Friday, February 27, 2004
الخميس 26/2
الجو مشمس في بغداد...اليوم نهاية الأسبوع .
عند عودتي للبيت من العمل , ابتسمت لتلال من الخس معروضة على الأرصفة كل يوم, واليوم رأيت أكياسا كبيرة من الجزر, وحزم كبيرة من البصل الاخضر الجديد, وكرات من القرع تصطف على الرصيف , وضحك ماجد متسائلا ,ماذا يفعلون بها؟ اليست هذه لعيد الهلووين ؟ ضحكت وقلت إنها للمربى..لا أحد يعرف ذلك العيد هنا ...
وتذكرت أمي ,عندما كنا صغارا , تشتري القرع في موسمه , وتعمل منه قدرا كبيرا من المربى, نظل نأكل منه في الفطور الصباحي, مع القشطة والزبدة, لشهور عديدة .
****
عزام مسافر, والعمل يصبح أكثر إرهاقا لي , حيث أضطر لإطالة ساعات العمل , والتأخر في العودة للبيت .
والوقت يتوزع بين الإجابة على أسئلة الزبائن حول طلبات كثيرة , من مضخات الى منظومات كبيرة لمياه الشرب
الى أجهزة مختبرية...والموجود أمره سهل وإجابته سريعة , وغير الموجود , لا بد من فتح الكتلوجات والبحث عن أسعار , وإعطاء عروض , ومواصفات وفترة وصول البضاعة الى بغداد ,,,وتفاصيل تسبب الصداع .
والمزعج في الموضوع , ان الناس الذين يأتون في معظم الأحوال غير مؤهلين لهذه الأعمال , إما عنده محل صرافة عملة ,أو متقاعد من الجيش , أو تاجرعقارات , ويسألون أسئلة غبية, ولا يفهمون دائما الجواب لأن الموضوع يحتاج الى فني متخصص..وأتعجب مما يحصل ...اليس المفروض أن تفتح ملفات للمجهزين وتعبأ فيها معلومات عن الأشخاص أو الشركات , وتعطى أولوية للمؤهلين ؟
لا أعرف ...لحد الآن الموضوع غامض عندي , ولا أدري ما الذي يحدث؟
*****
نفس الحالة تكررت هذا الأسبوع عدة مرات..
يأتي مقاول من الذين تكلمت عنهم سابقا, ويعطيني ورقة مواصفات لمنظومة شرب من ماء بئر, ويريد سعر حفر البئر , وسعر المنظومة لجعل ماء البئر صالح للشرب..
أعتذر عن موضوع حفر البئر , فهو لا يخص عملنا, لكن المنظومة, لا يمكنني إعطاءه شيئا عنها إلا إذا عرفت شيئا من مواصفات ماء البئر, مقدار الملوحة, تحدد سعر القطعة , فكلما زادت الملوحة زاد السعر...
ويقول الزبون بعد أن يبحلق في وجهي حائرا, طيب اعطيني سعرا تقريبيا, فأرفع صوتي ثانية , لا يوجد سعر تقريبي
كل قطعة لها سعر مختلف ...طيب , ساعديني؟ إرجع وأطلب المواصفات للماء...لا أقدر ,الأمريكي المسؤول عن هذه المشاريع لا يقبل المناقشة.. ولماذا ؟ اليس هو مهندس؟ لا ..انه عسكري , ولا يفهم عماذا تتحدثين ؟..
اليس عندهم هندسة عسكرية مع الجيش ؟ لا ..انه عسكري ولا يحب النقاشات...
وأضع يدي على خدي ..وأظل في حيرة من أمري ..العسكري يقود الجيش والحروب ..فهمت, لكن ما شأنه بهذه الأمور ؟ اليس ثمة طاقم فني متخصص , يأتي مع الجيش لإمور إعادة البناء المدنية ؟ أو إدارة شؤون معسكرات الجيش؟
حتى في الجيش العراقي , كان ثمة وحدة هندسية متخصصة لإدارة هذه المشاريع...
*****
أما الرسائل البريدية التي تصلني فيها تعليقات على كتاباتي في هذه الصفحة , فهي الأكثر سعادة لنفسي , حيث أستغل الوقت الفراغ بعد عودتي للبيت , حتى لو حرمت نفسي من استراحة ونوم الظهر, لأكتب ردودا عليها ما أمكنني.
وطبعا ردودي سريعة ومختصرة لأن الوقت عندي لا يكفي للإطالة في الكلام , مع انني أكون سعيدة جدا بالرسائل الطويلة التي تشبه الروايات, لكني أجدها جسورا من المحبة والثقة, بين العراق والآخرين .
معظم الرسائل التي استلمتها هذا الأسبوع كانت إيجابية وأسعدتني من أميركا وكندا ودول أوربية , ومعظمها من أمهات عمرهن يقارب عمري وذكرياتهن جميلة وصادقة, جعلتني ابتسم وأحس أن المسافات بيننا تصغر كل يوم ...حين نتفهم ظروف الآخر ووجهة نظره .
لكن رسالة أسعدتني , وأدهشتني , من جندي أمريكي في طريقه الى العراق, وهوبعمر رائد أو خالد , وقال اسمحي لي أن أناديك (مام )...ثم قال إنه يحب العراق ويريد أن يأتي للمساعدة, وإنه تعلم من مسؤوله المسلم , كيف يحسن التصرف في بلاد المسلمين ,ويحترم مشاعرهم , لأنه يريد المساعدة حقا , وإنه كان ضد قيام هذه الحرب منذ البداية, لكنها حدثت بطريقة ما , وهو يتأسف لما يعانيه العراقيون , ويتمنى لهم الحرية والعيش بسلام.
أرسلت له جوابا , وشكرته وقلت له إتصل بي حين تصل الى بغداد ولا تتردد , إن احتجت لأي مساعدة, فأرسل جوابا شاكرا معتذرا إن هذا مخالف للتعليمات في الجيش ...
ورسالة أخرى من أمريكي , بعث بمقاطع من قوانين حمورابي , وهي من أقدم القوانين في تاريخ الحضارة الإنسانية,
ورسالته فيها كثير من الإحترام لشعوب منطقتنا بصورة عامة والعراقيين بصورة خاصة . وقال إن الشعب الأمريكي يحب السلام لمنطقتنا , لكن الحكومات لا تفكر الا بالسلام الذي فيه مصالحهم وزيادة ثرواتهم.
*****
عندي شعور خفي بالسعادة...
الشعب العراقي والأمريكي , كلاهما يفكر في الآخر , ماذا يريد ؟ وما وجهة نظره ؟
وهذه المواقع العراقية على الإنترنت التي يكتب بها أناس يختلفون في وجهات النظر , هي مصغر للشعب عندنا , والرسائل التي نستلمها , هي أيضا نموذج صغير لما يحدث هناك,,,وهذه كلها جسور ...جسور لبناء الثقة بالآخر ومعرفته والإقتراب منه لتصغير فجوة عدم فهم الآخر أو عدم إحترام وجهة نظره .
وبين هذا وذاك , تصلني رسائل لإمريكان متكبرين , مغرورين ,عدوانيين , لكن نسبتهم قليلة جدا ...وأنا أضع إشارة (الغاء) بعد قراءة الرسالة, وأبتسم , ولا أبالي بوجهة النظر تلك , لأنه محدود القدرة على التفكير...شيء ما يشبه غباء بن لادن وتفسيره للعلاقة مع الآخرين ....
عندما يصبح موضوع إحتلال العراق , موضوعا يختلف عليه الشعب الأمريكي , وهم على أبواب انتخابات رئاسية,
فهذا شيء إيجابي عظيم...وعندنا مثل يقول : رب ضارة نافعة...
وهذا الإحتلال , هو كارثة حلت علينا جميعا , لكني واثقة إنه جعل الشعب الأمريكي يعيد النظر للأمور مرة أخرى,
وجعل الناس يفكرون عن معنى وجود الجيش هنا , وجدوى بقائه , ولا يقتنعون أن ثمة خطر يأتيهم من العراق , بقدر قناعتهم أن العراق بحاجة للوقوف معه ومساعدته لبناء دولته الجديدة التي تناسب شعبه , ودينه , وقيمه التي إعتاد عليها.
تدخل يد غريبة ستفسد كل شيء. ستشوه الدين , والقيم ...بقصد أو بغير قصد .
والشعب الأمريكي هو الذي ينبغي أن يضغط على حكومته , الحالية أو الجديدة ,من أجل تنفيذ برنامج إعادة بناء العراق بشفافية وصدق , تماما كما يفعلون في أميركا , حيث كل انجازات الحكومة هناك , معرضة للمساءلة والمحاسبة.
وما دام العراق في فوضى لحد الآن , فلا مجال لمحاسبة وشفافية..
والمسؤولية ستظل في عنق قوات الإحتلال, فعساها تقدر هذه الحالة وتتتناولها بطريقة جادة وصادقة وعادلة.
وإن لم يحدث هذا , فستعود كل المشاكل لتنعكس على الأمريكان مرة أخرى وبطريقة ما...
******
بالأمس , اضطررت للدوام المسائي في المحل , وعدت للبيت بسيارتي بعد الثامنة مساء , ونادرا أتأخر هكذا, فكنت
أنزلت كبسة الأمان داخل السيارة , لضمان عدم فتحها من الخارج من شخص ما...وكنت متوترة قليلا , أريد أن أصل بسرعة للبيت. وفي بداية شارع بيتنا, حاجز أمريكي ...أممممممم مشكلة , سأتأخر!
قلت لنفسي وتذمرت . ....وقفت أنتظر الدور, ثم جاء الجندي وسلط الضوء علي , وكان الشارع مظلما, فتحت نافذة السيارة, , وقال نقطة تفتيش, الى الشارع الآخر, وأشار بيده, قلت له , بيتي في هذا الشارع وإن دخلت في الشارع الآخر سأكون بعيدة ولا أريد أن أتأخر, فتش سيارتي هنا...قال بغضب , لا ,إذهبي هناك ! قلت : لكني إمرأة , ولا أريد أن أتأخر, ألا يهمك الأمر؟ فال : لا لا يهمني . رفعت صوتي وقلت , عزيزي , يجب أن يهمك !
ومضيت غاضبة الى اليمين, ووقفت أنتظر دوري ....ثم وجدته إقترب ومعه الضوء, وقال بصوت منكسر, اتمنى الا تكوني انزعجت...قلت نعم أنا منزعجة...قال آسف , انها التعليمات...
ابتسمت , وأحسست بالشفقة عليه . وتساءلت عن الغبي الذي جاء بهذا المسكين , وجعله وجها لوجه أمامي , هو يخشاني وأنا أخشاه, هو يسيء الظن بي وأنا أسيء الظن به...
وصلت نقطة التفتيش , وكان ثمة عراقي مرافق وعدد من الجنود الأمريكيين , ابتسم واعتذر,وطلب فتح الصندوق الخلفي والأمامي للسيارة, ثم فتشوها , والقيت عليهم تحية المساء وعدت للبيت..
كان عندي شعور بالحزن أكثر من الغضب ...
تمنيت أن يعودوا جميعهم الى عوائلهم سالمين .....
*****
الجو مشمس في بغداد...اليوم نهاية الأسبوع .
عند عودتي للبيت من العمل , ابتسمت لتلال من الخس معروضة على الأرصفة كل يوم, واليوم رأيت أكياسا كبيرة من الجزر, وحزم كبيرة من البصل الاخضر الجديد, وكرات من القرع تصطف على الرصيف , وضحك ماجد متسائلا ,ماذا يفعلون بها؟ اليست هذه لعيد الهلووين ؟ ضحكت وقلت إنها للمربى..لا أحد يعرف ذلك العيد هنا ...
وتذكرت أمي ,عندما كنا صغارا , تشتري القرع في موسمه , وتعمل منه قدرا كبيرا من المربى, نظل نأكل منه في الفطور الصباحي, مع القشطة والزبدة, لشهور عديدة .
****
عزام مسافر, والعمل يصبح أكثر إرهاقا لي , حيث أضطر لإطالة ساعات العمل , والتأخر في العودة للبيت .
والوقت يتوزع بين الإجابة على أسئلة الزبائن حول طلبات كثيرة , من مضخات الى منظومات كبيرة لمياه الشرب
الى أجهزة مختبرية...والموجود أمره سهل وإجابته سريعة , وغير الموجود , لا بد من فتح الكتلوجات والبحث عن أسعار , وإعطاء عروض , ومواصفات وفترة وصول البضاعة الى بغداد ,,,وتفاصيل تسبب الصداع .
والمزعج في الموضوع , ان الناس الذين يأتون في معظم الأحوال غير مؤهلين لهذه الأعمال , إما عنده محل صرافة عملة ,أو متقاعد من الجيش , أو تاجرعقارات , ويسألون أسئلة غبية, ولا يفهمون دائما الجواب لأن الموضوع يحتاج الى فني متخصص..وأتعجب مما يحصل ...اليس المفروض أن تفتح ملفات للمجهزين وتعبأ فيها معلومات عن الأشخاص أو الشركات , وتعطى أولوية للمؤهلين ؟
لا أعرف ...لحد الآن الموضوع غامض عندي , ولا أدري ما الذي يحدث؟
*****
نفس الحالة تكررت هذا الأسبوع عدة مرات..
يأتي مقاول من الذين تكلمت عنهم سابقا, ويعطيني ورقة مواصفات لمنظومة شرب من ماء بئر, ويريد سعر حفر البئر , وسعر المنظومة لجعل ماء البئر صالح للشرب..
أعتذر عن موضوع حفر البئر , فهو لا يخص عملنا, لكن المنظومة, لا يمكنني إعطاءه شيئا عنها إلا إذا عرفت شيئا من مواصفات ماء البئر, مقدار الملوحة, تحدد سعر القطعة , فكلما زادت الملوحة زاد السعر...
ويقول الزبون بعد أن يبحلق في وجهي حائرا, طيب اعطيني سعرا تقريبيا, فأرفع صوتي ثانية , لا يوجد سعر تقريبي
كل قطعة لها سعر مختلف ...طيب , ساعديني؟ إرجع وأطلب المواصفات للماء...لا أقدر ,الأمريكي المسؤول عن هذه المشاريع لا يقبل المناقشة.. ولماذا ؟ اليس هو مهندس؟ لا ..انه عسكري , ولا يفهم عماذا تتحدثين ؟..
اليس عندهم هندسة عسكرية مع الجيش ؟ لا ..انه عسكري ولا يحب النقاشات...
وأضع يدي على خدي ..وأظل في حيرة من أمري ..العسكري يقود الجيش والحروب ..فهمت, لكن ما شأنه بهذه الأمور ؟ اليس ثمة طاقم فني متخصص , يأتي مع الجيش لإمور إعادة البناء المدنية ؟ أو إدارة شؤون معسكرات الجيش؟
حتى في الجيش العراقي , كان ثمة وحدة هندسية متخصصة لإدارة هذه المشاريع...
*****
أما الرسائل البريدية التي تصلني فيها تعليقات على كتاباتي في هذه الصفحة , فهي الأكثر سعادة لنفسي , حيث أستغل الوقت الفراغ بعد عودتي للبيت , حتى لو حرمت نفسي من استراحة ونوم الظهر, لأكتب ردودا عليها ما أمكنني.
وطبعا ردودي سريعة ومختصرة لأن الوقت عندي لا يكفي للإطالة في الكلام , مع انني أكون سعيدة جدا بالرسائل الطويلة التي تشبه الروايات, لكني أجدها جسورا من المحبة والثقة, بين العراق والآخرين .
معظم الرسائل التي استلمتها هذا الأسبوع كانت إيجابية وأسعدتني من أميركا وكندا ودول أوربية , ومعظمها من أمهات عمرهن يقارب عمري وذكرياتهن جميلة وصادقة, جعلتني ابتسم وأحس أن المسافات بيننا تصغر كل يوم ...حين نتفهم ظروف الآخر ووجهة نظره .
لكن رسالة أسعدتني , وأدهشتني , من جندي أمريكي في طريقه الى العراق, وهوبعمر رائد أو خالد , وقال اسمحي لي أن أناديك (مام )...ثم قال إنه يحب العراق ويريد أن يأتي للمساعدة, وإنه تعلم من مسؤوله المسلم , كيف يحسن التصرف في بلاد المسلمين ,ويحترم مشاعرهم , لأنه يريد المساعدة حقا , وإنه كان ضد قيام هذه الحرب منذ البداية, لكنها حدثت بطريقة ما , وهو يتأسف لما يعانيه العراقيون , ويتمنى لهم الحرية والعيش بسلام.
أرسلت له جوابا , وشكرته وقلت له إتصل بي حين تصل الى بغداد ولا تتردد , إن احتجت لأي مساعدة, فأرسل جوابا شاكرا معتذرا إن هذا مخالف للتعليمات في الجيش ...
ورسالة أخرى من أمريكي , بعث بمقاطع من قوانين حمورابي , وهي من أقدم القوانين في تاريخ الحضارة الإنسانية,
ورسالته فيها كثير من الإحترام لشعوب منطقتنا بصورة عامة والعراقيين بصورة خاصة . وقال إن الشعب الأمريكي يحب السلام لمنطقتنا , لكن الحكومات لا تفكر الا بالسلام الذي فيه مصالحهم وزيادة ثرواتهم.
*****
عندي شعور خفي بالسعادة...
الشعب العراقي والأمريكي , كلاهما يفكر في الآخر , ماذا يريد ؟ وما وجهة نظره ؟
وهذه المواقع العراقية على الإنترنت التي يكتب بها أناس يختلفون في وجهات النظر , هي مصغر للشعب عندنا , والرسائل التي نستلمها , هي أيضا نموذج صغير لما يحدث هناك,,,وهذه كلها جسور ...جسور لبناء الثقة بالآخر ومعرفته والإقتراب منه لتصغير فجوة عدم فهم الآخر أو عدم إحترام وجهة نظره .
وبين هذا وذاك , تصلني رسائل لإمريكان متكبرين , مغرورين ,عدوانيين , لكن نسبتهم قليلة جدا ...وأنا أضع إشارة (الغاء) بعد قراءة الرسالة, وأبتسم , ولا أبالي بوجهة النظر تلك , لأنه محدود القدرة على التفكير...شيء ما يشبه غباء بن لادن وتفسيره للعلاقة مع الآخرين ....
عندما يصبح موضوع إحتلال العراق , موضوعا يختلف عليه الشعب الأمريكي , وهم على أبواب انتخابات رئاسية,
فهذا شيء إيجابي عظيم...وعندنا مثل يقول : رب ضارة نافعة...
وهذا الإحتلال , هو كارثة حلت علينا جميعا , لكني واثقة إنه جعل الشعب الأمريكي يعيد النظر للأمور مرة أخرى,
وجعل الناس يفكرون عن معنى وجود الجيش هنا , وجدوى بقائه , ولا يقتنعون أن ثمة خطر يأتيهم من العراق , بقدر قناعتهم أن العراق بحاجة للوقوف معه ومساعدته لبناء دولته الجديدة التي تناسب شعبه , ودينه , وقيمه التي إعتاد عليها.
تدخل يد غريبة ستفسد كل شيء. ستشوه الدين , والقيم ...بقصد أو بغير قصد .
والشعب الأمريكي هو الذي ينبغي أن يضغط على حكومته , الحالية أو الجديدة ,من أجل تنفيذ برنامج إعادة بناء العراق بشفافية وصدق , تماما كما يفعلون في أميركا , حيث كل انجازات الحكومة هناك , معرضة للمساءلة والمحاسبة.
وما دام العراق في فوضى لحد الآن , فلا مجال لمحاسبة وشفافية..
والمسؤولية ستظل في عنق قوات الإحتلال, فعساها تقدر هذه الحالة وتتتناولها بطريقة جادة وصادقة وعادلة.
وإن لم يحدث هذا , فستعود كل المشاكل لتنعكس على الأمريكان مرة أخرى وبطريقة ما...
******
بالأمس , اضطررت للدوام المسائي في المحل , وعدت للبيت بسيارتي بعد الثامنة مساء , ونادرا أتأخر هكذا, فكنت
أنزلت كبسة الأمان داخل السيارة , لضمان عدم فتحها من الخارج من شخص ما...وكنت متوترة قليلا , أريد أن أصل بسرعة للبيت. وفي بداية شارع بيتنا, حاجز أمريكي ...أممممممم مشكلة , سأتأخر!
قلت لنفسي وتذمرت . ....وقفت أنتظر الدور, ثم جاء الجندي وسلط الضوء علي , وكان الشارع مظلما, فتحت نافذة السيارة, , وقال نقطة تفتيش, الى الشارع الآخر, وأشار بيده, قلت له , بيتي في هذا الشارع وإن دخلت في الشارع الآخر سأكون بعيدة ولا أريد أن أتأخر, فتش سيارتي هنا...قال بغضب , لا ,إذهبي هناك ! قلت : لكني إمرأة , ولا أريد أن أتأخر, ألا يهمك الأمر؟ فال : لا لا يهمني . رفعت صوتي وقلت , عزيزي , يجب أن يهمك !
ومضيت غاضبة الى اليمين, ووقفت أنتظر دوري ....ثم وجدته إقترب ومعه الضوء, وقال بصوت منكسر, اتمنى الا تكوني انزعجت...قلت نعم أنا منزعجة...قال آسف , انها التعليمات...
ابتسمت , وأحسست بالشفقة عليه . وتساءلت عن الغبي الذي جاء بهذا المسكين , وجعله وجها لوجه أمامي , هو يخشاني وأنا أخشاه, هو يسيء الظن بي وأنا أسيء الظن به...
وصلت نقطة التفتيش , وكان ثمة عراقي مرافق وعدد من الجنود الأمريكيين , ابتسم واعتذر,وطلب فتح الصندوق الخلفي والأمامي للسيارة, ثم فتشوها , والقيت عليهم تحية المساء وعدت للبيت..
كان عندي شعور بالحزن أكثر من الغضب ...
تمنيت أن يعودوا جميعهم الى عوائلهم سالمين .....
*****