Wednesday, July 28, 2004

 
الإثنين 26 تموز 2004
مساء الخير...
الساعة الآن في بغداد هي حوالي السادسة مساء...الكهرباء مقطوعة, والمولدة تعمل في الخارج, ستأتي الكهرباء الوطنية بعد قليل...برنامج القطع تغير , أصبح ساعتين كهرباء الى أربع ساعات قطع.يعني فترة الظهيرة معظمها بدون كهرباء...أحس بالألم الذي يعيشه الناس بهذا الحر القاتل , وأطفال أومرضى في العائلة. درجة الحرارة الآن في الخارج 45 درجة مئوية.معنى هذا انها كانت حوالي 50 درجة في الظهر ,حين عودتي للبيت من العمل .
****************** 
 منذ عودتي الى بغداد, وانا متعبة , وعندي آلام شديدة في جسمي وبطني, تغيبت عن الدوام لمدة يومين للراحة, ثم اتصلت بأختي الطبيبة, فقالت تعالي للعيادة لأعمل لك سونار...ذهبت معها أمس, الى عيادتها في منطقة الدورة, وهي في منطقة شعبية مكتظة, جنوب بغداد, حيث في نفس المنطقة توجد محطة كهرباء الدورة, التي تغذي بغداد بصورة رئيسية...من الطاقة الكهربائية.الشوارع مزدحمة بطريقة متعبة للأعصاب, شاحنات وبكبات وسيارات صغيرة مدنية ومركبات عسكريةأمريكية..والإشارات الضوئية لا تعمل, والشرطة يبذلون مجهودا هائلا لتمرير المركبات...والحر شديد..كانت الساعة حوالي الحادية عشرة صباحا...الشارع الرئيسي عادة من اتجاهين, لكنه الآن ألغي إتجاه منه ووضعت بلوكات اسمنتية عند مدخل محطة الكهرباء خوفا من تفجيرات تستهدف المحطة, فصار الإزدحام بسبب ضيق الشارع الواحد عن استيعاب الكثافة المرورية العادية للمنطقة, حيث فيها أسواق جملة لبيع الخضار ( علوة)ومراكز طبية كثيرة يأتوها سكان المدن والمحافظات الواقعة على حدود بغداد الجنوبية...فيأتي المزارعون ليعرضوا محصولهم في سوق الدورة أو السيدية ,  ويحضرون معهم زوجاتهم وأولادهم للعلاج عند المراكزالطبية في هذه المناطق من بغداد.في المساء تداوم أختي في عيادة  حكومية شعبية منذ سنوات...وسألتها في طريقنا الى عيادتها الصباحية كيف أحوال الأدوية والمرضى؟قالت الأدوية شحيحة جدا, كان المريض قبل الحرب يدفع 750 دينارا ( حوالي نصف دولار ) عن أجرة كشف عندالطبيب و3 بنود دوائية. الآن يدفع نفس المبلغ لكن عن كشف وقطعة دواء واحدة فقط, وأدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكر غير متوفرة, لا تسألي عنها , الأدوية التي نصرفها الآن هي من  المخزون  قبل الحرب....وماذا تفعل وزارة الصحة؟سألتها بدهشة, لأنني أظن أن الدواء من الأولويات مثل الماء والكهرباء..قالت : لا تسألي, ربما السبب لا يوجد ميزانية وتمويل للإستيراد, وربما الفساد الإداري الذي بات بحاجةللرقابة...ذهبت عصابة لصوص, وجاءت بدلا منها عشرات العصابات.والحكومة الجديدة؟سألتها , أليس لها صلاحيات عمل خطوات إيجابية لخدمة الناس؟انها حكومة مؤقتة, قالت, والموجودون فيها إما شريف يخاف على نفسه ويختبيء في بيته خوفا من عمليةإغتيال, أو لص يريد أن ينتهز الفرصة لسرقة أكثر ما يكون قبل نهاية صلاحياته....وهذا أحد أسباب الإغتيالات والتصفيات ضد رجال الحكومة, البعض يبغضهم لأنه يراهم مستفيدين, وغيرهم عاطل عن العمل وجائع, كيف تمنعيه عن الشعور بالحقد والرغبة بالإنتقام؟إنقبض فلبي , وساد الصمت حتى وصلنا عيادتها
*************************************** 
  صالة الإنتظاركانت مكتظة بالنساء الملتفات بالعباءة العراقية, واستقبلتنا السكرتيرة بابتسامتها, ثم دخلنا العيادة بسرعة, حيث فحصتني بالسونار, وقالت : لا شيء..انت فقط متعبة من السفر..كنت في غاية السعادة, حيث أن القلق أكلني ولم أقدر أن انام من الرعب بإحتمال مرض ما يصيبني...فالحياةهنا فيها ما يكفي من المنغصات...ولست بحاجة لمرض ما ليزيد من تعاستي .
***************************************
  عدت الى البيت بنفس الشارع, الساعة كانت الثانية عشرة, والهواء ساخن جدا , والرجل الذي استأجرت سيارته ليس فيها تكييف, وكدت أموت من الحر والصداع...الشارع مزدحم ...توجد بلوكات اسمنتية تؤخر من حركة السير...الغبار في الشوارع مع الحر يزيد من الشعوربالتعب.جدران اسمنتية وترابية أمام مدخل محطة الكهرباء, وثمة سيارة مزقها الرصاص تقف على طرف الطريق, سألت السائق عنها , فقال انها محاولة إغتيال ...وسيارة اخرى معجونة أجزاءها تقف على طرف الطريق, ما هذه؟قال : بقايا سيارة مفخخة...رجال شرطة عراقيون مسلحون ...ورجال بزي الجيش العراقي الجديد...ونقاط تفتيش, وأرصفة مثلمة ومكسرة,وأزقة قذرة تمتليء بالنفايات, وأسلاك شائكة, تلتصق عليها أوراق وأكياس نايلون ممزقة فتزيد من كآبة المنظر...بقيت أحدق من وراء زجاج نافذة السيارة..من كان يصدق أن هذا سيحدث لنا ذات يوم؟وأن هذه هي بغداد؟هل حدث كل هذا صدفة, أم أن ثمة من خطط ورسم ونفذ, وجعلنا نعيش هذا الجحيم ؟؟**************************************** 
  عدت للبيت وقد تبلل قميصي تماما من العرق...من الصدر والظهر..غسلت وجهي بالماء البارد, وشربت قليلا من الماء, وجلست على الأرض ألهث من شدة التعب والحر.كيف يعيش الإنسان هنا؟مع الحر الشديد وانقطاع الكهرباء وازدحام المروروتلك المشاهد المأساوية اليومية...وسماع نشرات الأخبارالمحبطة من عصابات وخطف وتفجيرات واغتيالات...وتذكرت كل الذين هاجروا أو هربوا من العراق...معهم حق, قلت لنفسي, من يتحمل كل هذا العذاب اليومي؟انه شيء يشبه الموت البطيء....موت المشاعر...والمباديء...وكل شيء انساني جميل.نعم ..موت بطيء
****************************************
جلست مع نفسي في المساء وفكرت , وضحكت, حين راودتني فكرة الموت البطيء. مرة أخرى..انها سلاح فتاك يستعمله عقل  مدبر خبيث
.في عام 1991 حين انتهت حرب الكويت, وتم تدمير نسبة كبيرة من الجيش العراقي وآلياته العسكرية.لماذا لم تجهز أميركا على صدام حسين وقتها وتنهي عذابات العراقيين؟ولماذا تواطأت معه لقمع ثورة الجنوب ضده؟سمحت له أن يستعمل كل الأسلحة لإبادة الشعب العراقي المنتفض في الجنوب...لن أقول الشيعة, فانا شيعية,لكني أحب أن أكون متيقظة الذهن, وهذه قصة السنة والشيعة هي قصة باطلة إستعملت لتقسيم العراقيين ضد بعضهم, وللإستفراد بهم فئة بعد فئة.وأنا أكرر انها انتفاضة العراقيين ضد نظام صدام عام 1991 , حيث تم سحقها, وتكون من يومها مقابر جماعية شاركت أميركا مع صدام في عملها, لكنها ذرفت الدموع علينا بعد حربها الأخيرة...والمغفلين هم الذين صدقوا أن المجرم كان صدام وحده....لماذا لم يسقطوه حينها ؟لأنهم كانوا يعلمون أن ثمة شعبية قليلة كانت عنده بين العراقيين والعرب...وأتبعوا سياسة الحصار ضدالعراقيين وهي سياسة الموت البطيء....لأكثر من عشر سنوات.هرب مئات الآلآف من العراقيين وقتها, وربما بنهاية سنوات الحصار صار العدد بالملايين.ومن تبقوا , مات فيهم قليلا قليلا أعز ما لدى الإنسان من مشاعر جميلة للوطن والإنتماء...صار حب الوطن يعني حب صدام حسين, والناس كرهت الوطن.وبمرور السنوات العجاف, صار موظف الدولة مرتشيا فليل الوطنية والإخلاص, وصار الجندي يكره كونه جندياولا يجد مبررا لوجوده داخل الجيش , وكذلك الشرطي ورجل الأمن...بدل الشعور بأنه جاء لخدمة الناس ,صاروا أعداء الناس, يؤذونهم ويبتزونهم حتى يقدروا ان يجدوا مبررا مفيدا لبقائهم في وظائفهم.قليلا قليلا...شاع الفساد والرشاوي حتى بين موظفي التربية والجهاز التدريسي, وقطاع الصحةوالمستشفيات..صارت الغالبية مصابة بفايروس الفساد والرشوة وعدم الإخلاص وعدم الأمانة.هكذا ينتشر الفيروس بسرعة في مثل تلك الظروف القاسية من الجوع والحاجة وانعدام الضمير والمبدأ..ما قيمة الإنسان حين تجرده من ضميره أو مبادئه؟ما فرقه عن الحيوان آنذاك؟لا أظن أن ثمة فرق يستحق الذكر....تلك هي النتائج المذهلة لبرنامج الموت البطيء.....الذي استعمل بذكاء ضد العراقيين, وجاء بنتائج ممتازة, كما أرادها مصمم البرنامج تماما..
.********************************************* 
 ثم جاءت الحرب, وسقوط النظام الهش, ما عاد له ركائز قوية على أرض الواقع...الناس تعبت وماتت قلوبها, وما عاد ثمة شيء يحركها, والوطن صار صدام حسين  الدكتاتور...فليسقط صدام حسين وليسقط الوطن, ما عاد ثمة فرق...لكن بمرور الوقت, الناس يصحون من غفلتهم, وينظرون فيرون قوات إحتلال, وممارسات قاسية, وسجون وتعذيب وفضائح , وقصص عن رشاوى وفساد إداري جديد... فتبدأ الصحوة من جديد ...الآن الوطن لا يساوي صدام حسين...الصورة أشد وضوحا....الوطن هو هذه الأرض, وهؤلاء الناس, وهذه الشوارع وهذه الأشجار والنخلات وهذه الأنهار والبحيرات وهذه الحدائق العامة وتلك الذكريات الحزينة والجميلة هنا وهناك, ومقابر أهلنا وأحبائنا, ومدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا ومكتباتنا الوطنية, والمتحف وقاعات الفن العراقي في الغناءوالرقص الشعبي وقاعات فيها لوحات فنية جميلة لفنانين عراقيين ماتوا أو مازالوا أحياء ,  ونصب تذكاريةوأقارب وأصدقاء وجيران  وتاريخ طويل لآباءنا وأجدادنا...كيف نتخلى عنه بسهولة ؟؟؟هنا تحدث حالة التصادم مع القادمين الجدد....هنا تأتي لحظات الصحوة بين الناس...وبداية الحديث والإعتراض ثم المصادمات الكلامية أو المسلحة...إنهم يحتلونا ويريدون سرقة ثرواتنا, ومستقبلنا, ألا يكفينا ما تحملناه من صدام حسين ؟؟هكذا يصير حديث الشارع....لكن الذي خطط لهذه الحرب لم يكن غبيا...حسب لكل مرحلة حسابها...توقع أن يصحو الناس من غفلتهم ويدافعوا عن بلدهم الذي تحرر من ظلم ودكتاتورية صدام حسين, فرتبوا لهمالجواب المناسب... فوضى وعنف  وتفجيرات واغتيالات وخلط الأوراق...ثم تشويه سمعة المقاومة الوطنية, لجعل الكراهية والبغض ضدها في الشارع , بدل المساندة.حين تخرج مظاهرات عفوية في أي مكان في العالم , مطالبة بحقوق طبقة من العمال والموظفين مثلا...يندس بينهم المشاغبون الذين ترسلهم عصابات خبيثة لا تريد لهذه المظاهرة أن تنجح, فتشعل النيران وتطلق الرصاص ضد الأبرياء وتحرف المسيرة عن غايتها وتسبب لها الفشل الذريع وسوء السمعة.كم مرة حدثت مثل هذه الفصص في تاريخ الشعوب؟في أوروبا أميركاوغيرها؟هكذا يتم تشويه المقاومة الوطنية ضد الإحتلال, بزرع عناصر فاسدة , وتنظيمات إرهابية مجرمة, يمولهاأعداء الشعب والمقاومة. أليس هذا ما يحدث في فلسطين مثلا منذ عشرات السنين, حتى تاهت القصة وما عدت تعرف من مع الشعب ومن ضده؟هذه هي الطريقة الحديثة المبتكرة , بدلا من القاء قنابل ذرية, ونابالم, نقتل هذه الشعوب قتلابطيئا...فيتوه أمامها الطريق, وما تعود تعرف الحق من الباطل, ولا العدو من الصديق.انت هنا مثلا حين تعترض على ممارسات الأحتلال وفكرة وجوده, ستجد ثمة بطل جديد يصرخ في وجهك:هاااااا...انت اذن من جماعة صدام ؟وتقسم له أنه يعرفك ويعرف ماضيك وأنك وطني مستقل تحب بلدك وتريد له الإستقلال...لكنه يصر على (  إرهابك ) وتهديدك...انت من جماعة صدام؟؟ طبعا طبعا لا تقل لي...أنا افهمك...وانت تغرق في الدهشة والضحك من هذا التافه المريض الذي يصر على  موقفه ضدك, اليس هذا إرهاب؟تخويفك وتخوينك وتفسير كلامك بمعاني أخرى ...ماذا يسمى هذا ؟؟ ونسبة هذا البطل النموذج الجديد على الساحة العراقية, نسبته أقل من عشرة بالمئة, لكنه وقح وشرس ويريد إرهاب الناس وتخويفهم...وهو نموذج ينتمي الى فئة مستفيدة من وجود الإحتلال, هذه الفئة تضم مقاولين وتجار ومستثمرين ومعظمهم ممن كانوا يقومون بنفس الدور زمن صدام حسين, لكنهم غيروا الهدف فقط, بدلا من التملق لصدام, صار الآن التملق للإحتلال..أما فكرة الوطن وحب الوطن فهي بنظرهم فكرة ساذجة قد انقرضت منذ زمن بعيد...الوطن بالنسبة لهم بقرة حلوب...إن كان هنالك ثمة مصلحة من هذه البقرة , نبقى ولناالأولوية, وإن لم تكن, نهاجر ونستثمر في أماكن اخرى من العالم...وينتمي لنفس هذه الفئة, بعض اعضاء الأحزاب الجديدة, الذين يسيل لعابهم , ويريدون ان يجرفوا كل ما يمكن أن يعترض طريقهم نحو كرسي السلطة.نعم , هذه نماذج جديدة مريضة خلقها وجود الإحتلال وشجعها لأنها ركائز له يقف عليها ويستعين بها للسيطرة على الشعب....وتصلني رسائل من أصدقاء أمريكيين يقولون أنهم يتعرضون لنفس الضغوط إن اعترضوا على حرب بوش ضد العراق ,حيث سيكون الحوار كما يلي: هااااااا ..أنت مع جماعة إبن لادن إذن؟لا لست مع ابن لادن..أنا أمريكي واحب وطني ولا أرضى عن الظلم....والجواب: هاااااا..وما يبقيك هنا؟؟؟لماذا لا تغادر أميركا إن لم يعجبك الحال؟؟؟وهذا إرهاب آخر..وتخويف وإجبار على السكوت.
*************************************** 
 نعم...ثمة فكرة واحدة تدور وتسيطر وتتحكم في عقول الناس, وهذه الفكرة تديرها فئة منظمة تنتشر على كل بقاع العالم, وأداتها القوية هي وسائل الإعلام.تفتح الأنترنت فتقرأ الأخبار ومعظم الشبكات الكبيرة تستعمل نفس المصطلحات...ونفس التفسيرات تجاه الأحداث.تفتح الصحف المحلية...نفس المعزوفة, تفتح المحطات الإذاعية, نفس المعزوفة, القنوات الفضائيةوالمحلية...نفس المعزوفة...كلها تدفعك للتفكير وتبني وجهة نظر واحدة...قد يكون هنالك وجهات نظر مختلفة في دول اوروبا, لكن في أميركا والعالم العربي لا يوجد سوى خطين واضحين, خط الحرب على الإرهاب والحرب على العراق...وفي أميركا ثمة تيار قوي ضد بوش وإدارته وخطه الذي يسير عليه...وعندنا في الوطن العربي, والعراق خاصة, ثمة كثافة عنيفة شرسة لتثبيت فكرة واحدة وخط واحد,وتكسير وتحطيم الخط المعارض بكل الوسائل الممكنة...بالقتل والإغتيال والعنف والترهيب والتخويف والتضليل ....لتثبيت وجهة نظر واحدة , ومحق وسحق وجهة النظر الأخرى المعارضة.
************************************* 
 ماذا بحدث في العراق الآن؟؟يحدث أن الناس تعبوا ومحتاجين للراحة والأمان والماء والكهرباء والدواء والعمل والعيش الكريم...وحين تنظر لحياتنا اليومية منذ دخول الإحتلال , ترى وتتأكد لديك فكرة أن هذه المتطلبات كلها مؤجلة,وقد تم ربطها مع وقف المقاومة ضد الإحتلال..وكأنهم يقولون للشعب, تبرأ من المقاومة , وساعدنا في القضاء عليها نهائيا....سنفتح لك أبواب العيش الرغيد
وهذا ما يحصل كل يوم بتراكم بسيط لعدة شهور...تبدو الصورة أكثر وضوحا لمن يراقب ويفكر ويحلل...ثم بند آخر...أغتيال عناصر ذكية ومثقفة ممكن أن ترفع راية محاربة وجود الإحتلال عن طريق الكلام وليس  السلاح...الخطوة الأولى تصفية المقاومة المسلحة, الخطوة الثانية, تتم مندمجة مع الأولى, تصفية المقاومةالسلمية..وإرهاب الناس بالتفجيرات والقتل والخطف , ليهرب من لا يقدر على الأحتمال, فيبقى ضعفاء الناس الذين يختبؤون في البيوت, ولا يريدون المشاركة في صناعة مستقبل العراق, يريدون السلامة لأنفسهم واولادهم, ويتبرعون بالوطن للقادمين الجدد ليشبعوا به ويحتكروه لأنفسهم, تماما كما إحتكره من قبل صدام حسين وجماعته وأرهب الناس ومنعهم من المشاركة بتقرير مصير حياتهم ومستقبلهم.
****************************
  وعندما تنتهي مرحلة التصفيات وتنظيف الشارع من المعارضة المزعجة...ستأتي مرحلة البناء والديمقراطية.نعم...متى سيحدث هذا؟ربما خلال ستة شهور , أو سنة أو أثنتان...لا أدري..لكن البرنامج يمضي قدما...ولا أحد يستعجل, ربما بوش يهمه الوقت, لأنه مقبل على انتخابات, وهذه مسألة حياة أو موت...سيضغط من أجل إنجاز أكبر ما يكون من برنامج العمل...حتى يسجل لنفسه النصر.أما لو جاء كيري...فماذا سيحصل؟هل عنده ثمة برنامج واضح بديل؟؟لا اظن, لكن كلمة السر التي تمكنه من الدخول للإنتخابات وإحتمال الفوز , قد قالها, فال انه يؤيد دولةاسرائيل وحقها في الوجود والدفاع عن نفسها.أحسنت...أما باقي التفاصيل, فليست مهمة, ثمة من يضعها ويقنع  الرئيس بها فيما بعد...بخصوص سياساته الداخليةوالخارجية.ما الفرق بين الجمهوري والديمقراطي؟ليس ثمة فرق جوهري واضح...ولذلك النقاط متقاربة والقتال على كرسي الرئاسة شرس شديد.
***************************  
وأحيانا يستعملون تكتيكات حديثة    للتعامل مع الأصوات المعارضة
...فأمام كل صحيفة معارضة, ستصدر عشرات الصحف التي تساند وتشجع وجهة النظر الأخرى, فتصبح هذه المعارضة ممثلة الأقلية...ويتم تحجيم تأثيرها بهذه الطريقة..تماما مثل عملنا هنا على الإنترنت...مقابل كل كاتب عراقي معارض لوجود الإحتلال, تفتح عشرة مواقع مؤيدة للإحتلال, ويصبح المعارض هو نسبة أقلية أمام زوار المواقع, بينما هو في واقع الحال يمثل صوت الأغلبية في الشارع العراقي...الديمقراطية لعبة خطرة...ثمة متخصصين في التزوير يقودون المسيرة أحيانا لتبدو الصورة على نقيضها..لكنها مسألة وقت...الكذب لا يدوم طويلا...وسرعان ما تتضح الحقائق للقريب والبعيد, للذكي والغبي.
*************************** 
 ووسائل الإعلام...محطة مثل الجزيرة, تبدو في ظاهرها أنها مع العرب والمسلمين, لكنها في واقع الحال عدوة العرب والمسلمين...ساعدت بشكل رئيسي في تشويه صورتهم للغرب وإظهارهم بأنهم عصابات إرهابية, وتأتي بتحقيقات وأفلام وثائقية, حصريا على الجزيرة...أفلام بن لادن ومساعديه, أفلام وثائقية عن عصابات الخطف والعمليات الإرهابية, اتساءل, هل يتصلون بمكتب الجزيرة ويحددون موعدا مع مجرمين مطلوبين؟وخطابات صدام حسين قبل القبض عليه؟واجتماعات رجال القاعدة في افغانستان والمملكة العربية السعودية؟وهي , جيران, قاعدة العيديد في قطر...يعني في قلب ا لقوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط؟؟هاها؟؟وعلى من يضحكون؟؟على المواطن العربي البائس المحبط, فيمثلون دور المتعاطفين معه, في حين انهم أعداءه الذين يشوهون صورته ويصنعون آ لاف الحواجز بين الحقيقة التي يريدون ايصالها, وبين الحقيقة التي على أرض الواقع...نحن في بغداد نسميها قناة الفتن...حيث هي متخصصة في بث الأحقاد والفتن بين العرب والمسلمين أنفسهم, وبينهم وبين مجتمع الغرب.ستأتي السنوات القادمة لتكشف من يمولها ...وستأتي السنوات القادمة لنعرف من مول عصابات القتل والخطف والإجرام في العراق..ومن مول التفجيرات الإرهابية ضد المدنيين الأبرياء...ستأتي السنوات القادمة لتقول لنا, ولغيرنا, كل شيء....عمن له مصلحة بإخراج الأمم المتحدة من العراق, والمنظمات الإنسانية غير الحكومية, وخطف العاملين في الشركات من جنسيات متعددة وإظهارهم على الجزيرة..عصابات من الحثالة الملثمين , تدمر كل أمل لبناء وطن جديد....ثمة من يريد أن يوقف البناء حتى إشعار آخر....ثمة من عنده برامج تصفيات يريد أن ينتهي منها, ثم يلتفت لحال الشعب...وكأنها سياسة عقاب جماعي ....تماما مثل الحصار الذي دام  أكثر من عشرة سنين...ها هومستمر بنفس الإيقاع.....جوع , وفساد إداري ,  وظلم , وأقلية مرفهة تقهقه وتستفيد....ماذا تغير على العراقيين؟؟؟نعم , تغير شيء واحد....انهم اليوم تحت الإحتلال....هل ثمة أجمل من هذه الحياة, ومفرداتها اليومية ؟؟؟
*****************************

  الشعب عادة من طبقات...وأظن أنني أحاول أن أحدد هذه الطبقات اليوم في الشعب  العراقي.طبقة أكثرية, من موظفين ومتقاعدين, وتجار صغار, وأصحاب مهن وحرف...هؤلاء هم الأكثرية المغلوبة علىأمرها, التي تتفرج وتتألم...وهي ترفض الإحتلال لأنها تراه ببساطة ووضوح إهانة لكرامتهم.طبقة أقلية من السياسيين الذين هم زعماء الأحزاب والصحافيين وتجار كبار ومقاولين ومستثمرين, والرجال ا لذين في المناصب الحكومية الكبيرة, كالوزراء والمدراء العامين.. هؤلاء فيهم فئة ترفض الإحتلال أوالتعاون معه, وتعتبره خيانة...وفيهم نسبة من المستفيدين, ويريدون لهذا الإحتلال أن يبقى, لأنهم بدونه , سيتم عزلهم..وتهميش دورهم.وتوجد طبقة ثالثة تتأرجح بين الطبقات , ونسبتها أيضا صغيرة, لكنها ذات تأثير قوي , إن سنحت لهاالفرصة...وهذه الطبقة اليوم أكثر طبقة معرضة للضغط والأذى, وهي طبقة المثقفين الوطنيين المستقلين..إما أن تختبيء عن الأنظار خوفا من المواجهة وتلوذ بالصمت  وإما أن تكون واعية صادقة شجاعة, تتكلم كأنها ضمير هذه الأمة...هذه هي الطبقة المهددة بالقتل والإغتيال والسحق...لأنها تشكل خطرا حقيقيا علىالإحتلال ورجاله المؤيدين له.*********************************** 
 كلمة المستقبل , ماذا صارت تعني للعراقيين؟صارت تعني الخوف من استمرار الخراب والدمار...واستمرار هجرة العراقيين, وقتلهم, واعتقالهم, وتدمير كل شجاعة ووطنية في قلوبهم...والخوف من إمتلاء الساحة بالنماذج المتسلقة المنافقة التي لا تفكر إلا بمصلحتها, وشعارها فليذهب كل شيء للجحيم من بعدي....أضع يدي بيد الشيطان ما دام ثمة مزيد من ثروات وسلطات .
***************************
  بالأمس رأيت مقابلة على فضائية عراقية مع رؤساء أحزاب عراقية جديدة...وكان موضوع الحديث عن المرحلة القادمة, بعد الحكومة المؤقتة, والتجهيز للإنتخابات , وتعليم الناس كيف يستفيدوا من حق الإنتخاب لصناعة مستقبل أفضل بإختيار رجال مخلصين لا يلهثون وراء الكرسي من أجل الفائدة الشخصية , بل من أجل خدمة الناس واعطاءهم مزيدا من الحقوق والفرص نحو حياة أفضل....الإنتخابات لن تكون مشروعة الا إذا شارك بها نصف الشعب العراقي على الأقل...وورقة  المشاركةالإنتخابية ينبغي أن تصل الى أبعد بيت في أبعد مدينة عراقية...حتى يكون هنالك وضوح وعدالة ومشاركة.وقالوا , ان الذي يحب العراقيين الآن, لا يبحث عن المنصب والكرسي, الوطني الشريف الآن, هو الذي يساعدالناس ويقف معهم ليفتح عيونهم على حقوقهم في المشاركة بصنع مستقبل أفضل....وقالوا أن هناك محاولات ستكون خبيثة لإبتكار قوانين طائفية لتمزيق وحدة الشعب وإضعاف الأصوات الوطنية وقالوا أن الطريق نحو الديمقراطية سيكون خيار العراقيين الوحيد...لكنه طريق محفوف بالمخاطر...ثمة رجال احترفوا السياسة, ويعرفون كيف يتحايلون على إرادة الشعب, لكننا نطمح أن لا ينجحوا , وأن نمشي سوية يدا بيد, لنبني وطنا جميلا فيه الخير للجميع..
.*************************************
  أؤمن بالله العظيم, وبأن كل شيء قد تم حسب إرادته ومشيئته
....وأؤمن أنه ينصر الحق, ويكره الظلم...
.وأتمنى ان يكون الله مع العراقيين....ينصرهم ويؤيدهم على تحقيق الخير لوطنهم  وأجيالهم القادمة
....وأتمنى ان لا يفقد العراقيون الأمل أبدا....بغد مشرق جميل
 ..ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل







<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives