Friday, August 27, 2004

 

الخميس 26/8/004

مساء الخير...

بغداد ما زالت متوترة, والشوارع تغلق فجأة وتزيد من الإزدحامات المرورية, وضربات ضد قوات الإحتلال

في معظم شوارع بغداد الداخلية والطرق السريعة , تعبيرا عن الغضب مما يحدث في النجف .

الحزن في بغداد مستمر ....

***************

أريد أن أتكلم عن النجف وما تعنيه لنا كعراقيين بصورة عامة, وكطائفة شيعة بصورة خاصة.

النجف فيها قبر الإمام علي عليه السلام, وهو إبن عم الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو رفيقه منذ بداية الدعوة للإسلام, وهو زوج ابنته الصغرى فاطمة عليها السلام, وهو والد الحسن والحسين عليهما السلام.

عانى علي عليه السلام من الفتن والثورات خلال فترة حكمه , وقد قامت الحروب في زمانه وانقسمت الخلافة الإسلامية الى دولتين , في العراق علي أمير المؤمنين هو الخليفة وهو من آل الرسول, وفي الشام قامت دولة الأمويين وهي بذرة اولى لدولة علمانية فصلت الدين عن الدولة, واتخذت منحى آخر في الحياة, بذخ وترف وسلطان وقلة مترفة في قصور عالية, وشعب بعيد لا تصل كلمته للفئة الحاكمة....

أعتقد أنها كانت نواة الدولة العربية الظالمة الديكتاتورية.

بينما دولة الخلفاء بعد الرسول, وكان علي آخرهم, كان القائد هو رجل من صحابة الرسول او إبن عمه, كانت القيم الإسلامية في الرحمة والعدالة هي السائدة, وامير المؤمنين يلبس ثيابا متواضعة ويجلس في وسط الناس.

وهو وزوجته وأولاده قدوة للناس في التواضع وحسن الأخلاق. وهذا النموذج أعتقد أنه كان نواة دولةإسلامية ديمقراطية والحكم فيها تحت شعار ( أمرهم شورى بينهم ) من القرآن.

*************************

كانت الكوفة مركز الخلافة في حكم علي عليه السلام, ومسجد الكوفة , وبيت علي عليه السلام وأماكن دينية اخرى ما زالت موجودة هناك ليزورها الناس .

وحين مات عليه السلام دفن في النجف...

وصارت مدينة النجف رمزا مقدسا عند المسلمين, والشيعة خاصة, حيث هي مدفن لموتاهم.

المقابر في النجف, مدن كبيرة متناهية, كأنها بلا حدود...كأنها مدن حقيقية لكن سكانها في عالم آخر, ولهم طقوس اخرى....تختلف عن مدن الناس العاديين.

مكتوب على جدران المقابر: السلام عليكم, أهل لا إله الا الله, أنتم السابقون ونحن اللاحقون...

عندما أقراها أحس بالخشوع والحياء من الموتى, والحزن من مصير البشر جميعا.

كل سنة كنا نذهب أنا واخواتي لزيارة قبرأمي وأبي...نأخذ معنا الفواكه والمعجنات, نوزعها للفقراء ونطلب منهم قراءة سورة الفاتحة على أرواح موتانا...ونجلس عند القبور , نشعل الشموع ونقرأ القرآن , ونتذكر أحبتنا, ونبكي

على فراقهم....وحين نعود لبغداد...أظل أفكر طوال الطريق : كم هي الدنيا تافهة, وكم ينبغي للإنسان ان يعيشها بإستقامة وصدق, لأنه ميت لا محالة, فليمت وهو شريف طيب الذكر, خيرا من أن يموت وهو شرير قد آذى الناس وأكل حقوقهم, أو سفك دماءهم بغير حق...

وأتذكر كلمات الإمام علي عليه السلام: كفى بالموت واعظا...

أي أن ذكره يهذب النفس ويطهرها من الطمع والحماقات.

وكلماته : إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا, وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا....

*********************************

كنا نقوم بهذه الطقوس في نهاية شهر رجب العربي من كل سنة , قبل الحرب...

العام الماضي لم نذهب.....

وهذه الأيام هي من شهر رجب, وثمة عنف وقتال ودماء في شوارع النجف والكوفة...

إذن لن نذهب....

رأيت صورة الجنود الأمريكيين يتمترسون خلف جدران المقابر, ويحملون أسلحتهم الأوتوماتيكية , ويشنون

الحرب على جيش المهدي....

وبقيت أحدق في الصورة , ووضعت يدي على خدي , وثمة صوت في داخلي تساءل : يا الهي, حتى الأموات لم ينجو من قوات الإحتلال ؟

لحقوا بهم للمقابر, وأقلقوا سكينتهم ....

ماذا اقول ؟؟

كنت أقول دائما الحمد لله مات أبي وماتت أمي ولم يروا جيش الإحتلال, كانوا سيموتون من الحزن ربما

حين يرون العراق صار بلدا محتلا محطما....

ولكن قوات الإحتلال تريد لكل العراقيين, أحياء وأموات , أن يعرفوا أنها هنا, تدوس عليهم, أحياء واموات,

برضاهم أو غير رضاهم.......

هكذا يبدو واقع الحال.....

***********************************

أتساءل دائما : ما الفرق بين رجل يكذب وبين رجل يذكر نصف الحقيقة؟؟؟

لا أعرف....فثمة إجتهادات مختلفة في التفسير.

حسنا , بوش يستقبل رجالا عراقيين قطع صدام حسين أيديهم لأنهم تعاملوا بالدولار في السوق السوداء في وقت ما...وكانت العقوبة قاسية ولا إنسانية.

وهو يتبرع بتركيب أطراف صناعية لهم على حساب الحكومة الأمريكية او حسابه الخاص.

يستعمل الموضوع كدعاية لإنسانيته...

حسنا لماذا لا يأخذ الأطفال العراقيين الذين بترت اطرافهم من قنابل عنقودية ألقتها قوات الإحتلال على القرى العراقية ويركب لهم اطرافا صناعية؟؟

هل عنده الجرأة ليظهر للشعب الأمريكي الوجه الآخر من الصورة؟؟

لماذا ؟؟

إن كان الرجل عادلا وإنسانيا وعنده رحمة, فليكمل الصورة...

هكذا أفهم العدالة والشجاعة. وهكذا أريد للشعب الأمريكي أن يفكر حين ينظر لواقعنا, حتى تكون الصورة كاملة,

وحتى يكون ثمة صدق مع النفس.....

****************************

تماما مثل تاريخ الهنود في اميركا...

حين تروي القصة جهات حكومية متحيزة, فيرسمون الهندي كشخص همجي عدواني متخلف...

وحين نقرأ من كتابات أدباء ومؤرخين, نرى الصورة مختلفة, نرى الهندي إنسانا متعاطفا طيبا, لكن ثمة مصادمات بين القبائل وقوات الجيش من الدولة, أخرجتهم من غاباتهم ومراعيهم ليستثمرها سكان جدد...فثار الهنود وهاجموا السكان الجدد...

للحقيقة وجوه متعددة حتى تكمل الصورة...

والأحمق هو الذي يرى صورة ذات بعد واحد, ويصدق انها كل الحقيقة.

****************************

أعود لجمعية نساء الأعمال العراقية...الجمعية جديدة وفقيرة ومحتاجة لدراسة وتقديم مقترحات ومشاريع والبحث عن ممولين لهذه المشاريع....

عندي افكار كثيرة ومتنوعة, كتبتها كمشاريع صغيرة, وزرت معامل للسجاد اليدوي والميكانيكي , وهي معامل للدولة, منتوجها بديع وجميل, وأفكر في مشاريع لشراء كميات منه وتصديرها لدول اوروبا وأميركا وغيرها...

وكذلك أفكر بتصدير قطع من منتجات الحرف اليدوية العراقية الجميلة...وأفكر أن يكون مردود المبيعات جزء للجمعية لشراء بضاعة جديدة, وجزء لشراء ملابس شتويه وحقائب مدرسية لعدد من طلاب المدارس الفقراء

كمشاركة من الجمعية لإعادة بناء المجتمع المحلي..

توجد جمعيات غير عراقية تعمل هنا, ولها تمويل جيد من الخارج...وتبحث في الدفاع عن حقوق المراة , وتوسيع المشاركة السياسية و بناء الديمقراطية .

حضرت اليوم محاضرة...وكان عنوانها : العنف ضد المرأة.

وتحدثت الدكتورة عن حالات العنف ضد النساء وأضراره على نفسيتهن وعلى المجتمع...

ثم قالت الفتاة المسؤولة عن فرع الجمعية هذا انها في الأسبوع القادم ستعرض سلايدات لصور نساء تعرضن للعنف من أسرهن.

وأنها تعد لندوة عن تفرقة الأمهات في التربية بين الأبناء وقصص واقعية مؤلمة...

وعائلة عندهم بنت معوقة يظلون يهزأون منها فأحرقت نفسها...

خرج معظم الحضور...وتقدمت من السيدات الباقيات والدكتورة التي ألقت المحاضرة, وقلت : عندي تعليق إذا سمحتم...

قالوا تفضلي....

قلت : من يضع برنامج المحاضرات؟ ومن يوجهها هذا الإتجاه ؟؟

قالوا : نحن نضع البرامج, ما بها ؟

قلت: هذه برامج مناسبة لمجتمع يعيش في ظروف عادية وسلام مثل مجتمعات أميركا وأوروبا...

مثل برنامج أوبرا وقصصها الغريبة.

لكن مجتمعنا ممزق وهو خارج للتو من حرب....

والمفروض أن المحاضرات يكون هدفها تماسك العائلة العراقية, وليس عرض حالات مؤلمة مستفزة, عرض صور العنف, هو تحريض على العنف....

قالوا : , نحن نريد توعية المراة .

قلت :لا ينبغي للمرأة هنا أن تخرج وهي قد تعرضت للتحريض ضد زوجها وعائلتها , ينبغي توعيتها بطريقة أخرى...دون المساس بالأولويات...

وكتبت على السبورة بالقلم : ( المهم المحافظة على تماسك الأسرة )

صرخوا في وجهي : كيف , أعطينا أفكارك, لا نريد كلاما عاما...قلت حسنا المحاضرة القادمة أعطيكم أفكارا.

****************************

في الطريق الى البيت بقيت أفكر بالجواب...

نعم وجدتها....

إعطاء محاضرات توعية للنساء مثل, كيف تربي أولادك بحنان ولا عنف...

وكيف تعاملي طفلك المصاب بعوق...

وكيف تربي أولادك دون ان تفرقي بينهم...

هذه شعارات محبة ولم للأسرة....وليست شعارات عدوانية تجعل أفراد الأسرة أعداء وخصوما....

سأطرحها الأسبوع القادم في الإجتماع....إن شاء الله

********************************

أرى أن العائلة العراقية تحتاج لمن يأخذ بيدها نحو غد أفضل....يعينها على حل مشاكلها اليومية, وخصوصا

المشاكل الإقتصادية...الجمعيات التي تساعد العوائل على عمل مشاريع صغيرة لتعيش وتوفر قوت يومها, بدل

أن يصبح أفرادها صيدا سهلا ليمتهنوا السرقة والجريمة...هذه أظنها الجمعيات التي نحن بحاجة اليها الآن...

في مرحلة قادمة سنحتاج لجمعيات تعنى بالديمقراطية والعملية السياسية, لكني أراها الآن جمعيات عوراء, بعين واحدة....تبحث عن الديمقراطية والحرية السياسية ولا ترى ثمة كارثة إسمها الإحتلال....كيف يمكن لشعب ان يتمتع بالديمقراطية والحرية السياسية وهو محتل من قوات أجنبية؟؟؟

كيف تأتي ؟؟

هذه معادلة متناقضة, ثمة من يضحك على نفسه هنا...أو يضحك على الناس .

مصادمات في مدن العراق , ومدنيين يسقطون جرحى وقتلى, وبيوت وجوامع ومحلات تجارية تتهدم, وسياسة عدوانية في التفاهم مع المعارضة والخصوم...ثم تاتي جمعيات أمريكية تتحدث عن الديمقراطية وتعطي محاضرات للعراقيين...

أين هي الديمقراطية ؟ وماذا رأينا منها ؟؟

رأينا أفعالا تشبه أفعال صدام حسين , وقسوة أشد منه وبطشا لمعارضيه.

ولم يكن الرجل يتكلم عن ديمقراطية, كان ديكتاتورا واضحا خالصا...

لكن اميركا هنا تلبس كل الأقنعة والوجوه...وتخلعها متى تشاء...

والعنف والدم يختلط كل يوم مع كلمات مثل الديمقراطية والحرية....

ثمة مهزلة تحدث هنا يوميا ...تخجل منها الإنسانية.

******************************

ونتذكر كلنا كيف أن حسين كامل ضرب الإمام الحسين بالمدفعية بعد إنتفاضة الجنوب 1991.

وقال له هازئا : أنت حسين وأنا حسين...

وبعد ذلك هرب من العراق واختلف مع صدام حسين وأتصل باميركا وأعطاهم معلومات عن العراق واسلحة الدمار الشامل وظن ان اميركا ستكافأه...

لكنه بطريقة عجيبة رجع للعراق...

وقتله عدي, وهدم البيت فوق رأسه, ووقف بالحذاء فوق جثته وهو يدوس على راسه.

حزن العراقيون من بشاعة هذه الأفعال , لكنهم قالوا , وما زالوا, هذه نتيجة من يضرب آل البيت ويستهزيء بهم.

واليوم أميركا تقصف الإمام علي , وهي لا تدرك ما تفعل....

الأيام بيننا...وكما رأينا نهاية حسين كامل المفجعة, سنرى نهاية من يفعل مثله.....

**********************************

الأحزان كثيرة ...والكلام كثير ....

لكن مايفيد ؟؟

بوش وكيري يتقاتلان هذه الأيام على قصة المدالية البنفسجية الكاذبة عند كيري من حرب فيتنام...

وكل واحد يكيل التهم للآخر...

مستوى غير لائق أبدا برؤساء دولة عظمى...يتصرفون وكأنهم أولاد صغار يفضح بعضهم الآخر أمام

الناس...

والشعب الأمريكي منقسم على نفسه...

هنا, ما عاد يهمنا من يفوز...فالحال واحد , ومستقبل العراق مظلم .

وحتى لو فاز بوش, فبعد أربع سنوات سيذهب دون رجعة, وربما سيأتي كيري, وهو لا يملك رؤيا واضحة لأي شيء...

الشعب الأمريكي, ومستقبل اميركا كله مهدد , بين بوش وحربه على العراق, وكونه محافظا متدينا...

وبين كيري وشعارات الليبرالية, بلا دين ولا ضوابط لأي شيء...

لكن بوش رغم تدينه , كان قاسيا بلا رحمة, الذي عنده دين لا يشن حروبا ويقتل ويسفك الدماء...

والواقع أن كلا الإختيارين مر....

وهذه أزمة مؤلمة, دولة فيها 350 مليون نسمة, ومرشحين متناقضين إثنين فقط.

لا اعرف , لكني أحس أن ما سياتي سيكون مؤلما...

والعراق دولة محتلة من قبل دولة فيها ازمات ومشاكل..

.كيف سندبرأمورنا, وكيف يكون مستقبلنا ؟

لا اعرف...نحن في وسط دوامة...والدوامة فيها دوامة أخرى...

من سينقذنا؟

أميركا نفسها محتاجة لمن ينقذها مما هي فيه........

***************************************

أتمنى أن أزور اميركا, والتقي بالشعب الأمريكي, في ندوات مفتوحة ونقاشات صريحة.

أريدهم أن يعرفوا حقيقة ما يجري هنا منذ سقوط بغداد...

أريدهم أن يعرفوا مقدار الصدق من الكذب...

لا أريد أن أشارك بحملات انتخابية ضد بوش أو مع كيري...

لا علاقة لي بهذه الألاعيب...لا أحبها.

لكني أريد أن أساعد الشعب الأمريكي ليفتح عينيه من غفلته...

تماما كما احب ان أساعد الشعب العراقي لينهض ويعيد بناء حياته من جديد...

تحيا الشعوب, وتسقط الحكومات....

***********************************





<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives