Friday, February 27, 2004
الأربعاء25/2
هذه الأيام ثبت جدول القطع للكهرباء تقريبا على جدول ,ثلاث ساعات قطع ,ثلاث ساعات بث...
تعودنا وما عدنا نتذمر...
معظم الأيام أصحو في الخامسة والنصف صباحا ..قبل أن ترن الساعة المنبهة بنصف ساعة .
وأظل أناقش نفسي هل أقوم أم أنتظر؟ في السادسة عادة تأتي الكهرباء. فإن كنت متعبة , أغمض عيوني وأعود للنوم ثانية لأن الغرفة باردة جدا ومظلمة جدا ,,,ولا رغبة عندي مشجعة على مغادرة السرير. وإن كنت مضطرة للذهاب للحمام , فسوف أضطر الى لعبة السيدة العمياء وأستقبل نهاري بها... حيث سأقوم من السرير وأمشي مسافة
ثم أتوقف في الظلام..وأخمن أنني وصلت الى حيث باب الغرفة, ثم أمد يدي الى الأمام وأمشي ببطء حتى أصطدم بالحائط أو الباب, ثم أبحث عن مقبض الباب , وأمسك به وأفتح الباب...هيه ..فرحة الصباح ,,أجد نورا صغيرا يتسلل من الصالون حيث ضوء جهاز الشحن الذي أصبح شاحبا وعلى وشك أن ينطفيء , فأسرع وأشعل شمعة موجودة في صحن وبجانبها علبة كبريت... في الممر المقابل للحمام ,هذا مكانالصحن والشموع منذ أن سكنا في هذا البيت , يعني منذ تسع سنوات . ما أسرع ما يمضي العمر !
حين سكنا هنا , كان رائد في نهاية الثانوية , وخالد في المتوسطة , وماجد في الإبتدائية .
والآن رائد تخرج من الجامعة منذ سنوات ,وخالد في الكلية وماجد سينهي دراسة الثانوية هذا الصيف إن شاء الله ويذهب للجامعة العام القادم .
وكانت سنواتي الأولى في هذا البيت مرهقة , حيث برنامج التوصيل الصباحي للمدارس , وهو إلتزام متعب , حيث أوصلهم الثلاثة كل واحد الى باب المدرسة أو القسم في الكلية لرائد . ونقضي الطريق في القصص والنقاشات ,أحيانا مفرحة وفيها ضحك , وأحيانا غاضبة وفيها صراخ ...هكذا حياة الناس , كما يقولون , يوم حلو , يوم مر..
لكني استرجع ذكرى تلك الأيام , وأبتسم ...كانت تزرع بذرة الحب بيني وبين الأولاد...وكانوا يعلمون أن ماما متعبة ووراءها دوام في العمل , وطبخ الغداء قبل الدوام , لكنها لا تفرط بهم , ولا ترضى لهم أن يستعملوا مواصلات عادية فيتعبوا من الإزدحام وربما تتسخ ملابسهم , ويتأخرون على الدوام فيتنغص يومهم كله...
وكنت في بعض الأيام , أحس نفسي متعبة جدا وأطلب أن يعطوني إجازة من توصيلهم , لكنهم يصرخون ويشكون ...ماذا؟ ومن أين سنجد سيارة ؟ الوقت لايكفي ..ماما !!!
وطبعا أضع ملابسي بسرعة وأرضخ للضغوط وأحترم نفسي لأنني لن أقدر عليهم فأنا واحد وهم ثلاثة .
وأظل طوال الطريق أبربر ...ان أمي وأبي لم يوصلوني بسيارة الى مدرسة ذات يوم ..وإنهم مدللون وأنانيون ...
ويبربرون هم من طرفهم ...إي , أمك لم تكن تعرف القيادة , ولم يكن عندها مرسيدس...وينتهي النقاش بصرخة مني , اخرسوا !!!
حيث أصل لنتيجة ان النقاش معهم لن يجدي نفعا...
*******
وأتذكر مرة كنت مستعجلة , ووضعت ملابسي بسرعة, وكانت الكهرباء مقطوعة, وأسرع الأولاد للسيارة قبلي , وذهبت لأضع مكياجا خفيفا على شفتي وعيوني..لأنني ربما أضطر للنزول لمحادثة معلمة أو جارة , ولا أريد أن يكون مظهري غير لائق .
ولبست نظارتي الشمسية السوداء...ووصلت ماجد وخالد ,وعندما وصلنا الجامعة , قلت لرائد تعال معي أريد أن أوصل هذا الدواء لإبنة خالتي التي تعمل موظفة في أحد الأقسام..صعدنا الدرجات سوية وكانت البناية مظلمة قليلا فخلعت النظارات الشمسية, ووقفت عند الشباك , على بسطة الدرج , أتكلم مع رائد ...لكنه حدق في وجهي وظهرت عليه علامات القلق...ماما , مابها عينيك ؟..فاجأني السؤال . وعدت فسألته ببلاهة , ما بها عيوني ؟
إ.نها حمراء..هل أنت مريضة ؟
أقلقني شكله وارتباكه...مددت يدي وفركت عيني , ثم نظرت الى أصابعي وكانت ملطخة بقلم أحمر لتحديد الشفاه وليس قلم الكحل الخاص بالعيون ...وغرقت بنوبة من الضحك ...الكهرباء مقطوعة وأنا لخبطت بين الأقلام ...
وبقيت أضحك وأضحك ..وأتخيل شكلي مثل الساحر الشرير بعيون حمراء...
ووقفت على الدرج أمسح دموع الضحك والكحل الأحمر ...وذهب هو لتسليم الدواء للبنت ,لأن شكلي غير لائق أبدا للمقابلات ...
*****
في هذه الأيام , وحين أصحو فجأة في اليل..الدنيا هدوء وظلام وبرد, إلا صوت الدبابات يشق سكون الشوارع..ويهدر من بعيد ...ثم يقترب , فأسمع أصوات حديد يطقطق ويهتز... فأختبيء تحت الغطاء , وأتذكر اقتراحا سمعته بأن نقول لهم ..هاي خفف السرعة والصوت ..إنكم تقلقون نوم الأطفال ..وضحكت مع نفسي ..كيف سأوصل الرسالة لسائق الدبابة؟
هل أضع له لافتة تحذيرية ,على طرف الشارع مكتوبة بالفسفوراللامع , وأضع بجانبها وجه مبتسم , حتى يتقبل الإقتراح ؟ أم أقف على الرصيف وأصرخ , وأشير بيدي كما نفعل في حياتنا اليومية , في محادثاتنا مع بعضنا ..ربما سيغضب ويسيء فهمي ...وهو لا يعلم اننا سريعوا الغضب والإنفعال , لكن في صدورنا قلوبا دافئة لا تقدر أن تعيش
مع غضب أو حقد ...سرعان ما ننسى .
*****
والأطفال....تذكرت الأطفال العراقيين...ماذا رأوا من طفولتهم؟ خصوصا هؤلاء الذين ولدوا بعد التسعين , أو خلالها..
فتحوا عيونهم وآذانهم ليروا ويسمعوا قنابل ومدافع.. بدل اللعب والهدايا...
ومفردات قاموسهم , حرب وصدام وبوش...
في حرب الكويت , كان بوش الأب, وفي هذه الحرب كان بوش الإبن ,, وكأنهما تعهدا بتصفية حساب العراق بطريقة عائلية, أقصد ثمة تصفية حسابات عائلية قديمة , جاء الإبن ليكملها بعد الأب...
وعندما جاء كلنتون, لم نحس به كثيرا , رغم إنه لم ينسانا من بعض الصواريخ تنطلق من البحر الأحمر...لأهداف محددة في العراق, لكنه لم يكن عدوانيا مثل بوش رقم واحد ورقم اثنين...لا أعرف , كأن ثمة سر يدفعهما للنيل من العراق.
ثم جاءت فضيحة لوينسكي مع كلنتون , وكأنها عقاب له لأنه لم يكن حازما مع العراقيين , ولم يشكل ضغطا على الفلسطينيين , بل ضغط على الإسرئيليين أكثر...فكان عقابه دوامة من الفضائح , أبعدته عن العالم, ونقاطه الساخنة التي بحاجة لحلول سريعة.
وهذا ما أخشاه أن يحدث لو سقط بوش في الإنتخابات القادمة, ويأتي مرشح أقل عدوانية منه , وأكثر هدوءا في معالجة الأمور, فتحاك ضده المؤامرات لإفشاله وإسقاطه , فالنفوذ هناك في أميركا , بأيدي الذين يملكون الأموال الكثيرة, وهم يحبون أن يوجهوا السياسة حيث مصالحهم, ويدمروا كل شيء في طريقهم....
ونحن والشعب الأمريكي ...سنكون الضحايا الخاسرة .
*****
أبو سالي ...السائق الجديد الذي يأخذ ماجد للمدرسة صباحا , وبعض الأيام للدروس الخصوصية, مساء.
قبل يومين , نسي ماجد أن يبلغني أن عنده درسا بعد الظهر, وكان عندي موعدا مع طبيب الأسنان , فخرجت وتركته نائما, لأنه متعب , وقلت سأتصل به من خارج البيت لأطمئن عليه .
ماجد ظل نائما ولم يأتي أبو سالي ...وراح الدرس.
لا يوجد عنده تلفون , وغاب الرجل يومين , ثم ظهر...
وجاء اليوم ماجد يضحك ويحكي قصته...
عندما كان ماجد نائما, رن أبو سالي الجرس , لكن الكهرباء كانت مقطوعة, ولم يسمع ماجد, وظل الرجل حائرا ما يفعل, فقال في نفسه ..سأعمل جولة صغيرة حول المنطقة وأعود لماجد.
وخلال جولته, أشار له رجلا يحمل أكياسا فيها خضار وفواكه , فتوقف ليوصله , وكان مقصده قريب ويقع في شارع في المنطقة حول بيتنا. وعندما وصل , قال الزبون أوقفني هنا عند رأس الفرع . وقف أبو سالي , ونزل الرجل ووضع أكياسه أرضا خارج السيارة, ثم أدخل جسمه داخل السيارة , وظن أبو سالي إنه سيعطيه الحساب, لكنه أشهر عليه مسدسا , ووضعه على رأسه. وقال له إنزل من السيارة, لكن السائق يقول ان الشجاعة تأتي إلهام من الله, مددت يدي وأخذت المسدس بسرعة, وضغطت على البنزين , وانطلقت السيارة بسرعة , فسقط المعتدي أرضا...لكن ثمة سيارة تقف وتراقب الحادث , انطلقت خلف السائق بسرعة , ويقول إنه أمضى وقتا طويلا يسرع في الشوارع وهم يلحقون به, في نفس المنطقة, وكان يضطر لصعود الجزيرة الوسطية أحيانا أو يدخل شوارع بعكس الإتجاه , وهم يلحقون به , حتى وصل محلات قصابين يعرفهم , فأدخل السيارة بسرعة داخل السوق , ونادى من الشباك, انقذوني , يوجد خلفي سلابه....وهرع اليه القصابون بسواطيرهم وسكاكينهم , وبعضهم عنده كلاشينكوف, ووقفوا كلهم الى جانبه...ففرت سيارة السلابة خائبة...
كل يوم يعيش أهل بغداد هذه القصص , بعضها نهايته سعيدة كما حدث مع أبو سالي وبعضهم نهايته حزينة, كما حدث مع سائقي أبو علي منذ شهور , حيث أطلقوا عليه النار وأخذوا سيارته وتركوه يتخبط بدمه , لولا عابر طريق إنتبه وأخذه للمستشفى , وتم إنقاذ حياته في اللحظات الأخيرة...وقلنا له لا تحزن المهم سلامتك , وتبقى لترعى زوجتك وأولادك ...
كل شيء يمكن تعويضه , لكن الإنسان الذي يذهب , لا أحد يسد عنه .
*****
هذه الأيام ثبت جدول القطع للكهرباء تقريبا على جدول ,ثلاث ساعات قطع ,ثلاث ساعات بث...
تعودنا وما عدنا نتذمر...
معظم الأيام أصحو في الخامسة والنصف صباحا ..قبل أن ترن الساعة المنبهة بنصف ساعة .
وأظل أناقش نفسي هل أقوم أم أنتظر؟ في السادسة عادة تأتي الكهرباء. فإن كنت متعبة , أغمض عيوني وأعود للنوم ثانية لأن الغرفة باردة جدا ومظلمة جدا ,,,ولا رغبة عندي مشجعة على مغادرة السرير. وإن كنت مضطرة للذهاب للحمام , فسوف أضطر الى لعبة السيدة العمياء وأستقبل نهاري بها... حيث سأقوم من السرير وأمشي مسافة
ثم أتوقف في الظلام..وأخمن أنني وصلت الى حيث باب الغرفة, ثم أمد يدي الى الأمام وأمشي ببطء حتى أصطدم بالحائط أو الباب, ثم أبحث عن مقبض الباب , وأمسك به وأفتح الباب...هيه ..فرحة الصباح ,,أجد نورا صغيرا يتسلل من الصالون حيث ضوء جهاز الشحن الذي أصبح شاحبا وعلى وشك أن ينطفيء , فأسرع وأشعل شمعة موجودة في صحن وبجانبها علبة كبريت... في الممر المقابل للحمام ,هذا مكانالصحن والشموع منذ أن سكنا في هذا البيت , يعني منذ تسع سنوات . ما أسرع ما يمضي العمر !
حين سكنا هنا , كان رائد في نهاية الثانوية , وخالد في المتوسطة , وماجد في الإبتدائية .
والآن رائد تخرج من الجامعة منذ سنوات ,وخالد في الكلية وماجد سينهي دراسة الثانوية هذا الصيف إن شاء الله ويذهب للجامعة العام القادم .
وكانت سنواتي الأولى في هذا البيت مرهقة , حيث برنامج التوصيل الصباحي للمدارس , وهو إلتزام متعب , حيث أوصلهم الثلاثة كل واحد الى باب المدرسة أو القسم في الكلية لرائد . ونقضي الطريق في القصص والنقاشات ,أحيانا مفرحة وفيها ضحك , وأحيانا غاضبة وفيها صراخ ...هكذا حياة الناس , كما يقولون , يوم حلو , يوم مر..
لكني استرجع ذكرى تلك الأيام , وأبتسم ...كانت تزرع بذرة الحب بيني وبين الأولاد...وكانوا يعلمون أن ماما متعبة ووراءها دوام في العمل , وطبخ الغداء قبل الدوام , لكنها لا تفرط بهم , ولا ترضى لهم أن يستعملوا مواصلات عادية فيتعبوا من الإزدحام وربما تتسخ ملابسهم , ويتأخرون على الدوام فيتنغص يومهم كله...
وكنت في بعض الأيام , أحس نفسي متعبة جدا وأطلب أن يعطوني إجازة من توصيلهم , لكنهم يصرخون ويشكون ...ماذا؟ ومن أين سنجد سيارة ؟ الوقت لايكفي ..ماما !!!
وطبعا أضع ملابسي بسرعة وأرضخ للضغوط وأحترم نفسي لأنني لن أقدر عليهم فأنا واحد وهم ثلاثة .
وأظل طوال الطريق أبربر ...ان أمي وأبي لم يوصلوني بسيارة الى مدرسة ذات يوم ..وإنهم مدللون وأنانيون ...
ويبربرون هم من طرفهم ...إي , أمك لم تكن تعرف القيادة , ولم يكن عندها مرسيدس...وينتهي النقاش بصرخة مني , اخرسوا !!!
حيث أصل لنتيجة ان النقاش معهم لن يجدي نفعا...
*******
وأتذكر مرة كنت مستعجلة , ووضعت ملابسي بسرعة, وكانت الكهرباء مقطوعة, وأسرع الأولاد للسيارة قبلي , وذهبت لأضع مكياجا خفيفا على شفتي وعيوني..لأنني ربما أضطر للنزول لمحادثة معلمة أو جارة , ولا أريد أن يكون مظهري غير لائق .
ولبست نظارتي الشمسية السوداء...ووصلت ماجد وخالد ,وعندما وصلنا الجامعة , قلت لرائد تعال معي أريد أن أوصل هذا الدواء لإبنة خالتي التي تعمل موظفة في أحد الأقسام..صعدنا الدرجات سوية وكانت البناية مظلمة قليلا فخلعت النظارات الشمسية, ووقفت عند الشباك , على بسطة الدرج , أتكلم مع رائد ...لكنه حدق في وجهي وظهرت عليه علامات القلق...ماما , مابها عينيك ؟..فاجأني السؤال . وعدت فسألته ببلاهة , ما بها عيوني ؟
إ.نها حمراء..هل أنت مريضة ؟
أقلقني شكله وارتباكه...مددت يدي وفركت عيني , ثم نظرت الى أصابعي وكانت ملطخة بقلم أحمر لتحديد الشفاه وليس قلم الكحل الخاص بالعيون ...وغرقت بنوبة من الضحك ...الكهرباء مقطوعة وأنا لخبطت بين الأقلام ...
وبقيت أضحك وأضحك ..وأتخيل شكلي مثل الساحر الشرير بعيون حمراء...
ووقفت على الدرج أمسح دموع الضحك والكحل الأحمر ...وذهب هو لتسليم الدواء للبنت ,لأن شكلي غير لائق أبدا للمقابلات ...
*****
في هذه الأيام , وحين أصحو فجأة في اليل..الدنيا هدوء وظلام وبرد, إلا صوت الدبابات يشق سكون الشوارع..ويهدر من بعيد ...ثم يقترب , فأسمع أصوات حديد يطقطق ويهتز... فأختبيء تحت الغطاء , وأتذكر اقتراحا سمعته بأن نقول لهم ..هاي خفف السرعة والصوت ..إنكم تقلقون نوم الأطفال ..وضحكت مع نفسي ..كيف سأوصل الرسالة لسائق الدبابة؟
هل أضع له لافتة تحذيرية ,على طرف الشارع مكتوبة بالفسفوراللامع , وأضع بجانبها وجه مبتسم , حتى يتقبل الإقتراح ؟ أم أقف على الرصيف وأصرخ , وأشير بيدي كما نفعل في حياتنا اليومية , في محادثاتنا مع بعضنا ..ربما سيغضب ويسيء فهمي ...وهو لا يعلم اننا سريعوا الغضب والإنفعال , لكن في صدورنا قلوبا دافئة لا تقدر أن تعيش
مع غضب أو حقد ...سرعان ما ننسى .
*****
والأطفال....تذكرت الأطفال العراقيين...ماذا رأوا من طفولتهم؟ خصوصا هؤلاء الذين ولدوا بعد التسعين , أو خلالها..
فتحوا عيونهم وآذانهم ليروا ويسمعوا قنابل ومدافع.. بدل اللعب والهدايا...
ومفردات قاموسهم , حرب وصدام وبوش...
في حرب الكويت , كان بوش الأب, وفي هذه الحرب كان بوش الإبن ,, وكأنهما تعهدا بتصفية حساب العراق بطريقة عائلية, أقصد ثمة تصفية حسابات عائلية قديمة , جاء الإبن ليكملها بعد الأب...
وعندما جاء كلنتون, لم نحس به كثيرا , رغم إنه لم ينسانا من بعض الصواريخ تنطلق من البحر الأحمر...لأهداف محددة في العراق, لكنه لم يكن عدوانيا مثل بوش رقم واحد ورقم اثنين...لا أعرف , كأن ثمة سر يدفعهما للنيل من العراق.
ثم جاءت فضيحة لوينسكي مع كلنتون , وكأنها عقاب له لأنه لم يكن حازما مع العراقيين , ولم يشكل ضغطا على الفلسطينيين , بل ضغط على الإسرئيليين أكثر...فكان عقابه دوامة من الفضائح , أبعدته عن العالم, ونقاطه الساخنة التي بحاجة لحلول سريعة.
وهذا ما أخشاه أن يحدث لو سقط بوش في الإنتخابات القادمة, ويأتي مرشح أقل عدوانية منه , وأكثر هدوءا في معالجة الأمور, فتحاك ضده المؤامرات لإفشاله وإسقاطه , فالنفوذ هناك في أميركا , بأيدي الذين يملكون الأموال الكثيرة, وهم يحبون أن يوجهوا السياسة حيث مصالحهم, ويدمروا كل شيء في طريقهم....
ونحن والشعب الأمريكي ...سنكون الضحايا الخاسرة .
*****
أبو سالي ...السائق الجديد الذي يأخذ ماجد للمدرسة صباحا , وبعض الأيام للدروس الخصوصية, مساء.
قبل يومين , نسي ماجد أن يبلغني أن عنده درسا بعد الظهر, وكان عندي موعدا مع طبيب الأسنان , فخرجت وتركته نائما, لأنه متعب , وقلت سأتصل به من خارج البيت لأطمئن عليه .
ماجد ظل نائما ولم يأتي أبو سالي ...وراح الدرس.
لا يوجد عنده تلفون , وغاب الرجل يومين , ثم ظهر...
وجاء اليوم ماجد يضحك ويحكي قصته...
عندما كان ماجد نائما, رن أبو سالي الجرس , لكن الكهرباء كانت مقطوعة, ولم يسمع ماجد, وظل الرجل حائرا ما يفعل, فقال في نفسه ..سأعمل جولة صغيرة حول المنطقة وأعود لماجد.
وخلال جولته, أشار له رجلا يحمل أكياسا فيها خضار وفواكه , فتوقف ليوصله , وكان مقصده قريب ويقع في شارع في المنطقة حول بيتنا. وعندما وصل , قال الزبون أوقفني هنا عند رأس الفرع . وقف أبو سالي , ونزل الرجل ووضع أكياسه أرضا خارج السيارة, ثم أدخل جسمه داخل السيارة , وظن أبو سالي إنه سيعطيه الحساب, لكنه أشهر عليه مسدسا , ووضعه على رأسه. وقال له إنزل من السيارة, لكن السائق يقول ان الشجاعة تأتي إلهام من الله, مددت يدي وأخذت المسدس بسرعة, وضغطت على البنزين , وانطلقت السيارة بسرعة , فسقط المعتدي أرضا...لكن ثمة سيارة تقف وتراقب الحادث , انطلقت خلف السائق بسرعة , ويقول إنه أمضى وقتا طويلا يسرع في الشوارع وهم يلحقون به, في نفس المنطقة, وكان يضطر لصعود الجزيرة الوسطية أحيانا أو يدخل شوارع بعكس الإتجاه , وهم يلحقون به , حتى وصل محلات قصابين يعرفهم , فأدخل السيارة بسرعة داخل السوق , ونادى من الشباك, انقذوني , يوجد خلفي سلابه....وهرع اليه القصابون بسواطيرهم وسكاكينهم , وبعضهم عنده كلاشينكوف, ووقفوا كلهم الى جانبه...ففرت سيارة السلابة خائبة...
كل يوم يعيش أهل بغداد هذه القصص , بعضها نهايته سعيدة كما حدث مع أبو سالي وبعضهم نهايته حزينة, كما حدث مع سائقي أبو علي منذ شهور , حيث أطلقوا عليه النار وأخذوا سيارته وتركوه يتخبط بدمه , لولا عابر طريق إنتبه وأخذه للمستشفى , وتم إنقاذ حياته في اللحظات الأخيرة...وقلنا له لا تحزن المهم سلامتك , وتبقى لترعى زوجتك وأولادك ...
كل شيء يمكن تعويضه , لكن الإنسان الذي يذهب , لا أحد يسد عنه .
*****