Friday, March 05, 2004
الأحد 29/2
الساعة الآن الثامنة مساء... المولدة تدور في الخارج...
وعندي صداع ونعاس ...لكني لا أقدر أن أذهب للنوم.
ثمة أمور تزعجني ...وتجعلني متوترة ,...
كان يومي مزدحما بالعمل والكلام الكثير...منظمات أجنبية جاءت تطلب أجهزة فحص مختبرية...وتجمعوا اليوم كلهم
وكأن ثمة شخص ذكرهم بي فجأة...
كنت أفتح الأجهزة لكل واحد وأشرح كيفية الإستعمال...ثم الأسعار ثم أعمل وصولات للذي يشتري, وأعود فأستقبل وفدا آخر. أبتسم وأشرح وأطلب لهم الشاي.....معظمهم يحبون الشاي العراقي .
منظمة إيطالية , ثم فرنسية , ثم ألمانية...كل مشاريعهم للأهالي ...وأنا أحترمهم جدا ,لإنهم يخاطرون بحياتهم من أجل عملهم الإنساني...وأظل سعيدة لأيام طويلة لأنهم يذكروني إن الخير لم ينقطع من البشر...فما زال من يؤمن ويعمل لصالح الناس....الناس الغرباء الذين لا علاقة بهم أبدا سوى الشعور بأنهم إخوتهم في الإنسانية....
*****
وعندما كنت أعمل الفاتورة تفاجأت إن اليوم هو 29/2 وليس 1/3 , حيث دفعت رواتب الموظفين أمس , وجلست في الصباح أعد الفلوس في الصندوق من أجل الجرد الشهري . وعندي شعور بالذنب أنني لم أجرد المبيعات للشهر ...
وأستدرت وسألت الموظفين , لماذا لم تقولوا هذه سنة كبيسة ؟
ابتسموا وقالوا ...لم نكن نعلم ...نحن مثلك ظننا الشهر انتهى أمس...
صار عندي شعور بالفرح...ثمة يوم إضافي لم أحسب حسابه...
تفقدت بسرعة بريدي الإلكتروني...وطبعت عددا من الرسائل أثناء انشغالي بالكلام ...
ولم أقدر أن أقرأ أيا منها....أحسست أنه نهار ممل ...ولن يكون فيه لحظات صغيرة أخلو لنفسي..
****
رن الهاتف...وكان صوت إحدى القريبات...مشغولة ؟ سألتني....نعم , أجبتها...سأتصل لاحقا...قالت وأغلقت الخط.
انتابني شعور غامض أن ثمة مصيبة حدثت....
بقيت مشغولة مع الزبائن ...ثم رن الموبايل...نظرت ..مكالمة من الأردن...إنه عزام ...سألته بقلق عن أخباره وأخبار أهله وعن رائد ...فقال بهدوء , كل شيء تمام ...قلت في نفسي إذن ثمة مصيبة حصلت هنا للأقارب في بغداد ...
بدأ القلق يسري في دمي....
كان ثمة زبائن جالسين حين رن الهاتف ثانية ...هي ثانية...قلت لها صوتك لا يعجبني ...توجد مشكله؟ تكلمي...
قالت ...مصيبة, وارتعش صوتها...وارتعش قلبي !
إبني...خطفوه هذا الصباح. وهو في طريقه الى الجامعة, أنزلوه من السيارة وأخذوه..واتصل من موبايله , وقال لأبيه أنا في صندوق السيارة...جماعة خطفوني...
وها نحن مجتمعون في البيت....هل ستأتين ؟
وضعت يدي على خدي ...وأطرقت ...ستبدأ رحلة العذاب والمفاوضات...كم ستدفعون ؟؟؟متى سنراه؟...
*****
كل يوم نسمع هذه القصص وأتوقعها ستحدث لي أو لأولادي...لا أحد يملك الحماية .
نخرج من بيوتنا بالرعب والقلق , ونعود معهما...
لا أدري كيف انقضى وقت الدولم...لم أكن بمزاجي ومرحي العادي..اعتذرت من الزبائن, بأنني متعبة, فلا يطيلوا الأحاديث والأسئلة. وكانوا جدا متفهمين للظرف...وخففوا عني .
نهاية الدوام أحسست ألما في معدتي ولا رغبة عندي حتى بشرب الماء.
أقاربنا هؤلاء. يملكون محلا تجاريا..وعندهم سيارات حديثة ...هذه نقطتا جذب للصوص..خصوصا إنهم يسكنون بمنطقة ليست غنية ..إذن وضعهم يلفت النظر..
إتصلت بالأولاد وقلت لهم سأتأخر...وذهبت فورا الى بيت الأقارب...أغلقت أبواب السيارة من الداخل ,وكنت متوترة طوال الطريق, أتخيل ثمة عصابة ستوقفني وتخطفني...أنا أيضا صيد ثمين...بالنسبة للصوص. فكرت مع نفسي وزاد رعبي ....
وصلت الى الساحة الخارجية لعمارتهم ..وأوقفت سيارتي..ونزلت بهدوء...
طرقت الباب...ففتحه أحد الضيوف...البيت فيه سكون غريب...يمتليء بالناس والسكون !
دخلت الغرفة الأولى فوجدت الأب وحوله أخوته وجيرانه من الرجال..
قلت السلام عليكم...ان شاء الله بردا وسلاما ...ان شاء الله يعود بالسلامة...
لا أدري ماذا يقول الناس في هكذا مواقف ؟
قال الأب شكرا ...إذهبي الى الداخل ..النساء هناك, ثم أشار بيده نحو اليمين...
توجهت الى الغرفة الأخرى حيث تجلس أمه مع جاراتها وقريباتها... كانت شاحبة الوجه, وعينيها منتفختان...ضممتها الى صدري وقلت لها إصبري وصلي الى الله عساه يعود بالسلامة...
وجلست أستمع وهي تروي القصة...
قلت له في الصباح لا تأخذ السيارة , أحتاجها اليوم ,,لكنه عاند...
خرج الى الكلية...وأبوه ذهب قبله الى العمل, لكنه عاد مبكرا ..وقال إن ابننا اتصل وقال أن جماعة مجهولة قد خطفته , وهو في صندوق السيارة..ويأخذونه الى مكان مجهول...وإنه ترك السيارة قريبة من البيت , فليذهبوا ويأخذوها...طبعا كانت السيارة من الموديل القديم...وهذا ربما جعلهم يغضون الطرف عنها..ولو كانت واحدة من الحديثات ...لكان خطفوها معه.
والآن نجلس وننتظر أن يتصلوا ...ونسمع شروطهم...
غرقت في أفكاري...لا توجد أي طريقة نموذجية لمنع حدوث هذه الأشياء...
لو خرج الولد لوحده بسيارته سيخطفوه, لو خرج مع سائق قريب أو غريب فلن يقدر أن يمنع حدوث الإختطاف...سمعنا عن حوادث كثيرة..كل قصة لها تفاصيل مختلفة..تجعلك تصل لقناعة, أنه لا توجد طريقة نموذجية , حيث تم إختطاف ناس من بين مرافقيهم الشخصيين...فلا تقل لي إنها مسألة قلة حرص أو إنتباه...
أنا صرت أقتنع إنها مسألة إرادة الله...يفعل ما يشاء...
تذكرت قصة قصيرة كتبها تولستوي, عن رجل نائم في الغابة...جاءت نحلة تحوم لتقرصه ...حامت وحامت وكأن ثمة ملاك طردها..فمضت , ثم جاء دب ..أو ما شابه لا أتذكر بالضبط ..لكنه مضى ولم يقدر أن يؤذيه ثم جاء لصوص..وأرادوا سرقة محفظته...وبطريقة ما هربوا ولم يقدروا....وحدثت عدة مصائب ....لكن ولا واحدة مسته بسوء...ثم استيقظ...وابتسم ...وتثاءب ,,وقال ..آه , ما أجمل هذا المكان وما أكثر الأمان فيه!!!
طبعا...هو لم يعلم أن ثمة ملاك حارس يبتسم ويقف الى جانبه...
وهذا الملاك هو الذي ما زلت أؤمن بوجوده.. ... وإلا ما بقيت هنا ...ولا احتملت صعوبة الحياة اليومية..
******
عدت الى البيت قبل حلول الظلام...
عدت واتصلت في وقت متأخر...كان ثمة إتصال مع الخاطفين ووسيط تكلم معهم ...وقالوا غدا صباحا نبلغكم الجواب...
كيف سيمر الليل على أمه وابيه وأخوته؟؟؟
بقيت أفكر طوال اليل..
وأنتظر الغد...
****
الساعة الآن الثامنة مساء... المولدة تدور في الخارج...
وعندي صداع ونعاس ...لكني لا أقدر أن أذهب للنوم.
ثمة أمور تزعجني ...وتجعلني متوترة ,...
كان يومي مزدحما بالعمل والكلام الكثير...منظمات أجنبية جاءت تطلب أجهزة فحص مختبرية...وتجمعوا اليوم كلهم
وكأن ثمة شخص ذكرهم بي فجأة...
كنت أفتح الأجهزة لكل واحد وأشرح كيفية الإستعمال...ثم الأسعار ثم أعمل وصولات للذي يشتري, وأعود فأستقبل وفدا آخر. أبتسم وأشرح وأطلب لهم الشاي.....معظمهم يحبون الشاي العراقي .
منظمة إيطالية , ثم فرنسية , ثم ألمانية...كل مشاريعهم للأهالي ...وأنا أحترمهم جدا ,لإنهم يخاطرون بحياتهم من أجل عملهم الإنساني...وأظل سعيدة لأيام طويلة لأنهم يذكروني إن الخير لم ينقطع من البشر...فما زال من يؤمن ويعمل لصالح الناس....الناس الغرباء الذين لا علاقة بهم أبدا سوى الشعور بأنهم إخوتهم في الإنسانية....
*****
وعندما كنت أعمل الفاتورة تفاجأت إن اليوم هو 29/2 وليس 1/3 , حيث دفعت رواتب الموظفين أمس , وجلست في الصباح أعد الفلوس في الصندوق من أجل الجرد الشهري . وعندي شعور بالذنب أنني لم أجرد المبيعات للشهر ...
وأستدرت وسألت الموظفين , لماذا لم تقولوا هذه سنة كبيسة ؟
ابتسموا وقالوا ...لم نكن نعلم ...نحن مثلك ظننا الشهر انتهى أمس...
صار عندي شعور بالفرح...ثمة يوم إضافي لم أحسب حسابه...
تفقدت بسرعة بريدي الإلكتروني...وطبعت عددا من الرسائل أثناء انشغالي بالكلام ...
ولم أقدر أن أقرأ أيا منها....أحسست أنه نهار ممل ...ولن يكون فيه لحظات صغيرة أخلو لنفسي..
****
رن الهاتف...وكان صوت إحدى القريبات...مشغولة ؟ سألتني....نعم , أجبتها...سأتصل لاحقا...قالت وأغلقت الخط.
انتابني شعور غامض أن ثمة مصيبة حدثت....
بقيت مشغولة مع الزبائن ...ثم رن الموبايل...نظرت ..مكالمة من الأردن...إنه عزام ...سألته بقلق عن أخباره وأخبار أهله وعن رائد ...فقال بهدوء , كل شيء تمام ...قلت في نفسي إذن ثمة مصيبة حصلت هنا للأقارب في بغداد ...
بدأ القلق يسري في دمي....
كان ثمة زبائن جالسين حين رن الهاتف ثانية ...هي ثانية...قلت لها صوتك لا يعجبني ...توجد مشكله؟ تكلمي...
قالت ...مصيبة, وارتعش صوتها...وارتعش قلبي !
إبني...خطفوه هذا الصباح. وهو في طريقه الى الجامعة, أنزلوه من السيارة وأخذوه..واتصل من موبايله , وقال لأبيه أنا في صندوق السيارة...جماعة خطفوني...
وها نحن مجتمعون في البيت....هل ستأتين ؟
وضعت يدي على خدي ...وأطرقت ...ستبدأ رحلة العذاب والمفاوضات...كم ستدفعون ؟؟؟متى سنراه؟...
*****
كل يوم نسمع هذه القصص وأتوقعها ستحدث لي أو لأولادي...لا أحد يملك الحماية .
نخرج من بيوتنا بالرعب والقلق , ونعود معهما...
لا أدري كيف انقضى وقت الدولم...لم أكن بمزاجي ومرحي العادي..اعتذرت من الزبائن, بأنني متعبة, فلا يطيلوا الأحاديث والأسئلة. وكانوا جدا متفهمين للظرف...وخففوا عني .
نهاية الدوام أحسست ألما في معدتي ولا رغبة عندي حتى بشرب الماء.
أقاربنا هؤلاء. يملكون محلا تجاريا..وعندهم سيارات حديثة ...هذه نقطتا جذب للصوص..خصوصا إنهم يسكنون بمنطقة ليست غنية ..إذن وضعهم يلفت النظر..
إتصلت بالأولاد وقلت لهم سأتأخر...وذهبت فورا الى بيت الأقارب...أغلقت أبواب السيارة من الداخل ,وكنت متوترة طوال الطريق, أتخيل ثمة عصابة ستوقفني وتخطفني...أنا أيضا صيد ثمين...بالنسبة للصوص. فكرت مع نفسي وزاد رعبي ....
وصلت الى الساحة الخارجية لعمارتهم ..وأوقفت سيارتي..ونزلت بهدوء...
طرقت الباب...ففتحه أحد الضيوف...البيت فيه سكون غريب...يمتليء بالناس والسكون !
دخلت الغرفة الأولى فوجدت الأب وحوله أخوته وجيرانه من الرجال..
قلت السلام عليكم...ان شاء الله بردا وسلاما ...ان شاء الله يعود بالسلامة...
لا أدري ماذا يقول الناس في هكذا مواقف ؟
قال الأب شكرا ...إذهبي الى الداخل ..النساء هناك, ثم أشار بيده نحو اليمين...
توجهت الى الغرفة الأخرى حيث تجلس أمه مع جاراتها وقريباتها... كانت شاحبة الوجه, وعينيها منتفختان...ضممتها الى صدري وقلت لها إصبري وصلي الى الله عساه يعود بالسلامة...
وجلست أستمع وهي تروي القصة...
قلت له في الصباح لا تأخذ السيارة , أحتاجها اليوم ,,لكنه عاند...
خرج الى الكلية...وأبوه ذهب قبله الى العمل, لكنه عاد مبكرا ..وقال إن ابننا اتصل وقال أن جماعة مجهولة قد خطفته , وهو في صندوق السيارة..ويأخذونه الى مكان مجهول...وإنه ترك السيارة قريبة من البيت , فليذهبوا ويأخذوها...طبعا كانت السيارة من الموديل القديم...وهذا ربما جعلهم يغضون الطرف عنها..ولو كانت واحدة من الحديثات ...لكان خطفوها معه.
والآن نجلس وننتظر أن يتصلوا ...ونسمع شروطهم...
غرقت في أفكاري...لا توجد أي طريقة نموذجية لمنع حدوث هذه الأشياء...
لو خرج الولد لوحده بسيارته سيخطفوه, لو خرج مع سائق قريب أو غريب فلن يقدر أن يمنع حدوث الإختطاف...سمعنا عن حوادث كثيرة..كل قصة لها تفاصيل مختلفة..تجعلك تصل لقناعة, أنه لا توجد طريقة نموذجية , حيث تم إختطاف ناس من بين مرافقيهم الشخصيين...فلا تقل لي إنها مسألة قلة حرص أو إنتباه...
أنا صرت أقتنع إنها مسألة إرادة الله...يفعل ما يشاء...
تذكرت قصة قصيرة كتبها تولستوي, عن رجل نائم في الغابة...جاءت نحلة تحوم لتقرصه ...حامت وحامت وكأن ثمة ملاك طردها..فمضت , ثم جاء دب ..أو ما شابه لا أتذكر بالضبط ..لكنه مضى ولم يقدر أن يؤذيه ثم جاء لصوص..وأرادوا سرقة محفظته...وبطريقة ما هربوا ولم يقدروا....وحدثت عدة مصائب ....لكن ولا واحدة مسته بسوء...ثم استيقظ...وابتسم ...وتثاءب ,,وقال ..آه , ما أجمل هذا المكان وما أكثر الأمان فيه!!!
طبعا...هو لم يعلم أن ثمة ملاك حارس يبتسم ويقف الى جانبه...
وهذا الملاك هو الذي ما زلت أؤمن بوجوده.. ... وإلا ما بقيت هنا ...ولا احتملت صعوبة الحياة اليومية..
******
عدت الى البيت قبل حلول الظلام...
عدت واتصلت في وقت متأخر...كان ثمة إتصال مع الخاطفين ووسيط تكلم معهم ...وقالوا غدا صباحا نبلغكم الجواب...
كيف سيمر الليل على أمه وابيه وأخوته؟؟؟
بقيت أفكر طوال اليل..
وأنتظر الغد...
****