Wednesday, February 18, 2004
الأحد 15/2
بالأمس كان يوم عيد الفالنتين...
العالم يغرق برسائل الحب..وهدايا الحب ...والعراق يغرق في دوامات أخرى..
وتصلني رسائل بريدية مواسية وتلوم بوش على ما يحدث ..وأخرى غاضبة تبرر وتدافع عنه ...وأقرأ ما بين السطور...نحن العراقيين ناكرين للجميل والتضحيات التي قدمتها الإدارة الأمريكية من أجلنا ...وما زالت .
*****
من يصدق أن نظاما رأسماليا يفكر دائما بحسابات الربح والخسارة في كل أمور الحياة ... يتحول فجأة الى جمعية خيرية تحارب وتقدم التضحيات من شبابها وأموال ميزانيتها ...لضرب الشر ..وإقامة دولة الخير والعدالة والحرية , في بلد يبعد عنها عشرات الآلاف من الكيلومترات ... حيث لا تشابه فكري أو ثقافي بينهما ..لا من بعيد ولا من قريب .
ويحزن قلبي , ذلك الغاضب الذي يقول ..ليتنا وضعنا سياجا حول أميركا , ولا نتعامل مع أحد من دول العالم ..لأنهم,بما معناه ,لا يقدرون تضحياتنا من أجلهم , ولو وضعنا السياج لصرخوا أين أنتم ؟ لماذا لا تأتون لإنقاذنا ؟
وضعت يدي على خدي وابتسمت بمرارة ....كيف أشرح ؟ ومن أين أبدأ ؟
انت الذي تعيش في أميركا مواطنا محترما لك حقوق محفوظة ...وكرامة ,تكفلها لك حكومتك . التي تتدخل في شؤون دول أخرى لتهين شعوبها وتفقدها كرامتها...وتسفه تاريخها وتراثها وكأنها تقول ..إخلعوا هوياتكم ..واخضعوا لنا ..وسترون إي متعة أن تعيشوا تابعين لنا ...تأكلون من وجباتنا , وتلبسون أزياءنا وتسمعون أغانينا وتذوبون كنقطة حبر في ماء البحر...فتنظرون للأمور كما ننظر لها وتفسرونها كما نحب نحن ..هكذا تستحقون الحياة التي نريدها لكم ...لا شيء ..سوى حياة أفراد تابعين . مثل شعب ميتركس...في الفيلم الشهير...مجرد مخلوقات تابعة . تسمع الأوامر وتنفذ ..لا تناقش ولا تعترض .
*****
الإدارة الأمريكية ظلت تخطط لهذه الحرب سنوات طويلة ..تنوي ثم تؤجل ..حتى حسمت أمرها.
ودخلت الحرب بثقة وعزيمة ..دونما مراعاة لكل التحذيرات التي أطلقتها دول العالم وخصوصا دول أوروبا الغربية ..من خطورة الدخول في هكذا مغامرة...لكن الإدارة العنيدة الواثقة من نفسها ,لم ترضخ للضغوط , وأعلنت غضبها من تلك التصريحات , وتصرفت بعدوانية ضد ألمانيا وفرنسا وروسيا...ودقت طبول الحرب .
حسنا... ..قامت الحرب , وبخطة ما , سرية أو معلنة , تم إسقاط النظام , وفرض الإحتلال , وبوش يلقي الخطب , ويعلن النصر , ومن حوله المصفقين , ونحن نبحلق في الشاشة حائرين ..نصفق له أم نبكي على حالنا ؟
جاءت جيوش جبارة ضد دولة تلفظ أنفاسها ...واستمتعت بالنصر والتصفيق ؟
وكأن ثمة رجل محبط فاشل يملك جرافة , يريد أن يقنع نفسه بأنه بطل ..فهجم على كوخ بعيد ..وحطمه على أهله ..لينال التصفيق من المارين في الشارع . ليس وحده المغفل ...فالمصفقين له مثله , يملكون نفس القيم والمباديء في تفسير أمور الحياة . القوي يأكل الضعيف ...هكذا قانون الغابة.
ثم بدأت الكوارث تنهال على رأس الإدارة الأمريكية...فوضى وقتل وسلب في الشارع العراقي ...وتفجيرات تستهدف الجيش الأمريكي ..
والعراقي في حيرة من أمره ..ما الذي يحدث؟ أحد احتمالين لا ثالث لهما ...إما سوء تخطيط وسوء إدارة للوضع العام . أو كل ما يحدث مقصود به مزيد من الدمار للعراق حتى ينهك . وتسلب ثرواته وأهله في غفلة من أمرهم .
فإن كان الإحتمال الأول هو الصحيح ,فإن بوش يجب أن يستقيل لأنه فشل في المهمةالتي أخذها على مسؤوليته ,
إسقاط النظام وإقامة دولة جديدة قوية وحرة .
وإن كان الإحتمال الثاني هو الصحيح , فهو أيضا خاسر لأنه فتح دوامة العنف التي لا تنتهي .
****
في بداية سقوط بغداد تفاءلنا , وقلنا نعطيهم فرصة ولا نسيء الظن بهم , لكن بمرور الوقت , والفرص تتبدد , والأعذار تقريبا انتهت , ما عدنا نتقبل فكرة براءتهم مما يحدث .
كل الأحداث تصب بإتجاه تأجيج الكراهية بين السنة والشيعة , والعرب والأكراد . وكأن عراقا فدراليا , شعارا نادوا به من الأيام الأولى , ويسعون من أجل تنفيذه , والأيام تدفع باتجاهه .
وتدمير كل نواة لجيش أو شرطة عراقية , تدفع لبقاء الإحتلال لفترة أطول ...
من له المصلحة ويريد للقوات الأمريكية أن تبقى ؟
وإدارة بوش تتخبط , فبعد أن رفع راية الحرب لوحده ..جاء بشعار جديد ..مشاركة دول العالم في صناعة السلام , وصار يرسل قوات من دول أخرى لإبدالها محل قواته العائدة الى ديارها ..
ما جدوى التخطيط لسنوات , ثم تأتى النتائج كارثية كهذه ...
ثم تأتي ورقة القبض على صدام ..كارت رابح نوعا ما لزيادة الرصيد في الإنتخابات ,لكن العراقيين يقولون انه لن تتم محاكمته ..وسيجدون قصة لتغطية ذلك ..إما مرضه أو موته , لأن التحقيق معه سيفضح أسرارا لا تريد أميركا أن يسمعها العالم...فهو كان شريكهم حتى وقت ما ..ثم انقلبوا عليه أو انقلب عليهم ,لا يهم , فالنتيجة واحدة. وكما يقول مثل قديم : ليس للإمبريالية أصدقاء...فقد أساء صدام حسين اختيار أصدقاءه , ولم يتوقع أن يبيعوه بهذا الثمن البخس..ويتخلوا عنه بسهولة .
والمشاريع التي ينتظر العراقيون أن تنشط وتشغل أيديهم العاطلة عن العمل .أين هي ؟
بعضها نسمع عن إحالته لشركات أجنبية بأسعار خيالية, وبعضها لمقاولين محليين ,وبأسعار عالية أيضا , والناس تضحك وتتهامس , الأمريكي المسؤول يريد حصته من المقاولة قبل إحالتها وتوقيعها ..أين الشعب الأمريكي يأتي وينظر ويسمع ما يحدث هنا ؟ المواطن الأمريكي يظن نفسه هناك قد أرسل ملائكة مندوبين عنه لإقامة العدالة على الأرض . وواقع الحال يختلف .
نزلت أجهزة الموبايل الجديدة الى بغداد . شيء جميل , لكن تعالوا نسمع التفاصيل ..الشركة أخذت العقد كاملا دون منافسة لمنطقة بغداد , والأسعار تتحكم بها كما تشاء ,فأنت مرغم أن تأخذ الخط ومعه جهاز موبايل ,وإن رفضت وقلت عندي جهاز أريد فقط الخط الذي دفعت عربونا له منذ شهور , يرفضون الفكرة , ويجبرونك على شراء الجهاز . الخط قيمته تسعة وستون دولار , والجهاز سعره يتراوح بين خمسة وثمانين الى خمسمائة دولار وتدفع مبلغا شهريا مقطوعا غير مسترد ..رسوم !
وسعر الدقيقة عالي مقارنة بشركات الموبايل في الأردن مثلا أو الدول المجاورة.
طيب , السؤال : من أحال هذه المقاولة لهذه الشركة ؟ ولماذا أعطاها حق التحكم الجائر في السوق ؟
وما جدوى وجود الأمريكان ؟ وما مدى تدخلهم لتصليح هذه التصرفات الرأسمالية الفاشلة ؟
وهل صفقة كهذه تعتبر شفافة , بعيدة من الشبهات ؟
والمدارس وإصلاحها ...تم اصلاح الشبابيك المكسورة وإعادة صبغ البناء كله ..لا أظن ثمة تجهيزات راقية قد أضيفت, والمبالغ التي صرفت للمقاولين قد كانت حديثا ساخرا للناس في وقتها , مبالغ خيالية مقابل انجازات بسيطة.
والمستشفيات , إن حدث تطوير في الأدوية أو منظومات وأجهزة فحسب علمي وتجربتي , معظم الممولين هم منظمات انسانية,,قامت بالأعمال من تمويل خارجي , مصدره دول مختلفة في العالم .
لا توجد شفافية ...والشكوك كثيرة والقصص أكثر . والذي يعيش هنا محبط , والذي يعيش هناك تصله الأخبار عبر شبكات إعلام مفلترة , تريد أن ترسم صورة جميلة مثالية ...وتصور القوات الأمريكية انها السيد المسيح المخلص , ونحن شعب الأشرار, نسرق وندمر الإنجازات .
والدينار الجديد , نعم طبعة ممتازة , وثبت سعره نوعا ما ,لكن قيمته الشرائية للمواطن ما زالت ضعيفة .
لا بد من مشاريع كبيرة ,وإقتصاد قوي ,ليكون للدينار الجديد معنى.
كل شيء هنا مجمد ....حتى ظهور نتائج الإنتخابات الأمريكية ...هكذا يبدو واقع الحال .
ليس ثمة خطة جاهزة واضحة للعمل وإعادة الحياة.لا تقل لي التفجيرات ! هذه أيضا يتم التركيز عليها والمبالغة في وسائل الإعلام ...لتبرير الفشل عن القيام بأي إنجاز واضح .
مناطق الجنوب هي الأكثر هدوءا واستقرارا, أين هي المشاريع التي قامت وأعادت الحياة ؟ حتى المنظمات غير الحكومية العراقية التي تقوم بمشاريع إعادة تأسيس المجتمع المدني ,تبحث عن ممولين محليين أو أجانب ,دون جدوى....وتنتظر معجزة ما تبقيها على قيد الحياة .
الشهر القادم سيكون قد مر سنة على شن الحرب , والذي بعده سنة على نهايتها..وماذا تم إنجازه ؟
كل شيء يمشي كالسلحفاة...والوقت يتبدد بالإنتظار..ووسائل الإعلام الأمريكية تقنع شعبها ان كل شيء على ما يرام ’ ونحن نرى تقصيرا , لا نعلم مقصود أم عفوي ,لكن الأداء ضعيف ولا يناسب ما توقعناه .
وحتى لا أنسى ’ المناهج الدراسية أعيدت طباعتها, هي نفسها , فقط صفحات بيضاء بدل صور صدام ,أو المواضيع عنه ؟ كم كلفت الميزانية هذه الخطوة ؟ ألم يكن خلع تلك الصفحات بسهولة وتوفير مصاريف الطباعة؟
ما دام النتيجة بهذه السذاجة ؟
*****
ومحطات تلفزيونية وإذاعية ,محلية أو فضائية , تبث ليل نهار ,لتثبيت غسيل الأدمغة المستمر..
وتتساءل من يمولها ؟ فيكون الجواب إما أميركا أو بريطانيا ...
وهذه معظمها موجه للشباب , لماذا ؟ لأنهم الجيل الذي له المستقبل ,وأي مستقبل يمكن أن يكون مع جيل يأكل شيبس برنغلز , ويسمع ويشاهد أغاني وفديو كليب كلها تحمل هوية واحدة , لا تعرف إن كانت عربية أو غربية إلا إذا رفعت صوت التلفزيون لتسمع اللغة ؟ نساء شبه عاريات ..ورقص ..وموسيقى صاخبة .
ويأكل هذا الجيل منتجات مكدونالدز, ويشرب كوكاكولا , ويحفظ أسماء الأفلام الأمريكية والمسلسلات والممثلين
وكذلك أسماء الأغاني , والفرق الموسيقية , وكل شيء لا علاقة له بالجذور...لا تاريخ ولا أدب ولا ثقافة ولا دين .
هؤلاء رجال ونساء المستقبل , الذي تراهن عليه أمريكا , بعد أن ينقرض الجيل الذي يفكر ويعترض .
فأي مستقبل ينتظر أولادنا ؟ وأي مستقبل ستعيشه بلادنا ؟
****
أميركا لا تكف عن التدخل في شؤون الدول.,إبتداء من الأمور العسكرية والإقتصادية والإعلام وحتى المناهج الدراسية., والتي تلتزم حكوماتها بالتعليمات ,تغدق عليها بعض الفتات مما يحسن إقتصادها ,ويدعم بقاء تلك الحكومة. لا يهم الأمور الداخلية لتلك الحكومة وحقيقة علاقتها بشعبها ومقدار رضاه عنها...المهم رضاء أميركا
هو العامل الرئيسي الذي يضمن البقاء..
والحكومات التي لا تلتزم بالتعليمات والتوجيهات ..تدق عليها الطبول في وسائل الإعلام وتفتح ملفات إما أسلحة نووية أو حقوق إنسان !...الم تصبح هذه القصص معروفة ومضحكة ,وتمتليئ بها وسائل الإعلام الغربية ؟
على من يضحكون ؟ على شعوبهم أم على شعوبنا ؟
وبعد هذا وذاك ..فأنا أعود لفكرة صاحب الرسالة الغاضب ,أن تضع أميركا سياجا حول نفسها , فهي فكرة عظيمة ...وأبتسم ,وأتوقع كيف سيكون حال العالم , بدون فكرة : الأخ الأكبر يراقبكم ,فالتزموا بتعليماته!
أظنه سيكون عالما أكثر سعادة من هذا ...
*****
بالأمس كان يوم عيد الفالنتين...
العالم يغرق برسائل الحب..وهدايا الحب ...والعراق يغرق في دوامات أخرى..
وتصلني رسائل بريدية مواسية وتلوم بوش على ما يحدث ..وأخرى غاضبة تبرر وتدافع عنه ...وأقرأ ما بين السطور...نحن العراقيين ناكرين للجميل والتضحيات التي قدمتها الإدارة الأمريكية من أجلنا ...وما زالت .
*****
من يصدق أن نظاما رأسماليا يفكر دائما بحسابات الربح والخسارة في كل أمور الحياة ... يتحول فجأة الى جمعية خيرية تحارب وتقدم التضحيات من شبابها وأموال ميزانيتها ...لضرب الشر ..وإقامة دولة الخير والعدالة والحرية , في بلد يبعد عنها عشرات الآلاف من الكيلومترات ... حيث لا تشابه فكري أو ثقافي بينهما ..لا من بعيد ولا من قريب .
ويحزن قلبي , ذلك الغاضب الذي يقول ..ليتنا وضعنا سياجا حول أميركا , ولا نتعامل مع أحد من دول العالم ..لأنهم,بما معناه ,لا يقدرون تضحياتنا من أجلهم , ولو وضعنا السياج لصرخوا أين أنتم ؟ لماذا لا تأتون لإنقاذنا ؟
وضعت يدي على خدي وابتسمت بمرارة ....كيف أشرح ؟ ومن أين أبدأ ؟
انت الذي تعيش في أميركا مواطنا محترما لك حقوق محفوظة ...وكرامة ,تكفلها لك حكومتك . التي تتدخل في شؤون دول أخرى لتهين شعوبها وتفقدها كرامتها...وتسفه تاريخها وتراثها وكأنها تقول ..إخلعوا هوياتكم ..واخضعوا لنا ..وسترون إي متعة أن تعيشوا تابعين لنا ...تأكلون من وجباتنا , وتلبسون أزياءنا وتسمعون أغانينا وتذوبون كنقطة حبر في ماء البحر...فتنظرون للأمور كما ننظر لها وتفسرونها كما نحب نحن ..هكذا تستحقون الحياة التي نريدها لكم ...لا شيء ..سوى حياة أفراد تابعين . مثل شعب ميتركس...في الفيلم الشهير...مجرد مخلوقات تابعة . تسمع الأوامر وتنفذ ..لا تناقش ولا تعترض .
*****
الإدارة الأمريكية ظلت تخطط لهذه الحرب سنوات طويلة ..تنوي ثم تؤجل ..حتى حسمت أمرها.
ودخلت الحرب بثقة وعزيمة ..دونما مراعاة لكل التحذيرات التي أطلقتها دول العالم وخصوصا دول أوروبا الغربية ..من خطورة الدخول في هكذا مغامرة...لكن الإدارة العنيدة الواثقة من نفسها ,لم ترضخ للضغوط , وأعلنت غضبها من تلك التصريحات , وتصرفت بعدوانية ضد ألمانيا وفرنسا وروسيا...ودقت طبول الحرب .
حسنا... ..قامت الحرب , وبخطة ما , سرية أو معلنة , تم إسقاط النظام , وفرض الإحتلال , وبوش يلقي الخطب , ويعلن النصر , ومن حوله المصفقين , ونحن نبحلق في الشاشة حائرين ..نصفق له أم نبكي على حالنا ؟
جاءت جيوش جبارة ضد دولة تلفظ أنفاسها ...واستمتعت بالنصر والتصفيق ؟
وكأن ثمة رجل محبط فاشل يملك جرافة , يريد أن يقنع نفسه بأنه بطل ..فهجم على كوخ بعيد ..وحطمه على أهله ..لينال التصفيق من المارين في الشارع . ليس وحده المغفل ...فالمصفقين له مثله , يملكون نفس القيم والمباديء في تفسير أمور الحياة . القوي يأكل الضعيف ...هكذا قانون الغابة.
ثم بدأت الكوارث تنهال على رأس الإدارة الأمريكية...فوضى وقتل وسلب في الشارع العراقي ...وتفجيرات تستهدف الجيش الأمريكي ..
والعراقي في حيرة من أمره ..ما الذي يحدث؟ أحد احتمالين لا ثالث لهما ...إما سوء تخطيط وسوء إدارة للوضع العام . أو كل ما يحدث مقصود به مزيد من الدمار للعراق حتى ينهك . وتسلب ثرواته وأهله في غفلة من أمرهم .
فإن كان الإحتمال الأول هو الصحيح ,فإن بوش يجب أن يستقيل لأنه فشل في المهمةالتي أخذها على مسؤوليته ,
إسقاط النظام وإقامة دولة جديدة قوية وحرة .
وإن كان الإحتمال الثاني هو الصحيح , فهو أيضا خاسر لأنه فتح دوامة العنف التي لا تنتهي .
****
في بداية سقوط بغداد تفاءلنا , وقلنا نعطيهم فرصة ولا نسيء الظن بهم , لكن بمرور الوقت , والفرص تتبدد , والأعذار تقريبا انتهت , ما عدنا نتقبل فكرة براءتهم مما يحدث .
كل الأحداث تصب بإتجاه تأجيج الكراهية بين السنة والشيعة , والعرب والأكراد . وكأن عراقا فدراليا , شعارا نادوا به من الأيام الأولى , ويسعون من أجل تنفيذه , والأيام تدفع باتجاهه .
وتدمير كل نواة لجيش أو شرطة عراقية , تدفع لبقاء الإحتلال لفترة أطول ...
من له المصلحة ويريد للقوات الأمريكية أن تبقى ؟
وإدارة بوش تتخبط , فبعد أن رفع راية الحرب لوحده ..جاء بشعار جديد ..مشاركة دول العالم في صناعة السلام , وصار يرسل قوات من دول أخرى لإبدالها محل قواته العائدة الى ديارها ..
ما جدوى التخطيط لسنوات , ثم تأتى النتائج كارثية كهذه ...
ثم تأتي ورقة القبض على صدام ..كارت رابح نوعا ما لزيادة الرصيد في الإنتخابات ,لكن العراقيين يقولون انه لن تتم محاكمته ..وسيجدون قصة لتغطية ذلك ..إما مرضه أو موته , لأن التحقيق معه سيفضح أسرارا لا تريد أميركا أن يسمعها العالم...فهو كان شريكهم حتى وقت ما ..ثم انقلبوا عليه أو انقلب عليهم ,لا يهم , فالنتيجة واحدة. وكما يقول مثل قديم : ليس للإمبريالية أصدقاء...فقد أساء صدام حسين اختيار أصدقاءه , ولم يتوقع أن يبيعوه بهذا الثمن البخس..ويتخلوا عنه بسهولة .
والمشاريع التي ينتظر العراقيون أن تنشط وتشغل أيديهم العاطلة عن العمل .أين هي ؟
بعضها نسمع عن إحالته لشركات أجنبية بأسعار خيالية, وبعضها لمقاولين محليين ,وبأسعار عالية أيضا , والناس تضحك وتتهامس , الأمريكي المسؤول يريد حصته من المقاولة قبل إحالتها وتوقيعها ..أين الشعب الأمريكي يأتي وينظر ويسمع ما يحدث هنا ؟ المواطن الأمريكي يظن نفسه هناك قد أرسل ملائكة مندوبين عنه لإقامة العدالة على الأرض . وواقع الحال يختلف .
نزلت أجهزة الموبايل الجديدة الى بغداد . شيء جميل , لكن تعالوا نسمع التفاصيل ..الشركة أخذت العقد كاملا دون منافسة لمنطقة بغداد , والأسعار تتحكم بها كما تشاء ,فأنت مرغم أن تأخذ الخط ومعه جهاز موبايل ,وإن رفضت وقلت عندي جهاز أريد فقط الخط الذي دفعت عربونا له منذ شهور , يرفضون الفكرة , ويجبرونك على شراء الجهاز . الخط قيمته تسعة وستون دولار , والجهاز سعره يتراوح بين خمسة وثمانين الى خمسمائة دولار وتدفع مبلغا شهريا مقطوعا غير مسترد ..رسوم !
وسعر الدقيقة عالي مقارنة بشركات الموبايل في الأردن مثلا أو الدول المجاورة.
طيب , السؤال : من أحال هذه المقاولة لهذه الشركة ؟ ولماذا أعطاها حق التحكم الجائر في السوق ؟
وما جدوى وجود الأمريكان ؟ وما مدى تدخلهم لتصليح هذه التصرفات الرأسمالية الفاشلة ؟
وهل صفقة كهذه تعتبر شفافة , بعيدة من الشبهات ؟
والمدارس وإصلاحها ...تم اصلاح الشبابيك المكسورة وإعادة صبغ البناء كله ..لا أظن ثمة تجهيزات راقية قد أضيفت, والمبالغ التي صرفت للمقاولين قد كانت حديثا ساخرا للناس في وقتها , مبالغ خيالية مقابل انجازات بسيطة.
والمستشفيات , إن حدث تطوير في الأدوية أو منظومات وأجهزة فحسب علمي وتجربتي , معظم الممولين هم منظمات انسانية,,قامت بالأعمال من تمويل خارجي , مصدره دول مختلفة في العالم .
لا توجد شفافية ...والشكوك كثيرة والقصص أكثر . والذي يعيش هنا محبط , والذي يعيش هناك تصله الأخبار عبر شبكات إعلام مفلترة , تريد أن ترسم صورة جميلة مثالية ...وتصور القوات الأمريكية انها السيد المسيح المخلص , ونحن شعب الأشرار, نسرق وندمر الإنجازات .
والدينار الجديد , نعم طبعة ممتازة , وثبت سعره نوعا ما ,لكن قيمته الشرائية للمواطن ما زالت ضعيفة .
لا بد من مشاريع كبيرة ,وإقتصاد قوي ,ليكون للدينار الجديد معنى.
كل شيء هنا مجمد ....حتى ظهور نتائج الإنتخابات الأمريكية ...هكذا يبدو واقع الحال .
ليس ثمة خطة جاهزة واضحة للعمل وإعادة الحياة.لا تقل لي التفجيرات ! هذه أيضا يتم التركيز عليها والمبالغة في وسائل الإعلام ...لتبرير الفشل عن القيام بأي إنجاز واضح .
مناطق الجنوب هي الأكثر هدوءا واستقرارا, أين هي المشاريع التي قامت وأعادت الحياة ؟ حتى المنظمات غير الحكومية العراقية التي تقوم بمشاريع إعادة تأسيس المجتمع المدني ,تبحث عن ممولين محليين أو أجانب ,دون جدوى....وتنتظر معجزة ما تبقيها على قيد الحياة .
الشهر القادم سيكون قد مر سنة على شن الحرب , والذي بعده سنة على نهايتها..وماذا تم إنجازه ؟
كل شيء يمشي كالسلحفاة...والوقت يتبدد بالإنتظار..ووسائل الإعلام الأمريكية تقنع شعبها ان كل شيء على ما يرام ’ ونحن نرى تقصيرا , لا نعلم مقصود أم عفوي ,لكن الأداء ضعيف ولا يناسب ما توقعناه .
وحتى لا أنسى ’ المناهج الدراسية أعيدت طباعتها, هي نفسها , فقط صفحات بيضاء بدل صور صدام ,أو المواضيع عنه ؟ كم كلفت الميزانية هذه الخطوة ؟ ألم يكن خلع تلك الصفحات بسهولة وتوفير مصاريف الطباعة؟
ما دام النتيجة بهذه السذاجة ؟
*****
ومحطات تلفزيونية وإذاعية ,محلية أو فضائية , تبث ليل نهار ,لتثبيت غسيل الأدمغة المستمر..
وتتساءل من يمولها ؟ فيكون الجواب إما أميركا أو بريطانيا ...
وهذه معظمها موجه للشباب , لماذا ؟ لأنهم الجيل الذي له المستقبل ,وأي مستقبل يمكن أن يكون مع جيل يأكل شيبس برنغلز , ويسمع ويشاهد أغاني وفديو كليب كلها تحمل هوية واحدة , لا تعرف إن كانت عربية أو غربية إلا إذا رفعت صوت التلفزيون لتسمع اللغة ؟ نساء شبه عاريات ..ورقص ..وموسيقى صاخبة .
ويأكل هذا الجيل منتجات مكدونالدز, ويشرب كوكاكولا , ويحفظ أسماء الأفلام الأمريكية والمسلسلات والممثلين
وكذلك أسماء الأغاني , والفرق الموسيقية , وكل شيء لا علاقة له بالجذور...لا تاريخ ولا أدب ولا ثقافة ولا دين .
هؤلاء رجال ونساء المستقبل , الذي تراهن عليه أمريكا , بعد أن ينقرض الجيل الذي يفكر ويعترض .
فأي مستقبل ينتظر أولادنا ؟ وأي مستقبل ستعيشه بلادنا ؟
****
أميركا لا تكف عن التدخل في شؤون الدول.,إبتداء من الأمور العسكرية والإقتصادية والإعلام وحتى المناهج الدراسية., والتي تلتزم حكوماتها بالتعليمات ,تغدق عليها بعض الفتات مما يحسن إقتصادها ,ويدعم بقاء تلك الحكومة. لا يهم الأمور الداخلية لتلك الحكومة وحقيقة علاقتها بشعبها ومقدار رضاه عنها...المهم رضاء أميركا
هو العامل الرئيسي الذي يضمن البقاء..
والحكومات التي لا تلتزم بالتعليمات والتوجيهات ..تدق عليها الطبول في وسائل الإعلام وتفتح ملفات إما أسلحة نووية أو حقوق إنسان !...الم تصبح هذه القصص معروفة ومضحكة ,وتمتليئ بها وسائل الإعلام الغربية ؟
على من يضحكون ؟ على شعوبهم أم على شعوبنا ؟
وبعد هذا وذاك ..فأنا أعود لفكرة صاحب الرسالة الغاضب ,أن تضع أميركا سياجا حول نفسها , فهي فكرة عظيمة ...وأبتسم ,وأتوقع كيف سيكون حال العالم , بدون فكرة : الأخ الأكبر يراقبكم ,فالتزموا بتعليماته!
أظنه سيكون عالما أكثر سعادة من هذا ...
*****