Wednesday, April 28, 2004
الأربعاء 28/4
صباح الخير....
كان يوم أمس يوما شاقا حزينا...
بقيت طوال النهار محبطة ودموعي تنزل...وأعود فأخجل من الناس أن يروها..
فأمسحها واتظاهر بأنني على ما يرام...
في المساء اتصلت صديقتي من مشيغان .. وتكلمنا لأول مرة على التلفون...كانت مشاعرنا تختلط بالفرح
لسماع صوت بعضنا...وبين الحزن على ما يحدث في العراق....
في نهاية المكالمة...قلت لها : هذه من سخرية القدر...أن تكون أحزاننا من أميركا...
والذين نحبهم ويحبوننا من أميركا نفسها...ضحكنا...واتفقنا أن نرسل الى بوش رسالة شكر
لأنه كان السبب في تعارفنا...هذا هو الوجه المشرق لهذه الحرب القبيحة...
أن جمعت قلوبا تؤمن بنفس المباديء من الحب والسلام ...وتريد أن تدافع عنها لتبقى صلة
الوصل القوية بين البشر..أينما كانوا....
وكنت في صباح أمس استلمت رسالة رقيقة من صديقة أخرى في بوستن, جعلتني أبكي..
ووضعت جزءا منها على الموقع...
وأكاد لا أصدق...كنت أظن أن الناس هناك قد ماتت قلوبهم...لكنهم أدهشوني
*****
وعدت في هذا الصباح لأفتح البريد , فوجدته يمتليء بالرسائل الحنونة الرقيقة...
من مختلف دول العالم...
وشكرت الله....وازداد ايماني به...وايماني بمبدا يقول كلنا أولاد الرب..
هكذا تظل صديقتي التي في بوستن تقول دائما...وابتسم وأهز رأسي موافقة..
وأتذكر قول رسولنا الكريم محمد ص ( الخلق عيال الله , احبهم اليه ,أكثرهم رحمة بعياله)
******
وفي المساء عدت فسألت نفسي عن سبب ذلك الحزن الذي سيطر علي طوال النهار..
فتذكرت انني ذهبت مساء أول أمس لمقابلة الجيران الذين جاءوا هربا من القتال في الفلوجة..
حيث فكرت أن التقي بهم ..وأسمع ما يتحدثون عنه...ثم أكتبه هنا...
واكتشفت أن مهنة الصحافة تحتاج قلبا قاسيا بعض الشيء , ليتحمل سماع المصائب,
ثم يبتسم ويكتبها بطريقة هادئة ...إن كان يريد توصيل الخبر بصدق.
وإن كان يريد أن يكذب...فلا أحد يدري..الا بمرور وقت طويل ربما .
وتذكرت انني لهذا رفضت أن أدرس الطب...واخترت الهندسة..لأنها لا تتعلق بالمشاعر
بينما مهنة الطب فيها آلام كثيرة...ولا أريد أن أتعود على معايشة الآلام...فأفقد الإحساس بها بمرور الوقت
ويموت قلبي....كما يحدث مع معظم الذين يعملون في هذه المهن...والقلة القليلة التي تحافظ على مشاعرها
تظل في صراع وعذاب يومي.....لتحافظ على انسانيتها دون أن تلغيها قسوة الحياة اليومية .
*******
سؤال وجهه لي سيزار في المقابلة مع يو اس توداي..
لماذا توجد مواقع كتابة لعراقيين تؤيد اميركا واسرائيل...
ضحكت وقلت ربما مسألة العمر والتجربة الصغيرة في الحياة, تجعل الشباب يخطيء في معرفة الصديق
من العدو...وربما لأنهم لم يروا في حياتهم نموذجا سوى صدام, فأي أحد غيره سيكون موضع الرضا...
لكني بالأمس رأيت شخصا أذهلتني صراحته...
قال: كنت أعمل ضابطا في المخابرات في القصر...في الدائرة الهندسية, وكنا نغير زجاج شبابيك السيارات
من عادي الى مضاد للرصاص....ومر قصي ومرافقه....وتوقف, وقال : لماذا تأخرتم بإنجاز العمل ؟؟
فأجابه شاب مهندس..ألا تريد أن يكون العمل متقنا ؟؟
فحدق فيه قصي, ولم يرد...
وبعد ذلك اختفى المهندس...سمعنا بعدها انه في الشعبة الخامسة, ضربوه وعذبوه لأنه تجرأ وأجاب قصي..
والآن آخذك الى بيته لتريه...عنده فصام بالشخصية , ومحطم....
بعد هذه الحادثة يا ام رائد...أقسم بالله, تمنيت أن يأتي الأمريكي أو الإسرائيلي ليطلب مني أن أصبح جاسوسا
ضد العراق...كنت سأفعل من كثرة الحقد الذي في داخلي....
نعم...هكذا يفكر بعض الناس في رد الفعل...
مثل رجل تخونه إمرأة ما فيحقد على كل النساء ويتمنى قتلهن...
هذه ردود فعل غير ناضجة...
والحمد لله أن الغالبية لا تفكر بهذه الطريقة...
كان جوابي على تلك القصة, اننا خلعنا ثوبا رديئا...ولبسنا ما هو رديء أيضا .
كلاهما غير مناسب .
كلاهما سبب الأذى للعراقيين
**********
أعود لأهل الفلوجة, والقصص التي سمعتها منهم...
ماذا ستغير من واقع الحال إن سمعتموها أو لا ؟؟؟
لا أدري...
لكني فقط من باب الأمانة , سأنقل الصورة, عساها تأتي بمعلومة جديدة مفيدة لمن لم يسمع..
العوائل كثيرة في ذلك البيت, وكلهم أقارب....ابناء وبنات الخالات والأعمام...وأطفالهن..
اثنان منهن تركن أزواجهن هناك , التعليمات لا تسمح بخروج الرجال...
وخرجن مع أطفالهن مشيا على الأقدام منذ الساعة التاسعة صباحا....ووصلن بيت الأقارب في الثالثة
ظهرا...الى بغداد
الغبار كان يغطيهم والأطفال يبكون ويصرخون..والنساء تتسع عيونهن من الرعب..وتتكسر الكلمات في حناجرهن ...
لا ندري هل سنعود الى بيوتنا, وهل سنجد أزواجنا على قيد الحياة ؟؟
نحس بالخجل من وجودنا ضيوفا في بيوت الآخرين...لم نخرج معنا دينارا واحدا من شدة الخوف والرعب..
خرجنا بملابسنا التي علينا...كل يوم نغسل ملابس الأطفال ويلبسوها ذاتها..نتمنى لو نعود أو نجد من يرسل لنا
حاجياتنا اليومية من بيوتنا...
كل يوم أخبار متناقضة عن عودة العوائل...ولا أحد يجرؤ على العودة...القتال يتوقف ويعود...
بعض العوائل هنا لا أقارب لها, أسكنوهم في الخيام, والأهالي تجمع لهم تبرعات للطعام والدواء..
*****
وواحدة منهن, كانت شابة تلبس السواد...
أرملة توفى زوجها قبل ست سنوات..عندها سبعة أطفال, تتراوح أعمارهم بين السابعة والسابعة عشرة
تعيش معهم في عمارة سكنية على أطراف الفلوجة, لموظفي وزارة الري, حيث كان يعمل زوجها ,
وتعيش مع أطفالها على الراتب التقاعدي لوالدهم...
قالت خرجنا بعد اشتداد القتال بعدة أيام...جاء أخوة زوجي ونقلونا بسيارتهم الى قرى حول الفلوجة
تسمى منطقة زوبع...بقينا اسبوعا هناك , ثم جئنا هنا الى بغداد...
في اليوم الأول لدخول قوات التحالف الى المدينة..أعلنوا في مكبرات الصوت عن اغلاق المدارس
والمحلات التجارية..
وممنوع التجول نهائيا منذ السابعة مساء..
في اليوم الثاني بدأ القصف الشامل على المنطقة...
لم نخرج من البيت ...ولا ندري ما الذي يحدث في الشارع ...الأطفال يجتمعون حولي ويرتجفون
ويضعون ايديهم على آذانهم حتى لا يسمعوا صوت الطائرات والصواريخ التي تسقط...
لا نجرؤ على مغادرة الغرفة للمطبخ لجلب خبز أو طعام.. قطعوا الماء والكهرباء عنا ..
القصف كان رهيبا...ليل نهار
تكسرت النوافذ وامتلا البيت بالدخان...لا ندري من أين جاء الدخان...
الأطفال يبكون ويصرخون وأنا أبكي معهم...وكلنا نرتجف...قلت في نفسي هذا يوم القيامة...
لقد انتهى العالم..
كنا نشاهد القوات الأمريكية تحفر الخنادق قريبا من بيتنا...ونحن في شقة في الطابق الثالث...
ثم في الساعة الثانية عشرة بالضبط يأتيهم الغداء...ونحن نتفرج عليهم..وفي المغرب ياتيهم العشاء
ليس في الثلاجة ما أطعم به الصغار...خبز يابس..وماء
كنت اشتري حاجاتي من السوق يوما بيوم...ليس عندي شيئا مخزونا...
ومن الخوف لا أقدر أن أعجن أو أخبز لهم من بقايا الطحين...
كانت اياما رهيبة...كنت أقرا الآيات من القرآن وأقول سنموت أنا وأولادي هنا ..ولا يعلم بنا أحد...
ثم طرق الباب بعد عدة أيام....جاء أقارب زوجي وقالوا اخرجوا بسرعة...معنا سيارة .
ونزلنا الأدراج مسرعين بلا تفكير...لم نأخذ معنا لا هويات ولا ملابس....فقط بالملابس التي علينا..
وواحدة من بناتي الصغيرات , ندى , نزلت تركض حافية القدمين....نسيت ان تضع شيئا في رجلها..
ورأينا الجثث في الشارع يا أم رائد...منظر لا تنسيه طوال حياتك...
لا لم تكن جثثا, كانت ايدي وأرجل مقطعة ....تملا الشارع....أشلاء مقطعة ولحم بشري متناثر...
ويلتصق بعضه بجدران البيوت...اللحم متطاير ويلتصق على جدران البيوت...
يوم القيامة...بقيت أقول لنفسي طوال الطريق...
كان ثمة قصف حولنا وصواريخ طائشة تضرب الطريق...والناس يتراكضون ويقفزون الى داخل الشاحنات
رجال ونساء...يهربون من الجحيم.. كأن كل واحد منهم يلوذ بروحه دون التفكير بغيره....
رائحة الموت تفوح في كل مكان...
لا أصدق اننا ما زلنا أحياء....
الحمد لله...أطفالي بخير...هذا يكفي..
البيت احتله الجيش الأمريكي , واحتل سطح العمارة لأنها عالية...
وذهب أولادي بعد أسبوع لجلب الهويات والملابس, لكن الجيران أرجعوهم...
قالوا ان القوات الأمريكية تحتل البناية وكسروا الأقفال ودخلوا...
لا تقتربوا , سوف يطلقون عليكم النار...
*******
وهل رأيتم مجاهدين؟؟؟
سألتها...
ومن كان يطلق النار على القوات الأمريكية؟؟
قالت انها لا تعرف الجواب لأنها لم تغادر منزلها...ولا تعرف من يطلق النار..ربما من رجال الفلوجة
انفسهم , يدافعون عن بيوتهم ونسائهم...
كل من يخرج من باب البيت يقتل برصاصة قناص...
وسمعنا عن عجوز خرج من الباب , فقتله جندي يقف أمام البيت , فذهب ابنه الى داخل البيت,
وأخرج السلاح وقتل الجندي غضبا على قتل ابيه العجوز...ثم قام رفاق الجندي فقتلوا الشاب..
والجيران يقولون انهم دفنا جنبا الى جنب في حديقة المنزل...
تخيلت نفسي وفي بيتي...يخرج عزام, فيقتله الجندي الواقف أمام الباب....
فمن سيمنع أولادي على حمل السلاح, والرد على قاتل ابيهم ؟؟؟
انها معادلة مستحيلة....
من يعطي التعليمات؟؟
ومن ينفذ؟؟؟
ومن يناقش؟؟
القتل لغة التخاطب بين البشر؟؟؟؟
متى كان القتل هو لغة التخاطب بين البشر؟؟؟
حتى الحيوانات لا تفعل هذا مع بعضها البعض...
فما الذي حدث للإنسان...سيد الكائنات....وصانع الحضارات
هل ثمة من يملك الجواب؟؟؟؟
********
صباح الخير....
كان يوم أمس يوما شاقا حزينا...
بقيت طوال النهار محبطة ودموعي تنزل...وأعود فأخجل من الناس أن يروها..
فأمسحها واتظاهر بأنني على ما يرام...
في المساء اتصلت صديقتي من مشيغان .. وتكلمنا لأول مرة على التلفون...كانت مشاعرنا تختلط بالفرح
لسماع صوت بعضنا...وبين الحزن على ما يحدث في العراق....
في نهاية المكالمة...قلت لها : هذه من سخرية القدر...أن تكون أحزاننا من أميركا...
والذين نحبهم ويحبوننا من أميركا نفسها...ضحكنا...واتفقنا أن نرسل الى بوش رسالة شكر
لأنه كان السبب في تعارفنا...هذا هو الوجه المشرق لهذه الحرب القبيحة...
أن جمعت قلوبا تؤمن بنفس المباديء من الحب والسلام ...وتريد أن تدافع عنها لتبقى صلة
الوصل القوية بين البشر..أينما كانوا....
وكنت في صباح أمس استلمت رسالة رقيقة من صديقة أخرى في بوستن, جعلتني أبكي..
ووضعت جزءا منها على الموقع...
وأكاد لا أصدق...كنت أظن أن الناس هناك قد ماتت قلوبهم...لكنهم أدهشوني
*****
وعدت في هذا الصباح لأفتح البريد , فوجدته يمتليء بالرسائل الحنونة الرقيقة...
من مختلف دول العالم...
وشكرت الله....وازداد ايماني به...وايماني بمبدا يقول كلنا أولاد الرب..
هكذا تظل صديقتي التي في بوستن تقول دائما...وابتسم وأهز رأسي موافقة..
وأتذكر قول رسولنا الكريم محمد ص ( الخلق عيال الله , احبهم اليه ,أكثرهم رحمة بعياله)
******
وفي المساء عدت فسألت نفسي عن سبب ذلك الحزن الذي سيطر علي طوال النهار..
فتذكرت انني ذهبت مساء أول أمس لمقابلة الجيران الذين جاءوا هربا من القتال في الفلوجة..
حيث فكرت أن التقي بهم ..وأسمع ما يتحدثون عنه...ثم أكتبه هنا...
واكتشفت أن مهنة الصحافة تحتاج قلبا قاسيا بعض الشيء , ليتحمل سماع المصائب,
ثم يبتسم ويكتبها بطريقة هادئة ...إن كان يريد توصيل الخبر بصدق.
وإن كان يريد أن يكذب...فلا أحد يدري..الا بمرور وقت طويل ربما .
وتذكرت انني لهذا رفضت أن أدرس الطب...واخترت الهندسة..لأنها لا تتعلق بالمشاعر
بينما مهنة الطب فيها آلام كثيرة...ولا أريد أن أتعود على معايشة الآلام...فأفقد الإحساس بها بمرور الوقت
ويموت قلبي....كما يحدث مع معظم الذين يعملون في هذه المهن...والقلة القليلة التي تحافظ على مشاعرها
تظل في صراع وعذاب يومي.....لتحافظ على انسانيتها دون أن تلغيها قسوة الحياة اليومية .
*******
سؤال وجهه لي سيزار في المقابلة مع يو اس توداي..
لماذا توجد مواقع كتابة لعراقيين تؤيد اميركا واسرائيل...
ضحكت وقلت ربما مسألة العمر والتجربة الصغيرة في الحياة, تجعل الشباب يخطيء في معرفة الصديق
من العدو...وربما لأنهم لم يروا في حياتهم نموذجا سوى صدام, فأي أحد غيره سيكون موضع الرضا...
لكني بالأمس رأيت شخصا أذهلتني صراحته...
قال: كنت أعمل ضابطا في المخابرات في القصر...في الدائرة الهندسية, وكنا نغير زجاج شبابيك السيارات
من عادي الى مضاد للرصاص....ومر قصي ومرافقه....وتوقف, وقال : لماذا تأخرتم بإنجاز العمل ؟؟
فأجابه شاب مهندس..ألا تريد أن يكون العمل متقنا ؟؟
فحدق فيه قصي, ولم يرد...
وبعد ذلك اختفى المهندس...سمعنا بعدها انه في الشعبة الخامسة, ضربوه وعذبوه لأنه تجرأ وأجاب قصي..
والآن آخذك الى بيته لتريه...عنده فصام بالشخصية , ومحطم....
بعد هذه الحادثة يا ام رائد...أقسم بالله, تمنيت أن يأتي الأمريكي أو الإسرائيلي ليطلب مني أن أصبح جاسوسا
ضد العراق...كنت سأفعل من كثرة الحقد الذي في داخلي....
نعم...هكذا يفكر بعض الناس في رد الفعل...
مثل رجل تخونه إمرأة ما فيحقد على كل النساء ويتمنى قتلهن...
هذه ردود فعل غير ناضجة...
والحمد لله أن الغالبية لا تفكر بهذه الطريقة...
كان جوابي على تلك القصة, اننا خلعنا ثوبا رديئا...ولبسنا ما هو رديء أيضا .
كلاهما غير مناسب .
كلاهما سبب الأذى للعراقيين
**********
أعود لأهل الفلوجة, والقصص التي سمعتها منهم...
ماذا ستغير من واقع الحال إن سمعتموها أو لا ؟؟؟
لا أدري...
لكني فقط من باب الأمانة , سأنقل الصورة, عساها تأتي بمعلومة جديدة مفيدة لمن لم يسمع..
العوائل كثيرة في ذلك البيت, وكلهم أقارب....ابناء وبنات الخالات والأعمام...وأطفالهن..
اثنان منهن تركن أزواجهن هناك , التعليمات لا تسمح بخروج الرجال...
وخرجن مع أطفالهن مشيا على الأقدام منذ الساعة التاسعة صباحا....ووصلن بيت الأقارب في الثالثة
ظهرا...الى بغداد
الغبار كان يغطيهم والأطفال يبكون ويصرخون..والنساء تتسع عيونهن من الرعب..وتتكسر الكلمات في حناجرهن ...
لا ندري هل سنعود الى بيوتنا, وهل سنجد أزواجنا على قيد الحياة ؟؟
نحس بالخجل من وجودنا ضيوفا في بيوت الآخرين...لم نخرج معنا دينارا واحدا من شدة الخوف والرعب..
خرجنا بملابسنا التي علينا...كل يوم نغسل ملابس الأطفال ويلبسوها ذاتها..نتمنى لو نعود أو نجد من يرسل لنا
حاجياتنا اليومية من بيوتنا...
كل يوم أخبار متناقضة عن عودة العوائل...ولا أحد يجرؤ على العودة...القتال يتوقف ويعود...
بعض العوائل هنا لا أقارب لها, أسكنوهم في الخيام, والأهالي تجمع لهم تبرعات للطعام والدواء..
*****
وواحدة منهن, كانت شابة تلبس السواد...
أرملة توفى زوجها قبل ست سنوات..عندها سبعة أطفال, تتراوح أعمارهم بين السابعة والسابعة عشرة
تعيش معهم في عمارة سكنية على أطراف الفلوجة, لموظفي وزارة الري, حيث كان يعمل زوجها ,
وتعيش مع أطفالها على الراتب التقاعدي لوالدهم...
قالت خرجنا بعد اشتداد القتال بعدة أيام...جاء أخوة زوجي ونقلونا بسيارتهم الى قرى حول الفلوجة
تسمى منطقة زوبع...بقينا اسبوعا هناك , ثم جئنا هنا الى بغداد...
في اليوم الأول لدخول قوات التحالف الى المدينة..أعلنوا في مكبرات الصوت عن اغلاق المدارس
والمحلات التجارية..
وممنوع التجول نهائيا منذ السابعة مساء..
في اليوم الثاني بدأ القصف الشامل على المنطقة...
لم نخرج من البيت ...ولا ندري ما الذي يحدث في الشارع ...الأطفال يجتمعون حولي ويرتجفون
ويضعون ايديهم على آذانهم حتى لا يسمعوا صوت الطائرات والصواريخ التي تسقط...
لا نجرؤ على مغادرة الغرفة للمطبخ لجلب خبز أو طعام.. قطعوا الماء والكهرباء عنا ..
القصف كان رهيبا...ليل نهار
تكسرت النوافذ وامتلا البيت بالدخان...لا ندري من أين جاء الدخان...
الأطفال يبكون ويصرخون وأنا أبكي معهم...وكلنا نرتجف...قلت في نفسي هذا يوم القيامة...
لقد انتهى العالم..
كنا نشاهد القوات الأمريكية تحفر الخنادق قريبا من بيتنا...ونحن في شقة في الطابق الثالث...
ثم في الساعة الثانية عشرة بالضبط يأتيهم الغداء...ونحن نتفرج عليهم..وفي المغرب ياتيهم العشاء
ليس في الثلاجة ما أطعم به الصغار...خبز يابس..وماء
كنت اشتري حاجاتي من السوق يوما بيوم...ليس عندي شيئا مخزونا...
ومن الخوف لا أقدر أن أعجن أو أخبز لهم من بقايا الطحين...
كانت اياما رهيبة...كنت أقرا الآيات من القرآن وأقول سنموت أنا وأولادي هنا ..ولا يعلم بنا أحد...
ثم طرق الباب بعد عدة أيام....جاء أقارب زوجي وقالوا اخرجوا بسرعة...معنا سيارة .
ونزلنا الأدراج مسرعين بلا تفكير...لم نأخذ معنا لا هويات ولا ملابس....فقط بالملابس التي علينا..
وواحدة من بناتي الصغيرات , ندى , نزلت تركض حافية القدمين....نسيت ان تضع شيئا في رجلها..
ورأينا الجثث في الشارع يا أم رائد...منظر لا تنسيه طوال حياتك...
لا لم تكن جثثا, كانت ايدي وأرجل مقطعة ....تملا الشارع....أشلاء مقطعة ولحم بشري متناثر...
ويلتصق بعضه بجدران البيوت...اللحم متطاير ويلتصق على جدران البيوت...
يوم القيامة...بقيت أقول لنفسي طوال الطريق...
كان ثمة قصف حولنا وصواريخ طائشة تضرب الطريق...والناس يتراكضون ويقفزون الى داخل الشاحنات
رجال ونساء...يهربون من الجحيم.. كأن كل واحد منهم يلوذ بروحه دون التفكير بغيره....
رائحة الموت تفوح في كل مكان...
لا أصدق اننا ما زلنا أحياء....
الحمد لله...أطفالي بخير...هذا يكفي..
البيت احتله الجيش الأمريكي , واحتل سطح العمارة لأنها عالية...
وذهب أولادي بعد أسبوع لجلب الهويات والملابس, لكن الجيران أرجعوهم...
قالوا ان القوات الأمريكية تحتل البناية وكسروا الأقفال ودخلوا...
لا تقتربوا , سوف يطلقون عليكم النار...
*******
وهل رأيتم مجاهدين؟؟؟
سألتها...
ومن كان يطلق النار على القوات الأمريكية؟؟
قالت انها لا تعرف الجواب لأنها لم تغادر منزلها...ولا تعرف من يطلق النار..ربما من رجال الفلوجة
انفسهم , يدافعون عن بيوتهم ونسائهم...
كل من يخرج من باب البيت يقتل برصاصة قناص...
وسمعنا عن عجوز خرج من الباب , فقتله جندي يقف أمام البيت , فذهب ابنه الى داخل البيت,
وأخرج السلاح وقتل الجندي غضبا على قتل ابيه العجوز...ثم قام رفاق الجندي فقتلوا الشاب..
والجيران يقولون انهم دفنا جنبا الى جنب في حديقة المنزل...
تخيلت نفسي وفي بيتي...يخرج عزام, فيقتله الجندي الواقف أمام الباب....
فمن سيمنع أولادي على حمل السلاح, والرد على قاتل ابيهم ؟؟؟
انها معادلة مستحيلة....
من يعطي التعليمات؟؟
ومن ينفذ؟؟؟
ومن يناقش؟؟
القتل لغة التخاطب بين البشر؟؟؟؟
متى كان القتل هو لغة التخاطب بين البشر؟؟؟
حتى الحيوانات لا تفعل هذا مع بعضها البعض...
فما الذي حدث للإنسان...سيد الكائنات....وصانع الحضارات
هل ثمة من يملك الجواب؟؟؟؟
********