Sunday, April 10, 2011

 

تجارب مفيده .....


الاحد 10 نيسان 2011
السلام عليكم ,
انا مازلت في القاهره ومشغوله ومتفرغه للدراسه , حياتي هنا هادئه جدا وليس فيها سوى الدراسه والبحوث , وليس عندي اي علاقات اجتماعيه سوى زميلاتي في الدراسه , حيث نتقابل مرتين في الجامعه اسبوعيا , وربما اذهب للجامعه يوم اخر لقضاء الوقت في المكتبه ..
هذا العالم اكثر راحة من تجارب العمل , العمل متعب ونضطر دائما للعمل مع أناس لا ننسجم معهم كثيرا, ربما في سلوكهم او في افكارهم لا يوجد ما يتطابق كثيرا مع سلوكنا او افكارنا .
طبعا الدراسه هي محطة استراحه للانطلاق ثانية الى اجواء العمل , لكنني اتمنى ان اكمل دراستي في الماستر والدكتوراه ثم اتفرغ للعمل في الجامعه فقط , حيث الاجواء هنا اكثر استقرارا والمهمات واضحه ومحدده لكل من يعمل في طاقم التدريس ( تحضير المنهج ,تحضير بحوث , اعطاء محاضرات ,وحضور مؤتمرات وغيرها من امور تتعلق بالتخصص العلمي ) هذه مريحه اكثر من العمل في منظمات محليه او عالميه او مع حكومات ..
لماذا ؟
لان تجاربي السابقه ارهقتني كثيرا , انا انسانه عندها مباديء ثابته , وهذه الدنيا صارت ملونه والاشياء مختلطه مع بعضها بطريقة تسبب الضياع لمن لا يملك ثوابت , وتسبب التعب لمن يملك ثوابت ، سيبقى في حالة صراع دائم كيف يوفق بين عمله ومبادئه؟
هل يتنازل عنها لارضاء الزملاء والمدراء ؟ ام يعض عليها بالنواجذ ويدفع الثمن انه وحيد مستوحش , وطريق الحق موحش دائما وسالكوه قلة قليله ...
**********************************
كلما تعمقت في الدراسه الآن عن ادارة المشاريع مثلا او ادارة الموظفين , نظرت للوراء وقيمت تجاربي ,
يعني التجربه في الميدان شيء , والدراسه الاكاديميه شي آخر, وكل واحد فينا يحتاج الاثنين معا حتى يرتقي بفهمه للامور , وحتى يطور تفكيره وأداءه ..
وأعود للوراء لاتذكر تجاربي الشاقه في العمل في السنوات الاخيرة , في الاردن 2007 عندما عملت مع منظمة نسائيه اردنيه كبيرة ومعروفه , كمنسقة مشروع للاجئين العراقيين في الاردن , هذه المنظمه لها فكر يساري تقدمي , هكذا يقدمون انفسهم للاخرين , وشاركوا بمظاهرات كثيرة ضد غزو العراق , وطبعا هذه مؤشرات قويه انهم أناس وطنيين عندهم مباديء , لذلك وافقت على العمل معهم مع انني اتجاهاتي دينيه مستقله معتدله لا حزبيه ولا متطرفه , وهم علمانيات , قلت لنفسي انا لا يهمني دينهم المهم مبادئهم المعلنه والتي تناصر حقوق النساء مثلا والشعوب المحتله مثل الذين في العراق وفلسطين , لكن بعد شهر من العمل , اكتشفت اسرار الاداره داخل المنظمه , رأيت الفوضى والامبالاة وسوء الاداره , رأيت الكذب والغش في توثيق المشاريع للممولين , والمديرة تبرر ان هذا حق طبيعي حتى نحصل على تمويل ندفع منه نفقات الماء والكهرباء ورواتب موظفاتنا الدائميات ..
كانت المديرة تعمل اجتماعات دوريه بين منسقات المشاريع (كل مشروع له ممول وكل مشروع له منسقه تقدم التقارير لذلك الممول عن انجاز العمل ), ورأيتها تعلمهم كيف يقدمون توثيق وهمي , حتى يتم الحصول على الاموال بطريقه قانونيه , حتى المدقق القانوني المخول من قبل الجهة المموله لا يكتشف التزوير ويقدم ضدهم بلاغ ...
وكنت اجلس في الاجتماعات ابتسم واتعجب ويدور وجهي في القاعه ابحث عن واحده ترفع يدها وتعترض , ولم اجد ولا واحده طوال سنة كامله عملت فيها معهم , وكنت اتعجب من هؤلاء الناس الذين ماتت ضمائرهم , هم يبررون هذا ( شو نسوي ؟ بدنا نعيش !)
مساكين اهل الدنيا ...
وكنت اتأسف على الجيل الجديد , الشابات اللواتي يتعلمن على يد هذه المديرة كيف يصبحن حراميات عديمات الضمير , وهن في بداية العشرينات من اعمارهن وفي بداية حياتهن المهنيه , للاسف , هذه المديرة قدوة لهن , في عالم مضطرب ماعاد الناس يعرفون مامعنى قدوة؟
القدوة ربما صار هو من يجلس على كرسي السلطه ( مدير أو وزير ...) وعنده القرار المالي بصرف الاموال , والقرار الاداري كيف يتوجه العمل وكيف يتم انجازه ,هذا هو القدوة مادامه صاحب الامر , يعني لا احد يجرؤ ان يعترض عليه ,
والناس عادة ضعفاء , والمدير عادة فاسد ...
وهكذا تمضي الحياة في معظم الاماكن في عالمنا المعاصر ...
*********************************
وانا طبعا رفضت ان اطبق اي شيء من التعليمات , كنت اعرف انها تحترمني وتخاف مني لانها تراني واثقه من نفسي وعنيده وعندي تخويل من الممول ( المفوضيه العليا للاجئين في الاردن ) ان ابلغ عن اي غش او تزوير في التوثيق, كنت اعلم انها وكل موظفاتها لا يحبوني , لانني لم اوفر للمنظمه اموال , صرفت اموال المشروع على مستحقيها من النساء والاطفال العراقيين حسب برنامج الميزانيه , ومشتريات للمشروع , ورواتب موظفات المشروع.
رواتب الموظفات , هذه بقيت نقطة ضعف لم اتمكن من السيطره عليها , الموظفات فقيرات وتم تعيينهن من قبل المديرة , وهي تخصم من راتبهن مبلغ شهري كتبرع اجباري للمنظمه , هن يوقعن انهن استلمن الراتب كاملا , وهذا ابتزاز واضح , لانهن لسن عضوات في تلك المنظمه , هن موظفات على المشروع فقط, وخدعتهن المديرة حين قالت هذا الخصم هو توفير لرواتبكم بعد نهاية المشروع تبقون في العمل واعطيكم رواتب مما وفرته , وطبعا لم تصدق وعدها, انتهى المشروع وانهت عقودهن واخذت فلوسهن زورا وبهتانا ,
لكن من سيشتكي ضدها؟
لا اعرف ربما هو ضعف في رقابة الدوله ,لو أن هذه المديرة اشتكت عليها اي موظفه وطالبت بمحاسبتها وتمت معاقبتها فعلا , لن تتكرر تصرفاتها هذه ابدا , لكن اين هي سلطة القانون ؟ ولماذا الناس ضعفاء ويسكتون ؟ اعتقد ان هذه نقاط ضعف مازالت موجوده في مجتمعاتنا وفي كل مكان ...
انتهت السنه وانتهى عقدي معهم , وتركتهم غير آسفة عليهم , وكانت المديرة قد قالت لي قبل نهاية العمل انها معجبة باخلاصي وحرصي في العمل وتريدني ان ابقى اعمل معهم كموظفه ثابته , ابتسمت واعتذرت , قلت في قلبي كيف سأعيش معكم؟ ماهو المشترك بيني وبينكم؟ هل سأصبح واحده من قطيع العبيد هذا الذي يكذب ويزور حتى يستلم راتبه نهاية الشهر؟
شكرا , لست بحاجة لهذه الحياة المهينه ....
*****************************************************************
قلت لنفسي هذه منظمات محليه فاشله , ربما المنظمات الاجنبيه لها سستم افضل وعندها مصداقيه ورقابه اكثر..
في 2009 اتصلت بي سيده عراقيه تعيش في اميركا ومعها الجنسيه الامريكيه طبعا, وعندها منظمه للنساء , ولديها 8 فروع حول العالم ( العراق وافغانستان وعدد من الدول الافريقيه ....) قالت انها محتاجه مديرة للمنظمه في مكتب العراق , ببغداد
فكرت كثيرا بالموضوع , وجاءت هي للاردن وتقابلنا شخصيا , يعني مبدأيا اقتنعت بها وبخطابها الفكري , قلت يعني على الاقل هذه عراقيه وقلبها على العراق , وليست امريكيه خالصه , وافقت ان اعمل معهم كمديرة مكتب بغداد , 3 اسابيع في بغداد , واسبوع في الاردن , هكذا تم الاتفاق معهم, والعقد لمدة 3 شهور حسب طلبي , ثم يجدد اذا رغبت بالتجديد لمدة سنة ..
ارسلوا لي بالايميل كل الادبيات المتعلقه بالمنظمه , الافكار والرؤيا والغايات والاهداف , قرأتها كلها بجديه كامله , لكن كان عندي شعور ان هؤلاء الناس عندهم خطاب غريب نوعا ما , يستعملون كلمة استثمار
(investment
ويقولون ان المنظمه بدأت برأسمال 100 الف دولار فقط , والان لديها 26 مليون دولار وتطمح ان يكون رأسمال المال بعد عدة سنوات 48 مليون دولار
لم افهم ما معنى هذا المنطق ؟
المفروض انها منظمه انسانيه غير ربحيه ...
قرأت تقاريرهن عن العراق وجدتها غير مقنعه , والارقام غير منطقيه ومبالغ فيها وليس فيها شرح تفصيلي مهني عالي يظهر اهتمام حقيقي بتحسين ظروف هؤلاء النساء , عندهن تركيز على نقطة مهمه هي كيف تستعمل النساء الكاش الذي تقدمه لهم المنظمه شهريا ( المنظمه تاخذ تبرعات من النساء الامريكيات بقيمة 27 دولار شهريا ويعطين العراقيه 10 دولار فقط )
على اساس ان الباقي ( 17 دولار ) هو نفقات تغطية ايجارات المراكز والماء والكهرباء ورواتب الموظفات المدربات والخ ...
ذهبت لبغداد , ووجدت الاوضاع في المكتب غامضه وغير مريحه , وعندما طلبت من مدير البرامج ان يقدم لي تقارير عن اعداد النساء واسماءهن , رفض وصرخ في وجهي وترك المكتب , وعندما طلبت من المدير المالي تفاصيل المصاريف الشهريه , كشر عن انيابه وقدم استقالته في اليوم الثاني ....
ارتبكت كثيرا , هذان الموظفان هما اهم اثنين في المنظمه منذ 5 سنوات , حيث لا توجد مديرة للمركز , وهؤلاء يوقعون على كل الفواتير , وقفت وفكرت بعمق , رائحة الفساد الاداري والسرقات واضحه ولا تحتاج الى أي ذكاء وتحليل عميق..
أرسلت ايميل للسيده العراقيه صاحبة المنظمه والجالسه في وشنطن دي سي , قلت لها هذا ما حدث معي اليوم , ماذا افعل كيف اتصرف معهم ؟
قالت لا لا اتركيهم هؤلاء ثقة , كوني لطيفه معهم وهم سوف يتعودون عليك ...
كوني لطيفه معهم ؟ ماذا افعل يعني ؟
استعملت كل الوسائل الاقناعهم بالرجوع للعمل , وكان واضحا انهم يخافون ويرتجفون , اتذكر تماما يد المدير المالي وهي ترتعش وهو يسلمني التقارير الماليه في غرفتي , ثم يرتعش كلما ناديت عليه حتى اساله عن تفاصيل اي فاتوره ..
والموظف الثاني مسؤول قوائم النساء , هذا عليه ان يقدم القوائم موقعه من النساء انهن استلمن راتبهن الشهري 10 دولار, وكل أمرأة المفروض تبقى في البرنامج لمدة سنه , يعني تحصل على 120 دولار فقط نهاية السنه لو جمعت كل الرواتب الشهريه , وهذه ليست كافيه لشراء ماكينة خياطه هنديه الصنع حيث قيمتها تساوي 150 دولار...
رجع اللصوص للعمل تحت حماية ومساندة المكتب الرئيسي في واشنطن
انا كان تقديري انهما يستحقان الصرف من الخدمه حتى ينظف المكان
وبقي المكان مذبذبا لا يعمل بالمستوى المطلوب من الكفاءه والشفافيه التي اطمح اليها, حتى تركت العمل ,

بدأت افحص التقارير الشهريه التي يكتبها الموظفون والموظفات الى مكتب واشنطن , ومعظمها كاذبه , مديرة المشاريع تكتب ان عندها 80 امرأة على صف الخياطه والتطريز , انزل للصف اسبوعيا لا اجد احدا , مكنات الخياطه وسخه وعاطله , الغرفه كلها غبار والارض عليها بقع زيت الماكنه على السجاد الكاربت القديم القذر,
رجعت وحققت مع مديرة المشاريع تبين ان النساء لا يرغبن بالتطريز, يريدن خياطه فقط , ويرفضن الحضور لان الاستاذ المعلم رجل وهن يردن معلمه امرأة , ولا يحضر للصف سوى 4 نساء فقط ...
صاحبة المنظمه فرحانه هناك في واشنطن , وارسلت لي التقارير التي تقول ان عدد نساء صف الخياطه 80 , وعدد نساء صف التجميل مثلا 240 , وهكذا ..
لكنني عندما حضرت لبغداد وجدت الحقائق لا تطابق الوثائق والتقارير المرسله لمكتب واشنطن , بدأت خطة التغيير حتى تصبح الامور حقيقيه على الارض بالتشاور مع مديرة المشاريع التي لم أر بحياتي غباء وجهل وفوضى وسوء اداره مثل الذي عندها , وهذه اقدم مو ظفه في المنظمه تعمل معهم منذ 2003 , وتعجبت كثيرا , لماذا لم تتعلم وتطور قدراتها ؟
اشترينا مكنات خياطه وسجلنا نساء جديدات للبرنامج , وطلبت منها مراقبة الحضور والغياب للنساء وللمدربات .. تعذبت كثيرا من غبائها وعنادها , بعد عشرة شهور حين تركت العمل في بغداد ورجعت للاردن , اعتقد انها تعلمت اشياء كثيرة , ربما ستفيدها في المستقبل ...
ذهبت لغرفة تعليم التجميل , وجدت الاثاث مكسر والسجاد وسخ والكراسي مكسرة وقذره وقديمه , سألت المدير المالي الا توجد ميزانيه لصفوف الحرف ؟
اشتريت اثاث جديد وكراسي ومواد للتجميل , وصار المركز نظيف ومرتب والنساء فرحات بهذه التغيير , اعلم ان المدير المالي صار يكرهني لانني سحبت الميزانيه من بين يديه ,
وجدت ان الموظفين لا يكتبون الحضور والغياب بدفتر يومي مرتب , يوجد سجل قديم ومتشابكه الايام مع بعضها , ويوجد وقت قدوم الموظفين للعمل لكن لا يوجد وقت مغادره ..
رتبنا فايل خاص يطبع شهريا للحضور والغياب والمغادره الطارئه , والتوقيع ضروري طبعا لكل موظف,
ذهبت للمحاسب وطلبت الاطلاع على البرنامج الذي في الحاسوب , برنامج خاص للمحاسبه , رفض طبعا لانه يحتفظ باللاب توب في بيته , والاخر المسؤول عن قوائم النساء والتواقيع ايضا يضع اللاب توب في بيته ,
ماهذه المنظمه الفاسده العجيبه ؟
وكلما ارسلت ايميل الى المكتب الرئيسي اشتكي واطلب اعطائي صلاحيات لتغيير الموظفين , يأتيني الجواب : لا لا حافظي عليهم هؤلاء تعبنا عليهم ودربناهم ولا يمكن تغييرهم ....
اعتقد هذه واحده من الكوارث التي تواجه كل مدير جديد , عندما يرى الاشياء على الارض غير صحيحه , أسس خاطئه في العمل , جهل واستهتار بالمسؤوليات , غموض واخفاء المعلومات الماليه ويوحي بأنه يوجد تواطؤ بين هؤلاء الموظفين في ادارة الماليه والبرامج .. وغباء شديد وصعوبة تعلم من الموظفات الاخريات ( ليس عليهن اي شبهة فساد مالي لكن عندهن غباء نادر الوجود)
بمرور الوقت رأيت ان ارقام النساء في القوائم لا تتطابق مع الواقع , يوجد في القوائم 700 اسم , لكن الواقع 350 يحضرن فقط , اين ذهبت النساء ؟ لماذا لم يحضرن ؟
بقيت ادور في دوامة البحث عن الجواب , عملت اجتماعات مع الموظفين , وسمعت وجهة نظرهم , وكل شهر نعمل خطة جديده حتى نرجع النساء , بدون جدوى ...
تكلمت مع المكتب الرئيسي عن هذه المشكله , قالوا هذه مشكله خطيرة وتؤثر على مصداقيتنا امام النساء الامريكيات المتبرعات , لا يجوز ارجاع الاموال للبنك , ولا يجوز تسجيل نساء جديدات بعد 6 شهور من بداية البرنامج ..
مشكله عويصه ...
قال لي الموظف المسؤول عن قوائم النساء ذات يوم , اريد ان اقول لك سر , انا عندي موهبة تزوير تواقيع , نظرت اليه , لم افهم ..
ونسيت الموضوع وتجاهلته تماما ...
لكن الان استرجع ذكرياتي , كم كنت حسنة النيه معهم ؟ كنت محاطه بلصوص لا شك , لكن لم يكن عندي أي صلاحيات لمعاقبتهم او انهاء خدماتهم ولم يكن بيدي دليل حقيقي , هنالك احتمال كبير ان اسماء النساء في القوائم كثير منها وهمي غير حقيقي , وهذا مزور التواقيع يوقع بدلا منهن , ومتفق مع المدير المالي على هذه المسرحيه منذ سنوات ,
ماهذه الاداره الفاشله ؟ يعينون مديرة مكتب العراق لكن التعليمات لا تمسي الموظفين ممنوع تغيير أي شيء , لا ادري , بدأت قناعتي بالعمل تقل بمرور الوقت , وثقتي بإدارة مكتب واشنطن ايضا بدأت تقل ...
تابعت عمل المدربات ووجدت انهن منهكات بعمل كثير وراتبهن قليل , طلبت من المكتب الرئيسي تعيين مدربات اضافيات كان الجواب ممطاله وكلام فارغ ليس فيه رائحة الموافقه, لكنهم يريدون توفير الاموال وضبط الميزانيه , هذا اهم شيء عندهم , قلت ولو على حساب نوعية العمل ؟ لم استلم جواب مقنع , دائما يتهربون من حسم المشاكل المعلقه في مكتب بغداد
في الحقيقه هم لا يريدون سماع مشاكل يريدون ان نقول دائما حاضر سيدي كل شيء تمام
كانهن قائدات جيش ونحن جنود في الميدان ننفذ ولا نناقش

تابعت موظفة المراقبه والتقييم
( monitoring and evaluation
ووجدت عملها ضعيف وتافه فهي تعبيء الاستمارات فقط وترسلها لواشنطن , قلت لها هل تحصل النساء على قروض من المنظمه بعد التخرج ؟ قالت لا , ما فائدة الانضمام للبرنامج لمدة سنه ؟ عشرة دولار شهريا ؟ رأيتها جاهله ولا تفهم اي شيء , هي فقط تعبيء الفورم بالعربي , وتوجد دوائر لاختيار الجواب , وتوجد ترجمه انكليزيه قرب كل كلمة عربيه , يعني في مكتب واشنطن سيفهمون اجوبة النساء من الدائرة التي تم التاشير عليها...
وهم هناك سوف يكتبون التقرير النهائي حسب مزاجهم , لا ادري انا شخصيا مديرة مكتب بغداد ماهي نتيجة التقييم لكل دورة نساء تتخرج بعد سنه , لا توجد نسخه في المكتب , كل النسخ الاصليه تذهب الى واشنطن
ما هذا العمل ؟ اذا عملت مقابله مع اي انسان وسألني عن حال العراقيات والبرنامج والنسب المئويه ماعندي جواب
في الحقيقه كان ممنوع منعا باتا الكلام مع وسائل الاعلام , نحن اشباح لا ينبغي لاحد ان يرانا
موظفات واشنطن دي سي فقط يظهرن على وسائل الاعلام ويتكلمن عن وضع العراقيات وليس نحن الذين في بغداد
وكان ممنوع تشبيك اي علاقات مع منظمات محليه وعمل نشاطات مشتركه , حتى يبقى البرنامج محصور للمنظمه الامريكيه
قلت لهم من اهم مؤشرات اي منظمة مجتمع محلي ان تكون فاعله في مجتمعها وليس مختبئه وكأنها تنظيم سري
لم تعجبهم وجهة نظري

في مكتب بغداد , كان العمل مجهد كثيرا , بين فتح فروع جديده وتوظيف طاقم جديد لكل فرع , ومتابعة ادارتهم عن بعد , عندما تكون موظفات مكتب بغداد ضعيفات ليس لديهن اي قدرة على توجيه ومساعدة الطاقم الجديد في الفروع , فالعمل كله سيقع على راسي , سواء بالسفر للفروع والاجتماعات هناك ومتابعة التطبيق والتأكد ان كل شيء سليم ام بالاتصالات الهاتفيه اليوميه او ارسال ايميلات تعليمات , ثم متابعة طلباتهم مع الممول حسب الميزانيه , هذه مصيبة اخرى متابعة الممول , ومماطلة المجهز , او سوء المواد التي جاء بها , او عطل الاجهزة التي جلبها للمراكز ...
كل هذا يحتاج متابعه يوميه ...
وعندما اغيب لمدة اسبوع في عمان , أعود لاجد الموظفين رجعوا لنقطة الصفر, ابدأ من جديد التعليمات والترتيبات حتى يعودوا للنظام ,
مع مرور الزمن احسست انني اعيش واقع لا يشبه ابدا الواقع الذي تعيشه صاحبة المنظمه في مكتب واشنطن وموظفاتها الامريكيات هناك , يوجد عدم تطابق بوجهات النظر كبير جدا
رأيت ان مكتب واشنطن لا يهمه سوى ابقاء الصورة, صورة فقط , حتى يتكلمن في وسائل الاعلام الامريكيه , ويكسبن تبرعات , عندنا مكاتب عندنا موظفين عندنا نساء في البرامح , هذا فقط ما يهم , ولا يهم الفوضى والغباء وسوء الاداره وحتى السرقات في المكاتب ....

وجدت قلبي حزينا على العراقيات الفقيرات المسحوقات المشاركات في البرنامج , يعانين من الحر في الفروع و في حاجة الى مروحه والى مبردة هواء او كولر ماء ودائما جواب المحاسب انه لا توجد ميزانيه , قلت له المفروض يوجد 27 دولار لكل امرأة شهريا نعطيها 10 دولار كاش والباقي يغطي نفقات تعليمها وتوفير بيئه مناسبه للصف وتوفير ماء تشربه في الصيف
على الاقل , نحن لا نطلب ضيافه لهن شاي وقهوه
يقول والله تعليمات مكتب واشنطن , يجب ضبط المصاريف ...
اسكت انا ....
وكلما ذهبت لأحضر حفلة تخريج دفعة منهن , سألتهن ما رأيكن بالبرنامج ؟ ماهي اقتراحاتكن ؟ دائما الجواب : نريد قروض حتى نبدأ مشاريعنا الصغيره , مافائدة ان نتعلم مهنه ثم لا يوجد رأسمال لفتح مشروع صغير خياطه او صالون تجميل ؟
كتبت ايميلات كثيرة لمكتب واشنطن اطلب ان يفعلوا موضوع القروض او يتشاركوا مع منظمه دوليه تعطي قروض صغيرة لنساءنا ,دائما تأتيني اجوبه تافهه وقصيرة وتوحي ان الموضوع لا يهمهم ابدا...
ماذا يهمهم اذن ؟

انتهى التمويل لمشاريع الفروع , وقال المدير المالي انه اتفق مع المكتب الرئيسي ان ينهي خدمات بعض الموظفات ويقلل راتب الباقيات , او اذا يرغبون بالبقاء خليهم يشتغلوا متطوعين حتى يأتي تمويل جديد ؟
قلت له يعني من جلد الفقيرات تريد ان توفر لمكتب المنظمه في دي سي؟
هؤلاء الفقيرات يعملن في مكاتب خارج بغداد وفي مناطق بعيده وفقيره تريد منهن ان يعملن متطوعات ببلاش ؟
حتى نوفر اموال المنظمه ؟

يعني الان فهمت القصه , كيف كبر رأسمال هذه المنظمه من 100 الف الى 26 مليون ؟
ياخذن 27 دولار تبرع شهري لكل امرأة في العراق او افغانستان او افريقيا , ثم يتفقن مع ممول ان ينفق على هؤلاء النساء ( اجور مكاتب , رواتب مدربات , اجور قرطاسيه وماء وكهرباء والخ ..) ثم يبقين ال17 دولار الباقيه في البنك في واشنطن دي سي
يعني استثمار حقيقي , هذه ليست منظمة انسانيه , هذه شركه استثماريه رابحه !
من دم الفقيرات العراقيات والافغانيات والافريقيات , تعيش تلك السيده صاحبة المنظمه هي وموظفاتها الامريكيات , استثمار وبزنس , وتظهر دائما صاحبة المنظمه على شبكات التلفزيون الامريكي تتباكى على نساء العراق , وتتجاوب معها النساء الامريكيات المسكينات اللواتي يظنن انهن يساندن العراقيات والافغانيات ويكفرن عن ذنوب حكومة بوش الذي شن الحروب واحتل العراق وافغانستان ورفع نسب الارامل والفقيرات والاميات , وجاءت هذه السيده العراقيه واستغلت الموقف بذكاء عالي , عملت منظمة بمظهر انساني , لكن الحقيقه انها عمل تجاري استثماري 100 بالمئه , ولا يوجد في قلبها ذرة رحمة للعراقيات الفقيرات ,
وانا المغفله ماذا جاء بي الى هنا لاكون كبش الفداء ؟
بقيت في بغداد لمدة عشرة شهور أعاني من التعب والاجهاد الذهني والجسدي , حتى انجز العمل بأفضل ما يكون , لانني عراقيه , وهذه تضحيتي انا مقتنعه بها , هي ليست من اجل المنظمه الامريكيه وصاحبتها العراقيه المزيفه , بل من اجل هؤلاء النساء الفقيرات الارامل اللواتي سحقتهن الحياة بقسوة بعد الاحتلال 2003

ذات يوم ارسلت لي صاحبة المنظمه ايميل سريع من تلفونها البلاك بيري , انها ستذهب لحضور مؤتمر مهم في اوروبا , وتريد مني ان اكتب لها عن المشاكل الاقتصاديه في العراق , حتى تطرحها على المؤتمر ..
ابتسمت وفكرت مع نفسي , هذه السيده جاهله ومتكبره , يعني لا تكلف نفسها حتى ان تفتح موقع الكتروني مثلا وتقرأ عن مشاكل العراق او تفتح موقع بحث علمي او مركز دراسات متخصص وتفهم عن الموضوع قبل الذهاب للمؤتمر ...
تعجبت وحزنت من تفاهة هؤلاء الناس , كم هي مدعيه كاذبه ؟
ارسلت لها جواب قصير, قلت لها اسفه هذا الموضوع لا اقدر ان اجيب عليه , ينبغي استشارة اخصائيين اقتصاديين عراقيين ,
بدأت افقد ثقتي بالمنظمه ومهمتها الانسانيه المعلنه , بدأت أرى الموظفين حولي فاسدين وضعفاء خانعين كالعبيد يخافون من مكتب واشنطن ولا يملكون قدرة على الاداره وحل المشاكل بطريقه ناضجه, هم فقط تربوا منذ سنين على اطاعة الاوامر فقط , كالعبيد , اذلاء منافقين , يقضون نهارهم في الكلام الفارغ وكل واحد يتآمر ضد الاخر ...
هكذا سيطر مكتب واشنطن على مكتب بغداد منذ 2003 , وهذه هي الثقافه التي علمهم اياها منذ خمس سنوات , وتساءلت مع نفسي كم تشبه هذه المنظمه حال العراق؟ اليست هي نموذج مصغر للعلاقه بين الحكومه العراقيه مع الاحتلال الامريكي ؟
وجدت نفسي غريبه بينهم , لا اقبل ان اكون ذليله خاضعه واعمل مع أناس متكبرين فارغين , ليس في داخلهم اي شيء يثبت بأنهم يملكون مباديء وانسانيه , ولا ان اكون ضمن هذا الفريق في بغداد , للاسف فريق نفاق وخباثات لا تنتهي , قلوبهم متفرقه , كل واحد يبغض الاخر ويريد ان يحطمه , كنت اقضي اياما كثيرة اعمل اجتماعات للموظفين واعطي خطبة عن اهمية الاخلاق العاليه , عن الشفافيه في العمل , عن الاخلاص , عن ضرورة توحيد الجهود والقلوب حتى نكون فريق عمل ناجح , لكن دون جدوى ...

كان ثمة ازودواجيه في السلطه , أنا أبث ثقافه , والذين في مكتب واشنطن يبثون ثقافة اخرى , والراتب ياتي من هناك والاوامر تأتي من هناك , اذن موقفي ضعيف ...
هؤلاء عبيد ايضا , عبيد لمن ملك المال والسلطه ...
تركت مكتب بغداد غير آسفة على شيء ...

اتصل بي احد الموظفين من بغداد وقال ان عنده وثائق تثبت ان المدير المالي ومدير البرامج قد زوروا وثائق وتوقيعات بمبلغ 50 الف دولار وسرقوا اموال المنظمه في السنوات الماضيه , قلت له لماذا لم تبلغني عندما كنت المديره ؟ قال كنت اخاف , قلت له شكرا ,يعني هذا الشريف الذي عندهم , شيطان أخرس لم يكلف نفسه تنبيهي او اعطائي نسخه من الوئاثق حين كنت ببغداد , للاسف هذا هو العراق الان , ممزق ومليء باللصوص والشياطين الخرساء , وهذه المنظمة تستحق اللصوص لانها منظمة فاسده , هذه اللحيه تحتاج هذا المشط , كما يقول المثل الشعبي

كانت تجربة صعبه وعميقه , علمتني اشياء كثيرة لم أكن اعرفها من قبل , تعلمت الكثير من أسرار الاداره والعمل , ورأيت نفوسا طيبه نظيفه , ورأيت نفوسا فاسده صعب اصلاحها , وحمدت الله لانه حفظني وأخرجني من هذه التجربه الصعبه معافاة الدين والبدن
الان وانا اتذكر , والذكريات ضروريه جدا لتقييم تجارب الماضي , ومعرفة السلبيات والايجابيات ..
وانا احب ان اكون انسانه ايجابيه , انظر للوجه الايجابي للاشياء , وامضي للامام دائما , لا احب الرجوع للخلف , ولا التعلق بالماضي ..
دائما ثمة شمس مشرقه في حياتي اظل اتبعها وابتسم لها ...
وهذا هو سر سعادتي وثباتي ,
والحمد لله رب العالمين .....



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

Extreme Tracker
Links
archives