Saturday, August 14, 2004

 
الأربعاء 11 آب 2004
مساء الخير...
بغداد مشحونة بجو من القلق والتوتر..
مواجهات ضد جيش المهدي, تقوده قوات التحالف والحكومة العراقية المؤقتة وتشارك في عملياتها العسكرية الجيش العراقي
الجديد والشرطة, مما يثير غضب الناس واستيائهم, ويقدم المزيد من الغموض وخلط الأوراق.
الكهرباء تحسنت فجأة وبطريقة مريبة, لماذا؟
ثم إكتشفنا أنهم يقطعونها عن مدينة الثورة والمناطق التي فيها تواجد لجيش المهدي واشتباكات مع قوات الإحتلال, وخرج الأهالي على شاشات الفضائيات يستغيثون ويقولون إنهم بلا ماء وكهرباء...قالت جارتي : ما هذه الأفعال المشينة؟ اليسوا مثل صدام حسين وأفعاله ضد العراقيين هل هذه هي الديمقراطية؟
قلت لها بسخرية: إسكتي لئلا يسمعك الشعب الأمريكي ويغضب, لأنهم سيقولون إنظروا للعراقيين كم هم لا يستحقون مساعدتنا
وكم هم ناكرين للجميل؟
***********************
أخذت إجازة من العمل اليوم, وذهبت في الصباح لحضور مؤتمر للنقابات المهنية مع صديقتي الطبيبة تعرفت عليها من جمعية
سيدات الأعمال, وهي عضوة نشيطة ومثقفة, وتعجبني شخصيتها وأحترم خبرتها.
المؤتمر عقد في قاعة نادي العلوية, ومررنا في طريقنا اليه على أشد المناطق خطرا , قصر المؤتمرات حيث ترى قلعة من
التحصينات والجيش الأمريكي , ثم مراكز تطوع للجيش العراقي الجديد حيث نسمع دائما عن انفجار سيارات مفخخة بقربها
ثم وصلنا ساحة الفردوس الشهيرة حيث أسقط تمثال صدام حسين , ووضعوا مكانه نصبا تذكاريا صغيرا عملته فرقة فنانين شباب
عراقيين أطلقوا على أنفسهم فرقة (الناجين...
ضحكت عندما رأيت النصب وتذكرت الإسم, كأن ثمة ناجون من كارثة طيران أو زلزال, لكننا فعلا هكذا حالنا ..
كل يوم ثمة ناجون جدد من كوارث لا تعد ولا تحصى تهز حياتنا .
*****************
دخلنا القاعة, الحضور ليس بالكثير, موضوع الندوة هو حوار ومحاولة مشاركة في العملية الديمقراطية في العراق.
ثمة مؤتمر وطني سيعقد قريبا , والنقابات ترى إنه أعطى نسبة صغيرة لتمثيلها في المؤتمر, وهذه الندوة محاولة لإيصال الصوت
للهيئة المشرفة على المؤتمر, وسيحضر اللقاء وزير الدولة لشؤون المنظمات المدنية.
تحدث النقباء عن نقاباتهم وتاريخها وأهمية دورها في المجتمع , نقابة الأطباء ونقابة أطباء الأسنان ونقابة الصيادلة, والمهندسين والمهندسين الزراعيين والجيولوجيين والمعلمين والأدباء وذوي المهن الطبية المساعدة...
وطالبوا بإعطاء مقاعد بنسب جيدة في المؤتمر القادم تتناسب مع حجم هذه النقابات في المجتمع.
نقابة المعلمين عدد أعضائها500 ألف, والمهندسين 120 ألف, والأطباء 27 ألف, واطباء الأسنان 7 آلاف, والمهندسين الزراعيين
ستة وثلاثين ألف
تأسست نقابة المعلمين عام 1935, ونقابة المهندسين عام 1938 .
ثم تحدث الوزير وقال انه استمع لوجهات النظر وانه سيضعها في الإعتبار, وانه مستعد في وزارته لإستقبال أية ملاحظات أو شكاوي من المنظمات العاملة في العراق.
ثم لملم أوراقه وخرج من القاعة.
جاء وفد من شخصين وأعلن مدير المؤتمر أن هذا وفد مرسل من المسؤولين عن تنظيم المؤتمر, ليتكلم عن المؤتمر القادم ويجيب على أسئلة الحاضرين.
تكلم أحد اعضاء الوفد وقال أن المؤتمر اختار بين 1000-1200 شخصا من العراق, وهؤلاء سينتخبون مجلسا وطنيا مؤقتا من 100 شخص, بينهم عشرين مقعدا لأعضاء مجلس الحكم السابق, يعني سيتم إنتخاب 80 شخصا فقط.
ويوم السبت القادم هو موعد انعقاد المؤتمر...
ارتفع صوت الضوضاء في القاعة والإعتراضات حين تفاجأ الجميع بهذا الخبر..., وفتح باب النقاش فتقدم أعضاء من نقابات مختلفة وتحدثوا وقالوا إن المؤتمر موعده لم تعرف به الناس ولم يعلن عنه في الصحف أو التلفزيون بطريقة واضحة, وانه مثل طبخة يتم تحضيرها في المطبخ بدون علم الجمهور...وهذا عيب ولا يجوز في زمن الديمقراطية.
وزعوا جريدة بإسم المؤتمر, وجاء فيها اعلان رئيسي بالخط الأحمر العريض, ممثل الأمم المتحدة يقول ان هذا المؤتمر سيكون الخطوة الاولى على طريق الديمقراطية في العراق.
أخذت الصحيفة , ورفعت يدي طلبا للمشاركة في الحوار, أشار لي الرجل المسؤول عن تنظيم الحوار بالموافقة, تقدمت وبيدي الصحيفة مطوية, قلت إسمي ومهنتي, ثم بدأت الحديث من عنوان الصحيفة, قلت إن كان هذا العنوان صحيحا, فأين هي الديمقراطية؟
سمعنا عن المؤتمر وموعد إنعقاده اليوم, يعني قبل يومين او ثلاثة, ما جدوى حضورنا الى هنا إذن؟
وما نتيجة حوارنا ؟
إن كان كل شيء قد تم تحضيره وترتيبه, فماذا نفعل نحن الان ؟
العراقيون عاشوا سنوات طويلة في الظلام , والآن يأتي الوقت ليمارسوا الديمقراطية, وهذه العملية تحتاج الى تربية الشعب, لشهور وسنوات طويلة, والمؤتمر ينبغي الكلام عنه وتوضيح حق العراقي للمشاركة فيه لأنه يجهل حقوقه, وكان يجب أن تتم عملية الشرح والتوضيح في لقاءات في الأحياء والنقابات والمنظمات كافة, ولا تتخذ الحالة الأمنية كذريعة للتهرب من هذه المسؤولية والشفافية...
هذه الخطوة الأولى؟؟
يالها من خطوة تمتليء بالأخطاء, سيظل العراقيون لسنين قادمة يحاولون تصحيح هذه الأخطاء التي تحدث الآن.
أعود فأسأل ما جدوى ما نفعله اليوم؟؟
ضحكت بسخرية ومرارة, وقلت السلام عليكم, وعدت لمكاني...
صفق الجمهور, وقالت صديقتي , لقد كنت تتكلمين بحماسة وغضب...
قلت لها آسفة, لكن الموقف لا يحتمل البرود والديبلوماسية.
فكرت مع نفسي ربما سنرتب ذات يوم دورات تثقيفية عنوانها: كيف تتكلم ببرود وأنت في قمة الغضب..
تحدث بعدي محام كبير السن, وقال إنه من منطقة الحارثية, وإنه كان في الجامع قبل عدة أيام حين جاءت مجموعة ومعها 50 ورقة للترشيح وقالوا تنتخبوا عشرين من خمسين...
المنطقة فيها 30 ألف شخص والأوراق لم يراها سوى عدد قليل من الناس...
عشت في أميركا وبريطانيا سنوات من حياتي, ولم أر هكذا ديمقراطية.
هل هذه ممارسات صحيحة لبناء عراق ديمقراطي جديد؟؟
صفقنا له وحييناه....
اللجنة التي على المنصة تكتب ملاحظاتنا ويحمر وجهها من الغيظ...
ثم تكلموا ليردوا على انتقاداتنا...
قالوا ان الحالة الأمنية هي السبب , وان ثمة اخطاء وتجاوزات حصلت بسبب قلة الخبرة للجنة المؤتمر..
وجدنا أجوبتهم سخيفة وغير منطقية أومقنعة...
***************************
عندما خرجنا من القاعة لحق بنا صحفي وسجل أسماءنا وعناوين عملنا وقال أنه يطمح لعمل لقاء معنا ويسمع وجهات نظرنا كنساء عراقبات ونقابيات ناشطات. وطلب تصويرنا فرفضنا, قالت صديقتي لا نريد مشاكل..
قلت لها ربما سيغضبون ويبعثون من يؤذينا...ثم ضحكنا وغادرنا الى بيوتنا...
*****************************
سألوني في البيت: هه ماذا فعلت في المؤتمر؟
قلت : أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام.
أشعلنا القاعة بالنار وخرجنا...
أفضل من الجلوس في البيت وعدم المشاركة واتهام الأطراف انها تفعل ممارسات خاطئة, تذهب وتراها بعينك وتتأكد, ثم تصرخ في وجوههم, وتخرج من القاعة..
حسنا أظن أن هذه مشاركة ايجابية, حتى يعلموا أن الناس ليس بأغبياء ولا يمكنهم الضحك عليهم....
يبدو أن هذا هو أقصى طموح لموديل الديمقراطية هنا...
***********************************
الخميس 12 آب 2004
مساء الخير...
أحب يوم الخميس, وأسميه يوم الصدقات والأعمال الصالحة.
قضيت النهار بنفسية طيبة , وجاء عندي زبائن كثيرون, وكلام كثير ونقاشات علمية..
بعض الزبائن يحدقون بوجهي بغباء وفضول, وابتسم, ولا أقدر أن اوبخه, لأنني أظنني أعرف السبب, فربما يتساءل هذا الرجل في داخله بدهشة : هذه إمرأة ذات شخصية قوية , وهي تناقش بثقة وعندها أجوبة للأسئلة التي تتعلق بالعمل.
أحسه مندهش ومتعجب...لكني احاول تجاوزه, تعودت هذه الحالة, وهي تضايقني احيانا, لأنني إمرأة.
جاءت صديقتي الفقيرة واعطيتها مثل كل خميس مبلغا من المال وقلت لها اشتري خضار وفواكه لبيتكم, وسلمي على أمك, شكرتني وقالت كل الأدعية الجيدة مثل الستر والعافية والحفظ من المصائب, وضحكت كعادتي حين أسمع معزوفتها كل أسبوع
وأردد وراءها: آمين.
خرجت من المحل وذهبت للتسوق, ومن محل الخضار اشتريت بطيخة كبيرة وخضار وبقدونس أخضر طازج .
أوصل الأغراض للسيارة العامل الصغير عمره حوالي 15 سنة , اعطيته البقشيش, ثم قال مبتسما بخجل : ممكن اطلب منك طلب ولا تزعلي؟
ضحكت وقلت تفضل انا أسمعك...
قال : ممكن تشتري لي تي شيرت جديد؟
ضحكت وقلت , ما يفيدك تي شيرت واحد؟
سأجمع لك من تي شيرتات أولادي وبنطلوناتهم التي صغرت عليهم قياساتها لكنها ما زالت جديدة...
اتسعت ضحكته وقال : زين, شكرا.
غمرتني السعادة وأنا اعود للبيت, قلت أن إعطاء المحبة للآخرين هي شفاء للقلوب الحزينة.
أرسلت مغلفا هذا الصباح فيه مبلغا من المال لإبنة الأقارب التي تخرجت من الجامعة, واعتذرت لأنني لم أزورها بسبب ظروف الحياة اليومية القاسية, اتصلت بي البنت قبل خروجي من الدوام وهي فرحة جدا وشكرتني, وتوسلت أن أزورهم, ووعدتها بزيارة في الأسبوع القادم.
تذكرت كل هذا في طريق عودتي, وقلت لنفسي إذا مت وانا سعيدة مرتاحة البال كما أنا الآن, فأظنها فكرة جيدة.
ثم ابتسمت واكملت القيادة تجاه البيت...
بغداد ما زالت متوترة والأخبار عن حشود في النجف ومحاولة إقتحام المدينة من قبل القوات الأمريكية , ويحاولون إستخدام الجيش العراقي كدرع للدخول للمدينة المقدسة, ويتكلمون بمكبرات الصوت طالبين من الأهالي مغادرة المدينة...
أخبار مؤلمة ومحبطة وكأن قصة الفلوجة تعيد نفسها من جديد لكن في مدينة أخرى من العراق.
كنت طوال الطريق أسمع القرآن , سورة يوسف , أحبها جدا, وأحزن على ما أصابه من آلام في حياته, وأفرح حين أصل الى نهاية قصته والخير الذي أصابه من الله جزاء لصبره وإيمانه....
وصلت البيت, كل يوم أتصل بالموبايل ليفتحوا الباب قبل وصولي , اليوم قلت لن أزعجهم , ربما نائمين.
أوقفت سيارتي ونزلت لفتح الباب الحديد الخارجي, سيارتي ما زالت تدور , لم أطفيء المحرك...كنت في حالة طمأنينة كاملة, والقرآن ما زال يتلو سورة يوسف....
عندما فتحت القطعة الثانية من الباب, تقدمت سيارة حمراء , ووقفت الى جانب سيارتي, نظرت لهم ببرود, ظننتهم زوار للجيران.
لكني انتبهت انهم نزلوا بسرعة ووجوههم صوبي, ويحملون بنادق ومسدسات يصوبونها تجاهي .
التصقت بالحائط, وقلت ها قد جاؤا ليغتالوني, ربما من انتقادات أمس في المؤتمر...
تجمد كل شيء في تلك اللحظة...رأيت أنني ميتة لا محالة.
الشارع فارغ, وباب البيت الخشبي مغلق, وصوت المولدة وهي تدور يملا الفضاء بالضوضاء, ولا أحد يعلم بما يدور هنا...
تقدما نحوي, وأشاروا أن أسكت, ثم دخل احدهم في السيارة وظل الآخر يوجه مسدسه صوبي, أدركت وقتها أنهم جاؤا ليسلبوا السيارة.. فصرت أتقدم خطوة, وأرجع خطوة, إرتبكت...لكني توسلت بصوت واضح ليسمعوني: خذ السيارة, ولكن أرجوك أعطيني حقيبتي ففيها هوياتي....
لم يصغوا لتوسلاتي, أغلق باب السيارة , وارتعش قلبي كأن قطعة منه قد انقطعت بسكين حاد...وبكيت وصرخت وارتجفت:
ياربي سيارتي.....لا تبارك لهم فيها.
.وددت لو تحدث معجزة وتوقفهم, لكنهم مضوا مسرعين, وتمزق قلبي... ركضت صوب الباب الخشبي وطرقته بجنون, فخرج خالد , قلت له وانا أرتعش وأبكي : تعال معي, عصابة مسلحة أخذت سيارتي...
وركضت للشارع, أوقفت أول سيارة وقلت له ساعدني , أخذوا سيارتي أريد أن نلحق بهم أو نبلغ الشرطة...
خالد يصرخ : إهدأي ماما, وأنا لا أسمع ولا أستجيب.
وصلنا لأقرب نقطة جيش عراقي, وبلغناه عن الحادث, قال إنه آسف, وهذا ليس من مهامه, إذهبوا الى الشارع الثاني هناك مركز تجمع شرطة, سيقدموا المساعدة.
ذهبنا لمركز تقف أمامه سيارات نجدة عراقية, وأدخلونا الى ساحة تمتليء بالسيارات ذاتها, ربما عشرين سيارة أو أكثر, حيث يتلقون التعليمات ليتوجهوا لأماكن الدوريات...أخذونا للمسؤول وكان متفهما ومتجاوبا, بدأ يتكلم بجهاز اللاسلكي, ويرسل إشارة سريعة لكل نقاط التفتيش في بغداد أو خارجها, يعطيهم مواصفات السيارة وموديلها ورقمها...
قال أدخلي واغسلي وجهك واشربي ماء...
كنت أحس بجفاف في فمي , وقلبي يخفق بشدة, وجسمي كله يرتعش..
دخلت الى غرفة ربما هي غرفة نوم الحراس في المكان, ثمة أسرة متواضعة ومتفرقة, جلست مع خالد, ذهب أحدهم وجلب معه كوب من الماء البارد, شربت منه وغسلت وجهي, وكأنني أستفقت من ذهولي..وقفت وأسندت رأسي على الجدار وأجهشت في البكاء.....
كان ثمة رجل يصلي في الغرفة...انتهى من صلاته وصار يدعو لي بالخير, وخالد يحاول تهدئتي, والرجل الآخر قال لا تبك
خذي هذه مفاتيح سيارتي استعمليها وأرجعيها متى شئت...شكرته وبقيت أبكي....وأهذي مع نفسي: أنا المؤمنة..يأتي اللصوص المجرمون فيسرقوني؟؟
لو كنت لصة أثمة فأنا أستحق, لكني قضيت نهاري في الحسنات...فلماذا يحدث لي هذا؟؟؟
كنت سأموت من الحزن, والشعور بالهزيمة أمام عدو قذر لا تقدر على مواجهته...
وحتى الشرطة وجدتهم عاجزين, فإحتمال عودتها ضئيل جدا....
جاء عزام , وذهبنا لمركز الشرطة الآخر لتسجيل الحادثة بطريقة قانونية, ثم وقعت على الأوراق , وعدت للبيت..
كانت الساعة حوالي الثالثة ظهرا..وأنا منهكة ..غيرت ملابسي, ولم أغسل وجهي, ونمت على السرير واختبأت تحت الغطاء...
وبقيت أبكي وأبكي...وأنا أتخيل المنظر مرة بعد مرة وهم ينزلون من السيارة ببنادقهم, ورأيت الموت أمامي, وامتلأت بالرعب
ثم حين أغلقوا باب السيارة وغابت من امامي...
تذكرت حقيبتي وموبايلي ودفتر محاضرات اللغة الإنكليزية, وكتب إستعرتها من أصدقاء لأقراها...
وحقيبتي فيها مفاتيح البيت والمحل والشقة في عمان, وحاسبة صغيرة, وقاموس الكتروني صغير, ونظارتي الطبية, ودفتر التلفونات , وهوياتي, هوية الأحوال المدنية, ونقابة المنهدسين, ورخصة القيادة, وهوية جمعية سيدات الأعمال, وكرتات شخصية
فيها إسمي ومهنتي, وكيس صغير فيه فلوس عراقية ودولارات من المحل...وأقلام كثيرة متنوعة.وأشرطة كاسيتات قرآن كريم .
وتخيلت المجرمين يفتحون حقيبتي ويتفرجون على أوراقي وخصوصياتي...وزاد جنوني وأجهشت في البكاء أكثر..
جلس خالد بجانبي يواسيني, يا ماما هذا من الله, ابتلاء لتصبري, الأنبياء أيضا تأذوا وتألموا وصبروا...
بقيت أبكي وأصرخ وأهذي....ثم أعود فاهدأ وأقرأ آيات من القرآن , وأصمت.
وأحدق في الفضاء, وتعود دموعي للإنهمار...لست حزينة على السيارة والأغراض, لكن الموقف كان مرعبا ومفاجئا..
******************
لم أتناول الغداء ولا العشاء...معدتي خاوية وتؤلمني , لكني لا رغبة عندي بأي شيء.
لا أقدر أن أنام, الصور أمامي تتكرر...أنادي خالد كل مرة ليقرأ على رأسي آيات من القرآن لعلي أهدا...خالد يظل يكلمني
ويواسيني, ويخرج من الغرفة ويعود ليطمئن علي...
بقيت في حالة حزن وذهول طوال الليل حتى نمت...لا أتذكر متى...
لكني قلت لعزام أن مفاتيح البيت مربوطة مع مفاتيح السيارة في ميداية واحدة, ينبغي تغيير الأقفال الخارجية للأبواب الحديدية.
وعدني انه سيفعل ذلك في الصباح...
********************
الجمعة 13 آب 2004
صحوت حوالي الثامنة, عزام يضع حقيبة سفر على أرض الغرفة...
وجاء وقال مبتسما : صباح الخير...
قلت ماهذه ؟
قال : هل نسيت؟ ألم أقل لك أنني حجزت للسفر بالطائرة؟
متى؟ سألته ببرود
اليوم, الساعة الثانية عشرة ظهرا...ألم أخبرك سابقا؟
هززت رأسي علامة النفي...
كنت أحس بنفسي محطمة ولا رغبة عندي في حديث أو حوار...
قال انه لن يتأخر...توجد منظومات ماء جديدة سنستوردها من أميركا, وهي كبيرة وتوجد مشكلة في شحنها, سيناقش كيف يمكن حل المشكلة مع وكلاء الشركة في عمان...وسيتفق معهم على تسديد المبالغ ووووو...
ظل يتكلم...وما عدت أًصغي...أحسست أنه ينتمي لعالم لا علاقة له مع عالمي...
حدقت في السقف...عندي ألم شديد , وأحس بالإختناق, لكن لا قدرة لي على البكاء...أجفاني منتفخة, وأنفي محتقن ولا أقدر ان اتنفس تماما...ورأسي به صداع شديد...
وهذا الرجل يجعلني أشعر بخيبة عظيمة , وبوحشة, وشعور بالوحدة.
عاد وسألني عن ملابسه , وأحسست أنه يطلب المساعدة لترتيب حقيبته...لكني كنت كالحجارة, جامدة بلا رد فعل...
إتصل بالسائق ليأتي ويأخذه للمطار...ثم تقدم مني والقى نظرة على وجهي ليراني هل أنا مستيقظة أم نائمة...
نظرت اليه ببرود وكأنني ميتة.
ذهب الى الغرفة الثانية, وفاحت رائحة عطره, ثم سمعته يقف عند الباب ويقول: باي أولاد...بروح مرحة سعيدة.
ثم سمعت الباب الخشبي يطرق بشدة, ويسود صمت في البيت.
نظرت للسقف, وتنفست عميقا...
لا, لست غاضبة منه, هؤلاء هم الرجال...وهذه هي طريقتهم في التعامل مع الحياة...
كنت بحاجة لمن يشد على يدي في محنتي...لكنه مشغول, كما يبدو, بأمور أكثر أهمية.
************************
إتصل كثير من الأقارب والجيران والأصدقاء يسألون , لكني كنت أرفض التكلم مع أحد .
لا أريد أن أسمع أي شيء...نفسيتي متعبة, وأريد أن أكون لوحدي...
تناولت الفطور, حليب ورقائق ذرة, لا أقدر ان آكل أي شيء...أحس بمعدتي منكمشة وحزينة هي الأخرى.
**********************
أرسلت جارنا السائق ليشتري أقفالا جديدة للبيت.
مضى النهار مع الأولاد...طبخت لهم صينية لزانيا..وهي أكلة إيطالية يحبونها...
قضيت معهم وقتا ممتعا...وبقيت أدعو الله أن يحفظهم ولا يمسهم بسوء...فهم مصدر سعادتي في هذه الدنيا الفانية...
صليت واستمعت للقرآن, اليوم هو الجمعة, يوم العبادة.
بعد الظهر أرسلت ماجد لبيت أقاربنا ومعه هدية لبنتهم, حيث كنت مدعوة لحضور حفلة الخطبة لكني إعتذرت بسبب ظروفي.
عاد ماجد وهو يصرخ انه جائع, حيث وزع الطعام للمدعوين ونسي أن يأكل...وخالد أيضا يتأوه من الجوع...
سأذهب لإعداد العشاء لهم..
إعطاء المحبة للآخرين, سعادة للقلب الحزين...
ها أنا اتذكر هذه الكلمات مرة أخرى....
لا أدري هل سأقدر أن أذهب للعمل غدا؟؟
وعندنا إجتماع لجمعية سيدات الأعمال في المساء, وبعد غد ربما عندي دروس اللغة الإنكليزية في المعهد..
لا رغبة عندي برؤية أحد, ولا بعمل نشاط...
أحتاج للبقاء لوحدي...أحس بصفاء وهدوء مع نفسي...
*************************
الساعة الآن الحادية عشرة مساء...عدت من المطبخ, لم أشاركهم العشاء, لا رغبة عندي.
سأذهب للنوم...
أحس بنفسي أكثر هدوءا..ما عدت حزينة أو أود البكاء...
تقبلت ما حدث بنفس طيبة مطمئنة...
ما شاء الله قدر وفعل...والحمد لله..
أقول لنفسي إن عادت الأشياء لي فالحمد لله..
وإن لم تعد..أيضا الحمد لله.
هو يفعل ما يشاء, ونحن عباد ضعفاء غافلون.
المهم ألا يهتز إيماني بالله وعدالته ورحمته.
الإيمان يساعدنا على تحمل مصائب الحياة.
ما أقسى الحياة بدونه وما أبشعها؟
*****************************
السبت 14 آب 2004
الوضع ما زال متوترا في النجف...والأخبار ما زالت ساخنة.
أحد أسباب الحادث الذي تعرضت له أن الشوارع هذه الأيام فارغة من سيارات النجدة, معظمها اتجهت للمناطق المتوترة
والتي فيها مصادمات مع جيش المهدي...وهذه فرصة ذهبية للعصابات واللصوص.
أفكر بأن نترك هذا البيت وننتقل الى منطقة أقرب لمحل العمل وأكثر أمانا...
اللصوص الآن عندهم معلومات عن إسمي ومهنتي ومحل عملي, ربما الخطوة القادمة يخطفوني أو يخطفون أحد أولادي.
سأجهز حقائبي للسفر الى عمان فور رجوع عزام الى بغداد...
وبعدها إن فكرت بالعودة, لن أعيش في هذا البيت, وقريب منا منطقة تمتليء باللصوص والعصابات منذ أيام صدام حسين, والآن الأحوال أسوأ ولا أحد يقدر أن يسيطر عليهم...الإبتعاد عن هذه المنطقة هو الحل الأكثر أمانا...
*****************
ما معنى الحياة بلا أمان؟
وكيف يمكن للإنسان أن يعطي ويبدع وهو يعيش حالة رعب مستمرة؟
في المعهد أجلس في الصف , أنصت للأستاذ وأفكر بقلق هل ستسقط قذيفة الآن وتكسر النوافذ وتحطم الجدران وتقتلنا وتجرحنا؟
المعهد قريب من مبنى حزب اياد علاوي, وهو مستهدف دائما...
وفي اجتماع الجمعية النسائية أظل مرعوبة ربما سيقتحم المكتب واحد مجنون ويقتلنا ظانا اننا نتعاون مع الأمريكان...
وفي الشارع أخاف من المجرمين الذين يخطفون السيارات أو النساء والأولاد ويطلبون فدية.
تلك الحادثة أرى فيها إشارة من رب العالمين...
أن أترك هذا البيت, هذه المدينة, هذه الحياة...
لا أدري....
ثمة شيء ينبغي أن يتغير في حياتي..........
*****************
أن تعيش في مكان لا دولة فيه ولا قانون ولا حماية...
فقط رب العالمين هو عامل الأمان الوحيد..لمن يؤمن به ويتوكل عليه..
وكنت أعيش أيامي وأنا أراهن على هذا الأمر فقط. لا على حكومة او جيش أو شرطة, كلهم في مأزق وكل واحد يريد أن يحمي نفسه بطريقة ما..
حتى قوات الإحتلال...لا تفكر سوى بحماية نفسها وكيفية تقليل الخسائر اليومية.
ما قيمة المواطن هنا ؟؟؟
العراقي؟؟؟
هههه....شيء تافه لا قيمة له...يموت أو يعيش, من يهتم؟؟
الحكومة والأحزاب ترتب لنفسها حمايات ولأعضائها المهمين, هم في ساحة معركة ومستعدين لها بكل الوسائل...
والإنسان العادي البائس الذي لا حول ولا قوة له, كيف يعيش؟؟ (إذهب أنت وربك ....) كأنه هذا شعار الحياة هنا...وأنت وحدك تتحمل مسؤولية القرار بالبقاء أو المغادرة.
أفكاري مشوشة ولا أريد الإستعجال باتخاذ قرار...لكني بحاجة للراحة, وبعدها يصفو ذهني ....
دائما الوقت هو العامل المساعد لوضوح الرؤيا ...
وأنا محتاجة لمزيد من الوقت.
**************************
فتحت الإنترنت لرؤية بريدي الإلكتروني..
وجدت 70 رسالة جديدة...منها تقارير عن بوش وكيري ومعركة الإنتخابات كيف تسير..
ابتسمت وهززت رأسي..
كل منا يعيش عالمه البعيد عن الآخر...ويغرق في تفاصيل غير متشابهة..
ما الذي جاء بهم الى هنا ؟
هل يصدقون أنهم دمروا حياتنا وحاضرنا ومستقبلنا لسنوات قادمة غير معروف عددها؟
هل ما زال فيهم حالما يظن نفسه يحب العراقيين وجاء لمساعدتهم؟؟
عندنا مثل قديم نستعمله وقت الكوارث التي لها علاقة بالحب...
(ومن الحب ما قتل......)
ربما هذا هو الحب الذي بيننا وبين الأمريكان...
آسفة...أظن أن هنالك ثمة سوء تفاهم في هذا الحب النبيل....
***********************************










<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives