الطوائف والملل والأعراق والقبائل , ومحاولة إغراقهم في قتالات ومناحرات جانبية , والمبالغة بها, حتى ينسون عدوهم الحقيقي الذي هو الإحتلال..
كأن البرنامج في العراق يقول : تقاتلوا بينكم, ونحن نساعدكم على صياغة دستور يحقق التفرقة على أرض الواقع, لتظلوا مشغولين بمجادلات وتناحرات لا تنتهي...
اما الإحتلال فيبني قواعد عسكرية ليبقى الى أجل غير مسمى, وستأتي شركات الإستثمار الأمريكية لتبدأ العمل الحقيقي في امتصاص ثروات العراق النفطية وغيرها..
ولتحيا الرأسمالية ومصالحها, وليسقط حق العراقيين في الحرية والإستقلال..
واقع الحال يقول :دعهم يتقاتلون ويتناحرون, دائما نفتح لهم مشاكل جديدة ونزرع بينهم من يوالي الغرب ليقسم صفوفهم, ويحطم وحدتهم ,ويظل التوتر مستمرا
ويعطي المبرر لبقاء قوات الإحتلال...
هذه هي السياسات الجديدة من الغرب تجاه بلداننا, سياسة التفتيت والتحطيم من الداخل, وببطء وخبث مستمرين......
***************************
ثمة منظرين كثيرين في الإدارة الأمريكية وضعوا فكرة إعادة رسم خارطة العراق الجغرافية والديموغرافية لجعله نموذج الديمقراطية في المنطقه !
أي نموذج هذا ؟
بالنسبة لهم يتخيلون ان العراق ممكن ان يتحول من بلد محارب, الى بلد مسالم كما حدث لليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
ويتحول الى بلد صناعي او مركز للرأسمالية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
والله لا ادري كيف يفكر هؤلاء الناس السذج؟
يتخيلون ان البشر هم مكائن بيديهم يبرمجونها كيف يشاؤون, ويوجهونها الى حيث يريدون.
هذه الأفكار يتكلمون بها بكل ثقة وعلنا...
وهي عندنا مجرد أحلام بعيدة مضحكة...
ليس لأن العراقيين يكرهون الصناعة والتكنولوجيا والسلام...لكن لا يمكن إرغام شعب على نسيان ماضيه ومبادئه وقناعاته في الحياة بهذه السهولة, ويتقمص شخصية أخرى
مختلفة تماما...شخصية مستوردة من الغرب...
وممن سيأتي التغيير؟
من قوات إحتلال أجنبيه؟
كيف سيتقبل الناس هذه الفكرة المضحكة؟
مثل ان تتقبل النعجات فكرة ان الذئب صديقهن ويريد مصلحتهن؟
الذين يصنعون هذه النظريات في الغرب هم أناس يعميهم غرور التفوق..والحقائق على أرض الواقع هي التي ستحمل الجواب لهم يوما ما....
هؤلاء الناس يظنون ان إرادة الشعوب هي شيء سخيف منقرض...
لكنني مؤمنة , وكثير مثلي يؤمنون , ان إرادة الشعوب هي حق وحقيقة...مثل الله سبحانه...يراه المؤمنون , وينكره الملحدون...وهو جدل مستمر الى يوم الدين
**********************************
أعود لنموذج السعودية مرة اخرى....
عشت في السعودية في بداية الثمانينات, ورأيت كيف هو نمط الحياة عندهم في تلك الفترة, الناس مترفين مدللين, عندهم سيارات فخمة وآخر موديل, النساء يلبسن الذهب بالكيلوات ويستعملن اغلى العطور الفرنسية, الرجال في العادة عندهم أربع زوجات, عندهم خدم من بلدان شرق آسيا في كل البيوت تقريبا, الرواتب ممتازة, مستوى الدخل عالي, الماء والكهرباء والهاتف والخدمات ممتازة وواصلة الى كل قرية, الأماكن العامة نظيفة ومرتبة وثمة خدم في كل مكان من شركات اجنبية, في المطارات والفنادق والحدائق العامة...والعوائل يسافرون الى اوروبا مع خادماتهم, ويصرفون آلاف الدولارات سنويا على التبضع والتسلية, والرجال يذهبون لبيوت القمار والكازينوهات, ويبددون آلاف أخرى من الدولارات...
في ذلك الوقت, كنت انا قادمة من العراق الذي يعيش حربا مع إيران, ورطته بها الحكومة الأمريكية كالعادة , كان غاندي يقول : اذا تقاتلت سمكتان في البحر, فابحث عن بريطانيا !
ونحن في العراق نقدر ان نقول الشيء ذاته عن اميركا, حيث لم نر شيئا من وجهها الجميل...دائما تكشف وجهها القبيح وانيابها لنا...
وكنت عملت قبل ذلك متطوعة في مخيمات فلسطينية أثناء الحرب الأهلية في لبنان...
ثم جئت للسعودية, كانت بيئة غريبة مختلفة, لا وعي وطني, لا احزاب ولا تنظيمات مدنية, لا نقابات, لا شيء أبدا...الناس يأكلون ويشربون ويتزوجون ويتسلون في الحياة ما امكنهم...
ثم ذهبت مع قريبتي مرات عديدة الى أماكن يسمونها :القاعدة
لم اكن أفهم ما هي, كنا نزور نساء سعوديات طيبات محترمات, نتحدث عن عوائلنا واولادنا , وهن زوجات العسكريين هناك, ثم إكتشفت انها القاعدة العسكرية الأمريكية في الجنوب, في منطقة خميس مشيط حيث كنت اعيش...
عالم آخر.....
بيوت وشوارع وحدائق ومباني سكنية وأسواق تجارية واضح ان تصميمها تم على الطريقة الغربية...
لم أفهم أبدا ما هي هذه القواعد ولماذا هي موجودة هنا...
الآن , أسترجع الذكرى واضحك من غفلتي آنذاك وسذاجتي...
وربما من غفلتنا جميعا وسذاجتنا...
تلك القواعد ربما استعملوها لقصف العراق مرات ومرات....
الآن, لو عدت للعيش في السعودية, هل سأذهب لزيارة القاعدة وصديقاتي هناك؟
هل سأنظر اليها كمواقع محايدة تسكنها عوائل عسكريين؟
هل أنا كما أنا قبل 20 عاما او اكثر؟
بل, هل انا كما انا قبل إحتلال العراق؟
هل انظر للغرب واميركا نفس النظرة الساذجة المتساءلة قبل مسلسل الحروب ضدنا: هل هم يحبوننا أم يبغضونا؟
هل حقا يأتون الى بلداننا للمساعدة والتطوير كما يدعون في وسائل اعلامهم , ام مجرد تقسيمنا وتحطيم وحدتنا الوطنية ثم سرقة ثرواتنا لتمويل بلادهم وتطويرها ؟
أما نحن فلا نحصد منهم سوى الحصاد المر.....
**************************************
عندما كنت في السعودية تلك الأيام كنت اقول لنفسي : هؤلاء الناس لا يمكن ان يتمردوا يوما على حكم القبيلة والدين الراسخين في البلاد منذ مئة عام واكثر...
يعيشون بسلام, يأكلون وينامون ولا يفكرون بغيرهم...
الحكومة تعطي مواطنيها امتيازات فريدة , للمواطن السعودي حق كفالة أي مواطن غير سعودي ( عربي أو اجنبي) وهذه وحدها تعطي المواطن السعودي طريقة حياة مريحة ودخل ممتاز بدون تعب كثير...أي مستثمر يجب أن يكون شريكه سعودي..وبالتالي , المستثمر او المقيم غير السعودي , يعيش تحت رحمة ومزاج المواطن السعودي, ربما طلع إبن ناس وحباب وعادل , وربما طلع للأسف ظالم أو انتهازي او كذاب, فيأكل حقوق الغرباء ويطردهم من البلاد , والحكومة تقف مع مواطنيها في كل الأحوال, وتطبق برامج مثل : إنهاء عمل أي موظف غير سعودي إذا وجد من السعوديين من يحمل الإختصاص ذاته ويريد تلك الوظيفة.
وقتها قلت لكل الناس : والله اتمنى لو يكون في العراق مثل هذه القوانين تحمي العراقيين وتدللهم, لكن القوانين في العراق لا تعطي العراق أي حق اكثر من غيره.....
**********************************************
بعد حرب الكويت والعراق 1990, بدأت الأمور تتبدل في السعودية, اميركا أجبرت السعودية وباقي الدول العربية على قبول فكرة التحالف والحرب على العراق...ثمة الكثير من عقلاء الأمة نادوا بضرورة الحل العربي – العربي للمشكلة, لكن اميركا ضغطت باتجاه التدخل الغربي وتدويل الأزمة...
وقامت الحرب على العراق, واستنزفت بطريقة ما الإقتصاد السعودي...
فتغير الحال...
بدأت ازمات اقتصادية, تخفيض الرواتب والإمتيازات للموظفين السعوديين وغير السعوديين, ظهر الفقراء والمحتاجون في المجتمع, ظهر الشحاذون على الإشارات الضوئية في الشوارع...
وبدأت تظهر انتقادات للحكومة داخل السعودية وخارجها, وبدأت تظهر معارضة في الداخل والخارج, على مواقف اقتصادية واجتماعية وسياسية...
السعودية مكان ممتاز للإستثمار , توجد مصانع منتجات غذائية وكهربائية وصناعات لمواد بناء وغيرها, معظم المصانع اجنبية وامتياز سعودي.
والسيارات داخل السعودية معظمها امريكية وفخمة وفارهة وذات مواصفات تصنع خصيصا لهم...فهي سوق ممتاز لبيع السلع الأمريكية...
وعند بداية الحرب الأخيرةعلى العراق 2003 , بدأت أميركا تسحب جيوشها من السعودية وتعتبرها منطقة غير آمنه ...نقلت مركز القوة العسكرية الى قطر, قاعدة العيديد, حيث من هناك ادارت الحرب على العراق...
السؤال : لماذا لم تتم السيطرة على الشعب السعودي ويتقبل فكرة وجود الأمريكان بعد مرور عشرات السنين من إقامتهم آمنين بين السعوديين؟
لماذا بدأت تظهرتحركات تشبه المقاومة داخل السعودية الآن؟
هل هم حفنة من الخارجين على القانون كما تحاول وسائل الإعلام افهامنا, ام هم بداية عصر جديد في المنطقة؟
عصر يرفض الغرب وسياساته المستهترة بإرادة الشعوب؟؟
************************************
إذن ماذا يتوقعون من العراقيين؟
العراقيون تاريخهم لا ترف فيه ولا دلال...تاريخهم مواجهات ومصادمات مع المحتلين العثمانيين, ثم المحتلين البريطانيين, ثم حكومات وطنية مختلفة , لكن الشعب كان يواصل تمرده من حين لآخر....
وحتى وإن بدوا صامتين أحيانا, لكنهم يفهمون تماما ما يحدث حولهم, وصعب جدا خداعهم...صدام حسين حاول غسيل عقولهم, و اظهروا له الطاعة, لكن عقولهم وقلوبهم احتفظت بقناعاتهم......
بعد سقوط بغداد, عاد العراقيون يفتحون عيونهم من جديد , بعد ظلام طويل...
واكتشفوا أن الذين جاؤوا الآن للحكم, ليسوا بافضل من الذين مضوا, بل هم أبشع, لأنهم ظالمين, ويجلسون تحت مظلة إحتلال اجنبي يحميهم , كان صدام حسين ظالما, لكنه على الأقل كان عنده خوف من الجهر بعلاقته مع الغرب ,و كان عنده الحد الأدنى من الوطنية....كان يقول نحن لا نحب المحتل ...
ولا نسمح له بسرقة استقلالنا وثرواتنا الوطنية , سواء كان صادقا ام كاذبا, كان الشعب راضيا عن روحه الوطنية والقومية...
أما هؤلاء الذين جاؤوا مع الإحتلال, فهم مجرد موظفين بؤساء يتلقون الأوامر من أسيادهم...
ويوافقون علنا على بقاء قوات احتلال في العراق...
كيف سنجعل لهم هيبة في قلوبنا؟
كيف سنحترمهم ونعترف بهم قادة شرعيين لنا؟
واضح انهم مع قوات الإحتلال, في مأزق ...
وهم يحاولون بشتى الطرق تسويق عملية قبولهم في الشارع العراق..
عن طريق غسيل الأدمغة اليومي في وسائل الإعلام, أوتجنيد عملاء لهم في السلطة, أوفي منظمات المجتمع المدني...أوفي أي مكان...
***********************************
تطور الوعي عند الشعوب حقيقة على أرض الواقع..
وهي حقيقة يتجاهلها منظروا السياسة الأمريكية...
وعندنا مثل يقول : من مأمنه يؤتى ( الشخص ) الحذر...
يعني تأتيه الضربة القاضية من مكان لم يكن يتوقعه.....
وعي الشعوب هو الشيء الذي لا تؤمن به الرأسمالية والإمبريالية التي تحتل الشعوب ويملؤها غرور التفوق....
لكني أراهن كما يراهن كثير غيري...أن وعي الشعوب يكبر يوما بعد يوم..كما تطور وعيي انا شخصيا بعد احتلال العراق, وانفتحت عيوني لأرى الصورة على حقيقتها...بلا كذب, بلا رتوش..........
في البداية ركضت في بغداد للعمل مع المنظمات غير الحكومية لأنني صدقت انها ستعمل لخير العراقيين...
ثم اكتشفت أنها منافذ لتغلغل سياسة الإحتلال ونشرها بين الناس...المنظمات الوطنية الصادقة لا يمولها احد وتعاني من ازمات مالية ثم تغلق أبوابها....
اما المنظمات التي يمولها الإحتلال بطريقة أو أخرى, فهي تكبر وتنتشر بين الناس لتسوق أفكار الإحتلال, وتجمله في عيون العراقيين..
بعد عودتي من البحر الميت لحضور مؤتمر القيادات النسائية العراقية الذي أشرفت عليه لجنة من الكونغرس الأمريكي, في الربيع الماضي, والذي أسميته مؤتمر غسيل الأدمغة, والذي طرح فيه الأمريكان بشدة فكرة الدستور والفدرالية ونوع الحكومة ومصيرالنفط, ووجدته مؤتمرا كريها يمتليء بالسموم, فغادرته في اليوم الثاني , كان المقرر ان اظل لمدة خمسة أيام, لكني لم أحتمل السموم التي فيه....
قبل المؤتمر, كنت عادة اتغدى أو اتعشى في مطاعم امريكية أو عربية, لا يهمني , كنت أقول : كله سواء...
بعد المؤتمر, وجدت نفسي عازفة تماما عن دخول أي مطعم أمريكي للدجاج او الهمبرغر...
تعززت في رأسي فكرة : لن أشارك في تنمية الرأسمالية من جيبي, مهما كانت المصروفات متواضعة, لن اعطيها لهم...
عدت للأكل في مطاعم عربية فقط...وعلمت اولادي ان يفعلوا مثلي...
من الذي دفعني لهذا القرار؟
حماقة وغرور الأمريكان في المؤتمر, ومحاولتهم معاملتنا كأننا اغبياء , ليس لنا فكر ولا شخصية ولا هوية ولا قرار مستقل...
وهم بسياستهم الغبية هذه معنا يدفعونا بعيدا عنهم....
يدفعوننا لنختار (نحن) ...ويصبحون (هم) الغرباء
والله أراهم يدفعوننا لنكون اكثر وطنية , واكثر انتماء لهويتنا...
هل نقول لهم شكرا ؟؟
**********************************
وبعد هذا , فهم يحلمون ان يكون العراق مركزا لهم وقاعدة لنشر افكارهم بين الدول العربية....
الأ يذكرنا هذا بحلم الشيطان بأن يدخل الجنة ؟؟
هه.....