Thursday, November 04, 2004
الأربعاء 3 تشرين ثاني 2004
صباح الخير...
منذ يومين والدنيا مطر في بغداد...
إنغسلت الشوارع والأشجار, صار منظر المدينة أجمل وهي نظيفة..
أحب رائحة المطر ...رائحة رطوية جميلة تنتشر في الجو, والأرض لها رائحة مميزة حين يسقط عليها المطر لأول مرة بعد فترة جفاف...
المطر خير...وهبة من رب السماء...
أتمنى الخير لكل البشر على هذه الأرض.
وأتمنى أن ينزل السلام عليهم كما ينزل المطر....
*********************************************
الساعة الآن الثامنة صباحا, لم تظهر النتائج بعد, نتائج الإنتخابات الأمريكية, لكن الأرقام تشير الى تقدم بوش.
حسنا,كما توقعت, ربما سيفوز بوش ثانية.
الأجواء هناك تدفع بالناس الى جعل أمنهم وأحداث سبتمبر هي الأولويات,ثم موضوع العراق ومشاكله,هي الفقرة
الثانية.
أكاد احس بخيبة وحزن الذين أيدوا كيري من أجل مساعدة العراقيين وفتح باب الأقل شرا عليهم.
لكن غالبية العرافيين يقولون : لا فرق..حتى لو جاء كيري,لن نتوقع فرقا حقيقيا في سياسة أميركا تجاهنا..
انظروا لحالنا منذ 1990, منذ بوش الأب,ثم كلنتون,ثم بوش الإبن,ماذا تغير علينا؟؟؟
لا شيء...البرنامج ذاته يتكرر, والرؤيا واحدة.
*******************************************
مساء أمس, كنت مشوشة الذهن, وومتعبة, إتصلت محطة اذاعية أمريكية في المساء ,وٍسألوني عن رأي العراقيين في الإنتخابات الأمريكية, وهل يهمهم الموضوع؟
قلت : طبعا يهمهم..
وكيف هي آراء الناس؟؟
هذا سؤال صعب,لكني أحب الصراحة والصدق أكثر من أي شيء.
الشارع العراقي منقسم على نفسه, مثل الشارع الأمريكي (هذه تؤيد نظرية أن البشر كلهم متشابهون).
البعض يرى أن بوش أفضل,رغم كل عيوبه وأخطائه...
(إسمعوا,سأتوقف قليلا,ثمة انفجار قوي حطم زجاج الشبابيك ثانية, يا الهي..)
******************************************************
تفقدت البيت, زجاج نوافذ المطبخ, وغرفة الضيوف, وهذه الغرفة, غرفة ماجد...
الذي ركبناه قبل أسابيع,تحطم اليوم ثانية
سأخرج للعمل بعد قليل,وسنأتي بصاحب محل الزجاج بعد الظهر لتركيب زجاج جديد...
أظن أن صاحب محل الزجاج في منطقتنا قد إزداد غنى هذه الفترة,من كثر مصائبنا...
أسمع طائرات هليكوبترفي السماء تزمجر....وصوت صافرات سيارات الشرطة العراقية...بعد ساعات سنفهم ما حصل بالضبط؟؟
البيت يمتليء بالكارتون والأغراض المعدة للرحيل للبيت الجديد...
متى سأنتقل وأتخلص من هذا العذاب اليومي هنا؟؟
ها هي أكوام جديدة من الزجاج تحتاج الى تجميع وتنظيف...
مللت هذه السخافات. وتعبت...
وكأن العمر يمضي سدى....
******************************************
سأخرج للعمل....
وسأكتب لاحقا بعد عودتي للبيت,إن بقيت على قيد الحياة,ههه.
***************************
عدت للبيت بعد الثانية ظهرا...
كان يوم العمل متعبا ومزدحما , بين تحضير عروض أسعار بأجهزة لفحوصات المياه لدوائر الدولة, وبين عمل الجرد الشهري لمبيعات المحل...وبين المكالمات الهاتفية, ومناقشات وأسئلة من الزبائن...أصابني الصداع والتعب...
ويوجد فار لعين في المحل, نضع كل يوم خطة للقبض عليه دون جدوى...
وضعنا له اليوم نهاية الدوام , خشبة عليها لاصق وقطع من الموز...ههههه, يا له من فار برجوازي؟
سنرى النتيجة مساء اليوم أو صباح الغد.
رأيت في طريق العودة أن الخضار الشتوية قد نزلت للسوق, وأن الأرصفة امتلأت ثانية بتلال من الخس الطازج,وأكياس الجزر, والشمندروالملفوف واللهانة...ابتسمت وفرح قلبي بقدوم الشتاء...ها هو قد جاء اخيرا...
تذكرت امي رحمها الله, حين كانت تزورني ونشتري هذه الخضار من السوق, تبتسم وتقول لي : أنظري للعراق,
كم به من خيرات؟؟
كله خير...ماء وأرض وزرع ونفط....
كنت أبتسم, وأظنها تبالغ...
لكني اليوم أتذكرها وتدمع عيني..
وأكتشفت أنني ورثت منها ومن أبي حب العراق وأرضه...
وأورثته لأولادي...هذا الحب..
الحمد لله إنهم لم يطلعوا أنانيين ويحبون انفسهم ومصلحتهم ولا يبالون بغيرهم. هذا مرض يصيب بعض الناس ويورثوه لأولادهم مع الأسف.
الجو بدأ يبرد قليلا...ما زال ثمة أناس يلبسون نصف كم.
لكننا بدانا نفتح الخزائن ونلتقط الملابس القطنية بالكم الطويل بداية...ثم بعد أسابيع سنلبس الصوف..ونشعل الصوبات.
الشتاء جميل, وبرده أرحم من الحر...لكن الفقير يرى في الشتاء صعوبة الحياة وحاجته للملابس والأغطية الإضافية, وتحت البرد والمطر تزداد الأمراض.
ربما الفقراء يحبون الصيف بكل سيئاته....معهم حق !
**********************************************
أرسلت السائق لينادي صاحب محل الزجاج القريب..ليأخذ قياسات النوافذ التي تحطم زجاجها ثانية هذا الصباح...
أظنني بدأت أكره هذا البيت, وأنتظر ساعة الخلاص , المفروض بعد عدة أيام انتقل للبيت الجديد, لكنني أرى كأن الزمن ثقيل لا يتحرك...
وضعت الخضار والفواكه على طاولة المطبخ...وذهبت للنوم, كنت متعبة جدا..قلت سأطبخ قبل وقت الفطور..عندي وقت فائض.
صحوت من النوم في الرابعة عصرا على صوت العمال يطرقون اطار النوافذ الألمنيوم الذي إنعوج من شدة الإنفجارات الأخيرة...
نزلت للطابق الأسفل...وجدت المطبخ ما زال بنافذته المكسورة, وغرفة النوم كذلك..وهم يشتغلون بغرفة الضيوف...
إنقبض قلبي من منظر البيت والفوضى...والصناديق عليها الغبار والزجاج المحطم...والتلفزيون يتكلم بصوت عال عن نتائج الإنتخابات الأمريكية, وإحتمال كبير لفوز بوش....
أحسست بشحنة كآبة كبيرة تسيطر علي...
صعدت ثانية للطابق العلوي...لا رغبة عندي بعمل شيء...
عندي شعور قوي بالغثيان والتعب.
*******************************************
الساعة الآن السادسة والنصف مساء...
أنهى العمال تركيب الزجاج, وأنهيت تنظيف الغرف منه وتجميعه في صندوق من الفلين.
يقولون أن انفجار هذا الصباح كان في سيارة مفخخة قرب بوابة المطار...
عندي إحساس بالحوع, لكن لا رغبة عندي بالأكل...
**********************************
قضيت مساء أمس في جولة في محلات الأثاث مع خالد......
أريد شراء طقم كنبايات للضيوف للبيت الجديد...
الأسعار نارية...لكن الموجودات معظمها جميل ومستورد...بعضها مصري أو تركي.
أو خشب زان مستورد وصناعة الطقم محلية لكنها متقنة وجميلة حسب الكتلوج...
الأسعار تتراوح بين 900 دولار الى 2500 دولار...
أما المصنوع محليا وخشبه كذلك, فسعره يتراوح بين 500 الف دينار الى مليون دينار.
الغالي هو المذهب والذي فيه حفر على الخشب ( 2000 دولار أو أكثر ), لا احب هذا الموديل كثيرا, شكله عجوز قديم, لكنهم يقولون ان موضته عادت للأسواق اليوم. لا أحب ملاحقة الموضة بطريقة عمياء.
ثم وجدت ان السجاد أيضا متنوع المصادر والنوعية...لكن أسعاره لطيفة ومنخفضة لأن إستيراده خفض سعره, حيث يوجد سجاد عراقي جميل صناعة محلية...يوجد في السوق سجاد مصري وماليزي وفيتنامي واوربي...
هه...هذه تفاصيل الحياة الممتعة...بلا حديث عن حروب ودماء وكآبة..
هكذا أظن الناس خارج العراق يعيشون ويتحدثون ويتناقشون عن هذه الأمور...
لكننا هنا كأننا نسيناها...العالم كله يمضي من حولنا, في موضة الملابس والأثاث والتقدم التكنولوجي...
ونحن نغوص في قصص التفجيرات والزرقاوي والفلوجةوغيرها....
وكأننا تم حصرنا هنا في نفق مظلم....محدود, خانق, كئيب, ممل, حيث تتوقف الحياة عن الجريان....
الحياة سيل متدفق من الأحداث....ما أسخفه إن توقف عن الجريان؟؟
**********************************************
تحسنت رواتب موظفي الدولة, فارتفعت أسعار السلع.وخصوصا المستوردة.
الرواتب كانت 10 آلاف او 25 ألف...الآن الرواتب 300 ألف و 400 ألف...وقد سعدت كثيرا حين رأيت المدرسين
قد تحسنت رواتبهم أيضا...صارت العوائل تقدر على شراء ملابس جديدة لأطفالها للعيد, وللمدارس...
أو كهربائيات للبيت, أو أثاث, أو سيارة.
نعم توجد وجوه مشرقة في حياتنا رغم المصائب.
واعرف ان ثمة أحمقا سيقفز ويقول : هه؟ إعترفي ان ثمة وجوه مشرقة لهذه الحرب...
وأضحك وأقول, الحياة كلها خليط من وجوه مشرقة ووجوه مظلمة...لكننا نقدر بعقلنا أن نفهم كم نسبة هذا وكم نسبة ذلك,وكم هي منطقية أو غير منطقية...
الوجوه المشرقة موجودة دائما , حتى في عهد صدام حسين..(.كانت بغداد نظيفة, وكان الأمان موجودا, وكان اللصوص يخافون من الدولة, وكان معظمهم في السجون), ولكن كان ثمة قهر سياسي وقمع للحريات ومقابر جماعية ودكتاتورية
والآن, رواتب موظفي الدولة تحسنت, وفتح استيراد كل شيء من السيارات والأثاث ومعظم احتياجات الناس, لكن هنالك أيضا إنعدام للأمان, ولصوص وقتلة وخطف واغتيالات , وتفجيرات وارهابيين وقوات إحتلال ومصادمات...ومقابر جماعية جديدة.
هل أبالغ أم أن الصور في كلا الحالتين واقعية؟؟؟
لكننا نبغض الوجوه المظلمة, ونسعى دوما لإخراجها من حياتنا...
أظن أن جميعنا نتشابه في هذه النظرية....
دائما نبحث عن الأفضل لحياتنا...
******************************************
عملية الإنتخابات سلاح ذو حدين...
من جهة تعطي العزيمة والحماسة للمشاركة عسى أن يحدث تغيير نحو الأفضل...ومن جهة ربما تسبب الإحباط إن جاءت النتائج عكس ما رغبنا...
أكاد احس بحزن الأمريكيين الذين أرادوا إسقاط بوش, ولم ينجحوا...
نحن عندنا مقولة نرددها دائما : الصبر جميل...
وكل شيء يتم بإرادة الخالق....وليس بإرادة البشر..
أما الخيار امامنا في كل الحالات هو ألا نفقد الأمل, ونظل نحلم بتحقيق ما نريده, إن لم يتحقق غدا, فربما بعد غد...
وإن لم يكن هذا العام..فربما العام القادم...
نظل نحتفظ بنشاطنا وقناعاتنا....هكذا علمتنا التجارب والأيام...
كم من مدير بغيض في العمل تحملناه؟؟
ولم نتوقف عن العمل والإنتاج...
وكم من شريك في العمل او الحياة, ثقيل دم وبغيض, تحملناه, ومضت بنا الأيام ونحن نعمل وننتج ونسجل النجاحات في حياتنا
ولم نجعله مبررا للفشل والخيبة؟؟
تعلمت من تجاربي دائما : الضربة التي تزعجك, تقويك لاحقا وتشد من عزيمتك...
وأقول لنفسي دائما : المرة القادمة ستكون النتيجة أفضل.
وفي معظم الأحيان..نعم, تكون النتيجة أفضل, بعد أن اكون صبرت وكبرت وتعلمت شيئا جديدا مفيدا في الحياة.
****************************************
بوجود بوش أو بقدوم كيري, لا نتوقع تغييرات كبيرة لحياتنا...في العراق أو الشرق الأوسط...
الحال سيمضي كما كان...
لكني أتمنى أن تظل عزيمتنا وإيماننا بقدرتنا على صناعة غد أفضل.. باقية وثابتة لا تتغير...ولا تضعف.
نصف أميركا مع بوش وحربه على الإرهاب وبقائه في العراق...
ونصفها ضد هذه الفكرة.
فقط , تأكد لي تماما ان كل اميركي صوت لصالح بوش, هو يعطي الأولوية لأمن اميركا...ويضحي من أجل تحقيق هذا الهدف..
حسنا , الصورة واضحة الآن...
كل جندي ومدني أمريكي هنا أو هناك يؤيد بوش , فقد برر الحرب على العراق ووافق عليها ليضمن أمن بلاده واستقرارها...
ولن أسمح لأحد منهم أن يتفلسف ويقول إنه أيدها لتحرير العراق وحب العراقيين أو مساعدتهم.
هذه الشعارات تبدو مثل ( رسالة تغطية....
حماية اميركا هي الهدف الأول والأخير...
ثم تبرير الدخول للمستنقع في العراق بكلمات معسولة لينالوا التعاطف...في العراق, وفي العالم كله.
*************************************
في العراق الشارع منقسم أيضا ككل شعوب العالم...
البعض, الذي تحسنت حياته ودخله المادي, يشجعون بوش ويصدقون انه جاء من اجلهم...(لا أدري هل هم أنانيون قصيرو النظر, يفكرون فقط من خلال دائرة حياتهم الصغيرة, وينسون معاناة غيرهم ).
والبعض يرى ويتوقع مزيدا من العنف والدمار والدماء...
وأنا كغيري أرى أن ساحة العراق صارت معركة بين أميركا واعداء أميركا في العالم...
والعراقيون هم الضحايا بين الطرفين...
ثمة عنف متطرف ينم عن حقد شديد, فلا يعود يبالي من الضحايا؟؟
شرطة عراقية أو مدنيين عراقيين أو رهينة ياباني بريء أو جندي امريكي...كله سواء.
أتخيل لو كان هذا الصراع ورموزه يقفون على سجادة, لناديت الجميع ممن أعرفهم ويحبون الخير للعراق, أن يساعدوني
لنسحب هذه السجادة ونقف بها على باب الحدود العراقية...أية حدود.. ثم نهزها بقوة ,لتسقط محتوياتها بعيدا عنا...وليذهبوا جميعا الى الجحيم...
ونعيش نحن بسلام...
ونبني وطننا وحياتنا من جديد.....
ههههههه
أحلام خبيثة. ...لكني أتمنى أن تتحقق ذات يوم...
***************************
صباح الخير...
منذ يومين والدنيا مطر في بغداد...
إنغسلت الشوارع والأشجار, صار منظر المدينة أجمل وهي نظيفة..
أحب رائحة المطر ...رائحة رطوية جميلة تنتشر في الجو, والأرض لها رائحة مميزة حين يسقط عليها المطر لأول مرة بعد فترة جفاف...
المطر خير...وهبة من رب السماء...
أتمنى الخير لكل البشر على هذه الأرض.
وأتمنى أن ينزل السلام عليهم كما ينزل المطر....
*********************************************
الساعة الآن الثامنة صباحا, لم تظهر النتائج بعد, نتائج الإنتخابات الأمريكية, لكن الأرقام تشير الى تقدم بوش.
حسنا,كما توقعت, ربما سيفوز بوش ثانية.
الأجواء هناك تدفع بالناس الى جعل أمنهم وأحداث سبتمبر هي الأولويات,ثم موضوع العراق ومشاكله,هي الفقرة
الثانية.
أكاد احس بخيبة وحزن الذين أيدوا كيري من أجل مساعدة العراقيين وفتح باب الأقل شرا عليهم.
لكن غالبية العرافيين يقولون : لا فرق..حتى لو جاء كيري,لن نتوقع فرقا حقيقيا في سياسة أميركا تجاهنا..
انظروا لحالنا منذ 1990, منذ بوش الأب,ثم كلنتون,ثم بوش الإبن,ماذا تغير علينا؟؟؟
لا شيء...البرنامج ذاته يتكرر, والرؤيا واحدة.
*******************************************
مساء أمس, كنت مشوشة الذهن, وومتعبة, إتصلت محطة اذاعية أمريكية في المساء ,وٍسألوني عن رأي العراقيين في الإنتخابات الأمريكية, وهل يهمهم الموضوع؟
قلت : طبعا يهمهم..
وكيف هي آراء الناس؟؟
هذا سؤال صعب,لكني أحب الصراحة والصدق أكثر من أي شيء.
الشارع العراقي منقسم على نفسه, مثل الشارع الأمريكي (هذه تؤيد نظرية أن البشر كلهم متشابهون).
البعض يرى أن بوش أفضل,رغم كل عيوبه وأخطائه...
(إسمعوا,سأتوقف قليلا,ثمة انفجار قوي حطم زجاج الشبابيك ثانية, يا الهي..)
******************************************************
تفقدت البيت, زجاج نوافذ المطبخ, وغرفة الضيوف, وهذه الغرفة, غرفة ماجد...
الذي ركبناه قبل أسابيع,تحطم اليوم ثانية
سأخرج للعمل بعد قليل,وسنأتي بصاحب محل الزجاج بعد الظهر لتركيب زجاج جديد...
أظن أن صاحب محل الزجاج في منطقتنا قد إزداد غنى هذه الفترة,من كثر مصائبنا...
أسمع طائرات هليكوبترفي السماء تزمجر....وصوت صافرات سيارات الشرطة العراقية...بعد ساعات سنفهم ما حصل بالضبط؟؟
البيت يمتليء بالكارتون والأغراض المعدة للرحيل للبيت الجديد...
متى سأنتقل وأتخلص من هذا العذاب اليومي هنا؟؟
ها هي أكوام جديدة من الزجاج تحتاج الى تجميع وتنظيف...
مللت هذه السخافات. وتعبت...
وكأن العمر يمضي سدى....
******************************************
سأخرج للعمل....
وسأكتب لاحقا بعد عودتي للبيت,إن بقيت على قيد الحياة,ههه.
***************************
عدت للبيت بعد الثانية ظهرا...
كان يوم العمل متعبا ومزدحما , بين تحضير عروض أسعار بأجهزة لفحوصات المياه لدوائر الدولة, وبين عمل الجرد الشهري لمبيعات المحل...وبين المكالمات الهاتفية, ومناقشات وأسئلة من الزبائن...أصابني الصداع والتعب...
ويوجد فار لعين في المحل, نضع كل يوم خطة للقبض عليه دون جدوى...
وضعنا له اليوم نهاية الدوام , خشبة عليها لاصق وقطع من الموز...ههههه, يا له من فار برجوازي؟
سنرى النتيجة مساء اليوم أو صباح الغد.
رأيت في طريق العودة أن الخضار الشتوية قد نزلت للسوق, وأن الأرصفة امتلأت ثانية بتلال من الخس الطازج,وأكياس الجزر, والشمندروالملفوف واللهانة...ابتسمت وفرح قلبي بقدوم الشتاء...ها هو قد جاء اخيرا...
تذكرت امي رحمها الله, حين كانت تزورني ونشتري هذه الخضار من السوق, تبتسم وتقول لي : أنظري للعراق,
كم به من خيرات؟؟
كله خير...ماء وأرض وزرع ونفط....
كنت أبتسم, وأظنها تبالغ...
لكني اليوم أتذكرها وتدمع عيني..
وأكتشفت أنني ورثت منها ومن أبي حب العراق وأرضه...
وأورثته لأولادي...هذا الحب..
الحمد لله إنهم لم يطلعوا أنانيين ويحبون انفسهم ومصلحتهم ولا يبالون بغيرهم. هذا مرض يصيب بعض الناس ويورثوه لأولادهم مع الأسف.
الجو بدأ يبرد قليلا...ما زال ثمة أناس يلبسون نصف كم.
لكننا بدانا نفتح الخزائن ونلتقط الملابس القطنية بالكم الطويل بداية...ثم بعد أسابيع سنلبس الصوف..ونشعل الصوبات.
الشتاء جميل, وبرده أرحم من الحر...لكن الفقير يرى في الشتاء صعوبة الحياة وحاجته للملابس والأغطية الإضافية, وتحت البرد والمطر تزداد الأمراض.
ربما الفقراء يحبون الصيف بكل سيئاته....معهم حق !
**********************************************
أرسلت السائق لينادي صاحب محل الزجاج القريب..ليأخذ قياسات النوافذ التي تحطم زجاجها ثانية هذا الصباح...
أظنني بدأت أكره هذا البيت, وأنتظر ساعة الخلاص , المفروض بعد عدة أيام انتقل للبيت الجديد, لكنني أرى كأن الزمن ثقيل لا يتحرك...
وضعت الخضار والفواكه على طاولة المطبخ...وذهبت للنوم, كنت متعبة جدا..قلت سأطبخ قبل وقت الفطور..عندي وقت فائض.
صحوت من النوم في الرابعة عصرا على صوت العمال يطرقون اطار النوافذ الألمنيوم الذي إنعوج من شدة الإنفجارات الأخيرة...
نزلت للطابق الأسفل...وجدت المطبخ ما زال بنافذته المكسورة, وغرفة النوم كذلك..وهم يشتغلون بغرفة الضيوف...
إنقبض قلبي من منظر البيت والفوضى...والصناديق عليها الغبار والزجاج المحطم...والتلفزيون يتكلم بصوت عال عن نتائج الإنتخابات الأمريكية, وإحتمال كبير لفوز بوش....
أحسست بشحنة كآبة كبيرة تسيطر علي...
صعدت ثانية للطابق العلوي...لا رغبة عندي بعمل شيء...
عندي شعور قوي بالغثيان والتعب.
*******************************************
الساعة الآن السادسة والنصف مساء...
أنهى العمال تركيب الزجاج, وأنهيت تنظيف الغرف منه وتجميعه في صندوق من الفلين.
يقولون أن انفجار هذا الصباح كان في سيارة مفخخة قرب بوابة المطار...
عندي إحساس بالحوع, لكن لا رغبة عندي بالأكل...
**********************************
قضيت مساء أمس في جولة في محلات الأثاث مع خالد......
أريد شراء طقم كنبايات للضيوف للبيت الجديد...
الأسعار نارية...لكن الموجودات معظمها جميل ومستورد...بعضها مصري أو تركي.
أو خشب زان مستورد وصناعة الطقم محلية لكنها متقنة وجميلة حسب الكتلوج...
الأسعار تتراوح بين 900 دولار الى 2500 دولار...
أما المصنوع محليا وخشبه كذلك, فسعره يتراوح بين 500 الف دينار الى مليون دينار.
الغالي هو المذهب والذي فيه حفر على الخشب ( 2000 دولار أو أكثر ), لا احب هذا الموديل كثيرا, شكله عجوز قديم, لكنهم يقولون ان موضته عادت للأسواق اليوم. لا أحب ملاحقة الموضة بطريقة عمياء.
ثم وجدت ان السجاد أيضا متنوع المصادر والنوعية...لكن أسعاره لطيفة ومنخفضة لأن إستيراده خفض سعره, حيث يوجد سجاد عراقي جميل صناعة محلية...يوجد في السوق سجاد مصري وماليزي وفيتنامي واوربي...
هه...هذه تفاصيل الحياة الممتعة...بلا حديث عن حروب ودماء وكآبة..
هكذا أظن الناس خارج العراق يعيشون ويتحدثون ويتناقشون عن هذه الأمور...
لكننا هنا كأننا نسيناها...العالم كله يمضي من حولنا, في موضة الملابس والأثاث والتقدم التكنولوجي...
ونحن نغوص في قصص التفجيرات والزرقاوي والفلوجةوغيرها....
وكأننا تم حصرنا هنا في نفق مظلم....محدود, خانق, كئيب, ممل, حيث تتوقف الحياة عن الجريان....
الحياة سيل متدفق من الأحداث....ما أسخفه إن توقف عن الجريان؟؟
**********************************************
تحسنت رواتب موظفي الدولة, فارتفعت أسعار السلع.وخصوصا المستوردة.
الرواتب كانت 10 آلاف او 25 ألف...الآن الرواتب 300 ألف و 400 ألف...وقد سعدت كثيرا حين رأيت المدرسين
قد تحسنت رواتبهم أيضا...صارت العوائل تقدر على شراء ملابس جديدة لأطفالها للعيد, وللمدارس...
أو كهربائيات للبيت, أو أثاث, أو سيارة.
نعم توجد وجوه مشرقة في حياتنا رغم المصائب.
واعرف ان ثمة أحمقا سيقفز ويقول : هه؟ إعترفي ان ثمة وجوه مشرقة لهذه الحرب...
وأضحك وأقول, الحياة كلها خليط من وجوه مشرقة ووجوه مظلمة...لكننا نقدر بعقلنا أن نفهم كم نسبة هذا وكم نسبة ذلك,وكم هي منطقية أو غير منطقية...
الوجوه المشرقة موجودة دائما , حتى في عهد صدام حسين..(.كانت بغداد نظيفة, وكان الأمان موجودا, وكان اللصوص يخافون من الدولة, وكان معظمهم في السجون), ولكن كان ثمة قهر سياسي وقمع للحريات ومقابر جماعية ودكتاتورية
والآن, رواتب موظفي الدولة تحسنت, وفتح استيراد كل شيء من السيارات والأثاث ومعظم احتياجات الناس, لكن هنالك أيضا إنعدام للأمان, ولصوص وقتلة وخطف واغتيالات , وتفجيرات وارهابيين وقوات إحتلال ومصادمات...ومقابر جماعية جديدة.
هل أبالغ أم أن الصور في كلا الحالتين واقعية؟؟؟
لكننا نبغض الوجوه المظلمة, ونسعى دوما لإخراجها من حياتنا...
أظن أن جميعنا نتشابه في هذه النظرية....
دائما نبحث عن الأفضل لحياتنا...
******************************************
عملية الإنتخابات سلاح ذو حدين...
من جهة تعطي العزيمة والحماسة للمشاركة عسى أن يحدث تغيير نحو الأفضل...ومن جهة ربما تسبب الإحباط إن جاءت النتائج عكس ما رغبنا...
أكاد احس بحزن الأمريكيين الذين أرادوا إسقاط بوش, ولم ينجحوا...
نحن عندنا مقولة نرددها دائما : الصبر جميل...
وكل شيء يتم بإرادة الخالق....وليس بإرادة البشر..
أما الخيار امامنا في كل الحالات هو ألا نفقد الأمل, ونظل نحلم بتحقيق ما نريده, إن لم يتحقق غدا, فربما بعد غد...
وإن لم يكن هذا العام..فربما العام القادم...
نظل نحتفظ بنشاطنا وقناعاتنا....هكذا علمتنا التجارب والأيام...
كم من مدير بغيض في العمل تحملناه؟؟
ولم نتوقف عن العمل والإنتاج...
وكم من شريك في العمل او الحياة, ثقيل دم وبغيض, تحملناه, ومضت بنا الأيام ونحن نعمل وننتج ونسجل النجاحات في حياتنا
ولم نجعله مبررا للفشل والخيبة؟؟
تعلمت من تجاربي دائما : الضربة التي تزعجك, تقويك لاحقا وتشد من عزيمتك...
وأقول لنفسي دائما : المرة القادمة ستكون النتيجة أفضل.
وفي معظم الأحيان..نعم, تكون النتيجة أفضل, بعد أن اكون صبرت وكبرت وتعلمت شيئا جديدا مفيدا في الحياة.
****************************************
بوجود بوش أو بقدوم كيري, لا نتوقع تغييرات كبيرة لحياتنا...في العراق أو الشرق الأوسط...
الحال سيمضي كما كان...
لكني أتمنى أن تظل عزيمتنا وإيماننا بقدرتنا على صناعة غد أفضل.. باقية وثابتة لا تتغير...ولا تضعف.
نصف أميركا مع بوش وحربه على الإرهاب وبقائه في العراق...
ونصفها ضد هذه الفكرة.
فقط , تأكد لي تماما ان كل اميركي صوت لصالح بوش, هو يعطي الأولوية لأمن اميركا...ويضحي من أجل تحقيق هذا الهدف..
حسنا , الصورة واضحة الآن...
كل جندي ومدني أمريكي هنا أو هناك يؤيد بوش , فقد برر الحرب على العراق ووافق عليها ليضمن أمن بلاده واستقرارها...
ولن أسمح لأحد منهم أن يتفلسف ويقول إنه أيدها لتحرير العراق وحب العراقيين أو مساعدتهم.
هذه الشعارات تبدو مثل ( رسالة تغطية....
حماية اميركا هي الهدف الأول والأخير...
ثم تبرير الدخول للمستنقع في العراق بكلمات معسولة لينالوا التعاطف...في العراق, وفي العالم كله.
*************************************
في العراق الشارع منقسم أيضا ككل شعوب العالم...
البعض, الذي تحسنت حياته ودخله المادي, يشجعون بوش ويصدقون انه جاء من اجلهم...(لا أدري هل هم أنانيون قصيرو النظر, يفكرون فقط من خلال دائرة حياتهم الصغيرة, وينسون معاناة غيرهم ).
والبعض يرى ويتوقع مزيدا من العنف والدمار والدماء...
وأنا كغيري أرى أن ساحة العراق صارت معركة بين أميركا واعداء أميركا في العالم...
والعراقيون هم الضحايا بين الطرفين...
ثمة عنف متطرف ينم عن حقد شديد, فلا يعود يبالي من الضحايا؟؟
شرطة عراقية أو مدنيين عراقيين أو رهينة ياباني بريء أو جندي امريكي...كله سواء.
أتخيل لو كان هذا الصراع ورموزه يقفون على سجادة, لناديت الجميع ممن أعرفهم ويحبون الخير للعراق, أن يساعدوني
لنسحب هذه السجادة ونقف بها على باب الحدود العراقية...أية حدود.. ثم نهزها بقوة ,لتسقط محتوياتها بعيدا عنا...وليذهبوا جميعا الى الجحيم...
ونعيش نحن بسلام...
ونبني وطننا وحياتنا من جديد.....
ههههههه
أحلام خبيثة. ...لكني أتمنى أن تتحقق ذات يوم...
***************************