Saturday, August 21, 2004

 
الجمعة 20/8/004
مساء الخير...
سافر ماجد صباح اليوم الى عمان, سيظل هناك حتى بداية شهر أيلول حيث موعد طائرته الى كندا..
لم أكن موافقة على ذهابه الى كندا لإكمال دراسته, فما زال صغير العمر والتجربة, في شهر تشرين الأول القادم سيبلغ الثامنة عشرة من عمره إن شاء الله , وكنت أود لو يكمل دراسته الجامعيه هنا مثل إخوته ثم يخرج لإكمال الدراسات العليا في أي مكان آخر...لكن المنحة التي جاءته كانت فرصة مغرية له وقد أرادها وتشبث بها, ولم أكن موافقة, لكن الظروف التعيسة هنا أجبرتني على الرضوخ والموافقة.
دعوت له بالخير والتوفيق أينما يكون...وطلبت من الله أن يحفظه ويحيطه بالملائكة والعباد الصالحين, أينما كان.
وأن يحفظ أولادي جميعهم, ويوفقهم, حية كنت أم ميته..
.أظنها دعوة كل أم على وجه الأرض لأولادها...القلوب متشابهة, والمحبة واحدة. آمين.
أخذ معه حقائب ملابسه الصيفية والشتويه, وكومبيوتره الشخصي(لاب توب) وعدد من السي دي المتنوعة.
وقرآن كريم أهديته إياه قبل سنتين في رمضان.
ستكون حياتي موحشة من غيره, لكن قلب الأم يتحمل الألم من أجل رؤية السعادة على وجوه الأبناء.
هكذا حال الدنيا, كم بكت أمي على فراقي سنوات طويلة؟؟
وكأنني اليوم أسدد دينا علي , وأذوق لوعة فراق ماجد.
أتمنى أن يدرس وينجح دائما ويعود ليفيد العراق وشعب العراق, يوما ما...وبطريقة ما .
**************************
غدا سأذهب للعمل...
الموظفون يتصلون ويهددون بالإضراب إن بقيت معتكفة بالبيت.
المحل كئيب بدونك, هكذا يقولون, وأبتسم.
من يضمن لنفسه البقاء الى الأبد؟
سأغيب عن الدنيا ذات يوم, وستصيب الكآبة من يحبوني.
لكني ما دمت على قيد الحياة, فلا بد من المشاركة فيها, هكذا هو الحال, وإلا فإنني سأموت من الملل والكآبة.
والمثل يقول : الضربة التي لا تقضي عليك, ربما ستزيدك قوة...
الحمد لله, أشعر أنني أكثر قوة وصلابة مما كنت عليه...وأسأل الله التوفيق والمساندة.
غدا مساء عندي إجتماع في الجمعية النسائية , في لجنة دراسة المشاريع, حيث نقدم اقتراحات لمشاريع انتاجية صغيرة
مثل معمل خياطة أو محل معجنات, لتشغيل نساء عراقيات , وإعالة أسر عراقية.
هذه النشاطات تسعدني وتعطي معنى لحياتي. وتعطيني قوة دفع للأمام, وتبقيني سعيدة نشيطة مبتسمة, طوال اليوم.
تنسيني احزاني, وتنسيني اللصوص والقتلة والمخربين. أظل أركض وأفكر بغد مشرق جميل, سيأتي ذات يوم,
لا ريب...سيأتي, وستشرق الشمس بعد الظلام والغيوم.
*************************
وبغداد أراها مثلي, تلملم جراحها صباح كل يوم وتنهض من جديد...
هكذا تعلمت هي من طول التجارب والكوارث...طوال آلاف السنين .
وتظل تحلم : ثمة زمن جميل سيأتي حتما , يحمل معه فرحا كثيرا...
****************************
أشكر كل من كتب لي في أثناء محنتي, وواساني.
وكثير من القارئات الأمريكيات يقلن أنهن تعرضن لتجارب مشابهة في حياتهن...
وهذا جعلني ابتسم وتهون على مصائب لصوص بغداد الجدد, كأن ثمة حثالة كانت تختبيء تحت الأرض, والآن هاجت
وانتشرت مثل الجراد.
في كل مدن العالم هنالك لصوص وقتلة ومجرمون, خاصة في المدن الكبرى المزدحمة.
لكن الدمار الذي يصيب المجتمعات بعد الحروب, والفوضى التي تحدث, هي من النتائج المؤلمة لهذه الحروب.
ليس فقط قتلى وجرحىو أيتام وأرامل, بل طبقات من عاطلين عن العمل الذين يتحولون بسهولة الى مجرمين ولصوص وقتلة, كم نحتاج من السنوات للسيطرة عليهم؟
عندما نقرأ تاريخ فرنسا بعد ثورة الباستيل, نرى الفوضى والخراب .
ثم في روسيا بعد سقوط القيصر, والثورة البلشفية, والفوضى والخراب.
وهذا هو التاريخ هنا يعيد نفسه بطريقة بشعة في بغداد...
والذي يقرر البقاء والصبر...يدفع الثمن غاليا...
يدفعه من راحته وأمنه وطمأنينته, على نفسه وعائلته, يدفعه من أعصابه وصحته.
فهذا الخوف والقلق اليومي كله سبب لأمراض تأتي فجأة وتقصر الأعمار,
والهموم هي السبب الأول في المصائب التي تنسف سعادة الإنسان, وتعيشه في جحيم يومي يستنزف عمره.
**********************************
كل مجتمع يشبه النسيج...
نسيج يضم فيه ألوانا شتى, وزخرفات متنوعة, تنسجم مع بعضها بطريقة ما, وتتعايش, رغم التناقضات.
والعراق واحد من هذه المجتمعات الملونة المليئة بالتناقضات.
خلال العصور السابقة , وخلال عصر صدام حسين, كان ثمة هدوء في هذا النسيج...رغم الديكتاتورية وجهاز الأمن والمخابرات والحزب وغيرها من المصائب, لكن المجتمع كان يسهل تمييز مكوناته.
من جملة أو إثنتين تقدر أن تشخص الذي أمامك, من جماعة صدام أم لا, وبذلك تقدر أن تتكلم وتحدد مسار الحديث.
إن كان من جماعة صدام , تكون أنت حذرا في استعمال الكلمات والمصطلحات.
وإن كان مستقلا لا علاقة له, فخذ راحتك وتكلم بما شئت إن وثقت به.
طوال 35 سنة كان هذا هو إيقاع حياة العراقيين هنا, وتأقلموا وتعلموا كيف يدبروا حياتهم اليومية.
مع صدام أو ضد صدام...
هكذا كانت الحياة هنا...وهكذا كان النسيج.
**********************************
أما اليوم وبعد مرور سنة وأربعة شهور على الإحتلال وسقوط الدولة السابقة, فإن النسيج قد تمزق بطريقة مذهلة...
ما فعلته هذه الشهور من خراب, يفوق ما فعلته 35 سنة من الديكتاتورية والظلم والظلام.
كان الذي يقترب من كرسي صدام حسين تصيبه النار وتشعل ما فيه...
واليوم, النار في كل مكان, وتحرق كل العراقيين كأنما ثمة لعنة حلت على هذه البلاد وأهلها.
فأنت إن نجوت من القصف ربما لن تنجو من سيارة مفخخة, وربما لن تنجو من طلقة طائشة أو قذيفة تائهة, أو عصابة قتلة..
المصادر متعددة...والضحايا هم العراقيون.
صالات المستشفيات تمتليء بجثث العراقيين من جيش وشرطة ومدنيين من نساء وأطفال وشباب, كلهم ضحايا عنف يومي
لا قدرة لأحد على إيقافه.
فمن يصدق أن العراقيين أصبحوا اعداء بعضهم خلال هذه الشهور فقط؟؟
ولماذا؟؟؟
ومن أراد لهذه النتيجة أن تبدو للعالم ظاهرة...أنظروا لهذا الشعب, عدو نفسه, يقتل بعضه بعضا, لم يسلم من العنف سني أو شيعي, مسلم أو مسيحي, بعثي أو مستقل, غني أو فقير, صغير أو كبير..
هل حقا هذا هو الشعب العراقي؟؟؟
للذين يعيشون في العالم البعيد عنا, ربما يصدقون, لأنهم لا يعرفوننا قبل هذا...
والذين يعيشون هنا يسأل بعضهم بعضا بمرارة: متى أصبح العراقيون اعداءا؟؟؟
ألم نكن أخوة وجيران وحبايب, من ذا الذي أشعل النار فينا وأحرقنا وقال انظروا للحمقى ما يفعلون؟؟؟
*********************************
لا أحب الكلام في السياسة...
ما معنى الكلام في السياسة؟؟
ربما هو نقاشات وجدل عقيم لا نتيجة له..ثمة ثرثرة وضياع وقت وتعب للأعصاب.حسنا.
لكن الحديث عن واقع حياتنا اليومية هو حديث إجباري عن السياسة, وأنا أعيش هنا, ونبضي هو نبض حياتنا اليومية,
في البيت, والشارع, ومحل العمل والجمعيةوووووو...وعلي مسؤولية توضيح الصورة لما يحدث لنا كل يوم هنا...
لأن الناس خارج العراق, أقصد على بوابة حدود الرويشد الأردنية, ما يعودوا يسمعوا عن العراق سوى إشاعات وكلام
متناقض, فكيف بالذي يعيش في أوروبا واميركا وأستراليا وغيرها؟؟
لا أحب التصفيق لأحد والتملق لأحد, ولا أحب نكران الجميل أو إخفاء العمل الطيب....
من هو الغبي الذي لا يحب أن يصيب بلده وشعبه شيئا طيبا؟؟؟
كلنا نتمنى الخير للعراق, ونتعلق بقشة كالغريق, لنجد طريقا للخروج من هذا الجحيم....
لكني لا أحب الخداع...خداع نفسي أو غيري....لا أحب جر الناس الى أوهام وأوهام...
أتكلم عن الواقع كما هو....ولا أكف عن الحلم بغد جميل...وأبذل كل ما بوسعي للمشاركة في تحقيق هذا الحلم الجميل...
ومضطرة أن أتكلم عما يحدث في الشارع العراقي هذه الأيام...
مسؤولية أمام رب العالمين, وأمام من يقرأني...أحب أن أصدق في قولي, حتى أحافظ على ثقة الناس بي, واحترامهم لي.
لا مصالح عندي ...أريد مصلحة العراقيين الضعفاء المغلوبين على أمرهم, وأنا واحدة منهم.
*****************************************
قتال ودماء ...هكذا دفتر يومياتنا.
والدم العراقي هو الأكثر وهو الأرخص دائما.
أفكر دائما بهذا الجنون ومن هو المسؤول عنه؟؟
من الذي يقرر قتال الصدر وقصف الفلوجة والنجف؟؟
هل تأتي الأوامر من واشنطن, أم من قصر المؤتمرات هنا؟؟؟
ومن أين يأتي هذا الإستهتار بحياتنا اليومية وأرواح الناس...يسقط كل يوم مئات من العراقيين الأبرياء المدنيين الذين كانوا يمشون في الشوارع حين قتلتهم طلقة طائشة أو قذيفة, بين متناحرين على تفاهات الدنيا...
ما ذنب هذا العراقي؟؟؟
ومن يحميه ويهتم به؟؟
قوات الإحتلال؟؟؟
أم الحكومة الجديدة؟؟؟
يبدو انهما اتفقا على أن الأولوية دائما هي لتصفية المعارضة بطريقة مسلحة, وليسقط ما يسقط من الضحايا...المهم أن ننتصر ونفوز بالمقاعد أو المناصب أو أي شيء تافه, وليسقط العراقيون كالذباب حول مائدة تمتليء بالقذارة.
هكذا أصبح شكل العراق والعراقيين...مائدة قذرة, وذباب يتساقط, وحمقى متحاربين.
****************************
لماذا تختار قوات الإحتلال أسوأ الطرق لحل المشاكل؟؟؟
أسوأ الطرق وأكثرها دموية.
لو كان ثمة إحترام للإنسان العراقي ومعاناته وخسائره, لتوقفوا وترددوا ألف مرة قبل إصدار أي تعليمات...
كما يفعلون في اميركا مع شعبهم...
لكن هنا ليست أميركا...هنا أرض المعارك والدم والعنف,والأشد شراسة وقسوة, هو الذي سيغلب, فصفقوا للبطل,
وضعوا طوق الغار على جبينه, لكن اجلبوا له الماء والصابون ليغسل يديه الملطخة بدماء العراقيين ....
جيش وشرطة ومدنيين, لا يهم , اقتلوهم جميعا, وأدخلوهم في المعارك, وأجعلوهم ضد بعض في المواجهات....
إن كنا سنقيم دولة الديمقراطية هنا يوما ما....فما يضير؟؟
الخمسة وعشرين مليونا دعهم ينقرضون ليبقى منهم خمسة ملايين أو أقل , تتفق مع قوات الإحتلال, وتصفق لها, وتساعدها لقيام دولة الحرية والديمقراطية....بعد جبال شامخة من جماجم العراقيين الذين سقطوا......
******************************
وكل هذا الدمار والقتل اليومي, ثمة مؤتمر في قصر المؤتمرات لإنتخاب برلمان عراقي مؤقت.
لماذا هذا التوقيت؟؟
المعارك في النجف وبغداد والفلوجة, ومؤتمر ينتظره العراقيون ليكون بداية طريق جديد, طريق التعلم والمشاركة في صناعة التجربة الديمقراطية.
لكن يبدو أن قوات الإحتلال لا تريد مشاركة أغلبية الشعب, تريد مشاركة نماذج محددة, تريد لها أن تبدأ المشوار , وتلصق بالكراسي لسنوات طويلة قادمة, رغم أنف العراقيين البؤساء....
المؤتمر يعقد تحت حماية أمنية مشددة...والعراقيون تحت جحيم من القتال والدم والعنف....
هذه هي حياتنا اليومية....
شكرا لكل من شارك بصناعتها, وشكرا لكل من جاء لمساعدتنا لنعيش هذه السعادة اليومية.
*************************************
عندي أصدقاء من اميركا, حالمون ونيتهم حسنة وطيبة للعراقيين.
وينظرون لأحداث حياتنا اليومية ويفسرونها حسب تحليلات وسائل الإعلام هناك.
ولا أريد أن يغضبوا ويظنوا أنني أفتري الكذب والمبالغة وأنكر الحسنات...
أضع يدي اليمين على صدري جهة القلب, وأقسم بأنني سأكون سعيدة لو رأيت عملا طيبا حسنا قامت به قوات الإحتلال للعراقيين...لن أنكره, سأرفع العلم الأمريكي وأصفق, وأقول : تحيا أميركا صديقة الشعوب المظلومة.
لكني أريد أن أرى الدليل ...
الدليل في حياتنا اليومية, لا في قصص الإنترنت الرومانسية الخيالية, ولا في رسائل الكترونية من جنود مجهولين يبشرون
بإقامة الجنة في جحيم العراق...
تاتيني رسائل من جنود أمريكيين, ويقول انه يعمل في مدينة عراقية لن يذكر اسمها لضرورة السرية, وانهم ينجزون مشاريع وأعمال رائعة, والأهالي متعاونون وسعداء...وأرسل له ردا أنني لا أصدق, وأرجوه أن يعطيني إسم المكان لأزوره وأرى السعادة والجنة التي يعيشها السكان هناك لأكتب عنهم هنا , وأفرح, وأجعل كل العالم يفرح معي...أنا بحاجة لبصيص نور يسعدني ويعطيني أملا وثقة ....
لكن الجندي يختفي ولا جواب....
هل كان يخدعني؟
هل كان يبحث عن دعاية؟
لا أدري...فأنا حائرة جدا, ومحتاجة جدا لأرى بعيوني من يبني بقعة صغيرة فيها سعادة للعراقيين, تكون نموذجا نبدأ به, وقدوة,
نسير على خطاها...علنا نصل الى طريق الشمس المشرقة الذي طال بحثنا عنه....
**********************************
أتمنى ان نتبادل الأماكن أنا وأصدقائي الأمريكيين لسنوات قادمة...
أذهب وعائلتي للعيش في بيوتهم, ومدنهم, وأولادي في مدارسهم...
ويأتون هنا ليتذوقوا نكهة العيش مع قوات الإحتلال...
ويتلمسوا كل يوم مقدار الدمار الذي يتغلغل في حياتهم...
ربما أكون مخطئة....تعالوا هنا والبسوا أحذيتنا وملابسنا وعيشوا حياتنا...ثم نرسل اليكم من أميركا رسائل بريدية نسألكم
كيف الحال؟؟؟
ستقولون الحياة قاسية...سنقول إصبروا.
ستقولون انها مثل الجحيم....سنقول لا بد من تضحيات.
سنقف بالمرصاد لكل شكوى ونستهزيء بها...ثم سنقول انكم وحوش وأغبياء لا تعرفون التصرف.
هل تفهمون أكثر من حكومتنا وإدارتها؟؟
إنها تفعل ما في وسعها من اجل سعادتكم, وأنتم مجرد اغبياء ناكرين للجميل...
وأبناؤنا وبناتنا عندكم يقدمون التضحيات, وأنتم لا تستحقون.
ستمضي أيامنا في العمل والتسوق والإجازات وزيارة الأصدقاء وحفلات عيد الميلاد وكل شيء هانيء جميل...
وستمضي حياتكم بالحرمان من أبسط طلبات الحياة اليومية, أن تذهب بأمان, وتعود بأمان.
وسنقول لكم, طبق الأومليت لا يمكن تجهيزه من غير تكسير مزيد من البيض.
وستصرخون وتقولون: لكنها أرواح بشر وليست مجرد بيض وقشور وزيت ومقلاة ...
سنقول وما يضير؟
ألم تكونوا تحت حكم صدام حسين يموتكم ويعذبكم كما يشاء...
وتقولون : لكنها اميركا جاءت...أميركا الرحمة والعدالة, فأين هما ؟؟؟
ونضحك ونستهزيء...ونقول لأنفسنا : أف, كم هم مملين ومزعجين وعنيدين وقليلي الصبر هؤلاء العراقيين؟؟؟
***********************************










<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives