Saturday, December 04, 2004

 
الإثنين 29 تشرين ثاني 2004
مساء الخير...
الجو في بغداد بارد جدا....
والكهرباء تنقطع لفترات طويلة, والماء بارد جدا من الحنفية..لم اتمكن من غسل شعري منذ ثلاثة ايام, قررت اخيرا ان اسخن قليلا من الماء على الطباخ ثم اغسل شعري على المغسلة.
توجد ازمة في توفر البنزين و النفط وغاز الطبخ واسعارهما ارتفعت ثانية بطريقة مزعجة.
****************************************
المواجهات ما زالت مستمرة في مناطق مختلفة من بغداد..
الدورة والعامرية والغزالية وشارع حيفا وابو غريب وحول المطار طبعا...
بين المقاومة وقوات الإحتلال, وبين جماعات (لا أدري من هم,هل اسميهم مقاومة أيضا ؟) حاقدة على الشرطة العراقية والحرس الوطني.
يقولون أن التسعيرة كما يلي:
من يقتل شرطيا عراقيا له 1000 دولار.
ومن يقتل حرسا وطنيا له 3000 دولار.
لا أدري, من وضع التسعيرة ومن يدفع...
لكن النار تشتعل في بغداد ومدن أخرى من العراق( الموصل, بعقوبة, الرمادي,وطبعا الفلوجة....).
***************************
وعندما تشتعل المواجهات,يقل تواجد الشرطة العراقية في الشوارع,وتصبح فرصة ثمينة للصوص والمجرمين
للخطف والقتل والتسليب.
الناس كلها خائفة...وأنا واحدة منهم.
لا تعلم ممن تخاف....
من عصابة تخطفك, أو تغتالك,أوأي فرد من عائلتك,أو من مداهمة الجيش الأمريكي لبيتك.
لا تدري من أبن ستأتيك الضربة.
من اليمين أم من اليسار؟
من الأمام ام من الخلف؟
كل الجهات خطرة, ولا تعلم أنت مستهدف ممن؟
من هو عدوك ومن هوصديقك؟
لا أحد يعرف.....
الذين هم يؤيدون المقاومة,تداهم بيوتهم ويعتقلون, وربما حدث هذا لأبرياء لا علاقة لهم بأحد, تتحطم بيوتهم وأثاثهم ثم يعتقلونهم لعدة أيام ثم يعتذرون لهم ويطلقون سراحهم...
أين يمكن صرف شيكات الإعتذار؟؟؟في أي بنك؟
هه...إعتذار...
ما يفيد بعد إهانات ورعب؟؟
وخسائر مادية في البيوت واثاثها, ومصادرة الموبايلات والكومبيوترات التي في المنزل,من يدفع التعويض عنها؟
ومن يردها لأصحابها؟
هذه التصرفات تدعم نظرية ان الحرب عمل لا أخلاقي, ولا ينتمي الى عالم الحضارة والقيم والمباديء والعدالة.
*************************************
وإن كنت ممن يؤيدون الأمريكان أو ممن يعمل معهم, فأنت مهدد بالقتل أو حرق بيتك أو محل عملك.
من هو المرتاح؟؟
الذي بلا شيء؟؟
الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم...
هههه...
والله حتى هذا تأتيه ضربة من أحد الأطراف ويذهب ضحية بلا ذنب, كالمدنيين الذين يموتون يوميا وهم بلا ذنب
سوى أنهم كانوا في الشارع أو البيت, والمواجهات الساخنة إشتعلت بقربهم.
هذه هي الفوضى...
لو كان ثمة من يقولها الف مرة أمامي, يوما ما, ما ادركت كم هي قبيحة هذه الكلمة على أرض الواقع.
لكنها تعني الخراب والدمار....
وسقوط كل شيء...
سقوط النظام الذي يحكم الناس وعلاقاتهم ببعضهم, سقوط القوانين, سقوط الأخلاق, والمباديء والقيم.
يا إلهي, كيف يمكن ان يكون شكل الحياة,بلا أنظمة,بلا قوانين,بلا أخلاق, بلا أي شيء يضبط الوحش
الذي بداخل الإنسان؟؟
نعم...تصبح الحياة جحيما...وهذه هي حياتنا اليوم.
جحيم من الخوف , والرعب والقلق, مما يحدث يوميا...ومما سيأتي...
هل سيكون أسوأ؟؟
كلنا نتساءل؟؟
*************************************
أعرف ثمة حديث للرسول محمد عليه الصلاة والسلام يقول ما معناه, إن الفتنة حين تجيء تشبه العاصفة الرملية في الصحراء...والذين يمشون وتحدث امامهم هذه الحالة, تختلف ردود أفعالهم.
البعض يستمر في المشي رغم ضياع الرؤيا..فيتوه في الصحراء, ان مشى يمينا او يسارا أو الى امام أو الى الخلف..كل واحد يظن نفسه يسلك الطريق الصحيح...
هل هذا ما يحدث للناس اليوم هنا؟؟
ويقول في الحديث, ان العاقل من جلس مكانه وانتظر حتى ذهاب العاصفة, ووضوح الرؤيا....
أليس هذه هي حياتنا اليوم, والمتاهة والحيرة التي تعصف بنا جميعا هي فتنة من نوع ما.....
****************************************
بوش وحكومة علاوي يعملان بأقصى قوة ممكنة لضبط الموقف. وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.
والجهات التي تعاديهم, أيضا تعمل بأقصى قدرة لإستمرار المواجهات والفتال ....والوسائل المشروعة وغير المشروعة.
والناس في ألم وإحباط كبيرين.
نريد السلام والأمان.
نريد إعادة البناء ورؤية مستقبل جديد لأولادنا.
مللنا هذا القرف اليومي, والعنف والكراهية.
من سيقدر على مساعدتنا؟؟
**************************************
بيتنا الجديد في منطقة اكثر امانا من المنطقة السابقة.
الحمد لله.
البيت السابق كان بمنطقة قرب المطار...طريق المطار دائما أسميه طريق الموت.
كل يوم فيه تفجيرات ومواجهات وقتلى من امريكان وعراقيين مدنيين أبرياء.
سكن حارس وعائلته في البيت.
بالأمس قال ان نوافذ البيت تحطمت بسبب إنفجار قرب البيت,ثمة من ألقى قاذفات على رتل يمشي في الشارع العام صباحا.
تحطمت نوافذ بيتنا السابق ونوافذ بيوت الجيران.
كنت سابقا أبتسم حين أحكي قصصا مثل هذه, لكني وجدت نفسي ما عاد لي رغبة بالإبتسام...فهذه القصص صارت مملة وسخيفة.
دفعت له ثمن تصليح الزجاج, الرجل لا يملك إمكانية تركيب زجاج النوافذ بمعدل مرة واحدة كل اسبوعين.
ما ذنبه؟
لكني في هذا البيت أسمع فقط اصوات سيارت الإسعاف وشرطة النجدة...منذ الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من الليل.
يوجد حولنا مستشفيات حكومية ومراكز شرطة...وكلما سمعت صوت صافرات السيارات توقعت وجود مواجهات وقتلى وجرحى...
في معظم الأيام افتح عيوني في الصباح قبل السابعة, واسمع اصوات اطلاقات نارية بعيدة وانفجارات..
واتمتم مع نفسي: يا ساتر...ثمة قتلى ودماء تسيل منذ الصباح ...
كنت طوال حياتي أحب الصباح...أجده الوقت المناسب لذكر الله, وتفقد الحديقة والتمشي فيها, والإنتعاش من برودة الجو, وسكون الشوارع..
لكنه الان صار يعني مهاجمات واغتيالات....لعنة الله على من شوه حياتنا...كائنا من يكون.
*****************************************
حدثت مصادمات بين الحرس الوطني العراقي والمصلين في جامع ابو حنيفة في الاعظمية.
ثمة أناس يقولون انهم حاصروا الجامع للتفتيش فقط, وثمة قصص تقول انهم دخلوا الجامع باحذيتهم واطلقوا النار على المصلين.
وفي اليوم الثاني إشتعلت النيران في منطقة العامرية,هاجم ملثمون مركز الشرطة والحرس الوطني منذ الصباح,وقتال ومواجهات في الشوارع إنتقاما لما حدث في الاعظمية.
من يقتل من؟؟
عراقي يقتل عراقيا؟؟
الملثمون يتهمون الشرطة والحرس الوطني بالخيانة والتواطؤ مع المحتل...
والشرطة والحرس يدافعون عن حياتهم , وينكرون هذه التهم.
والناس تتفرج مندهشة...
*********************************
إغتالوا دكتورة تعمل مستشارة في وزارة ما, مع سائقها ومرافقها..قبل عدة أيام في بغداد.
وثمة عصابة قتلت سيدة شابة جارتنا في منتصف العشربن من عمرها واخذوا سيارتها البي ام دبليو قبل يومين عندما كانت تتسوق في الصباح...
وثمة جماعة إغتالت شابا يعمل مترجما مع الأمريكان بباب داره.
وثمة ملثمين فجروا مطعما في المنصور لأنه يبيع همبرغر للامربكان.
ومحل ببسي في العامريه لأنه يبيع ببسي للأمريكان..
من على حق ومن المظلوم؟؟
هل ثمة من يملك الجواب؟؟
شوارع بغداد تمتليء باللافتات السوداء,مكتوب عليها اسم الموتى, وكلمات رثاء جديدة صارت مألوفة :
الدكتور فلان ابن فلان أو الصيدلانية فلانة بنت فلان أو المهندس فلان أوغيرهم كثير....
على أثر حادث إجرامي جبان.
أو إغتالته يد آثمة غادرة.
أو مات نتيجة طلقات طائشة من جيش الإحتلال.
أفكر دائما في الذين ماتوا في هذه الحرب وبعدها, وأتساءل: من أكثر سعادة؟
الذي مات أم الذي بقي على قيد الحياة...لماذا نحزن عليهم, أليس الذين على قيد الحياة هم الذين يستحقون الحزن عليهم والشفقة؟
ربما الذين ماتوا ارتاحوا...ويشفقون علينالأننا بقينا في الخوف والعذاب اليومي....
*********************************************
الأربعاء 1/12/2004
مساء الخير....
ما زال الجو باردا والكهرباء سيئة.
زرعت اليوم شتلات ورد جديدة في حديقتنا بعد عودتي من العمل...المشتل مقابل بيتنا...أتمشى كل يوم بعد الظهر لأرى النباتات الجديدة...كم هي جميلة وتنبض بالحياة.
في القرآن يصف الجنة انها مليئة بالزرع والثمار..والمؤمنون فرحون وهم يجلسون او يتمشون في حدائقها.
********************
كان يوم العمل مزدحما كالعادة.
عزام مسافر....
والعمل يتعبني ويرهقني...لكني سعيدة حيث أمتلك تجربتي واتحمل المسؤوليات بشجاعة تزيد ثقتي بنفسي.
طلبيات مود جديدة تاتي من خارج العراق, نعمل فريقا من المهندسين , ونجرد المواد, نرسل بعضها للمخازن, ونبقي البعض في المعرض, ونسجل كل شيء في قوائم.ونعلق قوائم الأسعار على البورد. , بعد أن نستلم أيميل من عزام بتسعير المواد الجديدة.
العمل يعطي ثقة بالنفس, والتعامل مع الناس يعلمنا الكثير...
توجد نوعيات كثيرة من البشر تمر علينا يوميا...بعضهم سهل لين, وبعضهم ثقيل مزعج..لكنني احاول إرضائهم جميعا...ونادرا ما أختلف مع زبون واكون حادة معه...نادر جدا...هذا العمل علمني كيف اكون أكثر صبرا ودبلوماسية ومحبة في التعامل مع الناس.
حب الناس واحترامهم, فن عظيم, تعلمته في المحل, ومن عملية البيع المباشر للناس.
كنت طوال حياتي اعمل مهندسة تصاميم في المكتب...وعندما افتتحنا هذا المحل( زوجي وانا) قبل سبع سنوات, كنت خائفة ومرتبكة, كيف سأتدبر امري...كنت أتصل بعزام في مكتبه عشرات المرات أسأله عن كل صغيرة وكبيرة...أما اليوم, فقد تعلمت كيف ادير العمل حتى لو غاب لشهور طويلة...
متعبة جدا....لكن سعادتي بإدارة العمل تنسيني آلامي.
النجاح سعادة....سواء بتربية الأولاد ورؤيتهم ناجحين في الحياة, أو تحقيق نجاحات في العمل,أو العلاقات مع الناس...
لماذا أرى النجاح أحيانا مرتبط ببعضه البعض؟
يعني كما يقولون النجاح يجر نجاحا آخر...
لا أظنه مسألة حظ...إنما هي أسلوب في الحياة.
وكذلك الفشل...ليست مسألة حظ...بل هي ربما أيضا أسلوب في الحياة.
************************************
اليوم دخل الى المحل زبون شاب...رأيته انيقا , مبالغ في أناقته..
كأنه ذاهب الى حفلة.
في البداية تجاهلته...وكنت اتكلم مع سكرتيرتي السابقة عن موضوع ما...ذهب اليه أحد المهندسين ليرى طلبه.
ثم جاء به الي...قال انه طبيب اسنان ويبحث عن شمعة لمنع حدوث التكلسات على جهاز طبيب الأسنان.
السكرتيرة قطعت حديثا ونظرت اليه ثم ضحكت...والتفتت الي..نظرت اليها وضحكت, ثم نظرت الى دفتر الحسابات محاولة إخفاء ضحكتي.
فهمت ضحكتها...كان شابا غاية في الجاذبية والأناقة..ربما في بداية الثلاثين من عمره.
لا اعرف ماذا يفعل الرجال حين يرون إمرأة غاية في الجمال...أظنهم يضحكون ويرتبكون مثلي, أم ماذا ؟؟
لست ادري كيف يفكرون...
كان ثمة حوار طويل عن الفلاتر المناسبة للعيادة وكتلوجاتها وأسعارها.
وكنت اجيب على أسئلته واتجنب النظر اليه حتى لا أفتن...
والله أضحك وأتذكر هذا...
الرجل عادة يفتن بالمرأة...ويفعل الحماقات.
ونادرا أسمع إمرأة فعلت هذا...وعندنا في القرآن قصة يوسف وإمرأة العزيز وما فعلته من حماقات, وصارت حديث المدينة.
لو كنت في العشرين من عمري وقابلت رجلا كهذا لكان من اولويات حياتي هي كيف أفوز بقلبه...
ههه...
أما اليوم فأراها فكرة سخيفة, حتى لو كنت امرأة مستقلة بلا ارتباط..
تغيرت أولوياتي في الحياة كثيرا...
رأسي مشغول في التاريخ والجغرافيا والدين وصراع الحضارات والحروب السخيفة وآثارها المدمرة على البشر.
لا أدري....
بطريقة ما تغيرت أولوياتي في الحياة...
ما عادت الملابس والأحذية والكوافيرة والمجوهرات موضع اهتمامي أبدا...
عندي الكثير منها ومللته, ما عاد يعطيني السعادة.
هل هو العمر أم الظروف؟؟
لا ادري...ربما الحرب تغير مزاج البشر.
***************************************
هذا الأسبوع كانت معظم الطلبات في العمل هي منظومات معالجة المياه لحالات الطواريء في الفلوجة.
ثمة منظمات انسانية, أو محلية, تحاول تأمين مياه صالح للشرب لأهالي الفلوجة الذين سكنوا مخيمات خارج مدينتهم.
رتبنا لهم منظومات طاقتها الانتاجية 100 متر مكعب في الساعة, فلاتر رملية ثم منظومات حقن كلورسائل او غاز.سيكون مصدر المياه من ماء النهر....
في الليل, عندما أذهب للنوم في غرفتي...الغرفة باردة جدا...الكهرباء مقطوعة معظم النهار..ولا أشعل الصوبات الكهربائية...الغرفة رطبة وباردة...أختبيء تحت الاغطية وانا ارتجف...وأتذكر اهل الفلوجة الذين فقدوا بيوتهم وسقوفا تأويهم وتقيهم من برد الشتاء...ينعصر قلبي ألما...وما اعود أفكر ببرد غرفتي.
****************************************
أرسل رائد من عمان قبل يومين 18 كرتونة من الأدوية , دفع ثمنها من حملة تبرعات اعلنها على موقعه.
الأدوية تتضمن,أبر مختلفة لمعالجة الإلتهابات أو منعها بعد العمليات وقطن وكحول طبي وسرنجات وأدوية مختلفة للجروح والحروق...
الأغراض أرسلها مع فتاة عراقية قادمة من عمان الى بغداد...
ذهبت صباح أمس الى بيتها مع سائقي وسيارة بكب إستأجرناها , وأخذنا الأدوية من الأعظمية, وصورت الأدوية وأرسلت الصور لرائد بالإيميل , ثم ذهب طبيب صديق العائلة الى الفلوجة ليسلمها للمستشفى, فوجدوا ان كافة المنافذ مغلقة الى هناك..وان ثمة منطقة تابعة لقطاع الفلوجة إسمها الكرمة, فيها اطباء مستشفى الفلوجة يعملون في مستوصف الكرمة , والمستفيدين هم أهالي الفلوجة المهجرين الى تلك المنطقة.
تم تسليم الادوية الى المستوصف, وعاد البكب بمن فيه الى بغداد بعد الواحدة ظهرا...ومعهم قوائم الأدوية مختومة وموقعة من مدير المستوصف وطبيب مسؤول قسم الباطنية.
بغداد تمتليء بالعوائل القادمة من الفلوجة الى أقاربهم...الأقارب صاروا محتاجين لمساعدات لتسديد نفقات عوائل تعيش عندهم... مثلا مواد غذائية وملابس وبطانيات وفراش إضافي...والدنيا برد...ثمة حاجة لوقود وصوبات أيضا...
الناس تساعد وتتبرع....عن طريق الجوامع أو جمعيات صغيرة بين البيوت.
أتمنى أن تنتهي محنتهم ويعودوا لبيوتهم, وتعمر الحكومة ما دمره القتال والإشتباكات هناك, كما وعدت...
أتمنى أن يتحقق ذلك باسرع وقت ممكن.
أثناء القتال في الفلوجة, كانت عناوين الصحف التي تناصر الحكومة, تقول : 140 مليون دولار إعمار الفلوجة.
هههه..
كنت أبتسم حين أراها, وأتذكر العوائل المشردة في الهياكل والخيام والبرد القاص..
وأسأل الذين بجانبي : هل هذه كلمات مثل أبرة البنج لتسكين الألم؟
هل هذه وعود ستتحقق ام لتسكيت غضب الناس؟؟
الله أعلم...والأيام سترينا الصدق من الكذب.
*****************************************
قبل حوالي اسبوعين وصلتني دعوة عن طريق الإنترنت لحضور مؤتمر للنساء العراقيات صاحبات المهن , في قصر المؤتمرات.
عزام كان معترضا كالعادة,. وقال ان الحالة الأمنية لا تسمح...لكنني كنت سأموت من الفضول إن لم أحضر..ههه
اتفقنا نحن مجموعة من المهندسات على الذهاب والمشاركة.
معظم صديقاتي في الجمعيات يذهبن لقصر المؤتمرات بمعدل مرة أو أثنتين اسبوعيا...لمقابلة منظمات اجنبية وطلب تمويل لمشاريع, أو التعرف على اناس جدد ومهمين...وطبعا ولا تمويل ولا مشروع لحد الآن...كله كلام جميل ووعود...أحلام واحلام...لم يتحقق منها شيء بعد...
**********************************
وصلنا قصر المؤتمرات..وذهب السائق لينتظرنا في الكراج القريب حتى نهاية الإجتماع...
كان ثمة شبك شائك, رأيت الشباب يحملون الكاميرات يلبسون الجينز يقفزون فوقه ويمضون الى داخل الممرات التي يحيطها براميل اسمنتية معبأة بالرمل...كانها جبهة قتال...كأنها؟؟
إنها حقا جبهة قتال هنا..دائما تسقط قذائف مورتر على المنطقة الخضراء...وأظن قصر المؤتمرات يعتبر جزءا منها...
جئت لأعبر فوق الشبك, صرخت صديقتي محذرة, لكني لم أسمعها, ووجدت نفسي قد اصطاد الشبك بنطلوني القماش , وما عدت أقدر على الحركة...جاء الحراس ليدوسوا على الشبك بأقدامهم...وصرخت عليهم لأنهم لم يسمحوا لنا ان نمر من البوابة...وفصلوا البنطلون عن الأشوالك الصغيرة التي تعلقت به...وتقريبا تلف قماش البنطلون ...تنسلت الخيوط منه وخرجت...وحزنت عليه فهو جزء من طقم جميل لا ألبسه الا في المناسبات السعيدة. ههه. أين السعادة هنا اليوم ؟
مررنا عبر ممرات التفتيش المملة,وأظهرنا بطاقاتنا الشخصية عدة مرات, وتفتشت حقائبنا عدة مرات,وكذلك اكتافنا وصدورنا وظهورنا...يا لها من ورطة...
وقلنا حوالي عشرين مرة كلمة good morning وابتسمنا وجاملنا كل من رأيناه من عراقيين وغير عراقيين..
ثم دخلنا أخيرا القاعة الواسعة للقصر, أقصد قاعة الهول الداخلي...السيدات العراقيات يتكلمن ويسلمن على بعضهن, ثم يسلمن على رجال وسيدات امريكيات ويعرفنهم سابقا...وبينهم قضايا معلقة...
وقفت على جنب...شعرت بوحشة....هذه ثاني مرة ادخل الى هنا...المكان له تأثير على نفسي...ثمة شعور بالرهبة, والحزن, كانت هنا المؤتمرات للوفود العربية والاجنبية, وكان ثمة دولة عراقية لها هيبة وكيان رغم سيئاتها ودكتاتورية قائدها...والآن ذهب كل شيء....العراق الآن دولة ممزقة تعيث بها رياح الفوضى والدمار...
وقصر المؤتمرات هذا صار مركزا مهما لقوات الإحتلال...يتمشى بعض الجنود وهم يشربون النسكافيه, وفي بعض القواطع مكتوب على لافته : ممنوع الدخول...منطقة خاصة بالجيش .
مرسوم على الإعلان علم امريكي...
إنكسر شيء في داخلي...وذهبت بهجة يومي...
شعرت بحزن وذل....لا ادري كيف أشرحه.
نظرت الى الحديقة الخارجية الخضراء....والثيل...والنخلات...يتمشى بينها أفراد من الجيش الأمريكي...من كان يتخيل أن هذه ستكون موطيء أقدامهم؟؟
لا أعرف....
أرى رجالا وسيمين...بعيون ملونة, ووجوه جميلة...لكنهم غرباء...وملابسهم العسكرية تكسر قلبي...وتقول أن ثمة مصيبة حدثت وإحتلال...
من يعرف معنى إحتلال؟؟
أن يتمشى غرباء في بيتك...ويتصرفون كأنه بيتهم.
ولا تقدر ان تقول لهم : ماذا تفعلون هنا؟؟
ومن جاء بكم؟؟
وبأي حق دخلتم بيتي؟؟
غير مسموح أبدا أن تتطاول عليهم.
فهم اليوم سادة البيت, وكلمتهم هي التي تطاع.
********************************
في قاعة الإجتماع كانت ثمة نساء عراقيات يجلسن , ونساء امريكيات يقفن على المنصة.
بعضهن مدنيات, وبعضهن عسكريات.
ثم فهمت أن منهن مهندسات, يشرحن كيفية تعبئة الإستمارت الخاصة بالمقاولين .
أثناء النقاش كانت العراقيات يعترضن ويقلن انهن قدمن كل الشروط ولم يعطوا شركاتهن عمل طوال الشهور الماضية.
قالت المهندسة الأمريكية ان هذه شروط جديدة, وخلال ال60 يوم القادمة ستنفذ مشاريع جديدة.
وتذكرت السيدة الأمريكية التي جاءت من الكويت وقالت أنها ستاتي بتمويل لجمعيات عراقية, وأن ثمة مشاريع لشركات بريطانية تريد من مقاولين عراقيين تنفيذها ستبدا الشهر القادم...
وطبعا مضت الشهور, ولم بحدث أي شيء...
رأيتها اليوم تبتسم وتقف هناك...سألت صديقاتي عنها...قالوا : لم نحصل منها على شيء...فقط كلام ووعود..
نظرت للعراقيات الجالسات, أكاد أعرف معظمهن...من مهندسات, أو طبيبات, أو صاحبات جمعيات نسائية.
كلهن شبه عاطلات عن العمل....يذهبن دائما لقصر المؤتمرات, للبحث عن إستثمار أو مقاولة او تمويل...مخاطرات بحياتهن...وسمعتهن.
فكرت مع نفسي, ماذا أفعل هنا؟؟
عندي عمل كثير في المحل ينتظرني...
ومد اليد للتعامل مع الأمريكان موضوع أتردد فيه كثيرا.
ما زالت الأوضاع غير مستقرة وغير واضحة, ولا نتفق جميعا على صفاء نية المحتل, ما زالت نيته مثار شكوكنا وموضوع جدالنا , فكيف نضع يدنا بيدهم ونتصرف بحماقة ونخاطر بحياتنا؟
قررت أن اغادر القاعة...
مع احترامي للموجودات وأسباب حضورهن...كل واحدة لها ظروفها.
وظروفي وقناعتي تنصحني بالإنسحاب.
لو انني قابلت هؤلاء النساء الأمريكيات في ظروف اخرى, ومكان آخر...وزمان آخر..ربما كنا سنكون صديقات.
اما الان فقد رأيت انني في المكان الخطأ ومع الناس غير المناسبين.
عدت للمحل, فوجدته يمتليء بالزبائن, وضحكت وقلت للموظفين : أم رائد رأس العمل وذراعه وساقه...
إن غابت عنكم ...صارت الامور معقدة وصعبة...
ضحكوا وقالوا : إي والله...
نعم, مكاني هنا..أساعد الناس بمعرفتي وعلمي, بدل المخاطرة بحياتي من أجل حماقات.
ناقشنا كل الإحتمالات لتصنيع منظومة طارئة لتعقيم مياه النهر لأهالي الفلوجة في مجمعات قرب المدينة.
كنت انوي إعطائهم فلاتر تصفية ثم اجهزة الترا فايوليت للتعقيم.
لكن التي عندنا حاليا لا تقدر على انتاج طاقات كبيرة , فأقترحنا منظومات حفن كلور غاز او سائل بعد التصفية.
ووقعنا العقد مع مقاول عراقي.
الاسبوع القادم سيكون التجهيز والتنصيب ان شاء الله.
*****************************************************

في اجتماع شرم الشيخ , طلبت فرنسا من أميركا أن تحدد جدولا زمنيا لإنسحاب الإحتلال من العراق, لكن أميركا رفضت ان تجعل من هذا الموضوع نقطة حوار...
بعض الأصدقاء الأمريكيين يكتبون لي بالبريد الإلكتروني محاولين إقناعي ان لا مطامع لأميركا في العراق, وإنها ستنسحب فور حصول السلام في العراق...أتمنى ان أكون ساذجة أصدق هذا الكلام...
واقع الحال هنا يقول انها ستبقى الى الابد...هذه الفوضى والقتال اليومي, والوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم.
قبل ستة شهور كان الوضع أحسن...كان ثمة منظمات اجنبية تعمل..وشركات اجنبية وعربية للمقاولات وتنفيذ المشاريع..الآن كلهم هربوا من العراق...كأن المجرمين ينتصرون علينا.
***********************************
الجمعة 3 /12/2004
الإنتخابات العراقية على الأبواب, والناس خائفة مما سيأتي.
تهديدات يومية لمن يوزع البطاقات الإنتخابية بالقتل وحرق محله وبيته.
وتهديدات بالقتل للناس إن شاركوا في الإنتخابات.
وهجوم على المجالس البلدية وقتل اعضائها في بعض مناطق بغداد.
اليوم هاجم مجرمون مركز شرطة منطقة كانت تسمى حي صدام, لا ادري ما اسمها اليوم.
قتلوا عددا كبيرا من الشرطة العراقية, وأطلقوا سراح المجرمين من السجن.ثم أحرقوا البناية.
إنتشر عدد كبير من الشرطة العراقية في المكان...بعد ماذا؟؟
بعد خراب مالطة؟؟ كما يقول المثل...
رأيت بالامس سيارة شرطة عراقية/ بكب , وعليها يقف رجال شرطة يلبسون أقنعة سوداء, ويشهرون بنادقهم بوجوه الناس...نظرت بذهول للمشهد , لست أفهم,الشرطة تخاف على نفسها اكثر من الناس...
اي جنون هذا ؟؟
والى أين نسير؟؟
إن كان الشرطي في رعب, فما يقول المواطن العادي البائس؟؟
هذه مهزلة,,,لكننا جميعا متشوقون لرؤية نهايتها.
هل حقا سنرى السلام هنا , وإعادة الحياة الى طبيعتها .
انفجرت سيارة مفخخة قرب جامع في الأعظمية, وسقطت قذائف هاون على بيوت في الأعظمية..
وذهب الناس لمساعدة الجرحى فانفجرت سيارة مفخخة وقتلت المزيد...
ويقولون في الأخبار إن الزرقاوي مسؤول عن مصائب الأعظمية اليوم؟
لماذا؟
المفروض إنه سني واعداؤه الشيعة, فلماذا يفجر ويحرق جامع السنة؟؟
من يقتلنا ويستهدفنا يوميا؟؟
القتلى العراقيين اكثر من قتلى قوات الإحتلال...من يقتلنا ويريد لنا الفناء...
من يلعب علينا ويستمتع بإسالة دماء العراقيين وتمزيق أجسادهم و حياتهم.
**********************************************
أقرأ في كتاب هنتنغتون : تصادم الحضارات.
الرجل يستعرض حضارات العالم الموجودة : الصينية والهندية واليابانية والإسلامية والغربية(اوروبا واميركا واستراليا ) واميركا اللاتينية..وايضا الأفريقية.
يقول ان التزايد السكاني للمسلمين يهدد العالم.
هممم..
هل هذا يفسر قتل العراقيين بلا مبالاة لتخفيف التزايد السكاني؟
ثمة من يقول ماهذه الافكار السخيفة؟
والله اريد ان اسمع الافكار الذكية المقنعة..
كل شيء هنا يثير حيرتنا وحزننا...يا ليتنا نعرف تفسيرا للجنون الذي يحدث هنا.
ثمة من يتسلى في هذه الفوضى ويقتل الناس كما لو انه يلعب لعبة قتالية على الكومبيوتر...
ويقول هنتنغتون ان ثمة متغطرسين في الغرب يظنون ان حضارتهم هي الأفضل وهي التي تستحق ان تحكم العالم.
أظن أن الفئة التي شنت هذه الحرب على العراق , هي من تلك التي تظن نفسها الأفضل , والأذكى, والأقوى.
وتقسم العالم الى (نحن) و (هم ) ....نحن المتحضرين وهم البرابرة.
ألم يستعمل بوش هذه الكلمات في خطاباته...لتبرير الحرب على العراق...
والجميع يدفع ثمن هذه الأفكار العدوانية, التي تعبرعن أفق ضيق, ومحدود, في فهم واستيعاب الكون.
العالم صار قرية صغيرة...والناس من ثقافات مختلفة يلتقون ويتعارفون, ويستمتعون بمعرفة تفاصيل حياة الاخرين, ويجدونها عملية ممتعة.
بينما الحروب, وخصوصا هذه الحرب على العراق, أثارت أحقادا ومنازعات, فرقت الناس عن بعضهم, من مختلف الحضارات, ولم تجمعهم.
تحت شعار محاربة الإرهاب والعنف صار الناس يخاف بعضهم بعضا ويسيء الظن به...
نحن ننظر للأمريكي أنه محتل متكبر يريد فرض رؤيته علينا...وعنده أسباب خفية ومصالح غير معلنة لشن هذه الحرب تحت شعارات معلنة غير مقنعة.
والأمريكي ومن معه من حلفاء, ينظر الينا كفئة متخلفة من البشر..جاء هو من أقاصي الأرض ليعلمنا الحضارة.
الحضارة الغربية.....فقط, لا غير.
بيننا وبينهم فجوة واسعة....
من سيقرب المسافات؟؟

نحن أم هم؟؟
نحن ندافع عن انفسنا ونتمترس خلف ثقافتنا وديننا وعاداتنا...
وهم يتمترسون داخل دباباتهم و طائراتهم....وخطط الحرب والقتال..
كيف يمكن ان تتحاور مع صاحب دبابة؟
هههه..
لا أظن ممكن ان نفتح معه حوارا..أي حوار.
حتى المدنيين الأجانب هنا الذين جاؤوا مع الإحتلال أو بعده لإعمار العراق,الدبابة تقف بيننا وبينهم, فتحطم العلاقة الإنسانية الجميلة التي ممكن أن تنشأ بيننا وبينهم.
*************************************
بعيدا هناك في اميركا , يوجد أناس ممكن ان نتحاور معهم عبر الإيميل, بهدوء...
أما الذين هنا , فبطريقة ما ثمة نفور وخوف وشك منهم...وكذلك هم يشعرون تجاهنا ربما...ثمة فقدان للثقة بيننا.
لا أحد متأكد من صدق نية الاخر...
العراقي ينظر للأجنبي انه جاء الى هنا ليستفيد ماديا اكثر منه لأسباب انسانية كمساعدة العراقيين البؤساء لبناء حياتهم من جديد.
والأجنبي يخاف العراقي, يظنه إرهابيا سيقتله أو يخطفه.
ثمة طرف ثالث مستفيد من هذه المعادلة...ويسكب الوقود لتظل النار مشتعلة بيننا وبين اميركا...
وأعود الى هنتنجتون, يقول أن الحضارة الغربية في أوج قوتها الان, وهي تحارب وتسيطر كقوة عظمى...لكنها في طريقها للزوال.
نعم, هذه الحروب تستنزف عمر أية امبراطورية وتعجل من نهايتها.
والنسبة التي تقارب نصف الشعب الأمريكي, ترفض هذه الحروب وهذه النظريات العدوانية للتعامل مع الآخرين.
بعد الحرب الباردة عاد تقسيم العالم من جديد ,ثمة أعداء جدد للغرب.
الحضارة الكونفوشية والإسلامية...كما يقول هنتنغتون.
نعم هذا يبدو واضحا, في السياسة التي يتبعها الغرب ضد الإسلام ...
ثم الخطرالصيني سيأتي لاحقا معالجته...
هل هنتنغتون يعبر عن العقلية الأمريكية التي تتحكم وتسيطر على العالم.
أم أن اصحاب المصالح وحب السيطرة الشريرة على العالم قد استفادوا من نظرياته...
لا نحن, ولا نسبة النصف تقريبا من الشعب الأمريكي يؤمن بنظرية تصادم الحضارت من أجل شن حروب...
الموضوع كله دائما يتعلق بمصالح فئة شريرة لا تجد الا في الحروب سبيلا للسيطرة على العالم.
مرة لأسباب أيديولوجية, ومرة لإختلافات حضارية,دينية وثقافية....
وثمة حمقى يسمعون ويصدقون...
***************************************
ولو كانت حرب حضارات حقا, لما عارضها جزء كبير من شعوب الغرب أو بعض قادة الغرب مثل فرنسا والمانيا., وما كان أيدها جزء من قادة المسلمين مثل باكستان...
هذه حرب مصالح ومنافع لفئة صغيرة من الأشرار...وقلبوا السياسة فجعلوا منها لعبة قذرة...يستعملون فيها كل الوسائل للقفز على الحبال واستعمال كل وسائل الكذب والخداع....
أسفي على هذا العالم....
أسفي لأنه صار بيد حفنة مثل هؤلاء...
يقودونه الى الهاوية كل يوم....
لكنني أؤمن أن ثمة من سيوقفهم عند حدهم...آجلا أم عاجلا...
آمين...
************************************


























































<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives