Wednesday, July 14, 2004
الثلاثاء 13 تموز 2004
صباح الخير
... ما زلنا في عمان , سنعود لبغداد بعد أسبوع إن شاء الله
مشتاقة لبيتنا وحديقتنا والمولدة , والقطة التي تعرفنا عليها قبل سفرنا
أتمنى أن نجدها في الحديقة
ولم تهرب.
ومشتاقة للأقارب والجيران والصديقات وزملاء العمل, ولشوارع بغداد المزدحمة,ووجوه الناس المتعبة,
والمحلات التجارية القديمة , ونخلات بغداد الشامخات, ونهر دجلة الخالد....
هنا في عمان, تقريبا مساء كل يوم , نسمع أصوات انفجارات ترعبنا ونظن أنها مدفعية أو اشتباكات, كما في بغداد...ثم نكتشف انها ألعاب نارية للإحتفال بمناسبة مفرحة.
ونضحك على انفسنا, ونتمنى أن تختفي أصوات الإنفجارات في بغداد وغيرها من المدن العراقية....
حتى الألعاب نارية, لن نرغب بسماعها هناك....حيث الجميع مشتاق للتمتع بالهدوء.....هدوء.
ما أحلى الدنيا مع الهدوء.....
**********************
وصلتني رسائل كثيرة من أصدقاء قدامى وقراء جدد, بتعليقات مختلفة, أشكرهم جميعا, سواء اتفقت معهم أو
اختلفت, لا يهم, المهم أن نتعلم المشاركة , في التفكير أو الحوار, فربما هي الطريق الأفضل والأجمل,
بين البشر...صانعي الحضارات, بدلا من حروب وأحقاد وحماقات....لا بد من كسر هذا الجليد, وهذه الحواجز,
بالحوار....
هكذا أظن هو الطريق المريح.....وهو لا يخلو من متاعب , لكنه طريق مسالم لا عنف فيه...وكلنا نبغض
العنف, لانه طريق همجي للحوار, لا يليق بالبشر....
************************
عندما كتبت عن تاريخ أميركا, لم أخترعه من نفسي, ولم أضع زيادة عليه, وربما نسيت بعض البنود, لكني لم
أقصد التشويه أو الإفتراء....المصادر سأكتبها في نهاية المقال, وهي لكتاب أمريكان يحبون بلادهم,
ويحترمون تاريخها, ويجدونه تاريخا مشرفا, لأنه تاريخ( دولتهم ) ......
أما أنا فحين قرأته ونظرت اليه, فمن زاوية أخرى وعين أخرى....
رأيته بعين الشعوب المقهورة التي تم التدخل في شؤون بلادها, والعراق واحد منها...
رأيت ذلك التاريخ بعيون شعوب مثل المكسيك, وكوبا والسلفادور وتشيلي, وفيتنام وكوريا وكمبوديا,
وافغانستان, وغيرها من شعوب تدخلت أميركا في شؤون حياتها بطريقة أو بأخرى, بسبب أو غيره, لتفرض نفسها
كشرطي يعطي الأوامر....وعلى الآخرين, الطاعة والتنفيذ...
هل ثمة حق وعدالة ؟
ومن أعطاها ذلك الحق؟
يوجد ثمة أمريكي غاضب يسألني : كيف تقرأين تاريخنا وتفسرينه على طريقتك, وتحكمين علينا؟
وأنا أغرق في الضحك...
أنظر من يتكلم؟
من الذي يلعب هذه اللعبة ضد الآخر, ويعذبه بها؟
أنا, العراقية, التي تعاني من جيوش إحتلال غريبة تملأ شوارع مدينتي وتعيث فسادا ضد الأرض والشعب؟
أم انتم الذين تشوهون تاريخنا وحاضرنا وتتكلمون بلساننا, وتتصرفون كأننا قاصرون, وكأنكم مسؤولون عن
صياغة حاضرنا ومستقبلنا , وكأنكم أصحاب الحضارة, وكأننا أصحاب المغارات والوحوش....
من الذي يريد بالقوة أن نطيعه ونتقبله؟
من الذي يلغي ماضينا ويريد أن يعلمنا الف باء الكلام والفعل والحياة؟
لسنا نحن الذين نقترف هذه الآثام......بل الذي يريد أن يحتل ويستعمر....ويضع أغطية جميلة ملونة ...
لتبرير أفعاله القبيحة.
***************************
والأمريكي الغاضب يقول انه لن يقرأ كتاباتي بعد الآن ان بقيت أكتب هكذا...
كنت أظن أن سعة الأفق صفة الغربيين, والعقول الضيقة من صفاتنا ...لكني أكتشف أشياء جديدة مع الأيام...
ولماذا لا تكتبي عن تاريخ دول استعمارية أخرى؟
يعود فيسأل, وأنا أقول انني كتبت عن تاريخنا مع الإستعمار البريطاني...
والآن , أميركا تحتل بلادي, فلماذا أهتم بتاريخ فرنسا أو المانيا مثلا...
أريد أن أقرا تاريخ أميركا لأفهم كيف يفكرون, ولماذا ينظرون الينا هكذا؟
ولأكتشف أن في حياتهم انجازات عظيمة , وأخطاء فظيعة, وأتذكر المثل الذي يقول: من كان بيته من زجاج,
فلا يرمي الناس بالحجارة....
*******************************
وحين أقرأ تاريخ أي دولة, أقرأه من مواطنيها الذين يحبونها ويعيشون فيها...
لا من حفنة معارضين منافقين يقلبون الحقائق, ويسردون تاريخ بلادهم بطريقة ترضي أعداءهم...
أتساءل ماذا يعرف المواطن الأمريكي عن ايران مثلا غير الكتب التي يكتبها المعارضون الفارون من هناك؟
وهل هم حقا المصدر الوحيد للحقيقة, عن تلك البلاد وشعبها؟
طبعا المعارض الذي يعيش في أميركا سيكتب ما يرضي حكومة أميركا لأنها أعطته حق اللجوء...فمن أين ستأتي
المصداقية؟
والسوق الأمريكي يمتلأ بالكتب التي تتكلم ضد العرب والأسلام , وقبلها كانت تمتليء بالكتب التي ضد
الشيوعية
وطبعا , لكل مرحلة عدو جديد.. وطبول مدوية تدق وتثير البغضاء ضده , حتى يتم تبرير الحروب والغزو.....
أما هنا فنبدو أكثر موضوعية وانصافا من الغرب...
أسواقنا تمتليء بالكتب التي مع الغرب أو ضد الغرب...القاريء يختار, يقرأ ويفهم, ويفسر...لا أحد يجبره
على نظرة أحادية الجانب , ناقصة.
أما في الغرب, وفي أميركا خاصة, فأظن الكتب ووسائل الإعلام هناك , كلها تكاد تجمع على دفع المواطن
ليتبنى نظرة واحدة ضدنا....نظرة سلبية وقبيحة في معظم الأحيان...
أين الحرية و الديمقراطية؟
******************************
هل يريد ذلك الغاضب أن أكتب عن جندي أمريكي أنقذ طفلا عراقيا من الموت أو الغرق؟
نعم...هناك يحبون جدا سماع أخبار كهذه, لتريح ضمائرهم المتعبة من الذنوب التي يقترفونها كل يوم ضد
العراقيين.
يريدون أن نخترع قصصا تقول: أن هذه حرب إنسانية نبيلة من أجل إنقاذ العراقيين.
وأنا أعتذر, لا أقدر أن أشارك بصنع مهزلة من هذا النوع..
ذلك الأمريكي يقول حتى حرب فيتنام, ربما كانت عادلة, لأنه يعرف فيتناميا يقول أن الحكومة الشيوعية
كانت تسرق أموال الشعب...
حسنا, سأصدق, لكن ما تقول لضميرك حين يسألك عما فعلته حكومتك وجيشك هناك, حين قصفوا المدن والقرى,
وأحرقوها على سكانها من نساء وأطفال ورجال....وحين القوا عليهم قنابل النابالم التي تحرق جلودهم بمجرد
ملامسة الهواء لها....وأي عقل شرير ابتكر تلك الأسلحة الفتاكة؟
هل فعلتم ذلك لتخلصوهم من حكومة فاسدة تسرق أموال الشعب؟
يا لها من طريقة حكيمة لحل مشاكل المظلومين.
ها نحن نراها بعيننا في العراق...شعب يرفض الإحتلال, وجيش إحتلال يريد أن يفرض نفسه بالقوة بالطائرات
والدبابات,وربما هي ذاتها التي استخدمت في حروب ظالمة سابقة, وربما ما زالت ملطخة بدماء أبرياء من
شعوب أخرى......في حروب سابقة لا تعد ولا تحصى...
ويريد أن نصدق أنه جاء من أجل حريتنا....
وفي الحقيقة, أننا فقدنا تلك الحرية منذ دخلت قواتهم حدودنا....
خرجنا من حفرة, ووقعنا في بئر عميق.
خرجنا من ظلم صدام حسين, ووقعنا في ظلم أمبراطورية أستعمارية قاسية, فأين هي السعادة؟؟
أين هو الشعور بالراحة والأمان والسلام؟
هل ثمة دولة محتلة , طوال عصور التاريخ, كان شعبها سعيدا مرتاحا؟
يريد بعض الأمريكان خداع انفسهم , ليريحوا ضمائرهم, بأن كل شيء على ما يرام....واصبروا ايها العراقيون
وسترون حسن نوايانا, وحسن أفعالنا.
نحن ننتظر....ونبتسم يمرارة, وليتنا نصدق ما تقولون...وليتكم تعلمون أنكم تخدعون انفسكم , بهذا الامل
المستحيل....
وليتكم تصدقون أن المستعمر لا يمكن أن يكون صديقا....لا يمكن.
المهاجرون الأوائل الى أميركا كانوا من بريطانيا, لكنهم بمرور الوقت , ثاروا عليها, وقالوا انها دولة
استعمارية تطمع بخيرات بلادهم وتتحكم بها, وتحرمهم من الشعور بالحرية والإستقلال..
هل كانوا جاحدين؟
كانت بريطانيا أمهم وأبوهم...لكن الحرية أغلى من كل شيء..
فلماذا تلومون الشعوب التي ترفضكم, وتصفونها بأنها جاحدة, وناكرة للجميل؟؟
انما هو الإنسان, خلقه الله, يحب الحرية, في كل زمان ومكان...وليس فقط الأمريكي, يحب الحرية.
نتحمل ظلم الحكومات الوطنية لأنها ليست أجنبية..
لكن من يستطيع إرغامنا على تحمل ظلم الأجنبي المحتل؟؟؟
*****************************
قال لي ماجد إبني بالأمس : تسقط الحكومات, تعيش الشعوب....
ابتسمت, ثم ضحكت...
انه شعار مدهش, ومعبر عما يحدث في العالم من فوضى...
ثمة فئة طامعة شريرة, تؤيدها الحكومات, وتتحكم بمصير العالم...وتشن الحروب, وتفتعل الأحقاد , وتسبب
التفرقة.
وثمة شعوب تحب السلام...لا أظن أن ثمة شعب على الكرة الأرضية, لا يحب السلام.
لكنها الحكومات......
حين تفتح الشعوب عيونها من الغفلة, وترفض آذانها تصديق الأكاذيب التي تبثها الحكومات الشريرة, ستتوحد
إرادة الشعوب, وتنجح في صناعة السلام....
وليس أجمل من هذه القصيدة التي وجدتها لكاتب أمريكي, وجعل منها أغنية شعبية مشهورة , وقت الحرب
العالمية الأولى...لكني كأني أراها قصيدة لكل الحروب....
ألفرد بريان( 1915)
عنوانها: لم( أربي) إبني ليصبح جنديا...
عشرة ملايين جندي الى الحرب ذهبوا,
وقد لا يعودون ثانية.
عشرة ملايين قلب أم لابد أن تتحطم
من أجل أبناء ماتوا بلا جدوى
وقد سمعت أما ناكسة الرأس حزنا
في سنين وحدتها,
وهي تتمتم من خلال دموعها:
لم أرب إبني ليكون جنديا,
بل ربيته ليكون مصدر اعتزازي وبهجتي,
من ذا الذي يتجرأ ليضع بندقية على كتفه,
ليقتل ابن أم أخرى حبيب لها؟
*******************************************
بعد قراءتي لكتب التاريخ...أصابتني كآبة, وأحسست أن إجازتي قد أفسدت وأصبحت مبعث حزن, لا سعادة.
وقلت لأولادي المثل يقول : الجهل سعادة...
وأنا كنت أجهل هذا التاريخ المشين والمؤلم...كانت معلوماتي لا تتعدى عشرة بالمئة مما قرأت, والآن ’ الصورة صارت واضحة, ومليئة بالفاصيل.
كيف سأصدق رجلا قضى حياته في ظلم الآخرين ,والإستعلاء عليهم, وتزييف الحقائق,
ووضع مبررات غير صحيحة لكل أفعاله الشريرة, كيف أصدق أنه جاء لينقذنا ويقيم العدالة والحرية؟
تاريخه مليء بالظلم وبعيد عن العدالة...
تاريخه مليء بإضطهاد الضعفاء وبعيد عن الحرية...
ذلك الرجل هو حكومات أميركا في الماضي والحاضر , وتصرفاتها مع شعوب الأرض...
أما مع شعبها. فهو قد قضى حياته بدوامات الحرية الشخصية, وحرية الإحتكار وتكديس الثروات بيد أقلية تتحكم بمصير الأغلبية..
والأغلبية تركض لتأمين قوت يومها والكفاح ضد الضرائب العالية, وضد البطالة, وضد جشع الشركات الكبرى التي تسيطر على السوق واليد العاملة والرواتب .
وكأنني أرى أن المستفيد الأكبر من الحرية الفردية في النظام الرأسمالي هو الذي يملك حق الإستثمار والإحتكار , فتتكدس الأموال عنده , هذه هي الحرية الحقيقية الوحيدة هناك, حيث يتحكم صاحبها بالناس والحكومة , والإقتصاد هو أداة الضغط على أية حكومة, والذي يملك المال يملك السلطة على كل شيء..
الإنتخابات والمرشحين كلها أوراق بيد أصحاب الثروة والمال...
أما الحريات الأخرى فهي محض تفاهة...لا تغني ولا تسمن من جوع.
حرية العلاقات الشخصية اللاشرعية, وحرية التدين أو الإلحاد, وحرية إنجاب الأولاد الشرعيين أو اللاشرعيين, وحرية الإجهاض, وحرية الشاذين...
كلها خدع لإشغال الناس عما يحدث من حولهم يوميا...
**********************************
لكن ثمة نسبة من الشعب الأمريكي , ربما ستقدر أن تحافظ على عيونها مفتوحة
وعقولها نظيفة. لم تستسلم لغسيل الأدمغة اليومي...
هذه هي التي ستضغط على الحكومات لتغيير سياساتها, وإخراج قواتها من العراق, وتركه يشكل حكومات وطنية مستقلة تسعى لراحة شعوبها....
ما دامت قوات الإحتلال في العراق موجودة, ما دامت حرية إختيار الشعب مهددة
بالتزوير عبر الضغوطات من المحتل...
الهند قدمت آلاف الضحايا من شعبها حتى استقلت من بريطانيا, وساعدها ضغوطات الشعب البريطاني على حكومته..
وفيتنام قدمت آلاف الضحايا حتى خرج الجيش الأمريكي منها وبمساعدة ضغوط الشعب الأمريكي على حكومته..
والعراق سيظل يقدم الضحايا لسنين طويلة قادمة, حتى تخرج قوات الإحتلال من أرضه, وربما بمساعدة ضغوط من الشعب الأمريكي علىحكومته..
*******************************
الحرية لشعوب الأرض جميعها حق مقدس...
عاش العراق حرا مستقلا....
عاش العراق حرا مستقلا...
عاش العراق حرا مستقلا...
***********************
صباح الخير
... ما زلنا في عمان , سنعود لبغداد بعد أسبوع إن شاء الله
مشتاقة لبيتنا وحديقتنا والمولدة , والقطة التي تعرفنا عليها قبل سفرنا
أتمنى أن نجدها في الحديقة
ولم تهرب.
ومشتاقة للأقارب والجيران والصديقات وزملاء العمل, ولشوارع بغداد المزدحمة,ووجوه الناس المتعبة,
والمحلات التجارية القديمة , ونخلات بغداد الشامخات, ونهر دجلة الخالد....
هنا في عمان, تقريبا مساء كل يوم , نسمع أصوات انفجارات ترعبنا ونظن أنها مدفعية أو اشتباكات, كما في بغداد...ثم نكتشف انها ألعاب نارية للإحتفال بمناسبة مفرحة.
ونضحك على انفسنا, ونتمنى أن تختفي أصوات الإنفجارات في بغداد وغيرها من المدن العراقية....
حتى الألعاب نارية, لن نرغب بسماعها هناك....حيث الجميع مشتاق للتمتع بالهدوء.....هدوء.
ما أحلى الدنيا مع الهدوء.....
**********************
وصلتني رسائل كثيرة من أصدقاء قدامى وقراء جدد, بتعليقات مختلفة, أشكرهم جميعا, سواء اتفقت معهم أو
اختلفت, لا يهم, المهم أن نتعلم المشاركة , في التفكير أو الحوار, فربما هي الطريق الأفضل والأجمل,
بين البشر...صانعي الحضارات, بدلا من حروب وأحقاد وحماقات....لا بد من كسر هذا الجليد, وهذه الحواجز,
بالحوار....
هكذا أظن هو الطريق المريح.....وهو لا يخلو من متاعب , لكنه طريق مسالم لا عنف فيه...وكلنا نبغض
العنف, لانه طريق همجي للحوار, لا يليق بالبشر....
************************
عندما كتبت عن تاريخ أميركا, لم أخترعه من نفسي, ولم أضع زيادة عليه, وربما نسيت بعض البنود, لكني لم
أقصد التشويه أو الإفتراء....المصادر سأكتبها في نهاية المقال, وهي لكتاب أمريكان يحبون بلادهم,
ويحترمون تاريخها, ويجدونه تاريخا مشرفا, لأنه تاريخ( دولتهم ) ......
أما أنا فحين قرأته ونظرت اليه, فمن زاوية أخرى وعين أخرى....
رأيته بعين الشعوب المقهورة التي تم التدخل في شؤون بلادها, والعراق واحد منها...
رأيت ذلك التاريخ بعيون شعوب مثل المكسيك, وكوبا والسلفادور وتشيلي, وفيتنام وكوريا وكمبوديا,
وافغانستان, وغيرها من شعوب تدخلت أميركا في شؤون حياتها بطريقة أو بأخرى, بسبب أو غيره, لتفرض نفسها
كشرطي يعطي الأوامر....وعلى الآخرين, الطاعة والتنفيذ...
هل ثمة حق وعدالة ؟
ومن أعطاها ذلك الحق؟
يوجد ثمة أمريكي غاضب يسألني : كيف تقرأين تاريخنا وتفسرينه على طريقتك, وتحكمين علينا؟
وأنا أغرق في الضحك...
أنظر من يتكلم؟
من الذي يلعب هذه اللعبة ضد الآخر, ويعذبه بها؟
أنا, العراقية, التي تعاني من جيوش إحتلال غريبة تملأ شوارع مدينتي وتعيث فسادا ضد الأرض والشعب؟
أم انتم الذين تشوهون تاريخنا وحاضرنا وتتكلمون بلساننا, وتتصرفون كأننا قاصرون, وكأنكم مسؤولون عن
صياغة حاضرنا ومستقبلنا , وكأنكم أصحاب الحضارة, وكأننا أصحاب المغارات والوحوش....
من الذي يريد بالقوة أن نطيعه ونتقبله؟
من الذي يلغي ماضينا ويريد أن يعلمنا الف باء الكلام والفعل والحياة؟
لسنا نحن الذين نقترف هذه الآثام......بل الذي يريد أن يحتل ويستعمر....ويضع أغطية جميلة ملونة ...
لتبرير أفعاله القبيحة.
***************************
والأمريكي الغاضب يقول انه لن يقرأ كتاباتي بعد الآن ان بقيت أكتب هكذا...
كنت أظن أن سعة الأفق صفة الغربيين, والعقول الضيقة من صفاتنا ...لكني أكتشف أشياء جديدة مع الأيام...
ولماذا لا تكتبي عن تاريخ دول استعمارية أخرى؟
يعود فيسأل, وأنا أقول انني كتبت عن تاريخنا مع الإستعمار البريطاني...
والآن , أميركا تحتل بلادي, فلماذا أهتم بتاريخ فرنسا أو المانيا مثلا...
أريد أن أقرا تاريخ أميركا لأفهم كيف يفكرون, ولماذا ينظرون الينا هكذا؟
ولأكتشف أن في حياتهم انجازات عظيمة , وأخطاء فظيعة, وأتذكر المثل الذي يقول: من كان بيته من زجاج,
فلا يرمي الناس بالحجارة....
*******************************
وحين أقرأ تاريخ أي دولة, أقرأه من مواطنيها الذين يحبونها ويعيشون فيها...
لا من حفنة معارضين منافقين يقلبون الحقائق, ويسردون تاريخ بلادهم بطريقة ترضي أعداءهم...
أتساءل ماذا يعرف المواطن الأمريكي عن ايران مثلا غير الكتب التي يكتبها المعارضون الفارون من هناك؟
وهل هم حقا المصدر الوحيد للحقيقة, عن تلك البلاد وشعبها؟
طبعا المعارض الذي يعيش في أميركا سيكتب ما يرضي حكومة أميركا لأنها أعطته حق اللجوء...فمن أين ستأتي
المصداقية؟
والسوق الأمريكي يمتلأ بالكتب التي تتكلم ضد العرب والأسلام , وقبلها كانت تمتليء بالكتب التي ضد
الشيوعية
وطبعا , لكل مرحلة عدو جديد.. وطبول مدوية تدق وتثير البغضاء ضده , حتى يتم تبرير الحروب والغزو.....
أما هنا فنبدو أكثر موضوعية وانصافا من الغرب...
أسواقنا تمتليء بالكتب التي مع الغرب أو ضد الغرب...القاريء يختار, يقرأ ويفهم, ويفسر...لا أحد يجبره
على نظرة أحادية الجانب , ناقصة.
أما في الغرب, وفي أميركا خاصة, فأظن الكتب ووسائل الإعلام هناك , كلها تكاد تجمع على دفع المواطن
ليتبنى نظرة واحدة ضدنا....نظرة سلبية وقبيحة في معظم الأحيان...
أين الحرية و الديمقراطية؟
******************************
هل يريد ذلك الغاضب أن أكتب عن جندي أمريكي أنقذ طفلا عراقيا من الموت أو الغرق؟
نعم...هناك يحبون جدا سماع أخبار كهذه, لتريح ضمائرهم المتعبة من الذنوب التي يقترفونها كل يوم ضد
العراقيين.
يريدون أن نخترع قصصا تقول: أن هذه حرب إنسانية نبيلة من أجل إنقاذ العراقيين.
وأنا أعتذر, لا أقدر أن أشارك بصنع مهزلة من هذا النوع..
ذلك الأمريكي يقول حتى حرب فيتنام, ربما كانت عادلة, لأنه يعرف فيتناميا يقول أن الحكومة الشيوعية
كانت تسرق أموال الشعب...
حسنا, سأصدق, لكن ما تقول لضميرك حين يسألك عما فعلته حكومتك وجيشك هناك, حين قصفوا المدن والقرى,
وأحرقوها على سكانها من نساء وأطفال ورجال....وحين القوا عليهم قنابل النابالم التي تحرق جلودهم بمجرد
ملامسة الهواء لها....وأي عقل شرير ابتكر تلك الأسلحة الفتاكة؟
هل فعلتم ذلك لتخلصوهم من حكومة فاسدة تسرق أموال الشعب؟
يا لها من طريقة حكيمة لحل مشاكل المظلومين.
ها نحن نراها بعيننا في العراق...شعب يرفض الإحتلال, وجيش إحتلال يريد أن يفرض نفسه بالقوة بالطائرات
والدبابات,وربما هي ذاتها التي استخدمت في حروب ظالمة سابقة, وربما ما زالت ملطخة بدماء أبرياء من
شعوب أخرى......في حروب سابقة لا تعد ولا تحصى...
ويريد أن نصدق أنه جاء من أجل حريتنا....
وفي الحقيقة, أننا فقدنا تلك الحرية منذ دخلت قواتهم حدودنا....
خرجنا من حفرة, ووقعنا في بئر عميق.
خرجنا من ظلم صدام حسين, ووقعنا في ظلم أمبراطورية أستعمارية قاسية, فأين هي السعادة؟؟
أين هو الشعور بالراحة والأمان والسلام؟
هل ثمة دولة محتلة , طوال عصور التاريخ, كان شعبها سعيدا مرتاحا؟
يريد بعض الأمريكان خداع انفسهم , ليريحوا ضمائرهم, بأن كل شيء على ما يرام....واصبروا ايها العراقيون
وسترون حسن نوايانا, وحسن أفعالنا.
نحن ننتظر....ونبتسم يمرارة, وليتنا نصدق ما تقولون...وليتكم تعلمون أنكم تخدعون انفسكم , بهذا الامل
المستحيل....
وليتكم تصدقون أن المستعمر لا يمكن أن يكون صديقا....لا يمكن.
المهاجرون الأوائل الى أميركا كانوا من بريطانيا, لكنهم بمرور الوقت , ثاروا عليها, وقالوا انها دولة
استعمارية تطمع بخيرات بلادهم وتتحكم بها, وتحرمهم من الشعور بالحرية والإستقلال..
هل كانوا جاحدين؟
كانت بريطانيا أمهم وأبوهم...لكن الحرية أغلى من كل شيء..
فلماذا تلومون الشعوب التي ترفضكم, وتصفونها بأنها جاحدة, وناكرة للجميل؟؟
انما هو الإنسان, خلقه الله, يحب الحرية, في كل زمان ومكان...وليس فقط الأمريكي, يحب الحرية.
نتحمل ظلم الحكومات الوطنية لأنها ليست أجنبية..
لكن من يستطيع إرغامنا على تحمل ظلم الأجنبي المحتل؟؟؟
*****************************
قال لي ماجد إبني بالأمس : تسقط الحكومات, تعيش الشعوب....
ابتسمت, ثم ضحكت...
انه شعار مدهش, ومعبر عما يحدث في العالم من فوضى...
ثمة فئة طامعة شريرة, تؤيدها الحكومات, وتتحكم بمصير العالم...وتشن الحروب, وتفتعل الأحقاد , وتسبب
التفرقة.
وثمة شعوب تحب السلام...لا أظن أن ثمة شعب على الكرة الأرضية, لا يحب السلام.
لكنها الحكومات......
حين تفتح الشعوب عيونها من الغفلة, وترفض آذانها تصديق الأكاذيب التي تبثها الحكومات الشريرة, ستتوحد
إرادة الشعوب, وتنجح في صناعة السلام....
وليس أجمل من هذه القصيدة التي وجدتها لكاتب أمريكي, وجعل منها أغنية شعبية مشهورة , وقت الحرب
العالمية الأولى...لكني كأني أراها قصيدة لكل الحروب....
ألفرد بريان( 1915)
عنوانها: لم( أربي) إبني ليصبح جنديا...
عشرة ملايين جندي الى الحرب ذهبوا,
وقد لا يعودون ثانية.
عشرة ملايين قلب أم لابد أن تتحطم
من أجل أبناء ماتوا بلا جدوى
وقد سمعت أما ناكسة الرأس حزنا
في سنين وحدتها,
وهي تتمتم من خلال دموعها:
لم أرب إبني ليكون جنديا,
بل ربيته ليكون مصدر اعتزازي وبهجتي,
من ذا الذي يتجرأ ليضع بندقية على كتفه,
ليقتل ابن أم أخرى حبيب لها؟
*******************************************
بعد قراءتي لكتب التاريخ...أصابتني كآبة, وأحسست أن إجازتي قد أفسدت وأصبحت مبعث حزن, لا سعادة.
وقلت لأولادي المثل يقول : الجهل سعادة...
وأنا كنت أجهل هذا التاريخ المشين والمؤلم...كانت معلوماتي لا تتعدى عشرة بالمئة مما قرأت, والآن ’ الصورة صارت واضحة, ومليئة بالفاصيل.
كيف سأصدق رجلا قضى حياته في ظلم الآخرين ,والإستعلاء عليهم, وتزييف الحقائق,
ووضع مبررات غير صحيحة لكل أفعاله الشريرة, كيف أصدق أنه جاء لينقذنا ويقيم العدالة والحرية؟
تاريخه مليء بالظلم وبعيد عن العدالة...
تاريخه مليء بإضطهاد الضعفاء وبعيد عن الحرية...
ذلك الرجل هو حكومات أميركا في الماضي والحاضر , وتصرفاتها مع شعوب الأرض...
أما مع شعبها. فهو قد قضى حياته بدوامات الحرية الشخصية, وحرية الإحتكار وتكديس الثروات بيد أقلية تتحكم بمصير الأغلبية..
والأغلبية تركض لتأمين قوت يومها والكفاح ضد الضرائب العالية, وضد البطالة, وضد جشع الشركات الكبرى التي تسيطر على السوق واليد العاملة والرواتب .
وكأنني أرى أن المستفيد الأكبر من الحرية الفردية في النظام الرأسمالي هو الذي يملك حق الإستثمار والإحتكار , فتتكدس الأموال عنده , هذه هي الحرية الحقيقية الوحيدة هناك, حيث يتحكم صاحبها بالناس والحكومة , والإقتصاد هو أداة الضغط على أية حكومة, والذي يملك المال يملك السلطة على كل شيء..
الإنتخابات والمرشحين كلها أوراق بيد أصحاب الثروة والمال...
أما الحريات الأخرى فهي محض تفاهة...لا تغني ولا تسمن من جوع.
حرية العلاقات الشخصية اللاشرعية, وحرية التدين أو الإلحاد, وحرية إنجاب الأولاد الشرعيين أو اللاشرعيين, وحرية الإجهاض, وحرية الشاذين...
كلها خدع لإشغال الناس عما يحدث من حولهم يوميا...
**********************************
لكن ثمة نسبة من الشعب الأمريكي , ربما ستقدر أن تحافظ على عيونها مفتوحة
وعقولها نظيفة. لم تستسلم لغسيل الأدمغة اليومي...
هذه هي التي ستضغط على الحكومات لتغيير سياساتها, وإخراج قواتها من العراق, وتركه يشكل حكومات وطنية مستقلة تسعى لراحة شعوبها....
ما دامت قوات الإحتلال في العراق موجودة, ما دامت حرية إختيار الشعب مهددة
بالتزوير عبر الضغوطات من المحتل...
الهند قدمت آلاف الضحايا من شعبها حتى استقلت من بريطانيا, وساعدها ضغوطات الشعب البريطاني على حكومته..
وفيتنام قدمت آلاف الضحايا حتى خرج الجيش الأمريكي منها وبمساعدة ضغوط الشعب الأمريكي على حكومته..
والعراق سيظل يقدم الضحايا لسنين طويلة قادمة, حتى تخرج قوات الإحتلال من أرضه, وربما بمساعدة ضغوط من الشعب الأمريكي علىحكومته..
*******************************
الحرية لشعوب الأرض جميعها حق مقدس...
عاش العراق حرا مستقلا....
عاش العراق حرا مستقلا...
عاش العراق حرا مستقلا...
***********************