Thursday, September 16, 2004
الخميس 16 ايلول 2004
مساء الخير....
تحسن الجو كثيرا في بغداد, في الصباح نسمات باردة جميلة تأتي من الشبابيك المطلة على الحديقة.
سأذهب لشراء شتلات ورود جديدة للفصل القادم, إن شاء الله.
ننتظر الشتاء بفارغ الصبر...سنلبس ملابس ثقيلة, ونرى المطر ينهمر علينا...
كم أحب المطر وأشتاق اليه..
أحسه يغسل الشوارع والأشجار والأبنية, واتمنى لويقدر أن يغسل الظلام والحقد من قلوب البشر....
ليسود السلام على الأرض...آمين.
********************************
وضعت مقالة غيث على الموقع يوم أمس, وهي تتحدث عن احداث يوم الأحد الماضي...
كان يوما مخضبا بالدماء....دماء العراقيين البؤساء.
والأحداث كانت في شارع حيفا, وقد وضعت صوره عدة مرات على موقعنا, وهو شارع بعمارات سكنية عالية
حديثة التصاميم.
وخلفه منطقة قديمة فقيرة, هي بقايا من أحياء بغداد القديمة .
وكنت دائما حين أزور أخي الساكن في عمارة هناك, كنت أجد هذه العمارات كجسم غريب دخل المدينة..
لا علاقة له بالبيئة المحيطة.
والذي يزيد سوء المنظر, هو تلك البيوت القديمة المتداعية التي تقبع خلف العمارات...
كأن ثمة عالمين لا علاقة ببعضهما البعض, يتجاوران هنا, بطريقة ما...غريبان عن بعضهما.
وبقيا كعالمين غريبين منذ الثمانينات وحتى الآن....
سواء بالمواصفات السكنية, أو الإجتماعية أو الإقتصادية.
**********************************
ويوم الأحد إمتلأت المنطقة بالقتال والعنف والدم...وهذه ليست المرة الأولى, لكنها ربما الأشد عنفا..
دماء...دماء...دماء..
لطخت الأرصفة والشوارع والمحلات التجارية, والبنايات السكنية, ثم عدسات كاميرات وكالات الأنباء
وقتل مراسل محطة العربية, وجرح غيث وغيره من المصورين .
وجرح ومات عشرات من العراقيين المدنيين.
طائرات هليكوبتر أمريكية كانت تحوم وتقصف...والجثث تتكوم, ولا أحد يقدرأن يتقدم وينقذ الجرحى..
وفي مؤتمر صحفي حضره الصحفيون الغاضبون في بغداد , إعتذر المسؤول الأمريكي عن مقتل وجرح المراسلين والمدنيين, وقال إنهم (قوات الإحتلال ) يبذلون جهدهم لتقليل الإصابات والأضرار.
نعم كلنا نصدق هذا ونلاحظ جديته.....هه.؟
اليست نفس المسرحية تتكرر في الفلوجة وسامراء والنجف والكوفة ومدينة الصدر؟؟؟
طائرات تقصف وبيوت تتهدم ومدنيين قتلى...
والرجل يعتذر.....
يا إلهي
*****************************
بالأمس قال السائق إنه قبل مجيئه الى بيتنا ليأخذني للعمل, أخذ اخته الى مستشفى النعمان في الأعظمية لأنها مريضة,
وكانت صالة الطواريء تمتليء بجثث الشرطة العراقية من جرحى وقتلى...
ثمة مجرمين توقفوا في الصباح الباكر ونزلوا من سياراتهم في ساحة عنتر بالأعظمية, واطلقوا النار على دورية شرطة بأسلحة اوتوماتيكية, وملأوا الشارع بدمائهم وجثثهم , ولاذوا بالفرار....
وقبلها بيوم كان ثمة هجوم على دوريات شرطة في بغداد ومدن أخرى, وراح عدد كبير منهم ضحايا...
واليوم سمعنا ونحن في المحل, صوت إنفجار قريب, تبين فيما بعد إنه هجوم ضد دورية شرطة عند مطعم الرواد في المنصور...وهي منطقة تجارية مزدحمة.
وأقرأ في الجريدة اليوم ان بوش يعد أن يجعل من العراق نموذجا لمحاربة الإرهاب, لا نموذجا لتبني الإرهاب
في الشرق الأوسط.
وأبتسم وانا أنظر لهذا النموذج الجميل كيف يتم خلقه وتكوينه بحكمة بالغة, وبأقل الخسائر للأرواح والممتلكات...
والله وحده يعلم متى سيتحقق هذا النموذج ., وكم من الخسائر ستدفع من أجل تحقيقه.
لا أدري...
المعادلة ما زالت تمضي بين حمقى ومجرمين, يشوهون العالم...وكل واحد يظن نفسه على حق.
وكل واحد يتكلم احيانا بإسم الله والحق والعدالة .
وثمة امريكية حمقاء تظل تراسلني من حين لآخر, وتسالني : ماذا فعلت لمساعدة العراقيين؟
ولماذا تتحدثين عن الأشياء السيئة , ولا تقولين الجيدة؟؟
وهي من مشجعات بوش وقناة فوكس...
فأجيبها بهدوء وازدراء: إقرأي مقالاتي ثانية وسترين انني أتكلم عما نبذله من جهد لبناء العراق ومساعدة العراقيين. ونسيت ان أقول لها كعادتي, لو رأيت ثمة أشياء مفرحة سأخبركم, لأنني أكثر شوقا لها منكم.
********************************
وتذكرت غيث أمس وانا أقرأ مقالته الحزينة...
غيث كان صديق رائد, وكان تخرج قبل رائد بسنتين من كلية الهندسة المعمارية...
غيث شاب مهذب جدا., وهو مسيحي.
كان يشكل مع رائد وسلام فريقا مثل الثلاثي المرح الذي لا يفترق عن بعضه.
كانوا يقضون نهاية الأسبوع عند سلام, ويتفرجون على آخر الأفلام, ويتعشون ويضحكون, ولهم قصص وأسرار
مثل كل الشباب.
كان غيث محبطا, لم يتمكن من إكمال الدراسات العليا في الجامعة, حيث تبين أن جدته من امه بريطانية.
وهذا كان سببا لتمنعه الجامعة من إكمال دراسته أيام صدام حسين.
ظل محبطا, وحاول المستحيل للسفر خارج العراق, وفشلت كل المحاولات.
واختفى عن الأنظار....
وتخرج رائد وسافر لإكمال الماستر في عمان. ثم عاد قبل الحرب بأسابيع وقال : لا أريد أن أظل في عمان وتموتوا أنتم. نموت سوية أو نعيش....
بعد سقوط بغداد بأيام ظهر غيث...وجاء لزيارتنا, وفرحنا جدا لرؤيته...
وكان كثير السعادة, يكاد يطير من الفرح...
قال انه شارك مع الواقفين في ساحة الفردوس لإٍسقاط تمثال الطاغية. وإنه كان سعيد جدا...كأنه ولد من جديد...
قلت لرائد ونحن وحدنا في المطبخ : من كان يصدق ان المستقبل سيبتسم لشاب مثل غيث؟؟
كل الأبواب كانت موصدة.
لكن رحمة الله لا توصد الأبواب.
توقعنا انه سيغادر العراق, حيث كان ذلك حلمه...لكنه آثر البقاء هنا والعمل مع الغارديان البريطانية كمصور..
هو وحماسة الشباب وحب البقاء في الوطن والساحة ساخنة بالاحداث...
مساء أمس , تذكرت كل هذا بعد ان قرات مقالته عن احداث شارع حيفا الدامية...
وتمنيت أن أراه وأقول له : ما ترى؟؟؟
أين هو الحلم الذي أردناه ان يتحقق ؟
سقط الطاغية, وجاء العنف والخراب والدمار والدماء...
تمنيت أن تعود أيامنا لنسترجع تلك الضحكات والأمنيات بغد جميل ومستقبل مشرق بلا صدام...
واليوم نعيش في قلب المحنة والموت, وما زلنا نحلم بالغد والمستقبل...
ولكني لا اظن سيصنعه بوش أو قوات إحتلال...
المستقبل الذي نريده...لا تصنعه سوى أيدينا وقلوبنا وعقولنا....
لأنها تحب العراق والعراقيين , لأنها تألم لجرح ومقتل العراقيين, لأنها أيد وقلوب وعقول تحمل رائحة هذا الوطن, وحب هذا الوطن...
والذي يحب, لا يؤذي من يحبهم...
يحسب ألف حساب وحساب قبل أن يتصرف بحماقة, أو يزهق ارواحا بريئة.
أو يسمح لعصابات الإجرام ان تنطلق وتعيث فسادا في البلاد.
أو عصابات منظمة من الخارج تخطف وتقتل وتنشر الفوضى في البلاد...
لو كنت أشارك في الحكم مع عراقيين وعراقيات, يحبون العراق وشعبه, لجعلت الأمن لهم أول أولوياتي
ولقلت لقوات الإحتلال: إبتعدوا عن الساحة, وجودكم هو مصدر الجذب للعنف والإرهاب.
انتم تستمتعون بالمعارك, وتخوضونها من داخل الدبابات والهليكوبترات...وتقتلون كل من ترونه يمشي
على الأرض وقت المعركة. عدو أو بريء...ما هذه الحكمةفي معالجة الامور؟؟
ثم تنشرون القصص هناك في وسائل الإعلام, عن حكومة عراقية مؤقتة قوية, وجيش وشرطة عراقية كافية
وبداية سحب الجيش الأمريكي من بغداد...
ونحن هنا نكتوي بنار الفوضى والعنف والفشل الأمني الذريع...
لماذا تكذبون؟؟؟
قولوا اننا فشلنا, واننا سنحاول من جديد...كونوا اكثر مصداقية, لا تدمرونا وتستعملونا دعاية لقصص كاذبة.
إن نجحتم هنا فالعالم كله سيسمع قصص النجاح...وإن فشلتم, فالعالم كله سيسمع...
فلماذا تكذبون؟؟؟
لماذا تكذبون؟؟؟
من اجل مناصب وفترة حكم جديدة؟؟
إن كنتم صدقتم هنا, فنحن العراقيين سننادي وليسمعنا كل العالم, أنكم شرفاء , وحررتم العراق, وساعدتم اهله
لبنائه من جديد....سنطلب من كل العالم أن يصفق لكم...
لكنكم اليوم مجرد حفنة من الحمقى والكذابين...
دمرتم وطننا بمغامرة حمقاء ..وسوء تدبير واضح لا يختلف عليه اثنان من المشاهدين ( هنا وليس من المخدوعين هناك .
فماذا ننتظر منكم؟؟؟
تريدون مزيدا من الفرص, لترتكبوا مزيدا من الحماقات؟؟
من يضمن لنا أنكم ستكونوا أكثر حكمة مما فعلتم بنا طوال الشهور الماضية؟؟؟
لا احد يضمن, نفس الوجوه, ونفس المنطق, ونفس الرؤيا...
أتمنى ان يفتح العالم عيونه ليراكم على حقيقتكم كما رأيناكم....
واتمنى أن ثمة بقية من الشرفاء في هذا العالم سيوقفونكم عند حدكم...
وأتمنى أن أرى حسابكم أمام رب العالمين يوم القيامة.
وماذا ستقولون له....
وأيديكم ملطخة بدماء الأبرياء. ...
*******************************************
لو كنت ممن يشارك في حكم العراق...
لجعلت الأمن هو اول الأولويات...ثم بناء مؤسسات المجتمع المدني...منظمات وجمعيات, هي افضل من أحزاب..
لانها لا تملك أفقا ضيقا للحياة, وتضم تحت جناحها ملايين من الناس تجمعهم الرغبة في المشاركة والعمل الوطني والإجتماعي...
بينما الأحزاب تربي الرغبة في المصلحة الذاتية والإستفادة لفئة دون أخرى...وتفرق ولا تجمع .
وهذه منظمات المجتمع المدني هي التي تعيد بناء نسيج المجتمع الممزق بعد الحرب...
لا قوات إحتلال نجحت في بناء النسيج, ولا حكومة مؤقتة نجحت...
الشعب يبني نسيجه من جديد بنفسه...
من هذه المنظمات يتعلم الشعب حب الحياة , وحب البناء, والمشاركة.
ولطلبت من كل الأحزاب الدينية, السنية والشيعية, أن تعلن براءة الإسلام من العنف والإرهاب, وعمليات الخطف
والقتل بإسم الإسلام والدفاع عن المسلمين.
الشعب هو الذي يسحب البساط من تحت أقدام الكاذبين المزيفين...فلا يعود لهم قدرة على بث سمومهم وأعمالهم اللا إنسانية.
ولكنت ضغطت على وكالات الأنباء الا تكتب عن مجرمين او خاطفين, ولا تذكر مطالبهم, ولا تعطيهم أهمية
لينطلقوا عبر الإعلام ويبثوا سمومهم ويقترفوا جرائمهم وكأن الإعلام يشارك معهم ويشجعهم, كما تفعل قناة الجزيرة المشبوهة, التي تغذي العنف والإرهاب وتصور المجرمين من داخل موقع العمليات وكأنهم أبطال...
لو كنت في موقع السلطة والقرار, لما تركت وسيلة لحماية الناس من الأذى والعنف...وكنت شجعتهم على بناء لجان شعبية في المناطق لتوفير الأمان لكل حي من أهله أنفسهم, لن يسمحوا لخاطف أو سلاب أن يتجول في المنطقة...
إحياء المنظمات المدنية, هو إحياء لروح العمل الجماعي...هو إحياء لروح الثقة بالنفس, والقدرة على بناء وطن جديد وغد جميل....
لكن واقع الحال مختلف...
قوات إحتلال تتخبط, وإرهاب وإجرام يزداد...وحكومة مؤقتة مرتبكة مهزوزة, وشعب بالملايين تائه, خائف,
لا يدري ما يفعل, لا في يومه كيف سيمضيه؟؟؟
ولا في غده كيف سيصنعه؟
وكيف السبيل الى جعله غد أفضل؟؟؟؟
الوطن يصنعه رجاله ونساؤه....
في كل زمان ومكان....
لا تأتي قوى خارقة أو حمقاء من الخارج وتتدخل لتصنعه ..
.هذه أوهام وخرافات...
الوطن لا يصنعه الا رجاله ونساؤه المخلصون.
فمتى سيملك العراقيون هذه الفرصة؟؟؟؟
*********************************
ما زالت سيمونا توريتا وسيمونا باري ومن معهما من عراقيين, ما زالت أخبارهم غامضة وبعيدة...
والخاطفون المجرمون يهددون بقتلهم ربما أيضا بإسم الإسلام والمسلمين...
وكذلك أخبار الصحفيين الفرنسيين المختطفين غامضة وبعيدة.
ما زالت قلوبنا حزينة من أجلهم...
وندعو لهم ليل نهار أن يعودوا لبيوتهم بسلام وأمان...
نثق برحمة الله, ونسأله أن يطلق سراحهم , وينهي محنتهم...آمين .
***************************************
مساء الخير....
تحسن الجو كثيرا في بغداد, في الصباح نسمات باردة جميلة تأتي من الشبابيك المطلة على الحديقة.
سأذهب لشراء شتلات ورود جديدة للفصل القادم, إن شاء الله.
ننتظر الشتاء بفارغ الصبر...سنلبس ملابس ثقيلة, ونرى المطر ينهمر علينا...
كم أحب المطر وأشتاق اليه..
أحسه يغسل الشوارع والأشجار والأبنية, واتمنى لويقدر أن يغسل الظلام والحقد من قلوب البشر....
ليسود السلام على الأرض...آمين.
********************************
وضعت مقالة غيث على الموقع يوم أمس, وهي تتحدث عن احداث يوم الأحد الماضي...
كان يوما مخضبا بالدماء....دماء العراقيين البؤساء.
والأحداث كانت في شارع حيفا, وقد وضعت صوره عدة مرات على موقعنا, وهو شارع بعمارات سكنية عالية
حديثة التصاميم.
وخلفه منطقة قديمة فقيرة, هي بقايا من أحياء بغداد القديمة .
وكنت دائما حين أزور أخي الساكن في عمارة هناك, كنت أجد هذه العمارات كجسم غريب دخل المدينة..
لا علاقة له بالبيئة المحيطة.
والذي يزيد سوء المنظر, هو تلك البيوت القديمة المتداعية التي تقبع خلف العمارات...
كأن ثمة عالمين لا علاقة ببعضهما البعض, يتجاوران هنا, بطريقة ما...غريبان عن بعضهما.
وبقيا كعالمين غريبين منذ الثمانينات وحتى الآن....
سواء بالمواصفات السكنية, أو الإجتماعية أو الإقتصادية.
**********************************
ويوم الأحد إمتلأت المنطقة بالقتال والعنف والدم...وهذه ليست المرة الأولى, لكنها ربما الأشد عنفا..
دماء...دماء...دماء..
لطخت الأرصفة والشوارع والمحلات التجارية, والبنايات السكنية, ثم عدسات كاميرات وكالات الأنباء
وقتل مراسل محطة العربية, وجرح غيث وغيره من المصورين .
وجرح ومات عشرات من العراقيين المدنيين.
طائرات هليكوبتر أمريكية كانت تحوم وتقصف...والجثث تتكوم, ولا أحد يقدرأن يتقدم وينقذ الجرحى..
وفي مؤتمر صحفي حضره الصحفيون الغاضبون في بغداد , إعتذر المسؤول الأمريكي عن مقتل وجرح المراسلين والمدنيين, وقال إنهم (قوات الإحتلال ) يبذلون جهدهم لتقليل الإصابات والأضرار.
نعم كلنا نصدق هذا ونلاحظ جديته.....هه.؟
اليست نفس المسرحية تتكرر في الفلوجة وسامراء والنجف والكوفة ومدينة الصدر؟؟؟
طائرات تقصف وبيوت تتهدم ومدنيين قتلى...
والرجل يعتذر.....
يا إلهي
*****************************
بالأمس قال السائق إنه قبل مجيئه الى بيتنا ليأخذني للعمل, أخذ اخته الى مستشفى النعمان في الأعظمية لأنها مريضة,
وكانت صالة الطواريء تمتليء بجثث الشرطة العراقية من جرحى وقتلى...
ثمة مجرمين توقفوا في الصباح الباكر ونزلوا من سياراتهم في ساحة عنتر بالأعظمية, واطلقوا النار على دورية شرطة بأسلحة اوتوماتيكية, وملأوا الشارع بدمائهم وجثثهم , ولاذوا بالفرار....
وقبلها بيوم كان ثمة هجوم على دوريات شرطة في بغداد ومدن أخرى, وراح عدد كبير منهم ضحايا...
واليوم سمعنا ونحن في المحل, صوت إنفجار قريب, تبين فيما بعد إنه هجوم ضد دورية شرطة عند مطعم الرواد في المنصور...وهي منطقة تجارية مزدحمة.
وأقرأ في الجريدة اليوم ان بوش يعد أن يجعل من العراق نموذجا لمحاربة الإرهاب, لا نموذجا لتبني الإرهاب
في الشرق الأوسط.
وأبتسم وانا أنظر لهذا النموذج الجميل كيف يتم خلقه وتكوينه بحكمة بالغة, وبأقل الخسائر للأرواح والممتلكات...
والله وحده يعلم متى سيتحقق هذا النموذج ., وكم من الخسائر ستدفع من أجل تحقيقه.
لا أدري...
المعادلة ما زالت تمضي بين حمقى ومجرمين, يشوهون العالم...وكل واحد يظن نفسه على حق.
وكل واحد يتكلم احيانا بإسم الله والحق والعدالة .
وثمة امريكية حمقاء تظل تراسلني من حين لآخر, وتسالني : ماذا فعلت لمساعدة العراقيين؟
ولماذا تتحدثين عن الأشياء السيئة , ولا تقولين الجيدة؟؟
وهي من مشجعات بوش وقناة فوكس...
فأجيبها بهدوء وازدراء: إقرأي مقالاتي ثانية وسترين انني أتكلم عما نبذله من جهد لبناء العراق ومساعدة العراقيين. ونسيت ان أقول لها كعادتي, لو رأيت ثمة أشياء مفرحة سأخبركم, لأنني أكثر شوقا لها منكم.
********************************
وتذكرت غيث أمس وانا أقرأ مقالته الحزينة...
غيث كان صديق رائد, وكان تخرج قبل رائد بسنتين من كلية الهندسة المعمارية...
غيث شاب مهذب جدا., وهو مسيحي.
كان يشكل مع رائد وسلام فريقا مثل الثلاثي المرح الذي لا يفترق عن بعضه.
كانوا يقضون نهاية الأسبوع عند سلام, ويتفرجون على آخر الأفلام, ويتعشون ويضحكون, ولهم قصص وأسرار
مثل كل الشباب.
كان غيث محبطا, لم يتمكن من إكمال الدراسات العليا في الجامعة, حيث تبين أن جدته من امه بريطانية.
وهذا كان سببا لتمنعه الجامعة من إكمال دراسته أيام صدام حسين.
ظل محبطا, وحاول المستحيل للسفر خارج العراق, وفشلت كل المحاولات.
واختفى عن الأنظار....
وتخرج رائد وسافر لإكمال الماستر في عمان. ثم عاد قبل الحرب بأسابيع وقال : لا أريد أن أظل في عمان وتموتوا أنتم. نموت سوية أو نعيش....
بعد سقوط بغداد بأيام ظهر غيث...وجاء لزيارتنا, وفرحنا جدا لرؤيته...
وكان كثير السعادة, يكاد يطير من الفرح...
قال انه شارك مع الواقفين في ساحة الفردوس لإٍسقاط تمثال الطاغية. وإنه كان سعيد جدا...كأنه ولد من جديد...
قلت لرائد ونحن وحدنا في المطبخ : من كان يصدق ان المستقبل سيبتسم لشاب مثل غيث؟؟
كل الأبواب كانت موصدة.
لكن رحمة الله لا توصد الأبواب.
توقعنا انه سيغادر العراق, حيث كان ذلك حلمه...لكنه آثر البقاء هنا والعمل مع الغارديان البريطانية كمصور..
هو وحماسة الشباب وحب البقاء في الوطن والساحة ساخنة بالاحداث...
مساء أمس , تذكرت كل هذا بعد ان قرات مقالته عن احداث شارع حيفا الدامية...
وتمنيت أن أراه وأقول له : ما ترى؟؟؟
أين هو الحلم الذي أردناه ان يتحقق ؟
سقط الطاغية, وجاء العنف والخراب والدمار والدماء...
تمنيت أن تعود أيامنا لنسترجع تلك الضحكات والأمنيات بغد جميل ومستقبل مشرق بلا صدام...
واليوم نعيش في قلب المحنة والموت, وما زلنا نحلم بالغد والمستقبل...
ولكني لا اظن سيصنعه بوش أو قوات إحتلال...
المستقبل الذي نريده...لا تصنعه سوى أيدينا وقلوبنا وعقولنا....
لأنها تحب العراق والعراقيين , لأنها تألم لجرح ومقتل العراقيين, لأنها أيد وقلوب وعقول تحمل رائحة هذا الوطن, وحب هذا الوطن...
والذي يحب, لا يؤذي من يحبهم...
يحسب ألف حساب وحساب قبل أن يتصرف بحماقة, أو يزهق ارواحا بريئة.
أو يسمح لعصابات الإجرام ان تنطلق وتعيث فسادا في البلاد.
أو عصابات منظمة من الخارج تخطف وتقتل وتنشر الفوضى في البلاد...
لو كنت أشارك في الحكم مع عراقيين وعراقيات, يحبون العراق وشعبه, لجعلت الأمن لهم أول أولوياتي
ولقلت لقوات الإحتلال: إبتعدوا عن الساحة, وجودكم هو مصدر الجذب للعنف والإرهاب.
انتم تستمتعون بالمعارك, وتخوضونها من داخل الدبابات والهليكوبترات...وتقتلون كل من ترونه يمشي
على الأرض وقت المعركة. عدو أو بريء...ما هذه الحكمةفي معالجة الامور؟؟
ثم تنشرون القصص هناك في وسائل الإعلام, عن حكومة عراقية مؤقتة قوية, وجيش وشرطة عراقية كافية
وبداية سحب الجيش الأمريكي من بغداد...
ونحن هنا نكتوي بنار الفوضى والعنف والفشل الأمني الذريع...
لماذا تكذبون؟؟؟
قولوا اننا فشلنا, واننا سنحاول من جديد...كونوا اكثر مصداقية, لا تدمرونا وتستعملونا دعاية لقصص كاذبة.
إن نجحتم هنا فالعالم كله سيسمع قصص النجاح...وإن فشلتم, فالعالم كله سيسمع...
فلماذا تكذبون؟؟؟
لماذا تكذبون؟؟؟
من اجل مناصب وفترة حكم جديدة؟؟
إن كنتم صدقتم هنا, فنحن العراقيين سننادي وليسمعنا كل العالم, أنكم شرفاء , وحررتم العراق, وساعدتم اهله
لبنائه من جديد....سنطلب من كل العالم أن يصفق لكم...
لكنكم اليوم مجرد حفنة من الحمقى والكذابين...
دمرتم وطننا بمغامرة حمقاء ..وسوء تدبير واضح لا يختلف عليه اثنان من المشاهدين ( هنا وليس من المخدوعين هناك .
فماذا ننتظر منكم؟؟؟
تريدون مزيدا من الفرص, لترتكبوا مزيدا من الحماقات؟؟
من يضمن لنا أنكم ستكونوا أكثر حكمة مما فعلتم بنا طوال الشهور الماضية؟؟؟
لا احد يضمن, نفس الوجوه, ونفس المنطق, ونفس الرؤيا...
أتمنى ان يفتح العالم عيونه ليراكم على حقيقتكم كما رأيناكم....
واتمنى أن ثمة بقية من الشرفاء في هذا العالم سيوقفونكم عند حدكم...
وأتمنى أن أرى حسابكم أمام رب العالمين يوم القيامة.
وماذا ستقولون له....
وأيديكم ملطخة بدماء الأبرياء. ...
*******************************************
لو كنت ممن يشارك في حكم العراق...
لجعلت الأمن هو اول الأولويات...ثم بناء مؤسسات المجتمع المدني...منظمات وجمعيات, هي افضل من أحزاب..
لانها لا تملك أفقا ضيقا للحياة, وتضم تحت جناحها ملايين من الناس تجمعهم الرغبة في المشاركة والعمل الوطني والإجتماعي...
بينما الأحزاب تربي الرغبة في المصلحة الذاتية والإستفادة لفئة دون أخرى...وتفرق ولا تجمع .
وهذه منظمات المجتمع المدني هي التي تعيد بناء نسيج المجتمع الممزق بعد الحرب...
لا قوات إحتلال نجحت في بناء النسيج, ولا حكومة مؤقتة نجحت...
الشعب يبني نسيجه من جديد بنفسه...
من هذه المنظمات يتعلم الشعب حب الحياة , وحب البناء, والمشاركة.
ولطلبت من كل الأحزاب الدينية, السنية والشيعية, أن تعلن براءة الإسلام من العنف والإرهاب, وعمليات الخطف
والقتل بإسم الإسلام والدفاع عن المسلمين.
الشعب هو الذي يسحب البساط من تحت أقدام الكاذبين المزيفين...فلا يعود لهم قدرة على بث سمومهم وأعمالهم اللا إنسانية.
ولكنت ضغطت على وكالات الأنباء الا تكتب عن مجرمين او خاطفين, ولا تذكر مطالبهم, ولا تعطيهم أهمية
لينطلقوا عبر الإعلام ويبثوا سمومهم ويقترفوا جرائمهم وكأن الإعلام يشارك معهم ويشجعهم, كما تفعل قناة الجزيرة المشبوهة, التي تغذي العنف والإرهاب وتصور المجرمين من داخل موقع العمليات وكأنهم أبطال...
لو كنت في موقع السلطة والقرار, لما تركت وسيلة لحماية الناس من الأذى والعنف...وكنت شجعتهم على بناء لجان شعبية في المناطق لتوفير الأمان لكل حي من أهله أنفسهم, لن يسمحوا لخاطف أو سلاب أن يتجول في المنطقة...
إحياء المنظمات المدنية, هو إحياء لروح العمل الجماعي...هو إحياء لروح الثقة بالنفس, والقدرة على بناء وطن جديد وغد جميل....
لكن واقع الحال مختلف...
قوات إحتلال تتخبط, وإرهاب وإجرام يزداد...وحكومة مؤقتة مرتبكة مهزوزة, وشعب بالملايين تائه, خائف,
لا يدري ما يفعل, لا في يومه كيف سيمضيه؟؟؟
ولا في غده كيف سيصنعه؟
وكيف السبيل الى جعله غد أفضل؟؟؟؟
الوطن يصنعه رجاله ونساؤه....
في كل زمان ومكان....
لا تأتي قوى خارقة أو حمقاء من الخارج وتتدخل لتصنعه ..
.هذه أوهام وخرافات...
الوطن لا يصنعه الا رجاله ونساؤه المخلصون.
فمتى سيملك العراقيون هذه الفرصة؟؟؟؟
*********************************
ما زالت سيمونا توريتا وسيمونا باري ومن معهما من عراقيين, ما زالت أخبارهم غامضة وبعيدة...
والخاطفون المجرمون يهددون بقتلهم ربما أيضا بإسم الإسلام والمسلمين...
وكذلك أخبار الصحفيين الفرنسيين المختطفين غامضة وبعيدة.
ما زالت قلوبنا حزينة من أجلهم...
وندعو لهم ليل نهار أن يعودوا لبيوتهم بسلام وأمان...
نثق برحمة الله, ونسأله أن يطلق سراحهم , وينهي محنتهم...آمين .
***************************************