Wednesday, July 07, 2004

 
الأربعاء 7/7/004
صباح الخير....
ما زلنا في عمان , الجو حار هذه الأيام , لكن الكهرباء لا تنقطع هنا كما في بغداد...
والمدينة صغيرة هادئة, ليس فيها ازدحامات المرور التي في بغداد, وليس فيها تفجيرلت وقوات احتلال,
وليس ثمة أصوات لطائرات هليكوبتر أو دبابات تهز الشوارع والبيوت كأنها زلزال صغير....
لكني لا أحس الناس هنا سعداء...
فالأردن بلد صغير, وموارده قليلة, لا نفط, لا صناعات كبيرة أو منتوجات زراعية تعطي دخلا كبيرا للدولة , وعندهم سياحة جيدة, وفي الصيف تمتليء الشوارع والفنادق بالسياح العرب والأجانب...وفي الشتاء المدينة شبه مقفرة ...وأهلها يختبؤون في البيوت من البرد.
الحالة الإقتصادية صعبة قليلا, والمدينة غالية نسبيا, على سكانها وعلى الزائرين.
*********************
انتهزت فرصة الإجازة, ونزلت للسوق, واشتريت مجموعة كتب عن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
عندي فضول لمعرفة هذا التاريخ, وعندي وقت فائض هذه الأيام, وقلت لنفسي هذه افضل فرصة لإنجاز هذا المشروع الذي افكر به منذ شهور, في بغداد حياتي مزدحمة ولا وقت فراغ عندي...وهذه المهمة تحتاج الى وقت طويل وتركيز.
اشتريت كتبا لمؤلفين أميركيين, هذه افضل طريق لمعرفة الآخر...ان تسمعه هو يتكلم عن نفسه.
وتعلمت ألا أقرأ عن شخص أو تاريخ أمة من وجهة نظر أشخاص آخرين أو أمم أخرى, لأنه بالتأكيد سيشوه الكثير من الحقيقة, حتى لو كان محبا....حتى لو كان محبا...
هذه الحقيقة تعلمتها طوال حياتي ومن قراآتي ومخالطتي للناس.
الذي يحب يشوه؟
نعم, لأنه سوف يبالغ في تفسير بعض الأمور, ويظن نفسه يدافع عن صاحبه, وفي الحقيقة, هو يسيء اليه, ويقوله ما لم يقل....وفي هذا ابتعاد عن حقيقة الموضوع...واساءة للقاريء, وليست خدمة طيبة.
*********************
كل المصادر اجمعت ان تاريخ الولايات المتحدة, يمكن تقسيمه الى فترات رئيسية واضحة.
فترة الإستعمار , وحرب التحرير ضد البريطانيين, وتكوين أول حكومة امريكية ودستور, التوسع نحو الغرب وحروب ضد اسبانيا والمكسيك لضم ولايات جديدة الى الإتحاد, الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب, فترة البناء الداخلي والإختراعات والتصنيع, الحرب العالمية الأولى, وكساد اقتصادي وحملة إعادة ترتيب البيت من الداخل قادها الرئيس روزفلت,ثم الحرب العالمية الثانية وزيادة تطوير الصناعة الحربية, ثم القاء القنبلة النووية على اليابان لأجبارها على الإستسلام,ثم نشوء ما يسمى الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفياتي لأنه ظهر كقوة عظمى منافسة بعد هبوط بريطانيا وفرنسا والمانيا كقوى عظمى في اوروبا, الحرب الكورية , الحرب ضد كوبا, الحرب في فيتنام, استمرار الحرب الباردة حتى سقوط الإتحاد السوفياتي، و تدخل في نيكاراغوا و تشيلي و السلفادور لتغيير الحكومات، ثم التدخل في أفغانستان و دعم المجاهدين ومنهم بن لادن ضد روسيا، ثم الحرب في جزر كرينادا في المحيط الكاريبي، ثم الحرب ضد العراق حين دخل الكويت، ثم الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان، ثم تغيير النظام في العراق.
لم اضع تواريخ حتى لا تتعبوا في القراءة, وربما اصبحت مملة.
اريد فقط ان تندهشوا معي, كم من الحروب خاضتها هذه الدولة.؟
وليست سوى واحدة هي حرب تحرير استغرقت سنوات طويلة, والأخرى حرب داخلية اهلية إستغرقت عدة سنوات...
والباقي ضد الجيران القريبين او البعيدين...
ومن أجل ماذا؟
من أجل النفوذ ومزيد من الثروات, وكأنها عليها لعنة ما, لا تشبعي, ظلي في قتال ودمار مستمرين ولن تعرفي الراحة أو الإكتفاء....
تاريخ محزن ومحبط لي وأنا غير أمريكية....
ترى ما يقول الأمريكي الذي يحلم بالراحة والسلام لنفسه وعائلته ولدول العالم؟
هل هذا ممكن؟
هل تقدر دولته تقديم السلام والعدالة والحرية لدول العالم, وتاريخها كله حروب , وقسوة, وحب تدخل في شؤون الآخرين, وتدخل في مصير الشعوب, وشعارات جميلة مدهشة براقة....
الحرية لشعوب الأرض...
كل الحروب السابقة قامت تحت هذا الشعار العظيم....فأصبحت كلمة الحرية مبتذلة رخيصة من كثرة سوء الإستعمال....
****************
وأضع يدي على خدي واتعجب من دولة سمحت لنفسها بالقاء قنبلة ذرية على مدينة صغيرة لأجبار الإمبراطور الياباني على الأستسلام....مات مائة الف أ وأكثر من القنبلة الأولى في مدينة هيروشيما...ثم بعد ثلاثة أيام القت اميركا بقنبلة ثانية على مدينة ناغازاكي..فمات ستون الفا...وتوقفت الحرب.
وبكى الإمبراطور والحكومة اليابانية والشعب كله من قوة الكارثة والألم. ووقعوا اوراق الإستسلام .
ترى ماذا قال الشعب الأمريكي المتحضر, المنادي بحرية الشعوب, ماذا قال لقادته؟
وهل ساءلهم؟
لا يبدو ذلك من كتب التاريخ...فالرئيس ترومان أعيد انتخابه. واستمرت الحياة في تطورها في اميركا,
وكأن شيئا لم يكن.
اين المشكلة؟ في الحكومة أم في الشعب؟
أما انه شعب شرير مثل قيادته, أو شعب جاهل, أو شعب مخدر بطريقة اللهاث وراء القوت اليومي ومزيد من المكاسب المادية...والحكومة تقنعه ان هذا كله تم ( بتضحيات ) الشعب المريكي وصبره....لأنه شعب يحب الحرية والسلام...
لا أعرف...هل اضحك أم أبكي؟
لذلك , وجدت ان ما فعلته اميركا في حربها ضد العراق , ليس سوى حرب لطيفة ظريفة مات بها عشرات الآلاف من العراقيين, فهي لن تهز ضمير احد, ما دامت القنبلة الذرية لم تهز الضمائر , ولم تغير سياسة الجشع
وحب التسلط والبحث عن مناطق نفوذ جديدة..
**************************
وأعود فاقرأ قصة الهنود الحمر وكيف تعاملت معهم الحكومات الأمريكية , وكبف شوهت تاريخهم ورسمتهم كوحوش, أظن هنا الصورة واضحة قليلا...كما تصور اسرائيل الشعب الفلسطيني كأنه كومة من الوحوش, فتعيث فسادا وقتلا وتدميرا بالناس والمدن, وأميركا تتفرج متعاطفة, وتساند اسرائيل في الأمم المتحدة ضد أي قرار يتخذ, أو أي عقوبة, وتساندها ماليا بملايين الدولارات سنويا.
كنت اتساءل دائما, لماذا؟
والآن أكاد اعرف السبب...
بداية اسرائيل تشبه بداية تكوين الولايات المتحدة...مهاجرون لأرض جديدة, وسكان أصليون.
لكن اسرائيل شقت وجودها هنا بطريقة أكثر دموية وعنف وكذب وتشويه لأهل البلاد وتاريخهم, وأكل حقوقهم
منذ عشرات السنين., وما زالت تقتل كل يوم وتدمر, وضمير العالم هناك قد مات منذ زمن بعيد....
قصة الهنود الحمر عرفناها بعد عشرات وربما مئات السنين, المسافات بعيدة, ولا وسائل اتصال حديثة,
اما قصة اسرائيل والفلسطينيين, فهي قصة منذ خمسين سنة, لكنها اصبحت مملة , وضاع الحق بين ايدي قادة دول لا يعرفون الحق, بل يعرفون القوة, والقسوة , كوسيلة لحل مشاكل البشر...ويتكلمون كلاما جميلا..
وهم يرتدون بذلات انيقة وربطات عنق ملونة, ويبتسمون وهم يجلسون على كراسي وطاولات انيقة, في قاعات انيقة ثمينة المحتويات, لكن في داخلهم تسكن وحوش قذرة قبيحة لا تعرف الرحمة...ولا تنتمي لبني الإنسان....لا تنتمي لبني الإنسان بأي شكل من الأشكال, سوى المنظر الخارجي.
*************************
واعود فأقرأ عن العبيد والحرب الأهلية وابراهام لنكولن وكفاحه ضد الأغنياء في الجنوب وقسوة قلوبهم وسوء معاملتهم للعبيد, وحرمانهم من حقوق البشر...
العائلة تفصل عن بعضها, ويؤخذ الطفل من حضن امه, لأنهم عبيد , حتى حق الأمومة لا يتمتعون به, ويؤخذ الزوج من زوجته لأنهم عبيد, لا حقوق زوجية مثل البشر, ويحرمون من التعليم والحياة الحرة الكريمة.
ويعيشون في دولة تتباهى انها صاحبة الديمقراطية الأولى في العالم...
يا الهي...ثمة فصام في الشخصية ؟؟؟
الكلام والمظهر حضاري وجميل, لكن واقع الحال أسود قبيح...
وعندما فاز لنكولن بالإنتخابات الرئاسية, اعلنت الولايات الجنوبية العصيان, وانفصلت عن الإتحاد....ثم شنت الحرب ضد ولايات الشمال....
هذه الأحداث كانت في الفترة بين الأعوام 1860-1865
انتهت الحرب الأهلية, وانتصر الشمال...لكن لنكولن تم اغتياله..
في الحقيقة بكيت عليه...وبقيت حزينة عليه, وعندي سؤال يؤلمني, من قتله؟
طبعا وسائل الإعلام الرسمية ستقول ثمة مخبول له دوافع شخصية, قتل لنكولن.
وأنا أرى في لنكولن شخصية غاندي...كان قائدا للأمة نحو الحرية والسلام...ودفع حياته ثمنا لمباديء نبيلة.
وأظنه القائد الوحيد الذي لم يشن حروبا على الجيران, وكا ن شعاره اصلاح البيت من الداخل .....
( كيف يمكن لأمة أن تتقدم , نصفها حر, ونصفها عبد )
كم أظن أميركا محتاجة لقائد مثله وهي في هذه الظروف؟
***********************
ووضع لنكولن قوانين لتحرير العبيد...لكنها لم تطبق.
وأقرأ عن الدكتور مارتن لوثر كنج, وهو يخاطب جماهير السود المظلومين, والذين يعانون من قوانين الفصل العنصري في المدارس ووسائل النقل وفي الحمامات العامة وحتى في الكنائس.
هذا في منتصف الستينات من القرن العشرين, يعني بعد مائة سنة من تشريعات لنكولن؟
وكان القادة الأمريكيون يلقون خطبا رنانة وطنانة عن الحرية لشعوب الأرض...هه؟
هل ثمة فصام في الشخصية؟
دخلت اميركا الحرب العالمية الأولى 1919 بقيادة الرئيس ويلسون, وطبعا الشعار دائما هو: الحرية لشعوب الأرض.
ودخلت الحرب العالمية الثانية بقيادة روزفلت 1944 , لأسقاط الأنظمة الفاشية والنازية في اوروبا...وتحقيق الحرية والديمقراطية..
ودخلت في حروب لا تعد ولا تحصى...الصين, وجزر الفلبين, وكوريا, وكوبا, وفيتنام وكمبوديا..وغيرها , فقد تعبت ذاكرتي..
ودائما الخطاب نفسه في البداية والنهاية.
وأنا اتساءل دائما, اين الشعب الأمريكي؟
وما رأيه؟
وجدت كتابا جميلا فيه مقالات مدهشة كتبها امريكان ضد الحروب, ضد التمييز العنصري, ضد الإساءة للهنود الحمر, ضد احتكار الرأي المعارض للحكومة في مواقف مختلفة.
لكني أظنها اصواتا ضعيفة لم تؤثر كثيرا على ضمير الامة وتجعلها تصحو من غفلتها, وتسائل نفسها: ماذا اقترفنا من أخطاء , والى أين نحن سائرون؟؟
*****************
وأقرأ ان جون كنيدي كان نموذجا جديدا لرئيس أمريكي, رغم خطابه القتالي نحو الجيران وحربه ضد كوبا, وتوتر الأجواء مع الدب الروسي, كما كانوا يسمونه, لكن موقفه النبيل ضد التمييز العنصري كان نقطة تحول ممتازة في توجهات القيادة...وكان عنده خطة عمل جديدة تجاه دول الشرق الأوسط والأقصى, ومعظم دول العالم...
لكن الوقت لم يكن كافيا, فقد تم اغتياله, وظل الفاعل مجهولا , رغم قصص رسمية كثيرة قدمتها الحكومات التالية.
ومارتن لوثر كنج أيضا تم اغتياله..
وروبرت كنيدي ايضا تم اغتياله , كان ضد الحرب في فيتنام,وضد التمييز العنصري وكان يسير على خطى أخيه..
وانا اتساءل, يا لها من امة لم تقدر أن تحافظ على خيرة رجالها....
*********************
والآن , تفتت الإتحاد السوفيتي, وذهب خطر الشيوعية بعيدا...
لكن قادة اميركا لا يتركون الشعوب تعيش بأمان..
كان الخطر الشيوعي حجة للتدخل في فيتنام وكوبا وكوريا ودول الشرق الأوسط وغيرها...
واليوم , ما حجة التدخل في دول العالم وشعوبها ؟
الحرية.. مرة اخرى, .ذلك القميص الممزق من كثرة استعماله منذ مئات السنين..
************
لا نريد شيئا سوى ان يكون القرار بيد الشعب الأمريكي هذه المرة...
نريده ان يتوقف للحظة, ويفتح عيونه, ويقرأ تاريخه من جديد..
ماذا كسب من الحروب مع الجيران؟
ولماذا لا تحب الشعوب اللأخرى أن تقترب منها الولايات المتحدة الأمريكية؟
لأننا قرأنا وسمعنا بما فعلت مع شعوب ضعيفة مثل فيتنام ودمرت بلادهم وقتلت مئات الآلاف وربما الملايين في حرب سخيفة طاحنة, ثم تدخلت في دول اميركا اللاتينية حيث تسلطت عليها بطريقة غير مباشرة بوضع حكام مؤيدين لأميركا , ويربطون اقتصاد البلاد تحت رحمة اميركا وقروضها ومساعداتها, تبدو للمشاهد انها صديقة, لكن في الحقيقة انها عدوة الشعب, حيث تسلبه حريته في القرار والإستقلال, ويظل ضعيفا مربوطا بها عشرات السنين القادمة.
وهذا ما تحاول عمله مع دول الشرق الأوسط.
الإستعمار الامريكي له نمط مختلف عن الإستعمار الأوربي القديم.
كانت تلك الدول تبدو ظاهرة بجيوشها واسلحتها على أرض الدول التي يتم احتلالها...
اما اليوم, فأميركا تحتل معظم دول العالم في الخفاء...كأن ثمة خيوط غير مرئية تربطها بقادة يتصرفون حسب تعليماتها...
والكل يعرف ويفهم...
لكن ثمة مغفلين نائمين...منشغلين في العمل اليومي الشاق, او اللهو, او جمع الثروات..
هؤلاء هم النماذج التي تحبها الحكومات الشريرة, وتحب ان تكون غالبية الشعوب مثلها, لتفعل تلك الحكومات ما تشاء, من سحق للحق, ونشر للباطل, وسرقة لحقوق وثروات الشعوب.
لكن التاريخ يبتسم من غبائهم, وقصر نظرهم, وكأنه يقول, انظروا للذين سبقوكم...فعلوا مثلكم, وربما أكثر وربما أقل..
وعادت شعوبهم فقيرة, او متوسطة الحال.....تكدح من أجل قوت يومها..كأي شعوب أخرى.
****************************
قرأت قصة قصيرة للكاتب الإنكليزي, ( دي, أج , لورنس
عنوانها الحصان الخشبي الهزاز
عن عائلة ميسورة الحال, لكنهم لا يرضون بواقعهم, ويطلبون المزيد دائما, ولا يكتفون...
وكأن البيت يهمس طوال اليوم في الليل والنهار: أريد مزيدا من النقود...أريد مزيدا من النقود...تتحول حياتهم الى جحيم.
أظن الكاتب كان يرسم حياة شعوب تعيش تحت انظمة جشعة لا تشبع أبدا...ولا تتذوق طعم الراحة والسعادة أبدا..
*********************
الحرية والسلام لشعوب الأرض لن تتحقق بوجود قادة جشعين..
يدمرون حياة شعوبهم وهم يقودونهم من حرب الى حرب...
عندما تصحو هذه الشعوب من غفلتها...وتوقف الأشرار عند حدهم...يصبح ثمة أمل بعالم مشرق جميل
سياتي ذات يوم...
عالم يعيشه اطفالنا...وأجيالنا...
عالم لا أحقاد فيه, ولا أطماع, ولا حروب.
هل حقا نقدر على صناعته, او المشاركة في صناعته؟
ليأتي....ليأتي , ذلك العالم, فأظننا كلنا متعبون...ومحتاجون للشعور بالراحة والأمان...
كلنا محتاجون للشعور بالراحة والأمان والسلام.
*********************












<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives