Friday, July 02, 2004

 

الجمعة 2 تموز 2004
صباح الخير....
ما زلنا في عمان, نقضي اجازة الصيف...
لكني مشتاقة لبغداد , ولا أقدر ان اتوقف عن التفكير بها...وأتعجب كيف يعيش الناس خارج اوطانهم, وكم يحملون من أحزان وذكريات في قلوبهم وعقولهم...الوطن شيء ثمين ولا يعوضه شيء آخر...
الوطن مثل الأم والأب, مقدسات لا يمكن الإستخفاف بها...مقدسات لا تباع ولا تشترى...
************
عمان مدينة صغيرة , تقع على سبعة جبال..جوها جميل ولطيف في الصيف, وبارد جدا في الشتاء .فترة الصيف قصيرة ,وفترة الشتاء طويلة ….
عندما عشت فيها نهاية السبعينات , كانت تشبه قرية صغيرة, مقارنة ببغداد التي كانت تعيش ايامها الذهبية..
وكنت اتحرق شوقا لرؤية عراقي يتكلم بلهجته المميزة في شوارع عمان, وكنت أحس بوحشة شديدة وشعورا قويا بالغربة, رغم ان بغداد تبعد الف كيلومتر فقط…
لكن عمان اليوم توسعت, وكثر فيها البناء, خصوصا بعد حرب الكويت حيث عاد اليها آلاف الفلسطينيين والأردنيين الذين كانوا يعيشون في الكويت, فاستثمروا فيها مدخراتهم وبنوا العمارات والفنادق..
واليوم عمان تمتليء بالعراقيين, خصوصا من الطبقة الغنية , الذين اشتروا بيوتا هنا واستقروا مؤقتا حتى تهدأ أمور العراق..
وعمان القديمة, هي عمان الخمسينات والستينات والسبعينات…وهي مكتظة بالبناء, وبيوتها صغيرة متلاصقة,
اما عمان الحديثة, منذ الثمانينات وحتى الآن , فهي عبارة عن أحياء بعمارات سكنية متعددة الطوابق, واحيانا توجد فلل منفصلة. ويوجد الكثيرمن السوبرماركت والمولات الغربية الطابع , وكذلك المطاعم الغربية والنوادي الليلية والكوفي شوب …
ولأن طبيعة البلاد جبلية, فالشوارع ضيقة ومتعرجة, ويصعب القيادة بها خصوصا في الشتاء والمطر والأرض الزلقة, ونظام السير هنا متشدد , حتى يخفف من خطر حوادث المرور ويقلل من عددها…
**********
وأخبار بغداد بعيدة…
كأنها في جزء آخر من الكرة الأرضية…
ليس سوى سماع الأخبار من وسائل الإعلام..أما الناس , فكل واحد مشغول بشؤون حياته الخاصة.
كنت في بغداد اسمع الأخبار والأحداث مباشرة من الناس أو أراها بعيني, أما هنا فاحس ان هامشا صغيرا يصل,
وتفاصيل كثيرة تغيب..
واتخيل تماما الناس في الغرب كيف تصلهم الأخبار…وهم بعيدون عن هذا الواقع, وعن الصورة الحقيقية للأمور…ولا ألومهم حين يفكرون بنا بطريقة مختلفة تماما عن الواقع…ستصلهم الأخبار وتفسيرها على ذمة شبكات الأخبار العالمية, وهي مؤسسات اثبتت قلة مصداقيتها في كثير من الأحيان, فالخبر يعاد صياغته حسب مزاج المسؤول عن الإعلام هناك…
في بغداد , حين نجلس للحديث والنقاش عما يحدث في العراق, لا نختلف كثيرا , لأن الشواهد واضحة ويومية
أما في عمان مثلا, فلا أحد رأى أو سمع, وتختلف وجهات النظر حسب تقديرات المتكلم…
اما في أميركا, فأضحك واتعجب, كيف سيصلهم الخبر؟ وبأي تفسير وتفسير؟
استطيع أن أقدر الحالة التي يعيشها المواطن هناك, ولكني لا أود أن يتشبث الواحد منهم بوجهة نظره كأنه متأكد مئة بالمئة…اريده أن يضع في ذهنه انه بعيد ألاف الكيلومترات عن الواقع الحقيقي, وتصله الأخبار عبر شبكات غير موثوقة تماما في مصداقيتها…
***********
أخبار الأسبوع الماضي في بغداد..
تسليم السلطة للعراقيين, تمت بطريقة مسلوقة وسريعة ومحزنة…كأنها تتحدث عن نفسها..هذه هي السلطة الجديدة, شيء يتم تسليمه من بعيد, يراه العراقيون على شاشات التلفزيون كما يراه الناس في دول العالم الأخرى, وكأن الأمر لا يعنيهم ابدا..
العراقيون يختبؤون في بيوتهم خوفا من التفجيرات والموت اليومي, والسلطة تسلم , وهم يتفرجون, ويضحكون على حالهم المبكي, من الذي ذهب؟ ومن الذي جاء؟
خرج بريمر, ودخل السفيرالأمريكي في نفس اليوم…وبعد يومين رفع العلم الأمريكي على السفارة الجديدة في بغداد…وكأنه يقول: ها قد عدت أخيرا الى هنا…كم كلفتني من خسائر وقتلى من امريكان وعراقيين حتى اعود الى هنا شامخا بكبرياء….وكم كلفت من موازنة وبلايين الدولارات حتى اصل الى هنا..ومن هو المغفل الذي يظن انني سأخرج من هنا ؟؟؟
العراقيون ينظرون اليه ويبتسمون بمرارة.
*************
وتظل أخبار التفجيرات مستمرة من بغداد , ثم قصف الفلوجة امس , وضحايا جدد, والعراقيون يتساءلون: اين السلطة العراقية الجديدة, واين الإستقلال, ولماذا ما زالت الطائرات الأمريكية تجول في سماء العراق وتقصف المدنيين, ولا أحد يدافع عنهم؟
مهزلة جديدة …ولكن السؤال: على من يضحكون؟
على انفسهم أم على العالم , ام على العراقيين؟
كتبت سابقا عن تاريخ العراقيين, واردت من خلاله أن يدرك من يقراه, ان العراقيين ليسوا بالأغبياء, وان الغبي هو الذي يورط نفسه معهم…ويظن نفسه ذكيا, ويمكنه خداعهم…كل الحيل والألاعيب مرت عليهم وحفظوها…
وكما أقول دائما: انها مسألة وقت…كل شيء يتوضح بمرور الوقت.
************
وبالأمس مهزلة جديدة…محاكمة صدام حسين.
هذه مسرحيات لإشغال الناس عما يدور..الأولويات الآن هي كيف سيعيش العراقيون, وكيف سيبنون حياتهم من جديد, دولة ومؤسسات وشرطة وجيش, لحفظ النظام والأمن, وبداية العمل…
لكن بوش يستمر في اللعبة ويبدو انه مستمتع , ويريد ان يحقق انتقامه الشخصي من صدام, ويلهي العالم بهذه القصة.
بالنسبة لنا كعراقيين, ماذا سيغير من حياتنا ومستقبلنا لو رأينا صدام يحاكم م لا ؟
لو مات أو سجن؟
هل سيعيد موتانا؟
هل سيصلح الخراب والدمار الذي اصاب حياتنا ووطننا؟
نحن نؤمن تماما أن بوش بسياسته الخرقاء الحاقدة المتهورة, شارك مع صدام حسين في تدمير حياتنا..
ومن أجل عدالة صحيحة, ينبغي أن يوضع مع صدام حسين في نفس قفص الإتهام..
وينبغي ان يساءل عن الحماقات التي اقترفها حين شن هذه الحرب, ويساءل عن الأرواح التي ازهقت من الأبرياء وغير الأبرياء في هذه الحرب الغبية….التي لم نحصد منها سوى الخراب والدمار والعودة الى الخلف عشرات السنين …
أما بالنسبة اليه ولمن ساندوه لشن هذه الحرب, فقد عاد العلم الأمريكي يرفرف على مستعمرة جديدة طالما….طالما حلم بها المنادون بالتوسع والإمبريالية, من داخل اميركا….
وها هي بين يديهم الآن, يعيثون فيها فسادا وتدميرا….كأي استعمار.
*************






<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives