Tuesday, December 21, 2004

 
الجمعة 17 كانون الأول 2004
صباح الخير...
انا في عمان حاليا , عدت من القاهرة قبل يومين. واعترف انني غادرتها مجبرة حيث انتهى برنامج الرحلة المتفق عليه مع الشركة
السياحية, وكنت أتمنى لو أستطيع البقاء فيها لمدة أطول, هذه أول مرة في حياتي أحب مدينة مثل حبي لبغداد...
وجدتها كبيرة ومزدحمة, أكبر من بغداد وأكثر إزدحاما, وأهلها طيبون جدا مثل العراقيين قبل الحرب, كلماتهم جميلة ويدللون الغريب
ويحترمونه...
كل واحد أسلم عليه يبتسم ويقول: أهلا بست الكل, إزيك؟
نهارك فل...
وأضحك, كأنهم يعرفونني من زمن بعيد...
هذه أول مرة أزور القاهرة, وكنت اتمنى زيارتها من زمن بعيد, لكن العائلة والعمل وظروف الحياة المختلفة,لم تمكني من تحقيق الحلم.
والآن , أنا سعيدة به.
حين وقفت في المتحف المصري ونظرت للتماثيل الكبيرة من حضارة الفراعنة ,والرومانية التي في الطابق الأرضي..ذهلت.
حضارة عريقة امامي لا يمكنني الا أن أقف بإحترام أمامها, رغم أنني قادمة من بغداد وحضارة وادي الرافدين عندنا..البابلية والآشورية
والكلدانية والسومرية , لكن فرحتي وإعجابي بالحضارة المصرية كانت كبيرة. وكنت أقدر ذهول الأجانب وحبهم لرؤية مصر وحضارتها....
كان المتحف , ومنطقة الأهرامات وأبو الهول , وخان الخليلي وقلعة صلاح الدين والجوامع القديمة كلها تزدحم بالسياح الأجانب من الصين واليابان وايطاليا واسبانيا وغيرها, وكنت أرى مع كل مجموعة مرشد سياحي يشرح لهم وهم يصغون , ثم يلتقطون الصور في أماكن مختلفة...ويشترون التحف التذكارية الصغيرة.
في المتحف المصري جناح توت عنخ آمون في الطابق العلوي وتماثيل وتيجان وكراسي ومقابر مذهبة ومطلية بماء الذهب, ثم غرف مظلمة فيها المومياءات داخل صناديق من زجاج , أوالصناديق الملونة والمذهبة التي وجدت بداخلها الموياءات في قاعة أخرى..
وكراسي إستعملها فراعنة ذلك الزمان وأسرة ينامون عليها, وتماثيل آلهة مختلفة كانوا يؤمنون بها.
وقبورههم وجدوا فيها صناديق متعددة بداخل بعضها , مطلية بالذهب, ثم صندوق فيه أحشاء الملك, وصندوق فيه قلبه, ليتم الحساب معه
يوم القيامة. ويقف خارج الصندوق تماثيل من ذهب كأنها حارس على قلب الملك لتحفظه الى يوم القيامة.
ثمة قاعة فيها مجوهرات الملوك من خواتم وأسلحة مزينة بالذهب والأحجار الكريمة ومجوهرات نسائهم.
وقفت خارج القاعة وابتسمت...
كانوا غارقين في النعيم...بل ثمة مبالغة في الترف والدلال.
ثم حين دخلت قاعة الجثث المحفوظة بصناديق الزجاج , التي يسمونها المومياءات, تأملت النائمين بسكون وعلى وجوهم ابتسامات متجمدة, وسألتهم وأنا أبتسم بسخرية : أين أصبحتم الان؟
وماذا جنيتم من حياتكم والذهب والمجوهرات والسلطة والقوة والتحكم بمصير الشعوب البائسة الضعيفة؟
*********************************
عندنا في القرآن أن موسى جاء لفرعون ليبلغة أن ثمة خالق للبشر ينبغي الخوف منه وعبادته, لأن فرعون طغى في الأرض وظلم
الناس, لكن فرعون غضب من موسى , وأراد قتله...
وعندنا في القرآن أنه قال لهامان, مستشاره, إبن لي صرحا أتحدى به إله موسى...وأنا أتساءل, هل هي هذه الأهرامات العظيمة التي
تحجب الشمس عن الأرض أمامها؟
والتي قضى شعبه البائس عشرات السنين لبنائها؟
وحزن موسى من قسوة فرعون وتكبره, فدعى الله أن يختم على قلبه فلا يؤمن حتى يرى العذاب...أي يقفل قلبه عن رؤية الله حتى يرى نهايته.
وبعد أن هرب موسى وانشق له البحر, لحق به فرعون وجنده ليقتلوه, فغرقوا في البحر, وعندنا في القرآن أن فرعون قال لله إنه مؤمن
حين اقترب موته, فقال له الله سوف أنجيك ببدنك أي جسمك, حتى تكون للناس آية.
ها هو فرعون يرقد في صندوق زجاج في المتحف ليراه الناس ويجعله آية. أي , معجزة تدهش المتفرجين.
كيف بقي هكذا بجسمه وشعره وعظامه؟
الله يبتسم في عليائه من حماقة الناس وغرورهم....وخصوصا الذين يجلسون على كرسي الحكم فيظلمون ويتكبرون ويجعلون أنفسهم آلهة
كان يقول فرعون للناس : أنا ربكم فاعبدوني.... كما مذكور في القرآن.
وعندنا كلمة فرعون رمز للحاكم المتجبر المتسلط القاسي.
كما فعل صدام حسين بالعراقيين, كان فرعونا من هذا الزمان...
فأين ذهب؟
وماذا أفادته قصوره وجبروته وقسوته على الناس؟؟
بائع الخضار المتجول في شوارع بغداد أو غيرها من العواصم, أسعد منه حالا, ويملك ضميرا ربما مرتاح أكثر منه بكثير.
لكن الذي يأتي بعد فرعون ويجلس على الكرسي , أقصد كرسي الحكم, ينسى ما أصاب الذين من قبله حين ظلموا الناس.
لست أدري ما السحر الذي في كرسي الحكم والقوة, فيه سحر ينسي الجالس عليه ما حوله, الحاضر والماضي...ويعميه عن رؤية
الأشياء الا بالطريقة التي يحب ان يراها هو, ويظنها صحيحة....
في حديث قدسي للرسول محمد عليه الصلاة والسلام... يعدد فيه صفات الناس الذين سيدخلون الجنة بسبب رضى الله عنهم وحسن
أعمالهم : أولا, يذكر حاكم عادل...ثم رجل رحيم القلب على الناس, ثم رجل فقير متعفف ذو عيال...
دائما اتذكر , لماذا اولا الحاكم العادل؟
لأنه يوجد الكثير من الناس رحماء القلوب, والفقراء المتعففين, لكن أين هو الحاكم العادل؟
وكم نسبته بين الحكام على الأرض؟؟
**********************************************
لماذا أحببت القاهرة وأهلها؟
لأنني فوجئت أنهم حافظوا على أصالتهم وطابعهم العربي الإسلامي المميز..رغم إتصالهم بالغرب, وضغوط الغرب عليهم
وعلى كل الدول في الشرق الأوسط, لكني وجدتهم مازالوا محافظين على لونهم وهويتهم الخاصة, لم يخلعوا ثوبهم ويلبسوا ثوب غيرهم بحجة التطور....كما فعلت عواصم عربية أخرى.
ثمة فرق كبير بين أن تدخل التحديث في مدينتك أو نمط حياتك
be modern
أو تصبح غربيا
(be western ).
هذه النقطة موضوع يتطرق إليه الكثير من مفكري الغرب, وهنتنغتون يذكرها أيضا في كتاباته.
إحترمت المصريين أكثر يعد زيارة القاهرة, وجدتهم لم يفرطوا بتاريخهم وحضارتهم أمام سيل جارف من الخوف والنفاق يجتاح العالم
وخصوصا نظرية النظام العالمي الجديد, حيث تريد أميركا أن تجعل نفسها مركز الكرة الأرضية , وباقي الدول توابع للمركز.
هذا الكلام لم أخترعه أنا, وجدته في كتاب زبيغنيو بريجنسكي اشتريته من عمان هنا, الكتاب إسمه رقعة الشطرنج, ألفه الكاتب سنة
1997, وكان مستشارا للأمن القومي الأمريكي, وهويتكلم فيه عن مستقبل السياسة الأمريكية في العالم.
حسنا, هل اتبعوا نصيحته في الكتاب؟
أم إنه يتكلم ببساطة ووضوح وثقة عما تخطط له أمريكا بدون خجل أو تردد.
ممن سيخجلون أو يخافون؟
والله أحييهم لأنهم يسمحون لهكذا كتب أن تطبع وتنشر...
لكن الناس في غفلة من أمرهم...
من يقرأ ومن يهتم؟؟
في أميركا وخارجها...الناس يركضون صباح مساء لتأمين لقمة العيش.
ثمة أقلية عندها وقت كاف لقراءة الكتب والتفكير والسؤال عما يحدث, لكن الغالبية غافلة, شبه نائمة.
ويتساءلون مثلا : هل ستخرج اميركا بعد الإنتخابات في العراق؟
هل نريد إحتلال العراق؟
ويجيب معظمهم بسذاجة : طبعا نحن لا نطمع في العراق, نحن نريد ان نعطيكم الحرية ونتأكد من حصولكم على حكومة ديمقراطية
ثم نخرج يا عزيزتي, لا تقلقي.
هههههه
أتمنى لو اصدق...
ثم وجدت هذا الكتاب لأعلم أية سذاجة عند بعض الأمريكيين, ألم يقرأوا هذه الكتب؟
ألم يدركوا بعد كيف يخطط صانعوا السياسة الخارجية الأمريكية؟
إنهم يخططون لعشرات السنين القادمة...وتتراكم خطوات تطبيق أي هدف قليلا قليلا والناس في غفلة من أمرها, ثم تحدث كارثة ما
مثل الحرب على العراق, فيظن الساذج والغافل إنها حدث طاريء...
والحقيقة إنه شيء تم ترتيبه من زمن بعيد...
لا ليست نظرية المؤامرة...
بل فكرة أن هؤلاء أناس يفكرون ويخططون لتأمين مصالحهم الى فترة قادمة من الزمان.
والناس لاهية في تفاصيل يومية غبية, لا تدرك ما يحدث من حولها.
************************
في الفندق في القاهرة كنت اتفرج على التلفزيون على برنامج اوبرا...تتحدث فيه عن معاناة النساء الامهات العاملات في اميركا.
وعملت مقابلات مع زوجات عاملات وامهات , طبعا متعبات جدا, يخرجن من البيت منذ الصباح الباكر...والأطفال اما في البيت عند الجدة, أو موظفة ترعاهم , أو لوحدهم...ثم تعود الأم مساء لتحضير العشاء ورؤية أطفالها والعناية بهم, والزوج غائب ومتعب طوال النهار مثلها...
هذه نموذج لعائلة يعمل الام والأب لتأمين متطلبات الحياة اليومية, وربما لتأمين مستقبل أولادهم من فائض يوفرونه.
طيب .إن كان الزوج وحده يعمل, فسيرجع للبيت منهكا في المساء, لا يريد الحديث في أي موضوع متعب مع زوجته واولاده.
حسنا, هذه العوائل تنتظر نهاية الأسبوع للخروج في نزهة, أو زيارة الأقارب.
ما مقدار إهتمام العوائل بسياسة الدولة الخارجية؟
ههههه
من يهتم بهذه السخافات؟
الناس يستمتعون بالكلام عن الأكل, وأطفالهم, وعطلات السيارة والكومبيوتر والبحث عن مكان قطع غيار رخيصة. وقصص الزواج والطلاق والوفيات, وربما المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية , والمطاعم.
هههههه
أظن هذا هو نموذج حياة العوائل في اميركا واوربا واستراليا وكندا وغيرها..وحتى في عالمنا العربي حين يكون البلد في حالة سلام وأمان.
ودولة عظمى مثل اميركا, تتخصص فيها فئة معدودة من رجال ونساء لتقرير مصير مستقبل البلاد, ورسم سياستها الخارجية, وطبعا سيكون ضمن البرنامج شن حروب, وتصنيع أسلحة إضافية, وإرسال قوات وجيوش الى الخارج.
والناس يستفيقوا فجأة من غفلتهم ويتساءلون : هه, ماذا يحدث؟
فيبدأوون بسماع أحدث الأخبار...ومتابعتها.
كل واحد سيفهم حسب مزاجه وقدرته على الفهم والإستيعاب.
لكن ثمة فئة صغيرة من رجال ونساء يفهمون تماما ما يحدث, وما سيحدث من خطوات قادمة...
نعم, العالم بين يديهم لعبة شطرنج يحركون أحجارها كما يشاؤؤن من إتجاهات, ويحددون أي قطعة ستتحرك اليوم أو غدا...وأي قطعة سيلقى بها خارج الرقعة, كما حصل لصدام حسين...
ههههه
أتمنى ان تشتروا الكتاب وتقرأوه, أو تستعيروه من أصدقاء.
توجد كتب كثيرة مثله تتكلم عن رؤية أميركا لمستقبل العالم وكيف ستتم صناعته.
وهذه الكتب لا يكتبها رجال مغفلون يضيعون كلامهم في قيل وقال وقصص تافهة.
هؤلاء يعرفون كيف يفكرون , وغيرهم يعرف كيف ينفذ تلك الأفكار...
هذه الكتب يؤلفها رجال منظرون للإدارة الأمريكية.
والذي يريد أن يفهم اميركا..أقصد قادة أميركا.
.يقرأ بعضا من هذه الكتب عساه يجد اجوبة على أسئلة غامضة كثيرة.
**************************************************************



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives