Saturday, September 25, 2004
الأربعاء 22 أيلول 2004
مساء الخير...
بغداد تعيش أياما صعبة...الوضع يزداد سوءا, لا ندري من يصعد حالة التفجيرات, لكن الواضح أن الحالة
الأمنية في تدهور مستمر...
يوم السبت ظهرا, حوالي الرابعة, هز انفجار قوي منطقة حي السفارات, على الجسر السريع الذي يربط طريق المطار بتلك المنطقة, سيارة مفخخة اصطدمت بقافلة جنود أمريكيين على الجسر, وقتلت عددا من الجنود, وتهدمت الأسيجة المعدنية التي تحيط بجانبي الجسر, وسقطت الآليات الى الشارع تحت الجسر, وأغلق طريق المطار ليوم أو إثنين, ثم مررنا من هناك بعدها ورأينا آثار الحادث. والحفرة الكبيرة في الشارع ..
ومساء امس سيارة مفخخة أخرى اصطدمت برتل امريكي في شارع الأميرات وانفجرت...
تحطمت نوافذ البيوت والمحلات التجارية, واغلق الشارع لرفع جثث الضحايا من الأمريكيين والعراقيين المدنيين,والآليات العسكرية التي احترقت.
لا أحب سماع قصص الموت والضحايا, قلبي يحزن, إن مات عراقي مدني أو جندي امريكي, كلاهما لهم أهل وعوائل وأحبة, ستتمزق قلوبهم ألما لفقد أحبتهم...
الحرب شيء غبي وبشع...والخراب والحماقات فيها اكثر من البناء والحكمة.
*****************************
بالأمس اهتز زجاج المحل في عملي ظهرا, وارتفع الدخان في الفضاء من المنطقة المقابلة لنا...
صار الموظفون يتصلون بعوائلهم للإطمئنان ان ليس ثمة إصابات...كل واحد يسأل زوجته عن أطفاله أين هم؟؟
لم نفهم ما حدث, ناس يقولون سيارة مفخخة, وناس تقول صاروخ أمريكي...ونهز رؤوسنا كالبلهاء, نقلب أيدينا
وننفث زفيرا عميقا, ونقول : لا حول ولا قوة الا بالله....
ثم نعود لتكملة الحديث والعمل.....
اليوم انفجرت سيارة اخرى أو صوت صاروخ آخر, نفس المنطقة, ونفس الوقت تقريبا...
والشوارع عادة تغلق, ومن ذا الذي سيصل بيته؟؟
ساعات ستدور وتجد كل المنافذ مغلقة...
*********************************
اغتالوا رجال دين اثنين هذا الأسبوع وهم يمشون في الشوارع قرب بيوتهم, والتفجيرات لا تنتهي, وعمليات الخطف من الشوارع والبيوت مستمرة...
اختطفوا رجلا من سيارته في شارع المنصور قبل يومين, وقال السائق: أم رائد, توقفوا وبكل وقاحة أطلقوا النار في الهواء, فهرب الناس, وهجموا على الرجل وأخرجوه من داخل سيارته أمام أعيننا, وتركوا أبوابها مفتوحة,
وأخذوه معهم....
والشرطة؟؟؟
سألته بدهشة, أين هي؟؟
قال: الشرطة؟ هربوا من المنطقة عندما سمعوا إطلاق النار...
نظرت من زجاج السيارة الى الشارع في طريق عودتي الى البيت...وغرقت في التفكير..
ها هي الشوارع تمتليء بأرتال من آليات أمريكية. ماذا تفعل بالضبط هنا؟؟
لست أفهم....
اليوم قصف على الفلوجة, لم يأت السائق, ذهب الى هناك لرؤية بيت أخته الذي تكسر زجاج نوافذه فذهب ليطمئن على اولاد اخته الأرملة.
وأتصلنا بالمهندس لتركيب المنظومات التي بعناها يوم أمس , إعتذر وقال ان بيته قرب مدينة الصدر, وإن المنطقة تشتعل بالمواجهات مع الجيش الأمريكي, وكل المنافذ مغلقة. سيحضر الأسبوع القادم ربما...
وعندما اعود للبيت , أضع أصابع يدي على أذني بحركة لا شعورية, أخاف أن تنفجر قذيفة أو سيارة أو لغم بجانبي, فأفقد سمعي, ..
في الصباح أكون أكثر شجاعة...أقرأ آيات من القران طوال الطريق...لكني في الظهيرة, أكون متعبة وجائعة
ومتوترة.....
*****************************
وتاتيني رسائل من قراء أمريكيين, ويسألون: هل حقا عندكم بداية حرب أهلية؟؟
وهل تعتقدون أن الوقت مناسب لأنسحاب الجيش الأمريكي من العراق؟؟
الا ترين أن مذابح ستحصل, وجيش المهدي والصدروالأحزاب الأخرى والزرقاوي والوهابيين؟؟
نفس الأسئلة تتكرر كل يوم....
تعني أنهم جميعا يسمعون هذه القصص والتحليلات من الإعلام هناك كل يوم....
إذن, معزوفة الحرب الأهلية يريدون لها أن تحدث , منذ أن دخلوا العراق وهم يعزفونها...
لكن لا حرب أهلية هنا, الناس تختبيء في بيوتها خوفا على أطفالها, ويخرجون للضرورة فقط, ثم يعودون مسرعين للإختباء من جحيم التفجيرات.
من أين جاءت فكرة الحرب الأهلية؟؟
المصادمات هنا بين قوات الإحتلال وقوى أخرى, , أين الحرب الأهلية؟؟
في بيروت رأيت الحرب الأهلية, رأيت المدينة انقسمت الى نصفين, هذا النصف يقصف النصف الآخر بالقذائف العشوائية , التي تسقط على الأسواق والشوارع, وثمة تنظيمات معروفة لها أسماء وقيادات وبيانات سياسية
وتتقاتل وتتصارع بصراحة, والناس تعرفها , البعض يؤيد والبعض يعترض...
لكن في العراق, أين هي التنظيمات المحلية التي تتصارع ضد بعضها وتتقاتل ؟؟
الصراع هنا بين قوى محلية واخرى اجنبية...هل هذه حرب أهلية؟؟؟؟
الخطف للأجانب والتفجيرات ترتكبها منظمات لا وجوه لها ولا وجود حقيقي على الأرض,
منظمات وهمية لها مواقع على الإنترنت, وافلام وثائقية على محطة الجزيرة..
من أصحابها؟
من يمولها؟
لا أحد يعلم...
ثم يقولون حرب أهلية, هل شارك الشعب بتشكيل هذه المنظمات؟؟
هل إعترف بها, وأعطاها الشرعية؟؟
طبعا لا...
هي أجسام غريبة, لا تنتمي لهذه البيئة,ثمة من خلقها وأدخلها عنوة الى حياتنا..
لحسابات ومصالح قد نفهم بعضها, وقد لا نفهم معظمها...
لكن الشيء الأكيد والواضح: إن هذا الشعب ذهب ضحية مجرمين وحمقى, يعيثون فسادا في الأرض..وليس ثمة من يوقفهم عند حدهم ويقول : كفى.
****************************
منذ سقوط النظام ودخول قوات الإحتلال الى العراق, والإعلام يريد هناك أن يقنع العالم أن العراق على حافة حرب اهلية, والتفجيرات التي حدثت لإثارة الفتن بين السنة والشيعة, لم تنجح...
وبين الأكراد والعرب, لم تنجح الا في مناطق محدودة في مدن الشمال...
وبين المسلمين والمسيحيين, لم تنجح رغم تفجير الكنائس...
ثمة من يسعى ويسعى دون جدوى, لإثارة حرب أهلية, لكن العراقيون في عالم آخر....
العراقيون البؤساء يبحثون عن تأمين قوت يومهم , واللوذ بالبيوت مع عوائلهم وأطفالهم...
ويفكرون بقلق : الشهر القادم ستفتح المدارس,,,كيف سنرسل أطفالنا الى المدارس وهذا حال البلاد؟؟
لا أمان ولا إستقرار...هل سنبقيهم في البيوت؟؟
هل نرسلهم ونخاطر بحياتهم؟؟
والتفجيرات لا تتوقف...والحكومة المؤقتة ضعيفة وعاجزة عن تقديم ما يرضي المواطن ويقنعه بجديتها
في التفكير به وبسلامته وأمنه.
وكل يوم عناوين الصحف الحكومية تمتليء بالوعود الجميلة...لكن لا شيء جديد على أرض الواقع.
******************************
الجيش العراقي والشرطة العراقية هما أيضا تشكيلات ضعيفة هشة لا تقوى حتى على الدفاع عن نفسها...
قكيف ستدافع عن الشعب؟؟؟
نفس الحديث هذا اعدته وكررته في مقالاتي....
الذي شن هذه الحرب , ينبغي أن تكون له خطة وأولويات...
أين هي الخطة؟؟؟ وماهي الأولويات؟؟؟
هل ثمة من سأل الإدارة الأمريكية هذا السؤال؟؟
كل شركة أو جمعية أو مؤسسة , في المجتمع , لها خطة عمل , وأهداف, يظل اعضاؤها يتابعونها, ويراقبون أدائها, وينتقدونه, ليصححوا المسار...
هل ثمة من يسائل الإدارة الأمريكية من داخلها أو خارجها؟
هل ثمة من يسائل وينتقد ويصحح المسار؟؟
أم أن المصفقين والمنافقين لا يعطون فرصة لغيرهم للمشاركة والتصحيح...
إن كان هذا يحدث هناك...فهذه كارثة محزنة, نهايتها محزنة على الجميع...كنهاية صدام حسين, بطيشه وحماقاته,
جلب الخراب لنفسه وشعبه....
ودفع الجميع ثمن الخراب , الذين كانوا معه, والذين كانوا ضده...
هكذا حال الدنيا....
عندنا أغنية قديمة تقول: والظلم لو دام دمر.....يحرق اليابس والأخضر...واللي ميصدق غبي!!
فعلا, الذي لا يصدق غبي...
******************
وأريد الإجابة على السؤال اليومي : ماذا سيحصل لو انسحبت قوات الإحتلال من العراق؟؟
جوابي هو:
الظروف التي حدثت بعد دخول قوات الإحتلال, وحل مؤسسات الدولة, الجيش والشرطة وقوات الأمن.
كل هذا سبب فراغا , ساعد على تصاعد الجرائم, ودخول قوى أجنبية إرهابية, وحدوث مصادمات يومية
ما عاد العراقيون يعرفون من صديقهم ؟ ومن عدوهم ؟
هذا الشي حدث إما بسبب غباء قوات الإحتلال , أو بتعمد وتخطيط مسبق.
ولو حدث بسبب سوء إدارة وسوء تخطيط وبسبب إرتباك, فكان يمكن تجاوزه مع الوقت وتصليحه....
لكن البرنامج يمضي بكل عناد وإصرار على نفس الوتيرة...
حكومة مؤقته ضعيفة يحرسها جيش الإحتلال...
وشرطة وجيش ضعيفان , بأسلحة قديمة, ولا تقنيات....
الجيش الأمريكي يتجول في أرض العراق وسمائه, يستخدم أرقى التقنيات...
والشرطة العراقية تحمل كلاشينكوف منقرض. وكذلك الجيش, يركب آليات صغيرة حقيرة , تثير الشفقة, قذيفة واحدة تطير كل أفراد الجيش في الهواء الطلق...
بينما الهمفي والدباية والهليكوبتر...كم تحمي ركابها من الحوادث وتقلل الضحايا؟؟
إذن, ثمة إستهتار وتهميش للجيش العراقي والشرطة...
أو مخطط لإبقائهما عاجزين عن مسك زمام الأمور...ويحتاجون لقوات مساندة قوية أخرى, لحكم البلاد.
طبعا...لو كان ثمة جيش عراقي قوي يضبط الصدامات والمواجهات, وشرطة قوية تضبط الأمن واللصوص
وحكومة ناجحة في إدارة الدولة والإقتصاد...
سيكون السؤال من العراقيين وغير العراقيين: ها هي البلاد تمضي بطريق صحيح, فلماذا قوات الإحتلال هنا؟؟؟
ها؟
نعم هذا هو السؤال الخطر الذي لا تريد إدارة بوش سماعه...
جيش عراقي ضعيف لا يقدر على مواجهة التحديات...
وشرطة عراقية ضعيفة لا تضبط الامن والنظام
وحكومة مرتبكة عاجزة, بلا تخطيط, بلا صلاحيات, بلا ميزانية قوية, بلا تمويل, بلا رؤيا واضحة لحل مشكلات البلاد...
هذا بالضبط ما تريده قوات الإحتلال...لتبقى.
كيف ستترك البلاد وهي في حالة فوضى وضعف وانهيار؟؟
من يملك برأسه ذرة عقل وهدوء, سيقول لهم : إبقوا ولا تنسحبوا, حتى تتحسن الأوضاع..
حسنا, الآن السؤال المهم: متى تتحسن الأوضاع؟؟؟
وماذا فعلت إدارة بوش من خطوات واضحة ملموسة حقيقية منذ سنة ونصف تقريبا لتحسين الأوضاع؟؟؟
كل واحد يسأل نفسه هذا السؤال,
هذا هو السؤال المهم الان...
سواء بقي بوش في السلطة أو تركها....
هذاهو السؤال الذي ينبغي ملاحقته به صباح مساء....
في كل المؤتمرات والندوات والمحاضرات...
إسألوه هذا السؤال, نيابة عن العراقيين الذين هنا...
نحن لا نصل اليه ولا نراه....
أنتم الذين تقدرون على الوصول والسؤال,إسألوه إن كنتم تحبون العراقيين او تشفقون عليهم وتريدون مساعدتهم...
إسالوه ماذا فعل غير الكلام والخطب....
إسألوه عله يتحمل مسؤولية من سقط قتيلا هنا من عراقيين مدنيين أبرياء أو عسكريين أمريكيين هم أولادكم.
عندما يملك خطة واضحة صادقة لتحسين الأحوا ل وتقليل الخسائر...صفقوا له وانتخبوه ثانية.
وإن أعاد لكم قصص الإرهاب والحرب على الإرهاب, والمعزوفة المملة ذاتها...
فأنتم الذين ستشاركوه في الحماقات التي يرتكبها هنا وسوء التدبير...
والضحايا التي ستسقط بسبب كل هذا التخبط وسوء الإدارة.
رؤيا واضحة, وخطة على أرض الواقع مقنعة وقوية, هذا ما نحتاجه الآن, بعد شهور من الضياع والدعايات والكذب والضحايا....
*****************************************
ما معنى الديمقراطية والمشاركة؟؟؟
أليس مساعدة بعضنا على تجاوز المحن القاسية؟؟
بالتفكير والحوار لأيجاد الحلول المناسبة؟
وأن لا نسلم رقابنا لأحمق يتحكم ويخطيء ويدمر, تماما كما فعل بنا صدام حسين؟؟
ألم يخدع العراقيين لسنوات طويلة وهو يدعي انه البطل القومي المخلص(الشدة على اللام)
يعني منقذ الأمة من الضياع....
كم صدقه من العرب والعراقيين؟؟
وكم دفعوا ضحايا ثمنا لحماقاته...وكم من سنوات طويلة ضاعت حتى اكتشف العرب انه كذاب احمق قاد الأمة للهلاك بدل النجاة؟؟؟
هل بوش يقود الأمة الى الهلاك أم للنجاة؟؟؟
لا تنقادوا خلفه كالعميان والحمفى وتعيدوا ما حدث للعراقيين...
افتحوا عيونكم وعقولكم...حتى لا تندموا بعد فوات الأوان...........
****************************
في المساء جاء السائق , واعتذر عن غيابه, قال انه قضى النهار في الفلوجة عند أخـته الأرملة وأطفالها...
ثمة معسكر للجيش الأمريكي قريب لبيتها , وثمة صواريخ سقطت, فتكسر زجاج النوافذ , وانجرحت الأم وأولادها من شظايا الزجاج .
قال اتصلوا بي منذ السادسة صباحا, وقدت سيارتي كالمجنون الى هناك..
الأم مجروحه بوجهها ويديها, وإبنها الكبير عمره 16 سنه, دخلت شظايا في رأسه, ما زال نائما في المستشفى.
وابنها الصغير عمره 6 سنوات, ينزف من جروحه, , وفي غرفة الطواريء رأيت مصورا يعمل مع الصحافة ومعه كاميرا, يريد أن يلتقط لنا صورة, ضربته, ورميت كاميرته على الأرض...
قلت له لماذا؟؟
قال انهم كلاب, لا يهتمون بنا...
قلت ربما صحفي شريف يريد أن يكتب عنكم ويساندكم...
قال : ما رأينا شيئا مفيدا منهم, لم يقدم لنا أحد مساعدة...ما عدنا نثق بهم...هل تصدقين؟؟
لا يوجد في المستشفى ماء مغذي ..ذهبوا لقسم الولادة فوجدوا أن نصف كيس مغذي متبقي من سيدة ولدت طفلها للتو, وما عادت محتاجة للمغذي, فأعطونا إياه, لنضعه لإبن أختي الصغير...
الناس يجلبون متطلبات مرضاهم من أدوية, من خارج المستشفى...الحكومة والأمريكان يمارسون حصارا ضد تجهيز مستشفى الفلوجة بالأدوية, يقولون انكم تعالجون المجاهدين....
تعالي معي في الأسبوع القادم....
تعالي لتري بعينيك العوائل التي تعيش في الخيام....82 خيمة كبيرة لعوائل هدمت بيوتها من القصف الأمريكي...
جلسوا في الخيام وينظرون الى بيوتهم المهدمة كل يوم...
ثمة رجال أغنياء من داخل الفلوجة أو خارجها يتبرعون للأهالي لإعادة إعمار دورهم, ولتعود العوائل اليها قبل الشتاء...
وثمة شيخ في الجامع يتسلم التبرعات ليوزعها للأرامل والفقيرات, أختي أرملة, ويعطيها كل شهر 40 ألف دينار ليساعدها على تكاليف الحياة, عندها ستة أطفال....
وثمة رجال عراقيين مقاتلين, سأعرفك عليهم, ليس بينهم غريب من خارج العراق...ليس ثمة من يمولهم بالدولارات...يقاتلون لأنهم يقولون نحن بلد محتل....ومقاومة المحتل حق مشروع...نحن لسنا إرهابيين, وليس ثمة من إسمه الزرقاوي هنا.....أو أتباع له...هذه قصص ملفقة كاذبة.
أطرقت , وبقيت صامته...
هل أذهب للفلوجة؟؟
وأرى الناس وأسمع قصصهم ؟؟
ماذا سأضيف للعالم؟؟
الم يكتب المئات عن الفلوجة ومعاناة أهلها؟؟
من يهتم؟؟
**********************************
قلت له : إنتظر, لا تذهب...
دخلت للبيت, ثم خرجت اليه وبيدي مغلف, وبداخله نقود...
قلت له : هذه أمانه تعطيها لشيخ الجامع حتى يوزعها على اختك وجاراتها الفقيرات...
كان الله في عونكم....
ليس عندي ما أضيفه .
***************************************************
الخميس23 أيلول 2004
أريد ان أتحدث عن موضوع آخر.. متعب , لكني أحب الحديث عنه..ويعطيني شعاع أمل بالغد القادم...
الجمعية النسائية...والتجربة الأولى فيها...
حسنا , هي نجربة مضطربة مليئة بالأخطاء , مثل تجربة الحب الأول لكل واحد منا...تجربة ساذجة مليئة بالخرافات والأحلام...لكنها ضرورة, وتكون درسا لنكون أكثر نضوجا ومعرفة, في تجارب قادمة...
التجربة مع هذه الجمعية مليئة بالأسئلة , لأنها تجربة في عالم جديد على حياتنا.
مديرة الجمعية تفتقد الى الشفافية في تعاملها مع عضوات الهيئة الإدارية.
وهذا يسبب مصادمات وانشقاقات , وهي تنغص متعة العمل العام التطوعي...وتفقده الحماسة المطلوبة لإنجازه, والإستمرار فيه.
نائبة الجمعية طالبت بتدقيق دفتر الحسابات وضرورة تنفيذ توصية الهيئة الإدارية بتشكيل لجنة مالية للإشراف على صرف أموال الجمعية.
طالبنا نحن العضوات مرة اخرى, في اجتماعات لاحقة, لكن المديرة تتهرب من هذه المواضيع وتفتح حوارات أخرى بمواضيع أخرى كل إجتماع...
ذهبنا الى وزارة التخطيط, وطلبنا مقابلة السيدة المسؤولة عن الجمعيات العراقية غير الحكومية.
قلنا لها نحن عضوات جمعية جديدة, وهيئة إدارية, لكننا لا خبرة لنا...لا نعرف حقوقنا ولا واجباتنا, النظام الداخلي غامض, ومختصر...نريد منك الشرح أكثر..
قالت : ما المشكلة؟؟
قلنا : كيف نواجه لا شفافية القيادة؟؟
هل المسؤولية المالية جماعية أم انها للمديرة فقط؟؟
قالت : طبعا جماعية...لا تصرفوا شيئا دون علم الهيئة الإدارية, شكلوا لجنة للصرف والمراقبة المالية...
قلنا : لكن الرئيسة تماطل...
قالت : إعملوا مجموعة ضغط ( لوبي ) منكم, إضغطوا عليها بالقرارات, وصوتوا على القرارات كل إجتماع, وتابعوا تنفيذها بإصرار...ربما تتغير وتتجاوب...
قلنا لها : نسمع بعض العضوات يقدمن مشاريع فيها إستثمار وأرباح, وبناء فنادق أو شقق سكنية, ويسألن المديرة عن النسبة المئوية لهن؟؟
قالت : لا توجد مشاريع إستثمارية ولا نسب مئوية للهيئة الإدارية...هذه منظمات غير ربحية...مسموح فقط خمسه بالمئة أو سبعة بالمئة لمصاريف الجمعية...والباقي للمشروع نفسه والموظفين فيه والعوائل المستفيدة مثلا.
كنا فرحين جدا بسماع هذا , الإجتماع قصير, لكن التعليمات واضحة.
قلت للعضوة التي معي : نحاول أن نضغط عليها لتصحيح المسار, وإن لم تتجاوب, نستقيل ونفتح جمعية جديدة.
*******************************************
في اليوم التالي كان عندنا إجتماع...
تكلمنا بقوة ووضوح مع المديرة, وحددنا أسماء اللجنة المالية ولجنة مراقبة دفاتر الحسابات..
ورأينا انها كانت صامته ومحبطة...فاجأناها بقوة الكتلة الجديدة وترتيب أفكارنا...
نعم...سار الإجتماع بإتجاه كنا نحن نريده...
ونهاية الإجتماع خرجنا الى الشارع, ووقفنا على الرصيف, تهامسنا وضحكنا...كان ثمة شعور صغير ممتع, شعور بالنصر..
قلت لهم : هاي هي تتجاوب مع مطالبنا, لا داعي لتأسيس جمعية جديدة.
قالوا : حسنا سنرى...
لكن المديرة لم تتركنا نتمتع بهذه الأفكار الجديدة...
إتصلت بنا في مساء اليوم التالي, واحدة, واحدة, وكانت مكالماتها غاضبة وتمتليء بالتهديد...
وقالت لي : ما هو النظام الداخلي؟؟
إنه شيء مطاطي نغيره كما نشاء...
تجمدت, وتذكرت صدام حسين, هكذا كان يقول عن الدستور والقوانين في الدولة, وهكذا كان يتعامل معها..
ثم قالت : هذا الكرسي الذي أنا فيه, لا تفكر إحداكن أن تأخذه مني, سأشدها من شعرها , والقي بها في الشارع خارج الإجتماع..
غرقت في الضحك, واكتشفت وجهها الحقيقي, واكتشفت غبائي, كيف انتخبتها وأنا لا اعرف حقيقتها؟؟
ولكن من أبن لي أن اعرف....
المشاكل والمصادمات هي التي تكشف الوجوه الحقيقية للناس...
*******************************************************
ذهبنا في اليوم التالي لحضورمحاضرة بعنوان : كيفية إدارة المنظمات, ومهمات الهيئة الإدارية.
المحاضر دكتور عراقي يعمل في منظمة أمريكية تأسست عام 1983( المعهد الديمقراطي الأمريكي)
أن. دي .آي .
قلت له قبل المحاضرة: اليوم , عندي رغبة شديدة بسماع هذه المحاضرة, حتى لو كانت من منظمة امريكية...
تجارب الاخرين في بناء مجتمعاتهم ومؤسساتها هي شيء ثمين أحب أن أراه وأسمعه...
هذا بالضبط ما نحتاجه الآن .
لكن المحاضرات حول المرأة في حياتنا..., إختلفنا عليها لأنها رؤيا مجتمع آخر, المفروض أن نسمع منهم ونحورها بما يناسب حياتنا ومجتمعنا ونستفيد منها...
************************************
المحاضرة كانت ممتازة ومفيدة...
تحدث الدكتور عن فكرة إنشاء المنظمات غير الحكومية, غير الربحية..
والهيئة الإدارية عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين يملكون رؤيا مشتركة.
نعم...أحببت جدا هذه الجملة, ووجدتها أخيرا , كأنها مفتاح السر للدخول الى عالم المنظمات..والهيئة المسؤولة.
رؤيا مشتركة. هنا بيت القصيد...
أين هي الرؤيا التي بيننا في مجلس إدارة المنظمة التي انتمي اليها؟؟
البعض منا يفكرن بعقلية سيدات اعمال خارج المنظمة وداخلها...تأتي هنا لتقيم مشاريع إستثمارية بإسم المنظمة, ثم تسأل بوقاحة : كم ستعطوني نسبة مئوية؟؟
كأنها دلالة في المزاد....
والبعض القليل منا يريدون مشاريع لتطوير قدرات النساء ومساعدتهم بطريقة ما لتحسين ظروف حياتهم...
وهذا التيار محاصر لأنه يمثل أقلية في الهيئة الإدارية.
أين الرؤيا المشتركة؟؟
ضحكت ساخرة في داخلي, واكتشفت أي حماقة ارتكبت حين دخلت مع هذه المجموعة التي لا اعرفها, ولا توجد مسائل مشتركة بيننا ...
*********************************
اتصلت رئيسة المنظمة في اليوم الثاني, وأعادت نفس الكلام الفارغ والتهديدات, وقالت تعالوا غدا اجتماع طاريء...
نريد أن نصوت على معاقبة النائبة لأنها أرسلت ايميل الى المنظمة الأمريكية التي تمولنا ., وتحدثت عن المشاكل المالية.
وهذا تصرف خاطيء وتجاوز على المركزية...أنا أقدر أن أطردها وأعمل انتخابات جديدة...
سيأتي غدا مندوب من المنظمة الأمريكية للتحقيق عن الموضوع, قولوا له ان النائبة مخطئة وصوتوا لعزلها من منصيها...
قلت لها : نعم ربما هي أخطأت , لكني لا أسمح أن تكون كبش فداء...الموضوع الرئيسي هو عدم الشفافية في العمل, وليس التجاوز...
كانت غاضبة وتهدد....
بقيت طوال الليل أفكر...كانت ليلة صعبة.
بين أن أقف في وجهها بصراحة واتحمل شراستها وعدوانيتها...
وبين محاولة تلطيف الأجواء والمجاملات...
في الصباح كان عندي صداع شديد, وشحوب في وجهي من كثرة التفكير وقلة النوم....
لكني قررت أن أحسم الموقف وأقف أمامها بصراحة...
ما جدوى بقائي معها...لا توجد رؤية مشتركة أبدا...أنا في المكان الخطأ.
ولا داعي للسكوت....
**********************************
ذهبنا للإجتماع...
جاء المندوب , وبدأت جلسة الحوار, أقصد العراك...حيث المديرة لم تترك مجالا للنائبة المسكينة لإبداء وجهة نظرها...كانت تقاطعها كل مرة وتصرخ بطريقة غاضبة و عصبية, والرجل يشير لها أن تهدأ , ولا فائدة.
وطبعا كذبت عليه وقالت إن عضوات الهيئة الإدارية اتصلن بي وطلبن معاقبة النائبة على اتصالها بكم دون إذننا...
نظرنا الى بعضنا وابتسمنا...تتكلم بإسمنا وتكذب ولا تخجل...
طالبت النائبة بفتح دفاتر الحسابات وتدقيقها, وتدقيق المصاريف السخيفة التي استنزفت ميزانية الجمعية, بلا فواتير أحيانا, مكتوبة بخط يد المديرة, ولا تقبل أن يسألها احد عن مدى صدق هذه المصاريف.
قالت له :أنا اعمل مع الجمعية منذ بداية السنة, وأعرف تفاصيل المصروفات الحقيقية, والعضوات الموجودات الآن هن جديديات, ولا يعرفن التفاصيل.
ثم قالت له : إن كان هذا وضعها مع الدفاتر والحسابات, كيف سنثق بها ؟
وهل ستصرف التمويل الجديد حسب مزاجها؟؟
أعرف أنها على حق في كل كلمة, وأساندها من كل قلبي...لكن موقفها ضعيف حيث المديرة تستحوذ على السلطة
ويخافون منها....
****************************************
قلت لعدد من العضوات أمس : إذا سمحتم لها ان تطرد النائبة, ستطردنا واحدة واحدة...كلما حاولنا إنتقادها..إفتحوا عيونكم وانتبهوا..
لكن بعضهن اليوم كن غبيات وخائفات أو منافقات...
عملنا إقتراع سري على أسماء لجنة المالية, أعطيت ورقة فارغة...لم يكن عندي مزاج للمشاركة في هذه الفعاليات, ثمة كذب وتزوير...
وفوجئت أن أسمي كان ضمن ثلاثة أسماء فازت بالتصويت.
لم أبد إهتماما...كان عندي الشعور يزداد لحظة بعد لحظة, إن هذا المكان لايليق بي...ليس ثمة أشياء مشتركة..
وقفت النائبة غاضبة من كثرة تدخلات المديرة, وقالت للرجل: أنا اعتذر عن الحوار...أنا أستقيل, هذه الجمعية لا تشرفني, ولا أريد البقاء فيها...وخرجت, فلحق بها الرجل يطلب منها العودة والهدوء...
وسمعتهن يتكلمن بصوت عال وكلمات متنوعة...هذه وقحة, كذابة, لا تسمعوها...
أن بقيت هي سأخرج أنا...
لاب لاب لاب ....
كلام فارغ وصراخ...
نظرت اليهن وابتسمت, في داخلي ثمة إمراة عاقلة سألتني : ماذا تفعلين هنا؟؟
وما هو الشيء المشترك بينك وبينهم ؟؟
فوقفت وابتسمت وقلت : هذه ليست جمعية...هذه مهزلة.
ثم خرجت....
رأيت النائبة تتحدث مع الرجل وهو يتوسل أن تعود... وقال أنني الاحظ أنك على حق وانها مخطئة, ولن نمولها فلسا واحدا...
قلت له : هي أخطات ببند واحد, كان ينبغي أن نكتب ذلك الإيميل ونوقعه كمجموعة من الهيئة الإدارية , ثلاثة او أربعة من أصل تسعة, عند ذاك لن يقول احد اننا تجاوزنا...
نزلنا الأدراج سوية, ووقفنا على الرصيف...ثمة عضوة غائبة تساندنا...إذن نحن ثلاثة...سنقدم استقالتنا الجماعية,
ونبدأ بتأسيس جمعية جديدة....
عدت للبيت وأنا مرتاحة جدا...كأن ثمة صخرة إنزاحت عن قلبي....
**********************************************
أمضي هذه الأيام بالإتصالات مع سيدات كثيرات , بحذر شديد لأننا نريد نوعية مخلصة لا تبحث عن أرباح وتحقبق مصالح ذاتية , لنبدأ تأسيس جمعية جديدة لمساعدة النساء العراقيات...
أهم بند هو : توفر الرؤيا المشتركة..
الرؤيا والرغبة بالعمل على مساعدة النساء العراقيات من مختلف الفئات الإجتماعية...
تطويرهن ومد يد العون لهن, ليشاركن في بناء مجتمع جديد, ووطن جديد...
أعلم أن الأوضاع العامة خطرة ...
وأعلم أن الموت والحياة يمشيان سوية...
والبناء والتخريب...
والخوف والشجاعة..
والكذب والصدق...
والأمل والإحباط...
هذا حال الدنيا في كل زمان ومكان...
ولا بد أن تنتصر الحياة, والبناء والشجاعة والصدق والأمل....يوما ما.
وسنكون فخورين أننا شاركنا من أجل أن يتحقق الحلم الجميل بمستقبل أفضل..
إن هربنا وخفنا واختبئنا , من سيعمل على تحقيق تلك الأمنيات؟؟؟
ليس ثمة أبطال اسطوريين...نحن الناس العاديين نبني الحاضر والمستقبل...
بآلامنا ودموعنا وخوفنا , وشجاعتنا وصبرنا وتحملنا...
نقدر أن نفعل الخير الذي نريده....
ويد الله مع الجماعة التي تعمل الخير....ينصرهم ويثبتهم, آمين.
*********************************************
مساء الخير...
بغداد تعيش أياما صعبة...الوضع يزداد سوءا, لا ندري من يصعد حالة التفجيرات, لكن الواضح أن الحالة
الأمنية في تدهور مستمر...
يوم السبت ظهرا, حوالي الرابعة, هز انفجار قوي منطقة حي السفارات, على الجسر السريع الذي يربط طريق المطار بتلك المنطقة, سيارة مفخخة اصطدمت بقافلة جنود أمريكيين على الجسر, وقتلت عددا من الجنود, وتهدمت الأسيجة المعدنية التي تحيط بجانبي الجسر, وسقطت الآليات الى الشارع تحت الجسر, وأغلق طريق المطار ليوم أو إثنين, ثم مررنا من هناك بعدها ورأينا آثار الحادث. والحفرة الكبيرة في الشارع ..
ومساء امس سيارة مفخخة أخرى اصطدمت برتل امريكي في شارع الأميرات وانفجرت...
تحطمت نوافذ البيوت والمحلات التجارية, واغلق الشارع لرفع جثث الضحايا من الأمريكيين والعراقيين المدنيين,والآليات العسكرية التي احترقت.
لا أحب سماع قصص الموت والضحايا, قلبي يحزن, إن مات عراقي مدني أو جندي امريكي, كلاهما لهم أهل وعوائل وأحبة, ستتمزق قلوبهم ألما لفقد أحبتهم...
الحرب شيء غبي وبشع...والخراب والحماقات فيها اكثر من البناء والحكمة.
*****************************
بالأمس اهتز زجاج المحل في عملي ظهرا, وارتفع الدخان في الفضاء من المنطقة المقابلة لنا...
صار الموظفون يتصلون بعوائلهم للإطمئنان ان ليس ثمة إصابات...كل واحد يسأل زوجته عن أطفاله أين هم؟؟
لم نفهم ما حدث, ناس يقولون سيارة مفخخة, وناس تقول صاروخ أمريكي...ونهز رؤوسنا كالبلهاء, نقلب أيدينا
وننفث زفيرا عميقا, ونقول : لا حول ولا قوة الا بالله....
ثم نعود لتكملة الحديث والعمل.....
اليوم انفجرت سيارة اخرى أو صوت صاروخ آخر, نفس المنطقة, ونفس الوقت تقريبا...
والشوارع عادة تغلق, ومن ذا الذي سيصل بيته؟؟
ساعات ستدور وتجد كل المنافذ مغلقة...
*********************************
اغتالوا رجال دين اثنين هذا الأسبوع وهم يمشون في الشوارع قرب بيوتهم, والتفجيرات لا تنتهي, وعمليات الخطف من الشوارع والبيوت مستمرة...
اختطفوا رجلا من سيارته في شارع المنصور قبل يومين, وقال السائق: أم رائد, توقفوا وبكل وقاحة أطلقوا النار في الهواء, فهرب الناس, وهجموا على الرجل وأخرجوه من داخل سيارته أمام أعيننا, وتركوا أبوابها مفتوحة,
وأخذوه معهم....
والشرطة؟؟؟
سألته بدهشة, أين هي؟؟
قال: الشرطة؟ هربوا من المنطقة عندما سمعوا إطلاق النار...
نظرت من زجاج السيارة الى الشارع في طريق عودتي الى البيت...وغرقت في التفكير..
ها هي الشوارع تمتليء بأرتال من آليات أمريكية. ماذا تفعل بالضبط هنا؟؟
لست أفهم....
اليوم قصف على الفلوجة, لم يأت السائق, ذهب الى هناك لرؤية بيت أخته الذي تكسر زجاج نوافذه فذهب ليطمئن على اولاد اخته الأرملة.
وأتصلنا بالمهندس لتركيب المنظومات التي بعناها يوم أمس , إعتذر وقال ان بيته قرب مدينة الصدر, وإن المنطقة تشتعل بالمواجهات مع الجيش الأمريكي, وكل المنافذ مغلقة. سيحضر الأسبوع القادم ربما...
وعندما اعود للبيت , أضع أصابع يدي على أذني بحركة لا شعورية, أخاف أن تنفجر قذيفة أو سيارة أو لغم بجانبي, فأفقد سمعي, ..
في الصباح أكون أكثر شجاعة...أقرأ آيات من القران طوال الطريق...لكني في الظهيرة, أكون متعبة وجائعة
ومتوترة.....
*****************************
وتاتيني رسائل من قراء أمريكيين, ويسألون: هل حقا عندكم بداية حرب أهلية؟؟
وهل تعتقدون أن الوقت مناسب لأنسحاب الجيش الأمريكي من العراق؟؟
الا ترين أن مذابح ستحصل, وجيش المهدي والصدروالأحزاب الأخرى والزرقاوي والوهابيين؟؟
نفس الأسئلة تتكرر كل يوم....
تعني أنهم جميعا يسمعون هذه القصص والتحليلات من الإعلام هناك كل يوم....
إذن, معزوفة الحرب الأهلية يريدون لها أن تحدث , منذ أن دخلوا العراق وهم يعزفونها...
لكن لا حرب أهلية هنا, الناس تختبيء في بيوتها خوفا على أطفالها, ويخرجون للضرورة فقط, ثم يعودون مسرعين للإختباء من جحيم التفجيرات.
من أين جاءت فكرة الحرب الأهلية؟؟
المصادمات هنا بين قوات الإحتلال وقوى أخرى, , أين الحرب الأهلية؟؟
في بيروت رأيت الحرب الأهلية, رأيت المدينة انقسمت الى نصفين, هذا النصف يقصف النصف الآخر بالقذائف العشوائية , التي تسقط على الأسواق والشوارع, وثمة تنظيمات معروفة لها أسماء وقيادات وبيانات سياسية
وتتقاتل وتتصارع بصراحة, والناس تعرفها , البعض يؤيد والبعض يعترض...
لكن في العراق, أين هي التنظيمات المحلية التي تتصارع ضد بعضها وتتقاتل ؟؟
الصراع هنا بين قوى محلية واخرى اجنبية...هل هذه حرب أهلية؟؟؟؟
الخطف للأجانب والتفجيرات ترتكبها منظمات لا وجوه لها ولا وجود حقيقي على الأرض,
منظمات وهمية لها مواقع على الإنترنت, وافلام وثائقية على محطة الجزيرة..
من أصحابها؟
من يمولها؟
لا أحد يعلم...
ثم يقولون حرب أهلية, هل شارك الشعب بتشكيل هذه المنظمات؟؟
هل إعترف بها, وأعطاها الشرعية؟؟
طبعا لا...
هي أجسام غريبة, لا تنتمي لهذه البيئة,ثمة من خلقها وأدخلها عنوة الى حياتنا..
لحسابات ومصالح قد نفهم بعضها, وقد لا نفهم معظمها...
لكن الشيء الأكيد والواضح: إن هذا الشعب ذهب ضحية مجرمين وحمقى, يعيثون فسادا في الأرض..وليس ثمة من يوقفهم عند حدهم ويقول : كفى.
****************************
منذ سقوط النظام ودخول قوات الإحتلال الى العراق, والإعلام يريد هناك أن يقنع العالم أن العراق على حافة حرب اهلية, والتفجيرات التي حدثت لإثارة الفتن بين السنة والشيعة, لم تنجح...
وبين الأكراد والعرب, لم تنجح الا في مناطق محدودة في مدن الشمال...
وبين المسلمين والمسيحيين, لم تنجح رغم تفجير الكنائس...
ثمة من يسعى ويسعى دون جدوى, لإثارة حرب أهلية, لكن العراقيون في عالم آخر....
العراقيون البؤساء يبحثون عن تأمين قوت يومهم , واللوذ بالبيوت مع عوائلهم وأطفالهم...
ويفكرون بقلق : الشهر القادم ستفتح المدارس,,,كيف سنرسل أطفالنا الى المدارس وهذا حال البلاد؟؟
لا أمان ولا إستقرار...هل سنبقيهم في البيوت؟؟
هل نرسلهم ونخاطر بحياتهم؟؟
والتفجيرات لا تتوقف...والحكومة المؤقتة ضعيفة وعاجزة عن تقديم ما يرضي المواطن ويقنعه بجديتها
في التفكير به وبسلامته وأمنه.
وكل يوم عناوين الصحف الحكومية تمتليء بالوعود الجميلة...لكن لا شيء جديد على أرض الواقع.
******************************
الجيش العراقي والشرطة العراقية هما أيضا تشكيلات ضعيفة هشة لا تقوى حتى على الدفاع عن نفسها...
قكيف ستدافع عن الشعب؟؟؟
نفس الحديث هذا اعدته وكررته في مقالاتي....
الذي شن هذه الحرب , ينبغي أن تكون له خطة وأولويات...
أين هي الخطة؟؟؟ وماهي الأولويات؟؟؟
هل ثمة من سأل الإدارة الأمريكية هذا السؤال؟؟
كل شركة أو جمعية أو مؤسسة , في المجتمع , لها خطة عمل , وأهداف, يظل اعضاؤها يتابعونها, ويراقبون أدائها, وينتقدونه, ليصححوا المسار...
هل ثمة من يسائل الإدارة الأمريكية من داخلها أو خارجها؟
هل ثمة من يسائل وينتقد ويصحح المسار؟؟
أم أن المصفقين والمنافقين لا يعطون فرصة لغيرهم للمشاركة والتصحيح...
إن كان هذا يحدث هناك...فهذه كارثة محزنة, نهايتها محزنة على الجميع...كنهاية صدام حسين, بطيشه وحماقاته,
جلب الخراب لنفسه وشعبه....
ودفع الجميع ثمن الخراب , الذين كانوا معه, والذين كانوا ضده...
هكذا حال الدنيا....
عندنا أغنية قديمة تقول: والظلم لو دام دمر.....يحرق اليابس والأخضر...واللي ميصدق غبي!!
فعلا, الذي لا يصدق غبي...
******************
وأريد الإجابة على السؤال اليومي : ماذا سيحصل لو انسحبت قوات الإحتلال من العراق؟؟
جوابي هو:
الظروف التي حدثت بعد دخول قوات الإحتلال, وحل مؤسسات الدولة, الجيش والشرطة وقوات الأمن.
كل هذا سبب فراغا , ساعد على تصاعد الجرائم, ودخول قوى أجنبية إرهابية, وحدوث مصادمات يومية
ما عاد العراقيون يعرفون من صديقهم ؟ ومن عدوهم ؟
هذا الشي حدث إما بسبب غباء قوات الإحتلال , أو بتعمد وتخطيط مسبق.
ولو حدث بسبب سوء إدارة وسوء تخطيط وبسبب إرتباك, فكان يمكن تجاوزه مع الوقت وتصليحه....
لكن البرنامج يمضي بكل عناد وإصرار على نفس الوتيرة...
حكومة مؤقته ضعيفة يحرسها جيش الإحتلال...
وشرطة وجيش ضعيفان , بأسلحة قديمة, ولا تقنيات....
الجيش الأمريكي يتجول في أرض العراق وسمائه, يستخدم أرقى التقنيات...
والشرطة العراقية تحمل كلاشينكوف منقرض. وكذلك الجيش, يركب آليات صغيرة حقيرة , تثير الشفقة, قذيفة واحدة تطير كل أفراد الجيش في الهواء الطلق...
بينما الهمفي والدباية والهليكوبتر...كم تحمي ركابها من الحوادث وتقلل الضحايا؟؟
إذن, ثمة إستهتار وتهميش للجيش العراقي والشرطة...
أو مخطط لإبقائهما عاجزين عن مسك زمام الأمور...ويحتاجون لقوات مساندة قوية أخرى, لحكم البلاد.
طبعا...لو كان ثمة جيش عراقي قوي يضبط الصدامات والمواجهات, وشرطة قوية تضبط الأمن واللصوص
وحكومة ناجحة في إدارة الدولة والإقتصاد...
سيكون السؤال من العراقيين وغير العراقيين: ها هي البلاد تمضي بطريق صحيح, فلماذا قوات الإحتلال هنا؟؟؟
ها؟
نعم هذا هو السؤال الخطر الذي لا تريد إدارة بوش سماعه...
جيش عراقي ضعيف لا يقدر على مواجهة التحديات...
وشرطة عراقية ضعيفة لا تضبط الامن والنظام
وحكومة مرتبكة عاجزة, بلا تخطيط, بلا صلاحيات, بلا ميزانية قوية, بلا تمويل, بلا رؤيا واضحة لحل مشكلات البلاد...
هذا بالضبط ما تريده قوات الإحتلال...لتبقى.
كيف ستترك البلاد وهي في حالة فوضى وضعف وانهيار؟؟
من يملك برأسه ذرة عقل وهدوء, سيقول لهم : إبقوا ولا تنسحبوا, حتى تتحسن الأوضاع..
حسنا, الآن السؤال المهم: متى تتحسن الأوضاع؟؟؟
وماذا فعلت إدارة بوش من خطوات واضحة ملموسة حقيقية منذ سنة ونصف تقريبا لتحسين الأوضاع؟؟؟
كل واحد يسأل نفسه هذا السؤال,
هذا هو السؤال المهم الان...
سواء بقي بوش في السلطة أو تركها....
هذاهو السؤال الذي ينبغي ملاحقته به صباح مساء....
في كل المؤتمرات والندوات والمحاضرات...
إسألوه هذا السؤال, نيابة عن العراقيين الذين هنا...
نحن لا نصل اليه ولا نراه....
أنتم الذين تقدرون على الوصول والسؤال,إسألوه إن كنتم تحبون العراقيين او تشفقون عليهم وتريدون مساعدتهم...
إسالوه ماذا فعل غير الكلام والخطب....
إسألوه عله يتحمل مسؤولية من سقط قتيلا هنا من عراقيين مدنيين أبرياء أو عسكريين أمريكيين هم أولادكم.
عندما يملك خطة واضحة صادقة لتحسين الأحوا ل وتقليل الخسائر...صفقوا له وانتخبوه ثانية.
وإن أعاد لكم قصص الإرهاب والحرب على الإرهاب, والمعزوفة المملة ذاتها...
فأنتم الذين ستشاركوه في الحماقات التي يرتكبها هنا وسوء التدبير...
والضحايا التي ستسقط بسبب كل هذا التخبط وسوء الإدارة.
رؤيا واضحة, وخطة على أرض الواقع مقنعة وقوية, هذا ما نحتاجه الآن, بعد شهور من الضياع والدعايات والكذب والضحايا....
*****************************************
ما معنى الديمقراطية والمشاركة؟؟؟
أليس مساعدة بعضنا على تجاوز المحن القاسية؟؟
بالتفكير والحوار لأيجاد الحلول المناسبة؟
وأن لا نسلم رقابنا لأحمق يتحكم ويخطيء ويدمر, تماما كما فعل بنا صدام حسين؟؟
ألم يخدع العراقيين لسنوات طويلة وهو يدعي انه البطل القومي المخلص(الشدة على اللام)
يعني منقذ الأمة من الضياع....
كم صدقه من العرب والعراقيين؟؟
وكم دفعوا ضحايا ثمنا لحماقاته...وكم من سنوات طويلة ضاعت حتى اكتشف العرب انه كذاب احمق قاد الأمة للهلاك بدل النجاة؟؟؟
هل بوش يقود الأمة الى الهلاك أم للنجاة؟؟؟
لا تنقادوا خلفه كالعميان والحمفى وتعيدوا ما حدث للعراقيين...
افتحوا عيونكم وعقولكم...حتى لا تندموا بعد فوات الأوان...........
****************************
في المساء جاء السائق , واعتذر عن غيابه, قال انه قضى النهار في الفلوجة عند أخـته الأرملة وأطفالها...
ثمة معسكر للجيش الأمريكي قريب لبيتها , وثمة صواريخ سقطت, فتكسر زجاج النوافذ , وانجرحت الأم وأولادها من شظايا الزجاج .
قال اتصلوا بي منذ السادسة صباحا, وقدت سيارتي كالمجنون الى هناك..
الأم مجروحه بوجهها ويديها, وإبنها الكبير عمره 16 سنه, دخلت شظايا في رأسه, ما زال نائما في المستشفى.
وابنها الصغير عمره 6 سنوات, ينزف من جروحه, , وفي غرفة الطواريء رأيت مصورا يعمل مع الصحافة ومعه كاميرا, يريد أن يلتقط لنا صورة, ضربته, ورميت كاميرته على الأرض...
قلت له لماذا؟؟
قال انهم كلاب, لا يهتمون بنا...
قلت ربما صحفي شريف يريد أن يكتب عنكم ويساندكم...
قال : ما رأينا شيئا مفيدا منهم, لم يقدم لنا أحد مساعدة...ما عدنا نثق بهم...هل تصدقين؟؟
لا يوجد في المستشفى ماء مغذي ..ذهبوا لقسم الولادة فوجدوا أن نصف كيس مغذي متبقي من سيدة ولدت طفلها للتو, وما عادت محتاجة للمغذي, فأعطونا إياه, لنضعه لإبن أختي الصغير...
الناس يجلبون متطلبات مرضاهم من أدوية, من خارج المستشفى...الحكومة والأمريكان يمارسون حصارا ضد تجهيز مستشفى الفلوجة بالأدوية, يقولون انكم تعالجون المجاهدين....
تعالي معي في الأسبوع القادم....
تعالي لتري بعينيك العوائل التي تعيش في الخيام....82 خيمة كبيرة لعوائل هدمت بيوتها من القصف الأمريكي...
جلسوا في الخيام وينظرون الى بيوتهم المهدمة كل يوم...
ثمة رجال أغنياء من داخل الفلوجة أو خارجها يتبرعون للأهالي لإعادة إعمار دورهم, ولتعود العوائل اليها قبل الشتاء...
وثمة شيخ في الجامع يتسلم التبرعات ليوزعها للأرامل والفقيرات, أختي أرملة, ويعطيها كل شهر 40 ألف دينار ليساعدها على تكاليف الحياة, عندها ستة أطفال....
وثمة رجال عراقيين مقاتلين, سأعرفك عليهم, ليس بينهم غريب من خارج العراق...ليس ثمة من يمولهم بالدولارات...يقاتلون لأنهم يقولون نحن بلد محتل....ومقاومة المحتل حق مشروع...نحن لسنا إرهابيين, وليس ثمة من إسمه الزرقاوي هنا.....أو أتباع له...هذه قصص ملفقة كاذبة.
أطرقت , وبقيت صامته...
هل أذهب للفلوجة؟؟
وأرى الناس وأسمع قصصهم ؟؟
ماذا سأضيف للعالم؟؟
الم يكتب المئات عن الفلوجة ومعاناة أهلها؟؟
من يهتم؟؟
**********************************
قلت له : إنتظر, لا تذهب...
دخلت للبيت, ثم خرجت اليه وبيدي مغلف, وبداخله نقود...
قلت له : هذه أمانه تعطيها لشيخ الجامع حتى يوزعها على اختك وجاراتها الفقيرات...
كان الله في عونكم....
ليس عندي ما أضيفه .
***************************************************
الخميس23 أيلول 2004
أريد ان أتحدث عن موضوع آخر.. متعب , لكني أحب الحديث عنه..ويعطيني شعاع أمل بالغد القادم...
الجمعية النسائية...والتجربة الأولى فيها...
حسنا , هي نجربة مضطربة مليئة بالأخطاء , مثل تجربة الحب الأول لكل واحد منا...تجربة ساذجة مليئة بالخرافات والأحلام...لكنها ضرورة, وتكون درسا لنكون أكثر نضوجا ومعرفة, في تجارب قادمة...
التجربة مع هذه الجمعية مليئة بالأسئلة , لأنها تجربة في عالم جديد على حياتنا.
مديرة الجمعية تفتقد الى الشفافية في تعاملها مع عضوات الهيئة الإدارية.
وهذا يسبب مصادمات وانشقاقات , وهي تنغص متعة العمل العام التطوعي...وتفقده الحماسة المطلوبة لإنجازه, والإستمرار فيه.
نائبة الجمعية طالبت بتدقيق دفتر الحسابات وضرورة تنفيذ توصية الهيئة الإدارية بتشكيل لجنة مالية للإشراف على صرف أموال الجمعية.
طالبنا نحن العضوات مرة اخرى, في اجتماعات لاحقة, لكن المديرة تتهرب من هذه المواضيع وتفتح حوارات أخرى بمواضيع أخرى كل إجتماع...
ذهبنا الى وزارة التخطيط, وطلبنا مقابلة السيدة المسؤولة عن الجمعيات العراقية غير الحكومية.
قلنا لها نحن عضوات جمعية جديدة, وهيئة إدارية, لكننا لا خبرة لنا...لا نعرف حقوقنا ولا واجباتنا, النظام الداخلي غامض, ومختصر...نريد منك الشرح أكثر..
قالت : ما المشكلة؟؟
قلنا : كيف نواجه لا شفافية القيادة؟؟
هل المسؤولية المالية جماعية أم انها للمديرة فقط؟؟
قالت : طبعا جماعية...لا تصرفوا شيئا دون علم الهيئة الإدارية, شكلوا لجنة للصرف والمراقبة المالية...
قلنا : لكن الرئيسة تماطل...
قالت : إعملوا مجموعة ضغط ( لوبي ) منكم, إضغطوا عليها بالقرارات, وصوتوا على القرارات كل إجتماع, وتابعوا تنفيذها بإصرار...ربما تتغير وتتجاوب...
قلنا لها : نسمع بعض العضوات يقدمن مشاريع فيها إستثمار وأرباح, وبناء فنادق أو شقق سكنية, ويسألن المديرة عن النسبة المئوية لهن؟؟
قالت : لا توجد مشاريع إستثمارية ولا نسب مئوية للهيئة الإدارية...هذه منظمات غير ربحية...مسموح فقط خمسه بالمئة أو سبعة بالمئة لمصاريف الجمعية...والباقي للمشروع نفسه والموظفين فيه والعوائل المستفيدة مثلا.
كنا فرحين جدا بسماع هذا , الإجتماع قصير, لكن التعليمات واضحة.
قلت للعضوة التي معي : نحاول أن نضغط عليها لتصحيح المسار, وإن لم تتجاوب, نستقيل ونفتح جمعية جديدة.
*******************************************
في اليوم التالي كان عندنا إجتماع...
تكلمنا بقوة ووضوح مع المديرة, وحددنا أسماء اللجنة المالية ولجنة مراقبة دفاتر الحسابات..
ورأينا انها كانت صامته ومحبطة...فاجأناها بقوة الكتلة الجديدة وترتيب أفكارنا...
نعم...سار الإجتماع بإتجاه كنا نحن نريده...
ونهاية الإجتماع خرجنا الى الشارع, ووقفنا على الرصيف, تهامسنا وضحكنا...كان ثمة شعور صغير ممتع, شعور بالنصر..
قلت لهم : هاي هي تتجاوب مع مطالبنا, لا داعي لتأسيس جمعية جديدة.
قالوا : حسنا سنرى...
لكن المديرة لم تتركنا نتمتع بهذه الأفكار الجديدة...
إتصلت بنا في مساء اليوم التالي, واحدة, واحدة, وكانت مكالماتها غاضبة وتمتليء بالتهديد...
وقالت لي : ما هو النظام الداخلي؟؟
إنه شيء مطاطي نغيره كما نشاء...
تجمدت, وتذكرت صدام حسين, هكذا كان يقول عن الدستور والقوانين في الدولة, وهكذا كان يتعامل معها..
ثم قالت : هذا الكرسي الذي أنا فيه, لا تفكر إحداكن أن تأخذه مني, سأشدها من شعرها , والقي بها في الشارع خارج الإجتماع..
غرقت في الضحك, واكتشفت وجهها الحقيقي, واكتشفت غبائي, كيف انتخبتها وأنا لا اعرف حقيقتها؟؟
ولكن من أبن لي أن اعرف....
المشاكل والمصادمات هي التي تكشف الوجوه الحقيقية للناس...
*******************************************************
ذهبنا في اليوم التالي لحضورمحاضرة بعنوان : كيفية إدارة المنظمات, ومهمات الهيئة الإدارية.
المحاضر دكتور عراقي يعمل في منظمة أمريكية تأسست عام 1983( المعهد الديمقراطي الأمريكي)
أن. دي .آي .
قلت له قبل المحاضرة: اليوم , عندي رغبة شديدة بسماع هذه المحاضرة, حتى لو كانت من منظمة امريكية...
تجارب الاخرين في بناء مجتمعاتهم ومؤسساتها هي شيء ثمين أحب أن أراه وأسمعه...
هذا بالضبط ما نحتاجه الآن .
لكن المحاضرات حول المرأة في حياتنا..., إختلفنا عليها لأنها رؤيا مجتمع آخر, المفروض أن نسمع منهم ونحورها بما يناسب حياتنا ومجتمعنا ونستفيد منها...
************************************
المحاضرة كانت ممتازة ومفيدة...
تحدث الدكتور عن فكرة إنشاء المنظمات غير الحكومية, غير الربحية..
والهيئة الإدارية عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين يملكون رؤيا مشتركة.
نعم...أحببت جدا هذه الجملة, ووجدتها أخيرا , كأنها مفتاح السر للدخول الى عالم المنظمات..والهيئة المسؤولة.
رؤيا مشتركة. هنا بيت القصيد...
أين هي الرؤيا التي بيننا في مجلس إدارة المنظمة التي انتمي اليها؟؟
البعض منا يفكرن بعقلية سيدات اعمال خارج المنظمة وداخلها...تأتي هنا لتقيم مشاريع إستثمارية بإسم المنظمة, ثم تسأل بوقاحة : كم ستعطوني نسبة مئوية؟؟
كأنها دلالة في المزاد....
والبعض القليل منا يريدون مشاريع لتطوير قدرات النساء ومساعدتهم بطريقة ما لتحسين ظروف حياتهم...
وهذا التيار محاصر لأنه يمثل أقلية في الهيئة الإدارية.
أين الرؤيا المشتركة؟؟
ضحكت ساخرة في داخلي, واكتشفت أي حماقة ارتكبت حين دخلت مع هذه المجموعة التي لا اعرفها, ولا توجد مسائل مشتركة بيننا ...
*********************************
اتصلت رئيسة المنظمة في اليوم الثاني, وأعادت نفس الكلام الفارغ والتهديدات, وقالت تعالوا غدا اجتماع طاريء...
نريد أن نصوت على معاقبة النائبة لأنها أرسلت ايميل الى المنظمة الأمريكية التي تمولنا ., وتحدثت عن المشاكل المالية.
وهذا تصرف خاطيء وتجاوز على المركزية...أنا أقدر أن أطردها وأعمل انتخابات جديدة...
سيأتي غدا مندوب من المنظمة الأمريكية للتحقيق عن الموضوع, قولوا له ان النائبة مخطئة وصوتوا لعزلها من منصيها...
قلت لها : نعم ربما هي أخطأت , لكني لا أسمح أن تكون كبش فداء...الموضوع الرئيسي هو عدم الشفافية في العمل, وليس التجاوز...
كانت غاضبة وتهدد....
بقيت طوال الليل أفكر...كانت ليلة صعبة.
بين أن أقف في وجهها بصراحة واتحمل شراستها وعدوانيتها...
وبين محاولة تلطيف الأجواء والمجاملات...
في الصباح كان عندي صداع شديد, وشحوب في وجهي من كثرة التفكير وقلة النوم....
لكني قررت أن أحسم الموقف وأقف أمامها بصراحة...
ما جدوى بقائي معها...لا توجد رؤية مشتركة أبدا...أنا في المكان الخطأ.
ولا داعي للسكوت....
**********************************
ذهبنا للإجتماع...
جاء المندوب , وبدأت جلسة الحوار, أقصد العراك...حيث المديرة لم تترك مجالا للنائبة المسكينة لإبداء وجهة نظرها...كانت تقاطعها كل مرة وتصرخ بطريقة غاضبة و عصبية, والرجل يشير لها أن تهدأ , ولا فائدة.
وطبعا كذبت عليه وقالت إن عضوات الهيئة الإدارية اتصلن بي وطلبن معاقبة النائبة على اتصالها بكم دون إذننا...
نظرنا الى بعضنا وابتسمنا...تتكلم بإسمنا وتكذب ولا تخجل...
طالبت النائبة بفتح دفاتر الحسابات وتدقيقها, وتدقيق المصاريف السخيفة التي استنزفت ميزانية الجمعية, بلا فواتير أحيانا, مكتوبة بخط يد المديرة, ولا تقبل أن يسألها احد عن مدى صدق هذه المصاريف.
قالت له :أنا اعمل مع الجمعية منذ بداية السنة, وأعرف تفاصيل المصروفات الحقيقية, والعضوات الموجودات الآن هن جديديات, ولا يعرفن التفاصيل.
ثم قالت له : إن كان هذا وضعها مع الدفاتر والحسابات, كيف سنثق بها ؟
وهل ستصرف التمويل الجديد حسب مزاجها؟؟
أعرف أنها على حق في كل كلمة, وأساندها من كل قلبي...لكن موقفها ضعيف حيث المديرة تستحوذ على السلطة
ويخافون منها....
****************************************
قلت لعدد من العضوات أمس : إذا سمحتم لها ان تطرد النائبة, ستطردنا واحدة واحدة...كلما حاولنا إنتقادها..إفتحوا عيونكم وانتبهوا..
لكن بعضهن اليوم كن غبيات وخائفات أو منافقات...
عملنا إقتراع سري على أسماء لجنة المالية, أعطيت ورقة فارغة...لم يكن عندي مزاج للمشاركة في هذه الفعاليات, ثمة كذب وتزوير...
وفوجئت أن أسمي كان ضمن ثلاثة أسماء فازت بالتصويت.
لم أبد إهتماما...كان عندي الشعور يزداد لحظة بعد لحظة, إن هذا المكان لايليق بي...ليس ثمة أشياء مشتركة..
وقفت النائبة غاضبة من كثرة تدخلات المديرة, وقالت للرجل: أنا اعتذر عن الحوار...أنا أستقيل, هذه الجمعية لا تشرفني, ولا أريد البقاء فيها...وخرجت, فلحق بها الرجل يطلب منها العودة والهدوء...
وسمعتهن يتكلمن بصوت عال وكلمات متنوعة...هذه وقحة, كذابة, لا تسمعوها...
أن بقيت هي سأخرج أنا...
لاب لاب لاب ....
كلام فارغ وصراخ...
نظرت اليهن وابتسمت, في داخلي ثمة إمراة عاقلة سألتني : ماذا تفعلين هنا؟؟
وما هو الشيء المشترك بينك وبينهم ؟؟
فوقفت وابتسمت وقلت : هذه ليست جمعية...هذه مهزلة.
ثم خرجت....
رأيت النائبة تتحدث مع الرجل وهو يتوسل أن تعود... وقال أنني الاحظ أنك على حق وانها مخطئة, ولن نمولها فلسا واحدا...
قلت له : هي أخطات ببند واحد, كان ينبغي أن نكتب ذلك الإيميل ونوقعه كمجموعة من الهيئة الإدارية , ثلاثة او أربعة من أصل تسعة, عند ذاك لن يقول احد اننا تجاوزنا...
نزلنا الأدراج سوية, ووقفنا على الرصيف...ثمة عضوة غائبة تساندنا...إذن نحن ثلاثة...سنقدم استقالتنا الجماعية,
ونبدأ بتأسيس جمعية جديدة....
عدت للبيت وأنا مرتاحة جدا...كأن ثمة صخرة إنزاحت عن قلبي....
**********************************************
أمضي هذه الأيام بالإتصالات مع سيدات كثيرات , بحذر شديد لأننا نريد نوعية مخلصة لا تبحث عن أرباح وتحقبق مصالح ذاتية , لنبدأ تأسيس جمعية جديدة لمساعدة النساء العراقيات...
أهم بند هو : توفر الرؤيا المشتركة..
الرؤيا والرغبة بالعمل على مساعدة النساء العراقيات من مختلف الفئات الإجتماعية...
تطويرهن ومد يد العون لهن, ليشاركن في بناء مجتمع جديد, ووطن جديد...
أعلم أن الأوضاع العامة خطرة ...
وأعلم أن الموت والحياة يمشيان سوية...
والبناء والتخريب...
والخوف والشجاعة..
والكذب والصدق...
والأمل والإحباط...
هذا حال الدنيا في كل زمان ومكان...
ولا بد أن تنتصر الحياة, والبناء والشجاعة والصدق والأمل....يوما ما.
وسنكون فخورين أننا شاركنا من أجل أن يتحقق الحلم الجميل بمستقبل أفضل..
إن هربنا وخفنا واختبئنا , من سيعمل على تحقيق تلك الأمنيات؟؟؟
ليس ثمة أبطال اسطوريين...نحن الناس العاديين نبني الحاضر والمستقبل...
بآلامنا ودموعنا وخوفنا , وشجاعتنا وصبرنا وتحملنا...
نقدر أن نفعل الخير الذي نريده....
ويد الله مع الجماعة التي تعمل الخير....ينصرهم ويثبتهم, آمين.
*********************************************