Friday, March 05, 2004

 
السبت 28/2
الساعة الآن حوالي السابعة مساء, أطفأت المولدة , وجاءت الكهرباء الوطنية , وساد الهدوء في البيت والشارع....
ما أجمل الهدوء !
الجو في الحديقة جميل جدا , لا توجد برودة, والسماء صافية جدا , وثمة نجوم تتلألأ , والقمر قوس جميل , يقول إن الشهرالعربي في بدايته....
****
في الصباح كان عندي صداع , أخذت حبوبا , لكنه ظل يلازمني طوال النهار...لا أدري ربما إرهاق وقلة نوم ,
وعندما خرجت من المحل, كنت أنوي العودة السريعة للبيت , حتى أتغدى , وأتناول حبوب صداع أخرى, ثم أنام...
كان يوم العمل عاديا , فيه كلام , ونقاشات وضحك , نقاشات في علم المياه , والسياسة, لا يقدر العراقيون أن يعيشوا دون الكلام في السياسة, وآخر الأخبار...
تصفحت الإنترنت , وبريدي الإلكتروني , وثمة رسائل قرأتها وابتسمت , وواحدة يطلب صاحبها أن أكتب له عن
كلمات عربية مناسبة للسلام والترحيب , ليتعلمها...
ولم يكن هذا أول من يطلب هذه المساعدة, كانت رسالة سابقة من البرتغال, طلب صاحبها عنوانا لموقع لتعليم العربية,
وآخر من أستراليا , قال إنه يريد تعلم العربية حتى يقرأ المقالات قبل ترجمتها...
وطبعا كل تلك الرسائل تسعدني وتعطيني إنطباعا إن الناس يحبون لغتنا وعندهم فضول لتعلم شيء منها , ولو كلمات مثل : مرحبا , شكرا ’ مع السلامة,....
فهذه تعمل مودة وتقارب بين الناس...وتثبت فكرة ان العالم أصبح قرية صغيرة .
وأفكر أن أضع على طرف موقعنا , ربط مع قاموس كلمات عربية محددة, وقليلة , تكون مدخلا للتعلم , لمن يحب , من قراء اللغات الأخرى...
****
خرجت من المحل , وذهبت عند القصاب لشراء اللحم المقطع والمفروم, هذه من مهمات عزام في العادة , لكنه مسافر , وأنا مضطرة لأنجازها , قال الرجل تفضلي واجلسي , ستنتظرين حوالي ربع ساعة, حتى أنجز العمل...
لم يكن أمامي سوى الجلوس والإنتظار, حيث المجمدة فارغة, ولابد من شراء وجبة جديدة .
بدأ الرجل بالعمل, وبدأت أنظر الى الشارع بملل,,,دخل مجموعة أطفال ومعهم سيدة كبيرة في السن ترتدي عباءة ,
وقالت لإحدى الصغار , تعالي إدخلي بيبي, هذه شمس الباقلاء, لا تجلسي طويلا فيها , يصير عندك تيفوئيد...
قفزت لذاكرتي نفس الجملة كانت تقولها لي أمي رحمها الله وأنا طفلة صغيرة أجلس على السطح أتشمس وأقرأ....
شمس الباقلاء,,,عندما كبرت فهمت, إنها هذه الشمس الحارة التي تسرع بنزول محصول الباقلاء في الشتاء مع إنه
محصول يحب الحر, ويظل موجودا معظم شهور الصيف...لكنه في الشتاء ينزل لفترة قصيرة ويكون سعره غاليا ثم يختفي, ليعود في الصيف ...
وابتسمت , ونظرت للصغار,ثلاث بنات وولد , واقتربوا منه , والصغيرة شدته من بنطلونه , وصاحت ,إعطيني فلوس أريد شكولاته, ضحك , وفتح أحد الأدراج ووقف يوزع عليهم النقود الورقية, تخيلت منظر الآباء يوم العيد وهم يوزعون العيديات على الصغار....فيعلو صراخهم ومرحهم ....
خرج الصغار يتراكضون الى الدكان المجاور...
*****
أنهيت شراء اللحم والفواكه والأجبان من عدة محلات على نفس الرصيف...
وقبل دخولي السيارة نظرت للساعة فوجدتها الثانية ظهرا...وأحسست بالإنزعاج حيث تأخرت جدا عن موعد الغداء...
رائحة الكباب تملأ جو السيارة...وتزيد من جوعي...هذا كان إقتراح القصاب ...دعيني أشوي لك كيلو من اللحم المفروم عند المطعم المجاور...ياله من إقتراح ...ندمت عليه الآن .
لاحظت وقوف سيارة شرطة عراقية عند مدخل الشارع الذي أسلكه في طريق العودة اليومي...
فاتجهت نحو طريق آخر...كان كل شيء يبدو عاديا...والطريق سالكة ...حتى وصلت نقطة ما..في طريق المطار ,
وانتبهت أن ثمة إزدحام محترم بدأ يلوح في الأفق...أأأووووو.....ستموتين من الجوع والإنتظار , قلت لنفسي, وبدأت أخفف السرعة ....
كان عشرات من السيارات الصغيرة والشاحنات بأبواقها الهوائية المزعجة ...والباصات الكبيرة ..وروائح الدخان ...
وتذكرت معاناتي حين كنت أوصل الأولاد للمدارس خلال إزدحامات يومية....و أعود للبيت كل يوم بصداع يلازمني معظم النهار ...وأقول هذه آثار وجبة التسمم الصباحي من غازات الكاربون......
أغلقت شبابيك السيارة...وأحسست بالحر...الشمس شديدة اليوم , وتذكرت الجدة والأطفال عند القصاب والحديث عن شمس الباقلاء...ياله من حظ !...قلت لنفسي ..جاء الإزدحام وشمس الباقلاء في نفس اليوم ؟
نظرت من شبابيك السيارة حولي الى السيارات الصغيرة وركابها...وجدتهم يمضون الوقت في الكلام ..وأحسست بالوحدة والملل...نظرت للساعة...تقترب من الثالثة...كان يجب أن أصل البيت منذ أكثر من نصف ساعة...لكني مازلت في بداية الطريق !
سحبت الموبايل واتصلت بالأولاد ...أين أنت ياماما ؟...سمعت الصراخ ...عالقة في طريق المطار...إزدحام شديد ..ثمة مشكلة..لا تقلقواعلي...
السير بطيء ...وددت أن أجد أحدا يشرح ما سبب هذا...
جاءت طائرات هليكوبتر وحلقت بمستوى منخفض... ثم ذهبت بعيدا ...كأن هنالك ساحة قتال قريبة...
استدرت وفتحت الأكياس ..وعملت سندويشة صغيرة من الكباب , وفتحت علبة مشروبات غازية....وابتسمت.
قررت أن أتجاوز كل ما يحدث وأستمتع بوقتي....وفتحت الراديو على محطة منوعات ..وابتعدت نهائيا عن جو الشارع...
مرت على يساري شاحنة أمريكية فيها جنود ...وأمامها سيارة همر صغيرة وكذلك خلفها...تأملتهم من خلف الزجاج
وأنا في حالة اللامبالاة التي أصابتني من التعب..ولم أكترث..كنت أحاول تمضية الوقت وأحدق بتفاصيل الشاحنة,
في الأيام العادية يمرون مسرعين وأنا مرعوبة فلا أعطيهم إلتفاتة...أما الآن فهم عالقون في الزحام...وهذه فرصة.
ثمة شيء غريب في منتصف الشاحنة...الجنود يجلسون على اليمين واليسار..يشهرون بنادقهم...وثمة شيء في الوسط
لم أميزه في البداية...تحرك...فظننته حيوانا ما...ولم أصدق الفكرة ..حيوان ؟...ماذا يفعل الجنود في الشاحنة ومعهم حيوان غريب ؟..بقيت أقود السيارة ببطء ونظري معلق على الشاحنة...في لحظة ..أدركت أن هذا المخلوق الغريب هو إنسان...إنسان يجلس على ركبتيه مكتوف الأيدي وحول رأسه كيس من الخيش...له نتوءات مثل القرون !!
ما عدت أقدر أن أبلع اللقمة...ضحكت..ضحكت ضحكة سوداء ...هل للضحكة لون ؟
في تلك اللحظة أدركت أن للضحكة لون ...وهذه الضحكة لا يليق لها الا أن تكون سوداء حتى تناسب الموقف.
وتساءلت في نفسي عما فعله هذا المسكين...
ألقى عليهم قنبلة أم شاغب عليهم بطريقة ما ؟
المنظر يحتاج الى صورة ..وتكتب تحتها : بلا تعليق .
فقط حدق ...وضع إحتمالات .....إن كان وجه ضدهم شيء ...فسيغيب لشهور طويلة في معسكرات الإعتقال والتحقيق...
وإن كان ارتكب جريمة أو أذى ضد مدنيين عراقيين ....فسيطلق سراحه بعد فترة قصيرة...وليذهب المدنيون الى الجحيم ..
وتخيلت ..لو أنا كنت عاطلا عن العمل ,أو تم إلغاء الوزارة التي أعمل فيها..وأنا بلا راتب بلا مستقبل بلا فرصة عمل
ماذا كنت سأفعل؟؟؟
ثمة سياسة غبية تخلق جو العداء ضد الوجود الأمريكي ...والناس لا يلامون....
ومنظر هذا المغطى بالكيس رأسه ... لو كان حوله شرطة عراقية ..لأحسست بالتعاطف معهم وعدالة ما يفعلون...
لكن الجنود الأمريكان يحيطون بمواطن عراقي ...وهذا منظر مستفز للمشاعر...وتقفز أمامك كلمة: إحتلال.
فتشعر بالغضب والإهانة...
خف الإزدحام للحظة , ةانطلقت السيارات الأمريكية باتجاه المطار...ونحن في إتجاه آخر...حيث صرخ رجال الحراسات العراقيون حين صرت بمحاذاتهم..اسلكي أي طريق عدا المطار....سيطلقون عليك النار...
لا أعرف , ثمة هجوم ضدهم , في طريق المطار ...دوامة لا تنتهي...
نظرت الى عداد البنزين...ما زال فيه بقية...لن أقلق على البنزين ...وبدأت في طريق بعيد جديد ...رحلة العودة الى البيت...
كانت الساعة حوالي الرابعة حين وصلت...
كان المفروض أن أصل في الثانية والربع...
الحمد لله ...قلت لنفسي ...لم تأتيني طلقة طائشة ... وصلت بالسلامة...تعلمي كيف تنظري للوجه المشرق من الصورة...قلت لنفسي وأنا أدق الباب...وأفرح بسماع الأولاد يستقبلون عودتي....
*****












<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives