Sunday, September 25, 2005

 
الأحد 25 أيلول 2005
مساء الخير...
مازلنا نتابع أخبار العراق المشتعلة بين سيارات مفخخة يوميا, وضحايا من مدنيين وشرطة وجيش احتلال....
وثمة من يسعى لإشعال حرب طائفية وتقسيم الشعب, فلا يعود الواحد يقول انا مسلم , او كلنا مسلمون , بل تركيز الضوء على انا سني أو انا شيعي لتدمير وحدة ابناء الدين الواحد وابناء الوطن الواحد.
وثمة من يريد فصل الأكراد بدولة مستقلة عن العراق, بمواردها وثرواتها النفطية وسياستها الخارجية وعلاقاتها مع العالم....
ومعارضة ضد الدستور الجديد الذي يحمل داخل طياته بذور الطائفية والعرقية و تشجيع روح التفرقة والإنفصال تحت حجج شتى عنوانها جميل ومضمونها قبيح, والتي يرفضها الناس الوطنيون الذين مازال عندهم وعي لما يحدث, رغم كل محاولات الإحتلال تضييع وعي العراقيين وتغييبه من خلال تفجيرات يومية لا يعرف من هو الفاعل الحقيقي, وفوضى امنية وسياسية لا مثيل لها.......
و محاولة تسليم السلطة والقرار بيد قادة طائفيين يكرسون أفكار التفرقة ويشجعون على فكرة الإنتقام والتحريض ضد الاخر, بدلا من الدعوة الى الوحدة وتقوية الصفوف...
المعارضة تنتظر الإستفتاء علي الدستور لإسقاطه..
وأطراف اخرى من الحكومة العراقية الحالية وجيش الإحتلال تريد تثبيت هذا الدستور , وتراهن على الإستفتاء القادم للدستور أنه سيكون لصالحها...
وكل طرف سيحاول تحقيق مطالبه بشتى الطرق..
وسيظل الصراع مستمرا كما يبدو الى زمن غير محدد...
وثمة أخبار في الصحف والتلفزيونات عن إعلان مسؤول لجنة النزاهة العراقية أمام المجلس التشريعي العراقي عن فضائح فساد مالي واداري قام بها مسؤولون ووزراء في الوزارة المؤقته السابقة برئاسة أياد علاوي, ووزراء من حكومة الجعفري الحالية, وصفقات وهمية بملايين الدولارات تمت سرقتها من خزينة الدولة لشراء أسلحة للجيش الجديد أو مقاولات وهمية للإعمار أو استيراد مواد للشعب ربما اغذية أو ادوية, كلها صفقات وهمية ا بددت اموال العراقيين البؤساء...
طبعا ما عدا مئات الملايين من اموال النفط المتدفق لخارج العراق منذ بداية الحرب ولحد الان , و التي لا يعلم الناس كم هي؟ والى أين تذهب ؟
************************
والشعب العراقي مشغول بدفن ضحايا التفجيرات اليومية الغامضة, وغارق في هموم تأمين لقمة العيش, او المعاناة من نقص الكهرباء والماء , او الوقوف في طوابير على محطات البنزين لساعات...
والحكومة العراقية غارقة في تبرير البشاعات التي تحدث في العراق, و تبريرفشلها في السيطرة على الموقف.............
وقصة غريبة من البصرة أبطالها بريطانيون متنكرون بملابس عربية, داخل سيارة تمتليء بالمتفجرات, قبضت عليهم الشرطة العراقية واودعتهم السجن للتحقيق, جاءت دبابات بريطانية و هاجمت السجن واخرجتهم, والناس غضبوا و أحرقوا عددا من الآليات رأينا صورها على الصحف, الشرطة العراقية تطلب التوضيح والإعتذار من القوات البريطانية في البصرة, الناس غاضبون ويتساءلون : ربما هؤلاء لهم أصابع في إثارة الفتن بين العراقيين...كما في اسرائيل ثمة مجموعة يطلق عليها اسم : المستعربون, هؤلاء يلبسون ملابس عربية ويندسون بين الفلسطينيين في المظاهرات او التجمعات للقيام بتفجيرات او اغتيالات....
ومحاصرة مدن عراقية وقصفها وتدمير منازل وقتل مدنيين ومسلحين بتصفيات تصب في صالح المحتلين عادة, ويبررونها انها لتوفير الأمان للعراقيين....
والرئيس بوش وقادة جيش الإحتلال في العراق يصرحون دائما وكل يوم تقريبا على أن العراق يمشي في الإتجاه الصحيح نحو الحرية والديمقراطية !

هذا هو مختصر المشهد العراقي هذه الأيام.....
*****************************
أريد أن أتكلم اليوم عن المشهد العراقي أثناء الإستعمار البريطاني للعراق 1914-1958
مقارنة بالمشهد العراقي الحالي...
ورجال تلك المرحلة, ورجال هذه المرحلة, وكيف هي المواقف....
مصادري هي كتاب جيرتروود بيل سكرتيرة الحاكم العسكري آنذاك
1914-1926
حتى توفت ودفنت في بغداد , وفي الحقيقة هي ضابط استخبارات بريطاني, كانت تتدخل بتفاصيل كل شيء يخص الدولة العراقية, وترسل تقارير للندن, وتوصي بكثير من القرارات مثل تعيين الملك فيصل على العراق, وترشيح اسماء الوزراء ورؤساء الوزراء, وكيفية صياغة المعاهدة العراقية البريطانية بما يرضي لندن ولا يغضب العراقيين, وصياغة قانون للآثار العراقية ينص على حق بريطانيا في تقاسم الآثار العراقية التاريخية المكتشفة , بينها وبين الحكومة العراقية, كتسديد لنفقات خبراء الآثار الذين ترسلهم بريطانيا للعراق, والعلاقة مع العشائر العراقية, وموضوع الأكراد في الشمال ورغبتهم بحكم ذاتي, وغيرها من تفاصيل كثيرة وحساسة......
وكتاب الدكتور علي الوردي عن تاريخ العراق الحديث, كان يسرد نفس الأحداث لكن بعين عراقية, وليست بريطانية.........
وكتاب توفيق السويدي , وزير سابق في العراق خلال فترة الحكم الملكي , وفيه تقييم لكثير من الرجال حوله في تلك الفترة , حسب آرائه كرجل يعمل مع الحكومة العراقية
ويواجه صعوبات مواجهة تشدد البريطانيين في رغبتهم لربط العراق دائما بمعاهدات طويلة الأمد مع حكومة لندن , وبين غضب العراقيين الذين يريدون الإستقلال التام....
وكتب اخرى كتبها عرب أو اجانب كلها تتحدث عن تاريخ العراق في تلك الفترة , ومن وجهات نظر مختلفة ..........
**************************************
قراءة التاريخ عملية ممتعة جدا, خصوصا اذا كنت تريد فهم أمورلا تعلم لماذا حصلت وكيف..
صرت اقتنع بفكرة : إقرأ الماضي لتفهم الحاضر !
خصوصا اذا كان التاريخ يعيد نفسه كما يحدث في العراق الان, إحتلال, وحكومات مؤقته , ومجلس تشريعي جديد , ودستورجديد, ومعارضة وأحزاب متصارعة, قيادات دينية أو طائفية قديمة أو حديثة تتحرك حسب مصالح وطنية عامة او مصالح ذاتية بحتة ,رجال في الوزارات يعملون مع الحكومة ويواجهون مصاعب كثيرة , ويتصارعون ليقرروا : بين أن يكونوا وطنيين شرفاء مدافعين عن حقوق الشعب واستقلال البلاد ,وبين ان يكونوا منافقين متملقين يريدون امتيازات المنصب ولا يهمهم سوى مصالحهم , وبين حمقى واغبياء منبطحين للأجنبي ويؤمنون بأنه أفضل منهم, ويستحق قيادة البلاد وتقرير مصيرها أكثر من أهلها...............
***************************************
من خلال قراءتي لكتاب المس بيل, أرى تماما كيف تفكر وتحلل الأمور, وكيف تسرد الأحداث من وجهة نظرها...
هي تقسم الناس الى نوعين: أصدقائي , صرت أفهم انها تعني الذين يحبون بريطانيا ويؤمنون بها ويعملون على تثبيت بقائها في العراق, من قادة عشائر انتهازيين, أو رجال دين متملقين مخادعين , أو رجال في الحكومة....
الذين يزورنها ويقولون لها : خاتون, ويقبلون يدها عند الحاجة, او يرسلوا لها هدايا مثل الخيول العربية الأصيلة التي تركبها في نزهتها اليومية في بساتين بغداد او الغزال في حديقتها او كلاب سلوقية تذهب معها للصيد, هؤلاء الرجال كانت تصفهم باجمل الأوصاف....
والذين يخالفونها حين تتناقش معهم, او لهم قدرة على تحريك الشارع العراقي ضد بريطانيا, ولا يزوروها أو يتملقون لها او يعترفوا بوجودها, فكانت تكرههم وتسميهم خبثاء...
من الذين تحبهم جدا : نوري السعيد لأنه رغم كونه يعاقر الخمر وزير نساء كما تقول هي, لكنه يحب بريطانيا ويؤمن بنواياها الحكيمة والطيبة تجاه العراق, ولن يصطدم بهذه السلطة أبدا ولن يعارضها أبدا....
ومن الذين تكرههم مثلا : السيد محمد الصدر والشيخ يوسف السويدي لأنهم من رجال الدين السنة والشيعة و قادة ثورة العشرين ضد بريطانيا والمحرضين عليها...وتكره السيد مهدي الخالصي لأنه من المحرضين على رفض المعاهدة البريطانية العراقية , وتكره ياسين الهاشمي وتسميه الخبيث لأنها اكتشفت انه يحمل نزعات وطنية وولاء للعراقيين اكثر من قناعته ببريطانيا ونواياها الطيبة في العراق....بينما في التاريخ الذي كتبه العراقيون هؤلاء هم أشرف الرموز الوطنية التي نعتز بها...
وكانت دائما تسمي قوى المعارضة : المتطرفين...
وتسمي الذين يقتنعون ببريطانيا ورسالتها في العراق : المعتدلين...
وتسمي ثورة العشائر في الجنوب وقادتها, وعشيرة زوبع قرب الفلوجة وزعيمها الشيخ ضاري , وكل من وقف معهم , بأنهم همج ومتوحشون...
بالنسبة للعراقيين الشيخ ضاري رحمه الله رمز لثورة العشرين
ويفتخرون به.... ويوجد للآن شارع في بغداد يحمل إسمه
....
وهي تصف الذين ينظمون قصائد في الاحتفالات العامة ويتكلمون ضد سياسة بريطانيا بأنهم حمقى وأغبياء....
وحين أقرأ الكتب العراقية او العربية التي تتكلم عن ثورة العشرين وقادتها , او القصائد التي كانت تقرأ في الإحتفالات ضد الإنكليز , أغرق في الضحك, وأعجب بجرأة العراقيين وصراحتهم....
واقول : اي والله هؤلاء هم عراقيون حقيقيون...
مثلا : في قصيدة للشاعر الرصافي رحمه الله يصف الأحوال السياسية في العراق :
هذي حكومتنا وكل شموخها كذب وكل صنيعها متكلف
علم ودستور ومجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف
اسماء ليس لنا سوى الفاظها اما معانيها فليست تعرف
من يقرأ الدستور يعلم انه وفقا لصك الانتداب مصنف

ثم له قصيدة يصف بها رجال الشرطة العراقيين الذين يعملون مع البريطانيين:
وكم في الحكومة من رجال تراهم سادة وهم عبيد
كلاب للاجانب ولكن على ابناء جلدتهم اسود

ولست استغرب لماذا لمعروف الرصافي تمثال مازال يقف في شوارع بغداد رغم سقوط كل التماثيل.....

وللشاعر الجواهري قصيدة طويلة أراها تحفة أدبية يعتز بها العراقيون , يرثي فيها اخاه جعفر ورفاقه الذين خرجوا مظاهرة على احد جسور بغداد , ضد معاهدة بورتسموث البريطانية 1948 , وأمطرتهم شرطة الحكومة بالرصاص , فسقطوا شهداء مضرجين بالدماء...
بداية القصيدة يقول :
اتعلم أم انت لا تعلم بأن جراح الضحايا فم
ووجدت قصة في مصدرين مختلفين عن احدى المظاهرات أمام قصر الملك حوالي سنة 1921 , حيث تجمع المتظاهرون يهتفون ضد المعاهدة, وجاء الحاكم البريطاني ومعه المساعدون ومس بيل منهم, وهتف حسون أبو الجبن: تسقط بريطانيا, يسقط الإستعمار !
فردد المتظاهرون خلفه ما قال , وغضب الحاكم واعتبرها اهانة شخصية له, وقرر الغاء الأحزاب الوطنية والمظاهرات واغلق الصحف العراقية المعارضة لسياسات الإحتلال, ونفى قادة الأحزاب الى الهند وجزيرة هنجام وايران ...
وحسون أبو الجبن له محل بقالة صغير في سوق السراي القريب من قصر الملك....
وكان بحب المشاركة في المظاهرات والهتافات...
وكانت معظم الإحتفالات أو المظاهرات تنطلق من شارع الرشيد وجامع الحيدرخانة الذي فيه....هنا مركز الشرور بالنسبة لمس بيل وزملاؤها.....
*****************************
عندما فتحت عيوني على العالم , وجدت انني اعيش في بغداد, في منطقة قريبة من شارع الرشيد وجامع الحيدرخانة, حيث أمر به صباحا حين ذهابي للمدرسة...
وكان لأبي مكتبة صغيرة يبيع فيها كتبا قديمة وقرطاسية في سوق السراي, وهو نفس السوق الذي فيه محل حسون ابو الجبن السابق ذكره , وهو سوق قديم اظنه من الزمن العثماني...وكان قصر الملك والحكومة قرب سوق السراي, طالما تمشيت هناك مع اخوتي واخواتي ونراه عبارة عن خرائب مهجورة....
هذا الكلام في الستينيات وبداية السبعينات من القرن الماضي....
يعني زمن الحكومات الوطنية العراقية اتي جاءت بعد ثورة الإستقلال 1958 وخروج بريطانيا من العراق....
لذلك, حين أقرأ كتب التاريخ العراقي , أراها قريبة جدا من نفسي وذاكرتي, حيث تلك الأحداث كلها كانت تدور قريبة من منطقة بيتنا في زمن العشرينات والثلاثينات ......
ونحن سكنا هناك في منتصف الخمسينات حتى منتصف السبعينات , يعني بعد خروج الإستعمار , ونشوء جمهورية عراقية مستقلة...
*********************************
تلك المباني قديمة لكنها جميلة , وبنيت على طراز معماري فيه طابوق أصفر صغير و أقواس عربية...وتطل البناية من احدى جهاتها على نهر دجلة, هذه كانت بناية الحكومة , يعني الوزارة.
ويطل على نهر دجلة من اماكن اخرى قصور نراها من بعيد , قصر الزهور, وقصر الرحاب, كانت محل اقامة للعائلة المالكة آنذاك....
وعندما أقرا مذكرات المس بيل وهي تتحدث عن الحفلات في القصور ودعوات الغداء والعشاء هناك , وشبابيك القصور مفتوحة على الحديقة ونهر دجلة, اتخيل جمال بغداد والترف الذي كانت تعيشه المس بيل آنذاك وزملاؤها , وبالتاكيد هو ترف لم تعيشه امي ولم يعيشه ابي ومعظم العراقيين الذين عاصروهم , لانهم كانوا من اولاد الطبقة المتوسطة...
كان العراق فقيرا متخلفا يغرق في الديون , ووزارة المستعمرات البريطانية ليس عندها ما تنفقه على العراق, كانت تريد اخذ ضرائب من المزارعين العراقيين لتغذية الخزينة بالاموال للإنفاق على الجيش البريطاني في العراق.
وتقول المس بيل انها كانت تدفع ضرائب على النخلات المزروعة في حديقة بيتها, وأقدر أن اتخيل بؤس العراقيين آنذاك, ندفع ضريبة للحكومة على النخلة المزروعة في بيتنا؟؟
فما حال الذي عنده مزرعة وهو فلاح , وهذا مصدر رزقه الوحيد ؟
بيتنا الان في بغداد في منطقة المنصور, وهي ذات المنطقة التي عاشت فيها المس بيل على ما اظن, وهي تصف الشوارع انها موحلة وقذرة خصوصا في الشتاء...لم أقرأ شيئا عن تحسين حالة عيش الناس آنذاك من تبليط طرق أو بناء جسور أو فتح مدارس او مستشفيات...كان الصراع دائما والأولوية حول سيادة بريطانيا وكيفية ترتيب بقائها في العراق, ألا يشبه وضع الإحتلال الأمريكي حاليا في العراق والصراع والأولوية منذ سنتين وأكثر لتثبيت وجودهم؟
والله بعد قراءة تاريخ العراق, أشفق على الإحتلال الأمريكي وأرى أنه سقط في مستنقع موحل عميق لا خلاص منه, مستنقع مميت إسمه العراق........
تاريخ العراق مذهل ...كله احتلالات واستعمار مختلف, وشعب متنوع الطوائف والأعراق , وفيه مجتمعات مدن ومجتمعات قرى, وكل مجتمع له قيم وطقوس تكاد تختلف عن الاخر , وفيه مجتمعات القبائل والعشائر ولهم مقاييس مختلفة , و العراق فيه أكثرية من العرب المسلمين , وأقليات من كرد وتركمان وآثوريين ومسيحيين وغيرهم , وصعب جدا السيطرة عليهم جميعا في آن واحد, إن أرضيت هذا غضب ذاك....وتمرد وشن الحرب عليك.....
برغم كل سيئات صدام حسين وحكمه , لكنه كان قادر بطريقة ما, على ضبط البلاد رغم تناقضاتها.... والحالة الأمنية كانت ممتازة...
ثمة واحد يظن نفسه ذكيا و سيقول : ان صدام حكم العراق بالقتل والسجون, وانا اقول : اليست نفس الطريقة اتبعها الإحتلال منذ دخل العراق؟
وما هي النتيجة ؟؟
جاءت حكومة اميركا الغبية لتنكش الفتن بين الناس بحجة الديمقراطية....
وكأنها تنكش بيت الدبابير .....
فانقلب السحر على الساحر.....وقامت القيامة ولم تقعد.... ولم تحصد سوى الخراب والدمار والفوضى والخسائر في العراق...
من الذي يقدر على العراقيين ليوحدهم ويلم شملهم ثانية؟؟
سؤال صعب, ويبدو ان لا جواب له في الأفق حاليا................
*************************************
أريد ان اعود ثانية الى المشهد العراقي خلال فترة الإحتلال البريطاني ومقارنته بالمشهد الحالي.....
كانت طائفة الشيعة عادة متآخية مع طائفة السنة, ولهم نشاطات وطنية مشتركة من مظاهرات وتجمعات ضد الحكومات والإحتلال البريطاني, وكان هذا يغيظ المس بيل وزملاؤها حسب ما جاء في مذكراتها...
وكان واضحا دور رجال الدين الشيعة كونهم المرجعية الدينية التي لها سلطة على نفسية الشعب وقناعاته فوق سلطة الحكومة...
كيف تم التعامل مع هذه المرجعية التي تشكل معارضة قوية ضد سياسة بريطانيا؟
عادة كانت بعد كل مواجهات , ينفى قادتها الى خارج العراق لتهدئة الموقف...حتى لو كان القرار من قبل رئيس الوزراء الشيعي مثل عبد المحسن السعدون...
وكانت تقصف القرى والمدن الشيعية في الجنوب التي فيها عشائر متمردة ضد بريطانيا كما حدث في وزارة صالح جبر الشيعي .
وفي كل مرة يظنون ان التمرد انتهى وصار كل شيء كما يريدون, أقصد الحكومة وبريطانيا......ثم ما يلبث أن ينفتح باب معارك ومصادمات جديدة وتسقط الحكومة وتتشكل حكومة جديدة....
اما الان فكيف تم تناول ملف الشيعة , الذي هو أكثر الملفات خطورة وتأثيرا في البلاد حيث يشكل الشيعة حوالي 60 بالمئة من السكان ؟
واضح انه تم ترتيب الموضوع منذ البداية, جاء رجال من عوائل شيعية تقليدية لها تاريخ نظيف ضد الإستعمار البريطاني أو ظلم الحكومات الوطنية السابقة, حيث تم اعدام الكثير من قياداتهم...واستثمرت تلك المواقف النبيلة النظيفة من قبل جيل جديد من تلك العوائل , لا تشبه مواقفه مواقف آبائهم...هؤلاء أيدوا الاحتلال الأمريكي , ودعوا الناس الى الترحيب به واعطوه صفة المنقذ للبلاد...
هؤلاء القادة الشيعة الجدد لا يتبعون منهج قادة الشيعة التقليديين والذين كانت مواقفهم وطنية ومعارضة دائما للإستعمار البريطاني...
هؤلاء القادة يتملقون الشيعة الفقراء البؤساء ويستدرجوهم نحو تثبيت شيعيتهم باحياء طقوس الزيارات الى الكاظمية والنجف و كربلاء , واقامة طقوس اللطم على الحسين, بحجة هذه حقوق مشروعة للطائفة الشيعية, والذين يعارضونها هم اعداء الشيعة ويريدون ظلمهم وانكار حقوقهم...طبعا هذا الكلام يستهوي الناس البسطاء ويصدقونه...
وخصوصا بعد كوارث حصلت كلما ذهب الشيعة لممارسة طقوسهم, مثل سيارة مفخخة أو حادثة جسر الأئمة الاخيرة, فينبري اولئك القادة العظماء في هكذا مناسبات لشحن الناس البسطاء بالحقد والطائفية من جديد.............
ثم هؤلاء القادة بعد ذلك قاموا بخطوة ثانية وهي التدخل سياسيا في توجيه عقول الناس البسطاء , وقالوا لهم اذهبوا للانتخابات حتى تحققوا النصر ضد الإرهاب واعداء الشيعة والزرقاوي, وسوف نطرد الإحتلال بعد الانتخابات...
وطبعا ذهب الناس للمشاركة في الإنتخابات ولم يحصل أي انجاز سوى انتخاب هؤلاء القادة واعطاءهم شرعية لجلوسهم على الكراسي وسيطرتهم على سياسة الحكومة الحالية......
والان, يقولون للناس صوتوا للدستور لانه سيضمن لكم حقوقكم التي حرمتم منها...
يعني صوتوا للفدرالية والإنفصال عن العراق , لأن التاريخ الماضي ظلمكم, والآن نريد اعطاءكم حقوقكم...والزرقاوي عدوكم يتربص بكم, والبعثيون والصداميون السنة اعداءكم.....الخ من الكلام الفارغ المليء بالحقد والطائفية, والذي يدمر ولا يعمر, والذي يفرق ولا يجمع............
أرى أن وجود الزرقاوي الوهمي ضرورة لهؤلاء القادة ليعطيهم مبرر وجودهم....
****************************************************
في زمن الإستعمار البريطاني كانوا يريدون حصر نشاط رجال الدين الشيعة على الطقوس الدينية ولا علاقة لهم بالتدخل في السياسة وتوجيه ارادة الناس...
اما الان, فيتم استثمار وجود هؤلاء الزعماء الشيعة لتجميل سياسة الإحتلال ومحاولة السيطرة الدينية والسياسية على عقول الناس...
وفي زمن البريطانيين كانوا ينفون بعض رجال الدين الشيعة الى ايران بحجة ان تبعيتهم ايرانية...
أما الان, فرجال الدين الشيعة من التبعية الإيرانية هم الذين يشجعون على بقاء الإحتلال وينصحون الناس بقول نعم للدستور الجديد !

بينما زعماء الطائفة السنية يلعبون دور المعارضة الان بعد ان تم تهميشهم و توجيه التهم ضدهم بانهم مشاغبون وبعثيون وصداميون والخ من التهم السخيفة الزائفة, مما جعلهم يختارون ان يكونوا زعماء المعارضة الدينية ضد الإحتلال, والمعرضين دائما للقتل او السجون.....
يعني السمعة الان على الشيعة في العالم الإسلامي انهم خونة ومتواطئين مع الإحتلال الأمريكي, لولا ظهور قادة دينيين شيعة ضد الإحتلال مثل الصدر والخالصي وغيرهم...
سبحان الله, هؤلاء تكررت اسماء عائلاتهم بشكل مشرف كما كان يفعل اجدادهم زمن الإستعمار البريطاني حيث كانوا قادة المعارضة الوطنية الدينية............
********************************
أما الأكراد, فقصتهم مختلفة....
كلنا نذكر قصة الزعيم الكردي التركي عبدالله اوجلان في التسعينات حين تم اعتقاله وتخديره واخذه الى السجن كأنه مجرم ارهابي, رأينا المشاهد المؤلمة على التلفزيون, ليكسروا بها نفسية الأكراد الأتراك المطالبين بحكم ذاتي في تركيا....ورأينا مظاهرات في كل اوروبا تطالب باطلاق سراحه لكن لم يهتم احد من حكومات الغرب, ولم يطلق سراحه ولم يؤيدوا قضية الاقلية الكردية في تركيا...
لماذا ؟
لأن قصة الأقليات هذه لعبة يتم اللجوء اليها عند الحاجة...
استعملها الآن الإحتلال الامريكي مع قادة الاكراد العراقيين , وليس مع الشعب الكردي, لمنافع سياسية واقتصادية خصوصا لتواجد النفط والغاز هناك في شمال العراق, وكيفية استثماره والإستفادة منه بعيدا عن حكومة مركزية عراقية............

*******************************
رغم انني من عائلة شيعية معروفة جيدا في العراق, ونسب العائلة يعود الى جدنا الحسين عليه السلام والى علي بن ابي طالب رضي الله عنه والى محمد صلى الله عليه وسلم...لكنني ضد أن أقول للشيعة تعالوا ننفصل عن العراق, او تعالوا لننتقم من السنة , او انهم اعداؤنا , هذا كله كلام فارغ لا يفيد أحدا سوى المحتل, ويصب في مصلحته, ويبرر بقاءه, ...
نحن مسلمون, هكذا أفهم هويتنا....
سني أو شيعي....نحن مسلمون وأخوة, ولا يحل لمسلم ان يعادي أو يقتل اخاه المسلم أويصادق الأجنبي ويضع يده بيده ليقتل أخاه...
هذه حقيقة بسيطة كلنا نعرفها ولا تحتاج الى فتوى عالم دين.........
وببساطة أخرى : عدونا واحد هو الإحتلال, وينبغي أن نضع أيدينا معا , لنخرجه من العراق....
واللعنة على كل من يفرق العراقيين ويضيع وحدتهم وقوتهم.........
*******************************************
عندي أمل كبير أن الإحتلال سيهزم....
وكل من تعاون معه سيسقط...
وسيكتب التاريخ مرة اخرى...ان بغداد سقطت, ونهضت من جديد...
كما سقطت من قبل بيد المغول, ثم العثمانيين, ثم البريطانيين .... ثم نهضت, ورأينا أيامها الحلوة الذهبية , قبل أن تعبث بها ثانية أصابع آثمة من الداخل والخارج...
يقولون ان الخليفة ابو جعفر المنصور عندما نوى بناء بغداد وجعلها العاصمة للدولة العباسية, أتى بالمنجمين والعلماء وقال لهم أنبؤوني ما مصير هذه المدينة...
قالوا له انها ستشهد أياما عصيبة, وأياما جميلة كلها أمجاد , وانها بعد كل مرة تسقط وتتحطم, تعود وتنهض من جديد.....
بغداد حبيبتي....
ستنهضين من جديد ...وتنفضين غبار الغزاة والمحتلين وقرودهم يوما ما....
وسيعود العراق كله مشرقا حرا مستقلا...شعبه واحد , وأرضه واحدة...
ويسود السلام نهري دجلة والفرات ونخلات العراق العاليات....
وسيضحك أولادي واحفادي يوما ما حين يقرأون التاريخ ... بعد عشرات السنين ...
كما قرأته اليوم وعرفت كيف عاش أبي وأمي وأجدادي رحمهم الله....
وضحكت من فشل المحتلين و المستعمرين وهزيمتهم....
وابتسمت لقوة وشجاعة وصبر العراقيين الشرفاء...
وتأسفت على حقارة المتواطئين والخونة وبائعي الأوطان بأثمان زهيدة...
كلهم مضوا الى عالم آخر..
الطيبون والأشرار....
الوطنيون والخونه.......
لكن بقي التاريخ يتحدث , ويحكي كل انواع القصص.....
والعاقل من يفهم الدرس جيدا........ويبتسم



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives