A Family in Baghdad

الثلاثاء 2 آب 2005
مساء الخير...
انقضت الأيام الصعبة, أيام المحنة واعتقال ابني في أحد سجون بغداد.
والله ألمي لم يكن من أجله فقط, ألمي كان ومازال من أجل كل الأمهات العراقيات البائسات اللواتي
فقدن اولادهن منذ ايام صدام حسين ولحد الآن...لم يتغير شيء...نفس الطاسة ونفس الحمام كما يقولون في المثل.
تذكرت احدى قريباتنا زمن صدام حسين والحرب على ايران وطرد كل من له تبعية ايرانية
كانت العائلة من أصول ايرانية , وابنها كان قد تخرج للتو من كلية الهندسة, كان اسمه عامر وعمره حوالي 23 سنة,
ودخل العسكرية للخدمة العادية, ثم اكتشفوا انه ينتمي لتنظيم حزب الدعوة
( الموجود حاليا في العراق ورئيسه ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء)
كنت وقتها اعيش خارج العراق مع زوجي واولادي, لم أشهد ظلم صدام حسين كله, لكني سمعت القصص من امي رحمها الله
ومن اخواتي واخواني واقربائي وصديقاتي الذين ظلوا هناك خلال حرب ايران, وعندما عدت للعراق عام 1991
كان نظام صدام حسين قد بدأ يضعف, والناس صاروا يتكلمون علنا, ينتقدون أحيانا, ويسبون أحيانا .... أو يحكون نكاتا تستهزأ منه
علنا في كل مكان....
*******************
قالت لي أمي رحمها الله ان قريبتنا تلك , بعد ان قبضوا على ابنها واخذوه للمخابرات ( كان هذا في عام 1980 تقريبا ),
دارت على كل الناس
تطلب الوساطة والمساعدة,لكن لا احد يقدر, ليس لأنهم انانيون, بل لأنهم يخافون النظام وجبروته,
والتهمة قاسية جدا, لااحد يورط نفسه بالوساطة, سوف يرموه داخل زنازين المخابرات مع الذي جاء ليدافع عنه.
وكانت تحمل القرآن بيدها وهي تدور من دائرة مخابرات الى أخرى... دون الحصول على نتيجة ايجابية.
ثم , وبعد زمن لا اتذكره هل هو اسابيع ام شهور,ارسلوا لها كتابا يقول انهم اعدموا ابنها وعليها الحضور لإستلام جثته
ومنعوها من اقامة الفاتحة ومراسيم العزاء له.....
وتقول امي انها استلمته وقد طالت لحيته وآثار التعذيب واضحة على جسده...
ثم اختفى اخوه الطبيب من أحدى مستشفيات بغداد أثناء ساعات الدوام الرسمي, ولحد الان لم يجدوه....
أخذت المراة ما تبقى من بناتها واولادها, وتركت القصر الذي كانت تعيش فيه, وهربت الى سوريا لتعمل وتعيل أولادها فقد كانت ارملة.
وللآن لم تعد للعراق, ما زالت تعيش في دولة اوروبية , ربما ما زالت ترى طيف اولادها الضحايا يحومون حولها هناك...
************************************************
تذكرت قصة تلك السيدة وابني في المعتقل...لم اذرف الدموع, كان كياني كله في حالة انكماش وتجمد....
كم واحدة مثلها في العراق؟
ولماذا وافق بعض العراقيين على الحرب وساندوها؟
اليس من أجل رفع الظلم عن الناس, وايقاف تحطيم قلوب الأمهات والآباء على اولادهم ؟
اليس من اجل بناء بلد جديد ينعم بالأمان والطمأنينة, حيث نخرج نحن واولادنا ولا نخاف
ان يختفون لأن ثمة من اعتقلهم ورماهم في زنازين مظلمة...
أو يعذبوهم ويقلعون أظافرهم ويحطمون أسنانهم وعظامهم لإجبارهم على الإعتراف بجرائم لم يرتكبوها؟
لكن بعد اعتقال ابني, اكتشفت انهم اعادوا للخدمة نفس المجرمين السابقين أيام صدام حسين, للتحقيق مع الناس...
يضربون ويهينون ويعذبون كل مشتبه به .
ثم , حسب الحظ, يطلق سراحه وتدفع عنه فدية, أو يختفي ويذهب في داهية...
وأمه ستحمل صورته وتدور لتبحث عنه في كل المعتقلات والسجون العراقية القديمة والحديثة...
لا يحق لأهله أن يعرفوا اين هو...
ولا يحق لهم تكليف محامي للدفاع عنه...
ماذا تغير في العراق الجديد عن القديم؟
**************************************
وتساءلت دائما اثناء محنتي وبعدها : هل سأذهب للعراق يوما ما لأنتقم من الذين آذوا ابني وأهانوه وظلموه؟
هل ستأتي قريبتي تلك لتنتقم من الذين اعدموا اولادها؟
هل هذا هو الحل لمشاكل البشر؟
الإنتقام وسفك المزيد من دماء الأبرياء؟
من كرس هذه العقلية الهمجية لتتحكم بنا اليوم؟
الذي شن الحرب على الإرهاب , أم الذي شن الحرب على العراق؟
أم هذا أم ذاك....
كلها قصص تافهة مضللة رخيصة لا تفيد البشر ولا تنجيهم من الظلم والظلمات....بل تدفعهم للسقوط في قعر بئر لا قرار له....
وهكذا هو العالم اليوم....ينحدر قليلا قليلا الى قعر بئر مظلم لا قرار له....
من سيوقف هذا الجنون ؟
هل تبقى في العالم ثمة عقلاء يقفون ويقولون : كفى !
*************************************
مشكلة العالم اليوم هي كما يلي...
ثمة أقوياء متنفذين حاقدين ومسعورين موجودين في نقطة مركزية ....يحركون اصابعهم ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة هنا وهناك...
وثمة قيادات محلية في دول العالم الصغيرة , تابعة لتلك النقطة المركزية , تنصاع وتخاف وتنفذ سياسات هذه الفئة الشريرة...
ودائما القرار بيد هذه القيادات الفاسدة الشريرة هنا وهناك...
وثمة شعوب مسكينة مغلوبة على أمرها, هنا وهناك,
وثمة مثقفين ومحبين للخير والسلام هنا وهناك, لكن ليس ثمة من يستمع لهم..
المال والنفوذ والقرار بيد الأشرار الأقوياء الفاسدين...
هذا هو مختصر الحال على الكرة الأرضية الآن, دون ذكر أسماء أشخاص أو دول....
*********************************************
الحال لا يدوم....لا بد من تغييره الى حال أكثر جمالا ونقاء ويليق بانسانيتنا....
كيف؟
ومتى؟
هذه هي الأسئلة الصعبة...
وهذه هي مسؤوليتنا جميعا لنفكر ونعمل سوية على احداث التغيير...
هذه ليست مسؤولية فرد , انتهى عصر الأنبياء والمعجزات...
لكننا ما زلنا نحمل بداخلنا نفس المباديء من حب الخير والعدالة والسلام..
وينبغي ان نعمل سوية من أجل جعلها حقيقة على الأرض...
والله الدنيا صارت كريهة ولا تستحق العيش ما دام فيها ظلم وصمت....
كثير من الناس كانوا يتساءلون : ماذا فعلتم حين كان صدام حسين يظلم العراقيين؟
حسنا , السؤال الآن نفسه : ماذا نحن فاعلين لنوقف هذا السيل الجارف من الشرور والظلم الذي يجتاح العالم كله ؟
هل سنلوذ بالصمت والغباء والسلبية مرة أخرى ؟
***************************************************